صورتي
القاهرة, Egypt
منة فوزي .سيناريست وبحب احكي حواديت

جميع حقوق النشر محفوظة وغير مسموح بالنقل !


حقوق الملكية يا حرامي!

12/22/2010

اسفل الكوبري

اسمي هناء... انا جثة! نعم جثة.. جثة لفتاة لم تكمل عامها الرابع عشر. يقال ان المرء في حياته ينال قدرا من اسمه.. ثقوا بكلامي انها مقولة كاذبة!
كيف صرت جثة؟ لن اقول انها قصة طويلة.. بل قصيرة جدا و مكررة ايضا.. ولربما مملة .. مملة لدرجة ان صارت لا يعبأ بها احدا.. يتجاهلها الجميع ويتعمدوا عدم الاستماع اليها..
ولكني سأحكيها.. سأفرضها .. ليس بمقدور احد ان يمنعني او يجبرني علي شيء الان فانا جثة..
من اين ابداء؟؟ من زوج امي الذي اشبعني ضربا واهانة منذ وفاة امي، ام من ولادتي التي تمت في مدخل مبني تحت الانشاء حيث كان يعمل ابي حارسا له ويقيم به هو وامي.. لا سأحكي بداية من هروبي.. نعم فانا متمردة! بالطبع لم اقبل بالاهانة..
وكاذبة ايضا.. الحق اني قد هربت خوفا من رد فعل زوج امي حين يصحو من اغمائة الحشيش ليجدني عدت من البيت الذي ارسلني اليه اعمل كخادمة.. لقد طردتني سيدة المنزل ..نهرتني وقالت اني غبية و كسولة ولا اصلح للعمل..
مشيت وتركت البيت الفقير الذي كبرت فيه. تزوجت امي من هذا الرجل بعد ان اصبحت ارملة ، لقد مات ابي بعد ولادتي بشهرين، انجبت منه اخوتي الاصغر .. ثلاثة.. ثم ماتت اثر مرض اصابها ، فرأي زوجها ان علي ان احل محلها في الانفاق علي المنزل وبعثني الي عدة منازل لأعمل بها.. ولكن دائما ما كنت افعل ما يتسسب في استغنائهم عن خدماتي الجليلة.. فاعود له لأتلقي العقاب المؤلم.. اذكر تلك الركلة التي اصابت وجهي، فرسم نعل حذائه علي جانب وجهي رسوما متشاكبة جميلة كالتي علي النعل..
مشيت في الشارع حرة سعيدة بتخلصي من ذلك الرجل اللعين،انا لم اهرب بدون خطة .. لقد فكرت جيدا اثناء نومه قبل ان اهرب.. سأذهب لاعمامي.. دائما كانت تقول امي ان عائلة ابي من اسيوط.. سأركب الي هناك وابحث عنهم.. يجب ان اجد موقف السيارات التي تذهب اسيوط.. مشيت مدة طويلة واصابني الجوع و العطش كان معي بضعة جنيهات اخذتها من دولاب زوج امي قبل ان ارحل، تزاحمت وابتعت شطيرة فول من رجل يقف بعربة.. جلست اكل في ظل احد الكباري.. لم اجد الموقف، سارتاح قليلا واكمل البحث.. نظرت حولي.. تحت الكوبري لهو مكان رائع ..واسع ظليل ومليء بالمهملات التي يصلح اعادة استخدامها .. وجدت صندوقا من الكارتون ، امسكته وتحفظت عليه ..لم لا اعيش هنا؟؟..سابيع مناديلا مثلما اري الاطفال الاشارات.. وسأصبح غنية واشتري بيتا..وطعاما، والي يتحقق الحلم سيكون هذا الصندوق سريري.. فككته فتحول الي مستطيل كبير فافترشته ونمت..
