صورتي
القاهرة, Egypt
منة فوزي .سيناريست وبحب احكي حواديت

جميع حقوق النشر محفوظة وغير مسموح بالنقل !


حقوق الملكية يا حرامي!

12/14/2011

حُرية رُقية (2)


جلست رُقية علي سريرها بداخل حجرتها الانيقة تبكي.. لم يكن الامر جديدا في دوما ينتهي جدالها مع ابيها حول حريتها بنوبة بكاء في الحجرة..سمعت هاتفها يرن، اخرجته من احد حقائبها الثمينة و ردت..
"نعم.."
صديقتها الانجليزية اميلي:" كيف حالك الان رووك؟ ما اخبار الاصابة؟ لم يتسني لي السؤال عنك بعد ان حملك رجال ابيك بعيدا"
رووكي:" طفيفة.. ممرضة ابي عالجتها"
اميلي:" رووك؟ هل تبكين؟ صوتك حزين.."
رووكي:" المعتاد.. لقد صب ابي فوق رأسي سيل من اللوم.. لقد مللت تلك الحياة بشدة  إم"
اميلي:" انت بحاجة لتغيير.. ما رأيك برحلة عبر بعض مدن اوروبا.. هناك مهرجان يبدأ قريبا ويطوف المدن في كرنفال احتفالي.. فينيسا ، كان، فيننا..وكل ما تتخيلين ..ستكون ممتعة.. نرقص بالشوارع  ونسهر الليل ونستمتع بوقتنا؟"
رووكي باحباط:" هل تظنين ان بعد الليلة .. ابي سيدعني اخرج من البيت؟.. بل قولي الغرفة"
اميلي:" خسارة.. كنت اريدك معي.. سأذهب علي كل حال.. ليتك فقط تسطيعين اقناعه"
تنهديت رووكي في حسرة و قالت:" لا امل.. و لكني سأحاول.."
اميلي بخبث:" او بامكانك الا تفعلي.. فقط تعالي! انت فتاة كبيرة.. مواطنة انجليزية حرة.. ليس لاحد ان يتحكم بحياتك!"
رووكي في مرارة وسخرية:" اتظنين اني لم افكر بذلك وانت تتحدثين؟! لو كانت لليلة و احدة لكنت فعلت.. و لكن الامر يستغرق اياما.. كيف سأفعلها؟؟ سيظنون اني خُطفت او شيء ما من خيالهم المريض المتشائم.. ثم ان كلاب ابي المطيعة ستبحث عني و سيُعدونني قبل ان اصل الي اي مكان..اخخ كم اكره اؤلائك الحرس!"
اميلي بحزن:" ممم.. حقا خسارة.."
رووكي:" هذا حظي من الدنيا.. ان اكون محرومة من الحياة.. وداعا إم.. ساحدثك لاحقا.. لدي رغبة ملحة في البكاء الان"

                                                        ***
في مساء اليوم التالي .. جلس رجلي الاعمال معا في جلسة ودية علي العشاء..
عبد الهادي:" متشكر جدا يا صادق علي الدعوة دي.."
صادق:" انت اخويا يا عبد الهادي.. احنا زي ما بيقولوا في مصر.. بلديات.. و المصري للمصري في الغربة سند و ضهر"
ضحك عبد الهادي وقال:"انت سند ليا ماشي ..لكن انا سند ليك ازاي بس؟ واحنا نيجي ايه جنبك.. دانت المعلم الكبير.. واحنا يدوب بنتعلم منك.."
صادق:" لأ ازاي.. ادائك في السوق باين.. انت و ابنك شغلكم لا غبار عليه.."
عبد الهادي:" اهه ابني ده فعلا سابق سنه.. ربنا يوفقه.. انا بس خايف من كتر شطارته ينفصل عني و ينافسني.. واطي و انا اللي مربيه" واطلق ضحكة قوية علي دعابته..
ضحك صادق بدوره  ثم قال:" اه .. فعلا العيال هيجننونا.. عندك بنتي مطلعة عيني.. بس هقول ايه انا اللي مدلعها.. بمناسبة ابنك و بنتي بقي.. عندي ليك فكرة مشروع.. يخلينا شركاء و حبايب مدي الحياة"
عبد الهادي بحماس و قد لمعت عيناه شغفا:"مشروع ايه؟" و اكاد اجزم ان لعابه قد سال..
صادق:" مشروع جواز.."
                                                           ***
جلس صادق مع زوجته نوال في غرفة المعيشة الخاصة بالجناح المخصص لهما في القصر.. كان يحدثها بأمر مروان و رُقية..
نوال في تعجب:" دلوقتي؟! هتجوزها من دلوقتي؟ طب و الدراسة؟"
صادق:" عادي يا نوال... تتخطب و بعدين تبقي تتجوز... والدراسة شغالة في نفس الوقت.. مش عجبة يعني و لا اول واحدة تعمل كده"
نوال مستنكرة:" ازاي يعني يا صادق.. هو انت فاكر بنتك داخلة جامعة في مصر.. هنا الدراسة عايزة تركيز ومجهود.. "
صادق:" واسم الله بنتك مقطعة روحها تركيز؟.. مهي موراهاش حاجة غير اصحابها و المسخرة.. مدام كده كده مش مركزة تبقي تروح تتمسخر مع جوزها.. اهو ابقي مطمن عليها انها معاها راجل"
صمتت نوال.. كان محقا.. الدراسة هي اخر ما يشغل تفكير ابنتها..ثم ان فكرة ان تكون الفتاة مع زوجها طوال الوقت فكرة مطمئنة، بدلا من الجري ورائها بالحراس و التي تتفن ابنتها  في الفرار منهم كلما اصابها الملل.. سيكون الامر نهاية لكل الصراعات التي تحدث تحت سقف هذا البيت.. لعل اهتمامها برجل ما يجعلها كثر هدوءا..
قالت:" طب و هي بنتك هتوافق علي مروان ده؟"
صادق:"والله الولد ميتعيبش.. وبعدين انتي روحتي فين؟ فين دورك كأم ..اقنيعيها!"
نوال معترضة :" ياسلام! انت بترمي عليا المصيبة دي لوحدي؟! وهي ان شاء الله بنتك لما بترفض حاجة، في اي حد في الدنيا يقدر يقنعها؟! قال دورك كأم قال؟؟ "
صادق بنفاذ صبر:" هو انتي الواحد ميخلصش من مقاوحتك ابدا.. فعلا ربنا اداني جوز مجانين.. البنت و امها! "
رمقته نوال بنظرة غاضبة..
فقال مصححا:" اسمعي يا حبيبتي.. الجوازة دي لازم رُقية توافق عليها.. ايا كانت عيوبها..ففايدتها اكبر ..سواء لرقية او لشغلي"
قالت و مازالت مستاءة:" ربنا يسهل"
ثم تركته و خرجت..


                              ***
علي العشاء اثناء جلوس ثلاثتهم علي مائدة الطعام الفاخرة..
نوال برقة:" صادق الن تخبر رووكي بالمفاجأة؟"
رفعت رووكي رأسها لأبيها و قالت بملل:" اي مفاجأة؟"
صادق مازحا لنوال:" اتظنيها تستحق ان اخبرها؟!
تسربت بعض الاثارة لرووكي.. هل سيسمحان لها بأمر ما.. تري هل سيدعانها تخرج مع الاصدقاء.. ام سيسمحان لها بالسفر؟؟!!
قالت محاولة ان تبدو غير مهتمة:" ان لم ترغب ان تخبرني ..حسنا!"
صادق:" بل سأخبرك ..فقط ان ابتسمت.. لا احب ان احدث العابسين"
ابتسمت رووكي ابتسامة صفراء و قالت:" هيا اخبرني!"
صادق ببط و بالمصرية:" مبروك يا حبيبتي.."
عقدت رووكي حاجبيها في غباء..
وضحكت نوال عليها..
صادق:" هناك وسيما يرغب في الارتباط بك.."
قالت رووكي مصعوقة بالمصرية :" عريس!!"
قالت نوال ضاحكة:" طب مانت عارفة الكلمة اهه.."
صاحت روكي غاضبة:" ماذا؟ اتريدون الخلاص مني؟.. مللتم من مشاكلي و تريدون القاءها علي شخص اخر؟!!"
صادق مصدوما من رد فعلها:" حبيبتي مش كده.. الولد معجب بيكي .. و باباه كلمني عشانك.."
رووكي بمصريتها المعوقة:" طبعا مصري زيك!.. انا مش هتجوز دلوقتي.. و لو هتجوز مش هيكون مصري.. انا زهقت من مصريين!"
شهقت امها مصدومة من فكر ابنتها..
قال صادق وقد تفهم غضب ابنته من المصريين امثاله الذين يقمعونها :" حبيتي هو زيك مصري بالجنسية بس.. لكن هو طول عمره هنا.. مولود و متربي هنا.. مروان ابن احمد عبدالهادي صاحبي"
اتسعت عينا رووكي ذهولا و اطلقت سبة فجة بالانجليزية.. مما صدم ابويها ..
فقالت رووكي:" اسفة.. و لكن مروان هادي.. هو اخر شخص ممكن ان ارتبط به! بل لو كان اخر رجل في الكون لن ارتبط به! انا امقته.. انه شخص مريع"
امها مندهشة:" انتي تعرفيه ؟"
رووكي:" مين مش يعرفه! ده واحد مقرف بتاع بنات.. اقولك كام و احدة من اصحابي كانت صاحبته..اقولك كام واحدة خانها.. و كام و احدة لعب بيها..ده انسان حكير!" تعني "حقير"
صادق:" يا رووكي يا حبيبتي عادي.. ده راجل .. ميعيبوش في حاجة ..هو كان بيتصرف كده عشان مكانش لقي اللي تستحق انه يحبها و يحترمها.. لكن اول ما يستقر مع مراته اللي هتشيل اسمه..هيبقي حاجة تانية.. وبعدين دول بنات انجليز مش زينا.. هو لما يستقر هيستقر مع المصرية المأصلة "
رووكي  وهي منزعجة جدا من رأي والدها في الامر:" عادي!! ازاي عادي؟!! كيف تكون الخيانة امر عادي.. حين اوهم تلك الفتيات انه هائما في حبهن بينما هو كما تقول لا يحترمهن واو يحبهن..كيف يكون هذا عادي؟؟ و مالذي يجعل اخلاقا مثل تلك تتغير لمجرد ان واحدة حملت اسمه؟؟ و ما الذي يجعلك دادي تظن اني ارغب في ان احمل اسما حقيرا مثل هذا؟!! انا لا افهمك دادي؟!!"
ساد الصمت لثانية والاب يفكر في رد ثم  رُقية تذكرت امرا و عادت لتقول:" او ليست امه انجليزية؟! معني كلامك انه لا يعتبرها تستحق الاحترام .. ان كان لا يحترم امه هل سيحترم زوجته؟؟ مازلت لا افهمك دادي!!"
صمت الاب عاجزا عن الرد.. يبدوا ان زوجته محقة.. لو كانت تربت ابنته في مصر بلدها.. لرأت ان هذا الامر طبيعا.. لا يعيب الرجل ان يكون مثل مروان..(مقطع السمكة و ديلها) هي صفة محببة في مصر..والصديقات ما قبل الزواج - او حتي بعده شيء- والزوجة شيء اخر.. بينما هنا حيث المساواة  واحترام كرامة وحقوق المرأة .. والكلام الفارغ من ذاك النوع.. جعل مفاهيمها مختلة!
قال معلنا نهاية المناقشة:" لا اريد اعتراضا.. ابيك يعرف الافضل لك.. بعد بعض لقائات تعارف مع مروان و عائلته ستتم خطبكما.. انتهي النقاش.. بامكانك الذهاب الي حجرتك و البكاء ان رغبت.. لا اريد وجوها عابسة علي مائدة عشائي!"
قالت رووكي و هي تنهض في عصبية:" يمكنك ان تبحث عن ابنة اخري تخطبها لذلك الحقير.. اما انا فلن يحدث معي هذا"
وجرت صاعدة الدرج قبل ان يرد ابيها..
تبادلا الاب و الام النظرات .. ثم قال صادق بامتعاض:" طالعالك .. عنيدة"
القت نوال  منديل المائدة من يدها في الطبق بغضب ورمقته نظرة غاضبة و تركت له المائدة و انصرفت..
                                                      ***
في امسية اخري و ايضا علي العشاء اجتمعت اسرة عبد الهادي و اسرة صادق.. لنقل ان الكل كان سعيدا باستثناء رُقية..
كانت قد اتخذت قرارها بان تجعل ذلك الحقير مروان يفر منها .. وان استطاعت ستجعله يفر من البلد باكملها..
جلست في استعلاء بجوار امها.. لم تبتسم ولا مرة.. لكزتها امها عدة مرات لكي تغير ذلك الوجه المتعال.. الا انها تظاهرت بعدم الانتباه..
جلست ام مروان الانجليزية و هي سيدة انيقة تتحدث بعض العربية ، تتفحص رقية بهدوء ..ثم قالت فجأة في حماس بالانجليزية:" اتحبين الخيول يا رووكي؟"
رووكي بوجه اشبه بلوح خشب :" لا.."
لكزتها امها و التفتت لمروان  قائلة بابتسامة محرجة في محاولة لتخفيف سخافة ابنتها:" هي عمرها ما ركبت حصان قبل كده.. انا و صادق بنخاف عليها.."
مروان موجها حديثه لرووكي:" معقولة..  فاتك كتير.."
ام مروان:" خذها يا عزيزي لمشادة بينكي.."
نوال:" بينكي؟؟!"
مروان:" الفرسة بتاعتي .. تعالي يا رووكي.."
نظرت له رووكي و لم تتحرك..
دفعتها امها و قالت:" قومي معاه يا رووكي..قومي"
لم تتمكن رووكي من الاستمرار في السخافة لمدي ابعد من ذلك.. فقامت متأففة..
التفت مروان من وراء ظهرها الي الجمع الجالس و غمز لهم و رفع ابهامه بمعني "الامر مضمون "
فابتسموا جميعا في رضا..
وقفت رووكي في اسطبل يقع في حديقة قصر عبد الهادي.. نظرت للفرسة.. هي حقا لم تري واحدة من هذا القرب.. برغم كل استياءها للموقف كانت منبهرة بها..
مروان بهدوء:" طبطبي عليها.."
هزت رأسها نفيا وتراجعت للخلف..
فربت هو عليها و قال بالانجليزية:" الم تعجبك؟ كل الفتيات الاتي قابلنها يموتون فيها عشقا"
قالت بالمصرية ممتعضة:" مش هي.."
عقد حاجبيه مصدوما.. اتعنيه هو؟.. لقد ظن انه ابهرها كما يبهر كل فتاة يلقاها..  كيف تجروء ان تلمح الي انه لا يعجبها؟!
ثم قال مستنكرا:" امال مين؟"
رووكي وهي تهز رأسها :" لا شيء .. " ثم انصرفت بعيدا..
لحق بها و قال بلمحة غضب و مصرية سليمة :" انا مش عاجبك؟"
نظرت اليه و ابتسمت ساخرة.. و لم ترد
عاد ليقول بهدوء:" اتيت لتهينيني في بيتي؟!"
قالت ساخرة وهي تسير مبتعدة  :" انا متكلمتش اصلا.. انت اللي بتتكلم و ترد علي نفسك"
امسك بذراعها يستوقفها وقال وقد بدي غضبه اكثر وضوحا:" انتي عارفة كام و احدة تتمني تكون في مكانك؟ خطيبة مروان هادي؟؟!"
نظرت الي يده الممسكة بها و قالت باشمئزاز مشيرة اليها وبمصريتها المضحكة:" شيل دي بسرعة!"
رفع يده عنها و قال:" ياه ..هل اثير اشمئزازك ايضا؟ لهذه الدرجة؟!.."
رووكي:"انا بالفعل لا اعرف كم فناة تتمني ان تكون خطيبتك.. و لا ادري لم قد تتمني فتاة طبيعية هذا.. ولكني اعرف  يقينا كم فتاة تتمني لك كل السوء وترغب في صفعك.. "
كان ينظر اليها نظرة اندهاش ممزوجة بالغضب.. كيف تجروء!
فاكملت ببرود:" و اجابة لسؤالك .. اجل.. تُثير اشمئزازي.. ونعم.. لهذه الدرجة.."
افاق مروان من صدمته و قال غاضبة ضاغطا علي حرف:" خير لك ان تبدائي في التفكير من الان في كيفية ارضائي حتي اصفح عنك.. لانك حين تصبحين ملكي سأجعلك تندمين علي كلمة قلتها للتو!"
رووكي:" ملكك؟! اتظن اني فرسة مثل فرستك بينكي؟.. انت مخطيء يا فتي.. قد يكون اسهل لك ان تتزوج بها عن ان تتزوج بي! لا اريد الزواج بك.. فانسي الامر"
وتركته و سارت عائدة حيث الاسرتان
تبعها و هو يقول دون ان تسمعه :" سنري هذا.."
عادا معا الي حيث يجلس ابويهما.. بدي علي مروان انه حانقا و لكنه نجح ان يخفي ذلك قليلا.. اما هي فكانت مبتسمة ابتسامة شماتة.. لقد اعطت مقلبا لوالدها في هدوء.. الان هم من سيرفضونها..
بعد ان جلسا قالت نوال في خبث:" عجبتك يا رووكي؟.."
قالت رووكي بابتسامة غامضة:" بينكي؟ عجبتني"
فجاة قال مروان:" عمي صادق.. امتي الخطوبة؟"
التفتت له رووكي مصعوقة..ماذا؟
بينما ابتسم الجميع في رضا.. بركاتك يا بينكي الفرسة..
حدقت رُقية في مروان فاغرة فاه..
  
                                     ***
وقفت رووكي في وسط البهو الكبير في منزل ابيها تصرخ  غاضبة :" لن اتزوج هذا الكائن! لن يحدث ابدا! عليكم قتلي اولا"
 صاح بها صادق بنبرةحازمة بالمصرية:" وطي صوتك يا بنت و انت بتتكلمي! "
رووكي و مازالت منفعلة الي اقصي حد:" اوطي صوتي اوكيه..سأطيع اي امر لك دادي... لكن اتجوز مروان.. لن يحدث!"
نظرت نوال الي ابنتها التي بدت علي وشك الاصابة بانفجار في المخ ..محتقنة و قد نفرت كل عروق رقبتها ، وهي تصرخ في وجهيهما ، فقالت في محاولة يائسة :" يا رُقية الكلام ميبقاش كده.. يا حبيبتي اهدي عشان نعرف نتكلم.. ماله الولد؟  انا شايفاه لطيف جدا.. انت بس اللي محتاجة تاخدي عليه شوية"
قال صادق بحزم شديد:" اسمعي يا بنت انتي! طول مانت قليلة الادب كده مش من حقك تتكلمي..مش عايز اشوف وشك لحد ما تعرفي تكلمي ابوكي ازاي!"
صمتت رووكي تلتقط انفاسها و تنظر لأبيها بحدة شديدة..
فعاد ليقول بنفس النبرة وبالانجليزية ليتأكد ان كل حرف وصلها بدقة:" زواجك من مروان امرا مفروغ منه! امثالك من الطائشين الغير عاقلين لا ينبغي الاخذ بأي رأي لهم.. كفي عن التدلل و تحملي المسؤولية و لو لمرة في عمرك! لقد توقف عقلك عن العمل و لا يشغله سوي الخروج و المرح و السهرات.. ان الاوان لتصبحي فتاة عاقلة! وخير علاج لك هو الزواج! وانا لن اجد اصلح من مروان زوجا لك.. انتهي حديثي!"
رووكي بهدوء وقد ترقرقت الدموع في عينيها وتحشرج صوتها:" تقصد لن تجد اصلح منه للبزنيس! اتظن حقا ان عقلي توقف عن العمل و اني لا ادرك انه زواج مصالح؟!"
صادق مصعوقا:" هل تتهمين ابيك يا فتاة انه يفضل مصلحة العمل علي  مصلحتك؟! قليلة الادب فعلا! انصرفي الي حجرتك.. لا اريد ان اراك حتي تندمين علي قولك.. فكري جيدا يا رُقية في اقوالك اليوم.. لقد تخطيت كل الحدود!"
انصرفت رقية كالعادة في عصبية ودموعها تغرق وجهها..
نظر صادق الي نوال و قال :" شوفتي قليلة الادب بتقول ايه؟"
نوال:" و الله يا صادق منا عارفة اخرة البنت دي ايه؟ انا خايفة تعمل في نفسها حاجة.."
صادق:" متخفيش هي اتفه من انها تفكر تعمل في نفسها حاجة.. انا عندي امل كبير شخصيتها و تفكيرها يتعدلوا لما تتجوز و تبقي عندها بيت كده ومسؤولة.. انا مش فاهم رفضها لمروان بالصورة دي ليه؟ تكونش بتحب حد.. دي تبقي كارثة!"
نوال وهي تريح جسدها علي كرسي قريب:" هو انت سايبلها فرصة تشوف حد و لا تحب حد؟... هي دي مشكلتها.. البنت عندها فراغ عاطفي.. وحاطة زي اي بنت امال علي فارس الاحلام الي هيجي يخطفها و يخلصها من هنا.."
صادق مندهشا:" الله؟! طب منا بقدملها الفارس اهو بنفسي.. وسيم و غني  ومصري زينا و متربي هنا زيها.. دعمرنا ما هنلاقي كل ده في حد تاني... ده حتي عنده حصان.. يعني فارس "
نوال:" ماهو عشان انت اللي مقدمه زي ما بتقول.. جاي من ناحيتك.. ابن صاحبك..هي عايزة الفارس بتاعها هي، اختيارها هي يا صادق.. و يخطفها بعيد عن البيت اللي هي حاسة انها محبوسة فيه.. ده غير ان و اضح انها و اخده فكرة زفت من الاول عن الولد شخصيا.."
صادق:" لأ كده يبقي دلع بنات تافهة و مريء.. ايه اللي فارس و يخطفها؟!!.. يفرق ايه مين اللي جايبه؟ المهم يكون ولد كويس.. ثم الفكرة اللي هي واخداها عنه دي مسيرها تتغير لما تعرفه كويس.. و ليها عليا هدي الواد و ابوه كلمتين عشان الواد يتلم و يبطل صياعة"
نوال و هي تتنهد وتهز رأسها في احباط:" ايدي علي كتفك.. بس بنتك راسها حجر.. ربنا يهديها"


                          ***
صباحا في مكتب صادق الضخم لانيق داخل احدي شركاته في المبني المطل علي وسط المدينة، جلس صادق يدخن سيجارا فوق احدي الارئك الجلدية الفخمة التي تليق بالمكتب.. طرق الباب و دخلت مساعدته الجميلة تعلن عن وصول السيد احمد هادي و نجله حسب الموعد..
امرها ان تدخلهما و قام بنفسه ليستقبلهما علي باب المكتب..
"اهلا و سهلا بابني مسقبلا وابوه العزيز.." هكذا قال في حماس..
بعد التحيات و الترحيب جلسوا جميعا علي طقم الاثاث المكتبي الجلدي الانيق..
مروان:" رووكي اخبارها ايه يا عمي.. لسة مزرجنة؟"
ضحك صادق و قال:" دلع بنات يا مروان.. الصراحة الله يكون في عونك.. رووكي دلوعة دادي..هتعاني معاها"
مروان:" متقلقش يا انكل.. انا خبير"
صادق:" مهو ده اللي طلبت اشوفكم عشانه.."
عبد الهادي مندهشا:" ده مش اجتماع شغل؟!"
صادق:" كله داخل في بعضه يا عبد الهادي.. بس عشان كله ينجح لازم نبتدي بداية صح.."
مروان:" واحنا تحت امرك يا عمي.."
صادق:" عايزك يا مروان تخف خالص من حياة العزوبية اللي انت عايشها دي .. انت خلاص داخل علي جواز.. و رُقية بتحب الراجل الملتزم"
ابتسم مروان في ما بدي انه احراج بينما كان الغرور يتقاطر منه:" هي طبعا اكيد اخباري بتوصلها.. انا اصلي زي ما تقول يا عمي.. بلغة جيلكم  مقطع السمكة و ديلها"
قال صادق بوجه و نبرة حازمين:" انا بقي عايزك تنسي السمكة و ديلها! لاني مش هسمح ان رُقية تتجوز حد كده.. و مش هسمح ان مشاعرها تتئذي بأي شكل.. اوعدني من دلوقتي ان الحكاية دي خلاص انتهت!"
صدم مروان من الجفاف في حديث صادق و لكنه ابتلع ريقه و هم بأن يرد .. الا ان رنين هاتف المكتب قد اوقف الكلام في حلقه..
نهض صادق ليجيبه و هو يتمتم في قلق:" تليفون المكتب؟! محدش بيتصل عليه غير نوال.. سترك يا رب"
انتهز عبد الهادي عدم انتباه صادق و همس لابنه مؤنبا:" جرالك ايه؟ ده كلام تقوله لحماك؟! مش عارف تسيطر شوية علي انبهارك بنفسك!  من هنا و رايح تعمل زي مقالك! تتلم و تحترم روحك..  الجوازة دي فرصة العمر و انفتحت قدامنا .. اوعي تضيعها! فاهمني؟ اوعي!"
اومأ مروان برأسه موافقا..
قطع حديثهم صوت صادق مدويا في المكتب:
"مش في البيت يعني راحت فين؟!!"
كان واضحا انه يحدث زوجته و التي زفت اليه نبأ سيء جدا..
اسطرد منفعلا:" و الحرس؟ فين همة؟ ...... بيهببوا ايه قدامك؟!!! ليه محدش منهم وراها؟!!..... يعني ايه مشافوهاش يا نوال؟!!! كلهم؟! كلهم مفيش حمار منهم شافها؟!! ازاي؟!!..... اتكلمي من غير عياط عشان افهم!........... يا ستي مش هتعمل في نفسها حاجة... تلاقيها غاضبانة عشان امبارح.... هنلاقيها يا نوال.. دي مش اول مرة! اهدي و اديني جايك اكلمه........ .."
استطرد بالانجليزية: " كيف حدث هذا يا جايك؟! كيف لم يراها اي منكم؟! .. كف عن الاعتذار و اسمع لي جيدا!.. اريدك ان تبحث عند كل صديقة او صديق لها... كل الاماكن الي تذهب اليها.. هل اخذت سيارة؟؟..... حسنا فلتبحثوا في محطات الحافلات جميعا و المترو... اريد تقريرا كل ساعة! واضح؟َ!"
اغلق الخط و نفث في انفعال..
بينما سأل مروان بقلق بالغ :" هربت؟"
اومأ صادق برأسه مجيبا في اسف، ثم قال باستسلام:" تفعل ذلك عادة للهروب من متابعة الحرس.. و تذهب لاصدقاءها في حفل او سهرة ما"
عبد الهادي في محاولة للتخفيف عن صادق:" اذن سيجدونها ككل مرة .. لعلها شعرت بالضجر .. الاحاطة بالحرس طوال الوقت امرا ممل يا صادق.. لا تقلق  بأذن الله كل شيء سيكون علي ما يرام.."
مروان مستنكرا:" بس احنا الصبح ... حفلة ايه و سهرة ايه؟ هتروح فين دلوقتي؟"
قطع حديثهم رنين الهتف مرة اخري..
صادق:" ايوة يا نوال.. لقيتوها؟"
نوال بانهيار:" بنتك هربت بجد يا صادق.. مش زي كل مرة.."
صادق منفعلا:" يعني ايه يا نوال؟ .. انطقي ؟؟؟"
نوال :" الخدامة لقت جواب في اوضتها.. "
صادق مصعوقا وقد مرفي مخيلته المشهد الكلاسيكي للرسالة المتروكة علي المنضدة او السريرفي عشرات الافلام :" جواب ؟؟؟ هربت مع واحد؟!!!!!!!"
نوال:" لأ.. هقرالك..
" ابي و امي.. 
بعد ان امضيت الليلة افكر في كيفية التخلص من حياتي..
تلك الحياة التي تجبراني ان اعيشها والتي حقا افقدتني كل امل و كل طعم حلو للدنيا..
وايضا ذلك الزواج المزعوم و الذي هو استكمالا لتلك الحياة..
وبعد لحظات مريرة من اليأس و عدم الرغبة في الحياة ، والرغبة الملحة في انهائها..
وقبل ان اتخذ اي خطوة في هذا الطريق..
وجدت اني  مازلت اريد العيش، واني اتشبث بالحياة واحبها...
لذا قررت ان افعل ذلك! 
سوف اعيش! و لكن وفقا لرغبتي انا..
انا كمواطنة انجليزية حرة.. لا احد يملي علي تصرفاتي..
سوف اعيش مستقلة!
لقد رحلت لاستمتع بالدنيا و العالم  و الحياة..
وداعا..
ملحوظة: لقد اخذت مبلغا كبيرا من المال.. اعتبراه تعويضا عما عانيته علي يد ابي..
ملحوظة اخري: انقلا الي مروان العزيز سلامي و اسفي..
امزح طبعا!.. بل انقلا له ضحكتي الشريرة الساخرة..
ابنتكما رقية..
انتهت الرسالة ، بامكانك ان تنفجر غضبا الان دادي.. و لكنك لن تجد من تصيح بوجهه او ترسله الي غرفته!"

احتقن وجه صادق و هو يستمع الي قراءة زوجته لتلك الرسالة الوقحة من ابنته الهاربه.. حقا وقحة.. سيمزقها ضربا حين يجدها.. سحقا لكل قوانين الاسرة الانجليزية..  تلك القوانين التي تجرم ضرب الابناء هي ما جعلتهم قليلي الرباية!
ولكن هل سيجدها؟؟ حديثها غامض.. هل هربت خارج البلد؟ اين ذهبت المجنونة المتهورة؟؟ تلاشي غضبه و تسرب مكانه القلق الشديد.. طفلته و حيدته وحدها الان بدون حماية و لا يعلم مكانها.. شعر بهبوط وهوي علي اقرب مقعد اليه..
اين انت يا طفلتي؟؟

هناك 5 تعليقات:

  1. رووووووووووووعه كالعادة

    ردحذف
  2. تحفة يامنة كالعادة
    ماشاء الله عليكِ ومختلفة عن اللي فاتوا
    كملي باذن الله متابعة معاكِ
    نورهان

    ردحذف
  3. جميله جدا ومختلفه
    بس واخده روح قلمك في الكتابه يا منه
    مستنيه الجديد طبعا متتاخريش علينا

    ردحذف
  4. تحفة يا منة انا كنت مستنية جديدك من ساعة ما خلصتي اللصة واخير عرفت اعلق انا سمية اللي في فتكات لو تفتكريني ..
    بس عندي تعليق صغنن مش كل البنات اللي في مصر بيحبوا الراجل اللي نقطع السمكة وديلها انا واحدة كان اهم صفة كنت عاوزاها في زوجي انه ميكونش عرف ولا حب بنات قبلي ..
    مستنييييييييين التكملة

    ردحذف
  5. شكرا للكل :)
    سمية اهلا بيكي في المدونة ، فعلا مش كل البنات بتحب المقطع السمكة و ديلها.. بس في العموم في مجتمعنا كون ان الراجل عرف بنات او بتاع بنات دي حاجة متعيبوش للاسف، زي ما ابوها حاول يشرحلها كده.

    ردحذف