ايقظتني.. كانت عنيفة ، انها عبير التي اصبحت صديقي، نهرتني لأني انام مكانها هي و اخوتها.. نظرت لأجد مجموعة من الاولاد والفتيات يتراصون تحت الكبري..منهم من يدخن و بعضهم يمسك علبة مستديرة ويدس وجهه فيها..ومنهم النائم، اكلهم اخوتها؟ فهمت ان اسفل ذلك الكوبري جمعهم وصاروا مجموعة واحدة مترابطة تسكن هنا ليلا.. طلبت منها ان ابقي معهم.. وحكيت لها قصتي.. ومن يومها و نحن لا نفترق.. ولكنها غيرت لي خطتي فبعد ان كان مشروع المناديل هو حلمي.. لقد فتحت عيني علي مشاريع اخري و ربحها اكبر واسرع.. فنحن نستخرج الاموال من جيوب الناس في الحافلة... و احيانا في الطرقات المظلمة نتربص للعشاق في سياراتهم ثم ننقض عليهم في لحظة شاعرية نبكي ونولول طالبين الاحسان.. كنا ننتقي الملابس التي تناسب اذواقنا وناخذها من علي اي حبل غسيل في شرفة دور ارضي.. ادركت ان حلمي ان اصير غنية هو المستحيل..اصبح الحلم اليومي هو الطعام.. كنا نفعل ذلك حتي لا نموت جوعا او بردا.. وعندما نعود للكوبري الحنون كنا ننسي كفاح اليوم بتلك العلبة المستيرة.. الكلة.. سمعت قصصهم جميعا..مكررة ،مملة، مشابهة لقصتي.. قالت احداهم لنا بعد ان استشقت نفس عميق من العلبة:" انتوا مش بتحسوا انكوا شفافين؟ الناس بتعدي تبص علينا ولا كأن حد شايفنا" ضحكنا بشدة حتي كادت تتمزع احشائنا..
كنت اري البنات الاكبر مني ينامون في احضان الفتيان الكبار، مثل ما كانت امي تفعل مع زوجها ..ظننت في البداية انهم ازواجا، وتعجبت من زواجهم في تلك السن الصغيرة.. ولكن زادت دهشتي وانا اراهم يتابدلون ازواجهم معا كل ليلة، ضحكت عبير من سذاجتي.. وقالت ان الدور سيأتي علي يوما.. و يوم ان جاء ،امضيت كل اليوم الذي تلاه  اتقيأ في تقزز... حتي القيء صار عسيرا حيث لا يوجد في معدتي ما يخرج .. وداعا ايتها البراءة! لقد انتقلت في ليلة من طفلة ساذجة الي روح مشوهة.. وكذلك انتقل مكان فرشتي.. لقد تركت ركن الصغار وصرت انام بجانب الكبار..
في يوم كنت في الحافلة مع عبير، في بحثنا المضني عن النقود في جيوب الركاب، اقتربت الحافلة من مكان الكوبري بيتنا الحبيب ، فاشارت لي عبير ان نقفزالي الشارع الان فقد تحصلت علي غنيمة ، ولكن يبدوا ان صاحب الغنيمة انتبه لها وصاح مستنجدا فارتبكنا محاولين الوصول لباب الحافلة ولكن الرجل امسك بعبير، خشيت ان الاقي مصيرها فقفزت مذعورة من الحافلة بسرعة ... و.. الاصطدام.. سمعت قرقعة عظامي.. هل صدمتني سيارة؟؟ شعرت بالهواء يلفحني.. هل اطير؟؟ ثم السقطة.. لم اكن اشعر باي الم.. اهذا الرصيف؟ انه رصيفي الذي يضمني ليلا.. تجمع حولي الناس..و اخوتي.. شركائي في الكفاح.. ولكنهم اثروا الا يبدوا معرفتهم بي خشية من التباعيات.. اختفوا جميعا.. هربوا ..اخر مشهد رأته عيناي هو اسفل الكوبري الحنون الذي اواني في كنفه.. وداعا ايها الكوبري... لن اشتاق اليك يوما..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق