صورتي
القاهرة, Egypt
منة فوزي .سيناريست وبحب احكي حواديت

جميع حقوق النشر محفوظة وغير مسموح بالنقل !


حقوق الملكية يا حرامي!

6/30/2011

اللصة :: (17)




دخل جو على حنان في سرعة، وجهه باهتا و عيناه زائغتان.. لم يكن يعرف اين عليه ان يتوجه .. لذا ذهب الي حنان لكي يستفهم عن تفاصيل الامر .. و يفكر بهدوء في ما يمكن فعله.. ذلك الامر لم يكن في الخطة تماما..
لم يكن تماما..
كانت تبكي و حالها حال.. بدي علي وجهها اثار لكمة في العين..
يوسف بهدوء  محاولا ابقاء عقله في رأسه حتي يمكنه استخدامه في التفكير:
"اوصفي بالظبط يا حنان اللي حصل.. بكل تفصيلة!"
حنان بارتباك:" كانوا اتنين.. واحد فيهم اسمه سليم.. شهد  فضلت تشتم فيه و همة بيجرجوها... بس هي يا حبيبتي قاومت جامد اوي.. و اول لما التاني الرفيع ده اداني في وشي عشان بحاول اخلصها.. ز ي ميكون ركبها عفريت و فضلت تشوط و تلطش.. لحد برة في الشارع سامعة صوتها  هي بتصرخ و تشتم.. اااه ه ه يا حبيبتي يا شهد" وانفجرت في البكاء..
جو متماسكا يمنع نفسه من العويل هو الاخر :" طب بس اهدي شوية... فهميني .. كان معاهم ناس تانية؟؟ وتعرفي توصفي الرفيع ده اكتر شوية.."
حنان:" كان معاهم عربية و فيها سواق وراجل تالت قاعد قدام جنبه... شفتهم من الشباك.. و الحيوان الرفيع اللي ضربني ده.. قلة كده.. بس ايده جامدة اوي.. هو كده لابس غيرهم..  بدلة كده شياكة اوي.. اه .. ووشه شكله مخبوط"
جو:" مخبوط زاي؟"
حنان:" مبقع ازرق واحمر كده .. كانه وقع او اتخبط في وشه.."
جو سارحا:" او انضرب!.. " ثم اكمل وهو مازال سارحا مفكرا:" سليم و عصام.. ايه الي لم الشامي عالمغربي؟؟"
حنان:" طب اشركني معاك.. يمكن افيدك.."
***
وقف الخواجة  يشرب من كأسا وهو يتفحص شهد في مخزن صغير مليء بالمهملات و الصناديق..
كان معصميها مربوطان الي الخلف.. بدأت تتوجس حين رأت الخواجة.. لقد ظنت في باديء الامر ان قصة الاختطاف هذا لها علاقة بالمعلم مرعي حين رأت سليم.. ظنت انه مجرد استرجاع لها..  لذا لم تشعر بالتهديد الشديد فهي تعلم قدرها عند المعلم مرعي و تدري انه في النهاية مصلحته في الابقاء عليها..  حتي وان اذاها قليلا.. كما انها تعرفه جيدا صارت لا تخشاه وتعرف اخره..
ولكن الان مع وجود الخواجة.. الامر غير مفهوم تماما!
هل له علاقة بجو؟؟ لم يهتم بها الخواجة؟؟ و يطلب من سليم (رجل مرعي) و عصام (رجل الريس عبود) جلبها اليه بهذه الطريقة؟؟ مالذي يجمع كل هؤلاء؟؟
ادركت ان ما يجمع بين سليم و عصام  هو حقدهما علي جو... هل يتم استخدامها كطعم لإذلال جو؟؟ ولكن ما دخل الخواجة بالامر؟؟ كانت غير فاهمة .. خائفة.. الان هي خائفة! ليس علي نفسها .. و لكنها ما ان شعرت أن الامر قد يمس جو.. بدأ الخوف يتسرب اليها.. تذكرت الكابوس حيث مات جو بين ذراعيها..
الخواجة باسلوبه البارد :" شهد.. انا سمعت اسمك الفترة اللي فاتت اكتر ما سمعت اسمي!"
شهد وقد قررت اللعب علي الهادي :" ده شرف ليا يا ريس ان اسمي يتقال في حضرتك.. هو في ايه؟؟"
الخواجة:" احنا عيازين نسألك كام سؤال كده.."
شهد:" انت تؤمر يا ريس..انت لو كنت شاورتلي بس و قلت بت يا شهد.. كنت جيتلك جري من نفسي .. مكانش ليها لازمة البهدلة دي.."
تجاهها الخواجة وسأل بهدوء:" رحتوا  انتي و جو للشيخ فريج تعملوا ايه؟؟ "
شهد بحماس:" بتاع الساحل؟! دي كانت شورة مهببة يا باشا.. قال جو قالي تعالي اما افسحك في ارض الساحل الي عندي.. وحنا راجعين تهنا.. قام رجالة الشيخ قفشونا.. و الشيخ فريج ده .. خسارة في امه الاسم.. طلع عينه زايغة .. وانت سيد الفاهمين يا ريس...ده ولا شيخ و لا نيلة.. قمنا سيبنهاله مخضرة و مشينا.. اه يا باشا ده كله الا الشرف.. "
كسر الخواجة الكأس (الكريسال ) الذي كان في يده قرب قدم شهد.. اجفلت هي فقد كان سريعا و مفاجئا..
نظرت الي الكأس المكسورة علي الارض ثم الي الخواجة و قالت متصنعة البلاهة:" هو الشيخ فريج ده قريبك؟!! قصدي سعادة البيه الشيخ فريج!.."
اقترب منها الخواجة و امسك بخصلة كبيرة من شعرها  وجذبها بهدوء و لكن بقوة مما الم شهد بشدة و قال ببرود:" مبحبش الكذب! موتي و سمي الاستعباط!!"
شهد متألمة :"ان شالله اعدم عنيا .. كل اللي قلته حقيقي.."
الخواجة بنصف ابتسامة:" هتعدميهم .. متقلقيش!"
ترك شعرها و عاد يسأل:" مشاويركم للسفارة ... ليه؟ لأ خليني اسأل سؤال اوضح.. هتسافروا ليه؟؟ لمين؟؟ "
شهد:" والنبي يا ريس انا زيي زيك.. معرفش.. جو بيسحبني زي – اسم الله علي مقامك- البهيمة  يقولي تعالي هنا ..اروح.. ابصمي هنا .. ببصم، اصلي لامؤاخذة مخدتش نحو الامية..  حتي الابصر ايه  البتاع اللي اسمه .. البابازور.. و للا.. البازابور.. قالي ده اللي هخيلينا نسافر البلد دي اللي اسمها (---).. لكن نسافر ليه؟؟ علمي علمك.."

الخواجة  بقليل من الانفعال وقد لاحت نبرة غضب في صوته  :" يعني مش عارفة ان (--) دي اكبر بلد بيوصلنا منها سلاح متهرب!! انطقي يا بت و قولي بتعملوا شغل من ورايا مع معين؟؟ و لا بتعملوا لحسابكم؟؟ جو باع الاراضي  عشان يمول شغله؟؟!! بيقرطسني و يشتغل من و رايا؟؟!!!"
شهد مذهولة:" سلاح؟!! يا ساتر يا رب .. لأ .. سلاح ايه؟! و النبي يا باشا معرف حاجة عن حكاية السلاح دي"

صفعها الخواجة صفعة عنيفة و قال غاضبا:" قلت مبحبش الكذب!"

تلقت شهد الصفعة.. و البقية متوقعة.. وكأنها الزر الذي يحولها لوحش الركلات.. ولولا ان ذراعيها مكبلان لانقضت عليه و خنقته بيديها.. انهالت عليه ركلا و هي تصرخ بغل..
قالت:" وانا مبحبش حد يمد ايده عليا يا (مجموعة متنوعة و مُشَكلة من الالفاظ)"
ولأن الخواجة لم يشتبك في عراكا منذ فترة طويلة جدا..فهو لديه من يشتبك له.. وبما انه كان معها منفردا.. فقد احتاج ان يتراجع بسرعة مناديا رجاله الواقفين بعيدا مما لا يليق مع هيبته تماما..
امسك بها مرة اخري عصام بمعاونة سليم..
***
رن هاتف جو قبل ان يخرج من المنزل مباشرة..
رد جو :"ايوة"
اتاه صوت الخواجة:" صاحبتك معايا..  "
جو:" مستواك انحدر اوي يا ريس.. بتخطف حريم دلوقتي؟!! "
الخواجة:" انا مش واخدها رهينة و الاسلايب الرخيصة دي.. انا بس بديك درس! اسمه (جزاء الخيانة).. و زي ما جبتها هجيبك.. متفتكرش ان في حد بيزعل الخواجة و بيفلت!"
وقبل ان يفتح جو فمه ليرد عليه متوعدا متلفظا.. كان الخواجة اغلق الخط.. اعاد جو الاتصال به.. لم يصل الي شيء..
جن جنونه و صارح يخبط و يحطم الاشياء..
خرجت حنان من حجرتها مذعورة.. امسكت به و حاولت تهدئته..ضمته اليها و هي ترجوه ان يهدأ.. قال بصوت اقرب للبكاء:"الخواجة.. طلعت عند الخواجة!"
حنان:" مش فارقة يا جو.. مش فارقة .. هنجيبها لو عند مين!"
***
جلست حنان في سيارتها في ذلك المكان خارج المدينة.. كانت متوترة تعبث بأصابعها في ساعة يدها.. تنهدت في قلق و هي تنظر فيها للمرة الف خلال ثلاث دقائق..
هاهي السيارة الفارهة تقترب منها.. ولاح ظله بداخلها.. الظل الذي تعرفه جيدا وتحفظه عن ظهر قلب.. اوقف سيارته بجانبها و ترجل منها متجها اليها..
تسارعت دقات قلبها.. و تلاحقت انفاسها بينما شعرت بتلك الفراشات تتطاير داخل بطنها..
لم يتغير بتاتا.. كما هو.. وسيم .. بابتسامة هادئة و نظرات مُحبة..
اقترب من شباكها و انحني برأسه ليراها..
قال مبتسما:" ازيك يا حنان.."
يالـ جمال صوته.. مازالت تلك القشعريرة تسري في جسدها كلما نطق..
قات بخفوت تخفي توترها و ارتباكها:" انا تمام"
قال:" اخير رفعتي سماعة عليا التليفون.."
حنان:" لولا الشديد القوي يا عمر.. لولا الشديد القوي مكنتش كلمتك و لا قابلتك!"
لامت حنان نفسها بشدة لأنها انجرفت مع مشاعرها الجياشة ، و نسيت المهمة التي اتت من جلها..
عمر:" انتي لسة زعلانة مني.."
حنان:" مفيش بنا اصلا زعل.. الزعل ده لما يكون في اصلا عشم.. و انت عارف كويس انت اخر و احد ممكن اتعشم فيه!"
دار عمر حول السيارة و ركب الي جوارها..
قال بنظرات محبة تتفحص كل مليمتر في وجهها الذي افتقده بشدة:" انتي اللي بعتي يا حنان! انا عمري ما فكرت ابيع"
حنان بنبرة منفعلة قليلا:" وتبيع ليه؟ انت كنت عايز كل حاجة و مش عايز تتنازل عن أي حاجة.. انا و الشغل  وكله.."
عمر:"ما كله كان عشانك! هو شغلي ده كان لمين؟ مش عشانك؟!! عشان نعيش و نترفع علي و شع الدنيا!.."
حنان :" اديك خسرتني و كسبت شغلك و اترفعت علي وش الدنيا!"
عمر:" و مين قالك اني مرتاح كده؟!"
حنان:" عموما انا مش جاية عشان نفتح اللي فات... في الاخر انا و انت قبينا علي و ش الدنيا  واحنا بعاد عن بعض.. انا بالنضافة و انت بالوساخة..  عشان كده انت اللي مش مرتاح.. انا عن نفسي بعيش اسعد ايام حياتي وضميري مَرضي.."
عمر:" انا مش مرتاح عشان بعيد عنك!"
حنان بنبرة حازمة:" مش هنعيده تاني يا عمر.. انا جاية في طلب محدد!"
عمر بمنتهي الهيام:" أؤموريني.. كفاية عليا اني شفتك"
ارتعشت حنان داخليا لاسلوبه و كادت ان تلقي بنفسها بين ذراعيه وتبكي بحرقة.. و لكن لا مجال لهذا تماما..كما ان لديها ما تنجزه..
 و بسرعة..
حنان:" عايزة اوصل لعمك!"
انزعج عمر من الطلب و تراجع للخلف مندهشا..
قال:" ليه؟"
حنان:"حياة اختي و اقفة عليه!"
عمر:" اختك؟!! انتي طلعلك اخوات ؟؟"
حنان بصبر نافذ:" اعتبرها اختي.. "
عمر:" لأ انا محتاج افهم..  انا كده اقلق عليكي.. عمي مش سهل وممكن تجيبلي لنفسك مصيبة.. فهميني الاول وانا هساعدك..  "
حنان:" لأ .. انت ملاكش امان!"
عمرمستنكرا:" انت هتصفي حساب معايا علي حساب اختك؟!! راجعي نفسك يا حنان.. انا عمري خذلتك؟! افتكري كل موقف ليا معاكي في حياتنا مع بعض.. "
نظرت له نظرة " والنبي ايه!"
عمر منفعلا:" انا مخذلتكيش يا حنان ! انت رفضتي تكملي معايا  الا لو سبت كاري.. و انا مكنتش اقدر اسيب كاري و كار عيلتي.. وانت اللي مشيتي و مقدَرتيش الموقف الصعب اللي انا كنت فيه! وبعدين كنت اسيبه و أعادي عيلتي اللي انت عارفة قلبتهم عاملة ازاي ؟؟ افضل بأة هربان منهم و من غدرهم؟؟ وبعد كده ايه؟؟  نموت من الجوع ؟؟ ولا اسرحك و اكسب من و راكي؟؟ و لا استناكي لما تصرفي عليا؟؟... "
كانت حنان - رغم قولها و التي ارادت به ان تؤلمه ليس الا - تدرك  جيدا ان عمر رجلا بمعني الكلمة.. مؤتمن  بالفعل لم يكن معها سوي شخصا محبا متحملا للمسؤلية.. لا يعيبه سوي ما يعمل.. و هي لم تقبل هذا.. كانت تريد الاستقرار و الكسب الحلال..  
اكمل عمر:" انتي فاكرة اني نسيتك لحظة؟! انا سبتك علي حريتك، لأن مكانش في حاجة بإيدي.. بس فضلت متابعك..  وعشان تبقي عارفة في حاجات كتير كنت بسهلهالك من غير ما تعرفي.. حاجات كتير كانت هتقف في طريقك و طريق مركز التجميل بتاعك.. كنت ببعدها من قبل حتي ما تعرفي بيها! انا مش بعايرك يا حنان بس عيب قوي لما تيجي وتقوليلي دلوقتي انت ملكش امان!"
حنان ببرود من وراء قلبها:" عارف انا هخليك تساعدني ليه؟؟ عشان الموضوع خطير و انت  الفرصة الوحيدة اللي قدامنا"
عمر مستفهما:" انتوا؟؟!"
حنان:" انا و جو.. "
عمر بضيق:" جو؟!! جو تاني!! هو البني ادم ده لسة لازقلك برضه؟.. ده ولا لما تكوني امه اللي خلفته!!"
حنان محاولة اخفاء ابتسامتها السعيدة بغيرته :" منا امه فعلا.. عشان كده انا جيتلك.. مش هسيبه لوحده في الازمة اللي هو فيها دي.. و انت لازم تساعدني"
عمر:" دانا اساعد جو و اهله كلهم.. بس ترضي عني"
ابتسمت حنان و راحت تشرح له..
***
في بيت متهالك وقف السنهوري يرمق جو بنظرات حاقدة..
قال جو:" فاكرني؟.."
اقترب منه السنهوري و هو (يزك ) علي احدي قدميه.. وقال ساخرا:" وحد ينساك يا راجل.. ده لولا حركة افلام الاكشن اللي انت عملتها كان زماني قتلت الخواجة ريسك!"
جو:" لو تركز فيها تلاقي اني كده انقذت حياتك.. لو كنت لمست الخواجة كان زمانك انت و اهلك و كل اللي تعرفهم علي وجه الارض مقتولين.."
السنهوري ساخرا و لكن بمرارة:"كتر خيرك علي الحياة اللي انقذتها... بقيت و احد مش لاقي ياكل و عاجز!" واشار الي قدمه..
كان الامر و اضحا.. عندما تم ارساله الي الريس عبود بعد حادثة محل عطا اياها .. صنع منه الريس عبود عبرة لمن يعبر علي خيانته له.
رفع نظره اليه و قال:" وانت جاي ليه؟"
جو:" الخواجة اللي غدر بيك.. ولبسك الليلة لوحدك"
السنهوري:" طب منا عارف.. امال انا رحت وقتها عشان اموته ليه؟!!"
جو:" ايوة .. بس معرفتش تثبت انه هو كان ناوي يشتغل في العملية معاك من و را الريس عبود و لما ختلفتوا علي التقسيمة .. راح غدر بيك"
السنهوري:" و دي هثبتها ازاي؟؟"
جو:" انا شفت و سمعت كل حوراته معاك .. "
السنهوري:" مش فاهم.. وانت جاي قالب عليه ليه؟؟"
جو:" عشان هو كمان قلب عليا..  وانا محتاج مساعدة منك عشان هو دلوقتي حاطتني تحت درسه! لو ساعدتني انا ممكن اقف جنبك قدام الريس عبود ونقلبه علي الخواجة..وساعتها كل حاجة هترجعلك .."
السنهوري:" معنديش حاجة اساعدك بيها.. انا خلاص بقيت و لا حاجة"
جو:" لأ عندك..  الرجالة بتوعك! صحيح همة مبقوش بتوعك دلوقتي .. بس انا اعرف انهم لسا بيحبوك و عندهم وفاء.. و لولا انهم كانوا هيجوعوا جنبك مكانوش سابوك..وعارف انهم بيودوك لحد دلوقتي"
السنهوري مستهزئا بكلامه:" هتعمل بيهم ايه يعني؟؟ هتهجم علي الخواجة؟ كان غيرك اشطر.. منا حاولت قبليك بيهم.. و ادي النتيجة.."
قال جو بخبث:" بس المرة دي انا مش موجود معاه عشان احميه!"
***
جلس سليم ارضا بجوار شهد حيث تجلس مقيدة الايدي.. كان معه طبقا و معلقة يحاول اطعامها، و هي رافضة تماما..

سليم:" يا بت كلي.. هتموتي كده!"
شهد:" متعملش فيها قلبك عليا.. "
سليم:" انا عامل علي العشرة.. و يصعب عليا اشوفك ممقوتة كده"
شهد:" لا وحياة امك مايصعبش عليك غالي! اصلك عندك قلب اوي!"
دخل عصام وقد سمع الحوار قبل ان يدخل.. قال:" انت بتعمل ايه يا سليم؟؟! دي امثالها تسيبها كده مرمية زي الكلاب.. "
ودفعها دفعة بسيطة بقدمه في كتفها جعلتها تفقد توازنها حيث أن يداها مكبلتان و تسقط علي جانبها.. ولم تتمكن من الجلوس مرة اخري.. الا بعد محاولات صعبة و مساعدة سليم..
قالت:" طب فكني كده .. مفيش مرة مديت ايدك عليا غير وانا يا متكتفة يا مربوطة.. لو راجل تفكني و ساعتها هعرفك مقامك!"
ابتسم عصام بسخرية و نظر الي سليم  قال:" هي معتوهة كده من زمان؟!"
تجاهل سليم سؤاله و قال:" هو انا امتي هاخدها للمعلم مرعي؟ ايه اصلا لازمة قعادنا هنا؟"
نظر اليه عصام و الغل يتساقط من عيناه:" لما البيه بتاعها يجي الاول واخد حقي منه.."
سليم متعجبا مستنكرا:" نعم؟؟ بقي احنا عاملين الليلة دي كلها عشانك انت؟؟ عشان نرجعلك حق ما انضربت؟؟"
 رمقه عصام بنظرة شرسة حين قال "انضربت"
عصام منفعلا:"  خدني علي خوانة الجبان  .. لولا كده   كان زماني قطعته.."
سليم بعدم اهتمام لقوله:" مليش انا في التفاصيل دي؟؟ احنا قاعدين بشهد هنا ليه؟؟ "
عصام باقتضاب :" معرفش! دي اوامر الخواجة.."
سليم:" واحنا بناخد اوامر من الخواجة ليه؟؟ انا معلمي قاللي هيساعدوك ترجعها.. و انت اصلا الخواجة ملوش امر عليك.. انت من رجالة الريس عبود..ماله هو يديك وامر؟؟"
سليم:" انا ماشي و را كلامه عشان  اتفقنا اساعده في الليلة دي.. قصاد اني اخد حقي .. والادراة عليه"
صمت سليم و لم يعجبه الامر..
اما شهد فقد كانت صامتة تستمع علها تستفيد بأي معلومة قد تنقذها او تنقذ جو.. بدي واضحا امامها ان الخواجة قد جمع سليم مع عصام ..و قام بخطفها.. لتنفيذ خطة ما، فيها اذي لجو..
نجيه يا رب!
***
دخل عمر في ادب جم يتناسب مع هيبة المكان..
تنحنح في استحياء قبل ان يتحدث..
"عمي.. انا وصلتني معلومات وشايف انك لازم تعرفها.."
العم:" ازيك يا عمر.. اقعد يا ولد..  ايه اللي وصلك؟"
عمر:" الموضوع يخص الخواجة... و عصام ريس الحرس..."
نظر اليه العم منتظرا الايضاح..
استطرد عمر:"الخواجة بيعمل شغل من و راك يا ريسنا.. وواخد عصام تحت جناحه.. زي ما كان عايز ياخد السنهوري.. فاكره..  اللي الخواجة نفسه جه و فتنلك عليه.. هو غدر بيه عشان رفض .. انما عصام الندل ماشي تحت طوعه.. ده لدرجة انه بقي بينفذله عمليات خاصة بيه من غير ما يستأذنوك يا ريس.. لسة خاطفله بنت.. شوف يا عمي الوطيان و صل لدرجة ايه؟ رئيس حرس الريس عبود بيخطف بنات!! ولمين ؟؟ للخواجة..وكمان و اخدينها في مخزن من بتوعنا..  دي حتي مش كويسة لسمعة العيلة يا عمي.. لا كمان ايه.. بيربي زبون علي قفانا.. قال لما سمع ان الشيخ فريج زعلان قام اتنحرر و قاله هعملك تخفيض مخصوص علي مسؤليتي.. بيبقشش من جيب ابوه اصله! "
الريس عبود:" والكلام ده وصلك ازاي يا ولد؟ ايه مصادرك؟"
عمر:" من كذا مصدر يا عمي..  موضوع الشيخ فريج ده  عرفته من بكر كبير رجالته.. انما بقي بقية الحدوتة جالي واحد وقع في عرضي مش هتصدق مين؟ "
الريس عبود:" مين يا واد؟"
عمر:" السنهوري نفسه.. جه بعد ما خلاص مش لاقي ياكل.. جايبلي اللي يثبتلي ان الخواجة بيلعب من ورانا ومعاه عصام.. اتفضل يا ريس"
واخرج من ظرف معه اوراقا عرضها امام الريس عبود.
"ادي ورق و باسبور الواد الجارد بتاع الخواجة و دراعه اليمين.. البيه مسافر (---)  من غير علمنا.. رايح يتفقله علي صفقة من هناك.. والسنهوري كمان قالي اسأل حراس مكتب الخواجة عن عصام.. و لما سألت اتأكدت انه بيتردد عليه كل يوم!.."
القي الريس عبود نظرة علي الاوراق.. ولم يتحدث..
قال عمر:" هتسيبهم يا عمي؟؟ يعني حركات قلة و مش مقامنا و خطف بنات ..ماشي، بيخرب بيتنا و يخفض من دماغه في الصفقات .. ماشي، انما خيانة الثقة ؟!! لا يا ريس.. انا مقبلهاش.. والغلبان السنهوري اللي لبسهالوه قبل كده عشان مرضاش يخونك .. يعني كذاب و بيقرطسنا.. و النتيجة اننا خسرنا و احد مُخلص ،و خلينا واحد عينه فارغة و خاين و كمان دحلب معاه عصام.. ريس حراسك! يعني امانك يا عمي!.. طب انا اقعد مطمن علي حياتك ازاي وانت معاك الندل ده وهو اللي مفروض بيحميك؟! لو انت رضيت يا عمي انا و بقية العيلة مش هنرضي.. كله الا حياتك!"
صمت الريس عبود قليلا ثم قال بهدوء:" ابعتلي فاروق!"
لمعت عينا عمر بالانتصار..
فاروق هو رجل الريس عبود الاول للاعمال الخطيرة والقذرة..  
الارسال في طلبه لا يعني سوي شيء واحد.. (استلقي و عدك يا خواجة)
لم يكن كل ما قاله عن الخواجة كذبا..
 و لكن و ان كان.. كله فدي عيون ..حنان
***

كانت الاحداث متلاحقة و يوسف يتصرف بسرعة وينتقل من مكان لمكان.. لم يتسن له لحظة للجلوس مع نفسه و التفكير في شهد.. برغم ان كل ما كان يفعله في نهاية الامر هو من اجلها..
ولكن اخيرا جائت عليه تلك اللحظة..
عاد لمنزل حنان حيث يقيم هو وشهد.. لم تكن هناك..
و ليس ككل مرة ..ليس حائرا يضرب اخماس في اسداس
 هذه المرة هو يعرف مكانها جيدا..
بل يعرف انها ليست بخير.. و انها مع من لا يرحمون..
ليته لم يعرف..
جلس منهكا واسند مرفقيه الي مائدة السفرة.. بدا شاردا متألما..
اسند وجهه علي كفيه.. و اغمض عينيه .. نزلت عبرة ساخنة من احدي عينيه.. و تلتها عبرات كثيرة من كلتا العينين..
صحيح انه رتب كل شيء.. ويأمل خيرا .. وان يسير كل شيء علي ما يرام .. ولكن الامر يحتاج الي وقته..
وهي مزالت بعيدة عن عنه..
هل مسوها بسوء؟!
هل بكت؟!
هل ترتجف خوفا الان؟!
سيمزعهم احياءا جميعا.. قبل ان يدق اعناقم!!
خبط بيده علي المائدة و خرج مندفعا من باب المنزل..
***

فتحت حنان باب شقتها بالمفتاح ودخلت اولا ثم قالت:"اتفضل يا عمر"
دلف عمر بعدها ..فاشارت له ليكي يدخل الصالون و يجلس..
فقال:" زوقك حلو.. البيت جميل ... زي صاحبته"
حنان:" تشرب ايه؟"
عمر:" شاي.. هو جو ده هيجلنا هنا.. هو عارف بيتك يعني؟"
حنان مبتسمة:" هو ساكن هنا.. جو قاعد معايا.."
انقلب وجه عمر وقال:" والله؟!"
حنان:" ممم استني اما ادخل اشوفه تلاقيه جه ونام.. حبيبي من ساعة اللي حصل و هو اعصابه منهارة"
وتركته جالسا و دخلت في ممر حيث الحجرات..
تمتم عمر بكلمات غاضبة..
بعدها خرجت حنان مندهشة وقالت:" ده مش هنا! مع اني مأكدة عليه يستنانا.. امال هنكلم في الخطوة الجاية زاي؟"
اتصلت به علي هاتفه و لم يرد..
***
كانت الخطة في البداية كما خطط لها يوسف.. كالاتي..

عندما احس جو بأن الخواجة (بيرقدله) قرر ان يضع خطة سريعة تجعله يختفي من الوجود و معه شهد..
كان يحتاج نقودا.. فباع ارض الساحل الشمالي لرجل اعمال كبير يملك الارض المجاورة له .. و كان مكسبه ضخما.. و كذلك باع منزله.. حتي يظهر الامر واضحا ويعرف من لم يعرف انه قرر الرحيل..
قرر ان يهرب بها بعيدا... فكانت مشاوير السفارة "احد  الوسائل"!
كما انه باع ارض الصعيد.. للشاب صاحب تحقيق الشخصية المذكور فيه  اسمه "عبد الله محمود سالم"..  كان عقد البيع مذكور فيه ان المبلغ ليس بكثير.. فهي لم تكن ارضا كبيرة علي اي حال..
كان يوسف ينتظر ان يرتب اموره في مكان الهروب النهائي ثم يأخذ شهد و يختفيا..

ولكن الخواجة سبقه..

وبعد ما حدث.. تغيرت الخطة تماما..  بعد مباحثات مع حنان و حمادة تحولت الخطة للاتي..
ستطلب حنان مساعدة حبيبها السابق.. ابن اخ الريس عبود في الوصول اليه..
 ثم اخبار الريس عبود عن غدر الخواجة .. و رجاءه ان يطلق سراح شهد..
سيطلب جو مساعدة السنهوري.. مرة في تأييد كلام جو عن خيانة الخواجة واثباتها للريس عبود..
 و مرة بدعمه بالرجال في حالة ان فشلت محاولات الحوار مع الريس عبود ، و ساعتها (يا قاتل يا مقتول)

ولكن الخطة تغيرت للمرة الثالثة حين التقت حنان بعمر..

كان هو ادري بعمه .. كيفية اقتاعه و غرس الشكوك في صدره ناحية الخواجة و عصام.. لذا عندما صارحته حنان بالخطة الثانية.. اتهمهما بالغباء التام.. و اقترح هو الخطة الجديدة.. و التي سيكون دوره فيها اساسي من حيث التاثير علي عمه الريس عبود.. وقد اضاف جو لهما اوراق السفر والباسبور ليُستخدموا كسند لكلام عمر مع الريس عبود.. فيصير الخواجة مذنبا من و جه نظره، و يتم ازاحته من الطريق ..
فقط هنا يمكن التدخل – مع رجال السنهوري  ان امكن-  لجلب شهد بمنتهي السهولة.. كما انه اكد لهم انه في ظرف ساعتين سيعرف الي اين خذوها... و بالفعل اخبر حنان هاتفيا و التي بدورها اخبرت يوسف عن مكان شهد..
وبعد ان تحدث الريس عبود الي فاروق..  اتفقت حنان و يوسف مع عمر علي اللقاء في المنزل لمناقشة تفاصيل خطوة التدخل لجلب شهد..
ولكن ما لم يعرفوه ان هناك ما طرأ علي جو.. هناك ما جعله ينسي بأمر الخطة تماما.. ينسي التروي و التعقل.. 

6/27/2011

اللصة :: (16)



دمعت عينا حنان حين حدثها يوسف عن حالة عدوي..  كان حالها كحاله؛ لم تحبه يوما بل كثيرا ما طالها اذاه فترة ما كانوا جميعا لدي المعلم .. و لكنها كانت تذكره طفلا .. وقد كبر امام عينيها مثله مثل جو.. آلمها ان تسمع عنه مثل تلك الاخبار الحزينه.. واشفقت عليه جدا..
اما جو فاستطرد يسرد عليها في ضيق شديد كيف انه شَهِد بكامل ارادته ما قام به  عدوي تعبيرا عن عشقه لشهد.. حكي لها وكأنه يحدث  نفسه عن كل لمسة و كل كلمة فعلها و قالها عدوي..
حنان:" خلاص يا جو.. انت قاعد سرحان و بتفتكر؟؟.. بتعذب نفسك؟؟!"
جو:" انا ساعتها كنت حاسس بالذنب اني مش عاجبني.. دلوقتي مش قادر اطلع المنظر من دماغي.."
حنان مبتسمة :" مكنتش فاكراك غيار كده..."
جو:"مش الفكرة... انا مبحبش حد يجي جنب.."
حنان مقاطعة بصبر نافذ:" يووووه انت لسة؟!!  الكلمتين اللي انت حافظهم بتوع محدش يجي جنب حاجتي بقوا قدام اوي.. انت بتغير علي شهد.. عشان بتحبها.. و مفيش حاجة تعيب في كده!!"
ابتسم جو ابتسامة و اسعة حين ذكرت اسم شهد و سرح بعيدا..
قالت حنان:" يادي الخيبة .. اهو سرح تاني! ان كان انت و لا هي جوز معاتيه.. الواحد ميعرفش يتكلم معاكوا كلمة غير لما تتوهوا منه في النص.."
اتسعت اكثر ابتسامته و ضحك لقولها..
قالت بجدية:"هتعمل ايه في موضوعك؟"
جو:" لسة.. بس  يعني الدنيا ماشية.. "
حنان:" اكلمت مع شهد؟ .. سألتها اصلا ؟"
جو:"لسة برضه.. "
طرق باب مكتب حنان حيث كانا يجلسان..
ثم دخلت شهد.. كان معها بعض الاوراق تحتاج لتوقيع حنان..
حنان متصنعة السخط:" اهي.. المعتوهة التانية شرفت!"
ابتسمت شهد حين التقت عيناها بعين جو برغم انها سبق و رأته و هو داخلا الي المكتب و سلم عليها..
فأكلمت حنان بنفس الاسلوب الساخر :" ييييييه.. سبلوا لبعض!.. سبلوا!.. منا اصلي راس كرنبة قاعدة!.."
فقال جو مبتسما :" لسة كنا في سيرتك يا شهد.."
شهد:" اخص عالنميمة..  قلتوا ايه؟" 
حنان لجو في تحد:" قول لو جدع .."
شهد لحنان:" كان بيشتم و لا ايه؟  والنعمة اقّطعه!"
و توجهت لجو حيث كان واقفا و امسكت برفق بياقة قميصه و قالت في دلال:" انطق.. قلت ايه عليا!"
امسك جو بيدها الممسكة به في حب وقال:" حنان اللي قالت والله!"
حنان مهددة :" طب تحب اقول كنا بنقول ايه؟"
شهد:" قولي يا حنان.. انتي مبيتبلش في بقك فولة.."
حنان:" لأ خليني كده ساكتة عشان افضل اذله!"
نظرت شهد لجو بملء عينيها و سألت  برقة وهي مازات تقف امامه ممسكة بقميصه :" مش هتقولي انت؟"
لم يتمالك جو نفسه امامها فوضع يده لا ارديا علي شعرها و ملس عليه قائلا بصوت شبه هامس ونظرات تتفحص جمال و جهها:"ممكن لو اتحايلتي عليا شوية.."
صاحت حنان:" لأ وحياة امك انت و هي.. ده مكان اكل عيش.. الكلام ده علكورنيش ..اتهببوا شوفوا هتتغدوا ايه عشان هعزمكوا علي الغدا.. روحي قفلي الكام الحاجة اللي قلتلك عليهم يا شهد عشان نمشي"
احرج شهد قول حنان فابتعدت عن جو مبتسمة في احراج.. مشت بضع خطوات بظهرها الي الباب و لوحت له وهي تقول لكليهما:" الحتة الي تتفقوا عليها.."
وخرجت و عيناها مازالت متعلقة بعينا جو الي ان اغلقت الباب تماما..
***
"عندي خبر يا معلم.. بس اضمن حلاوتي الاول"
كان هذا سليم.. صديق شهد – اذا بقاءه معها وقت طويل يدربها علي بعض المهارات و يخطط لها العمليات الكبيرة- يعتبر صداقة.. فهو كان صديقا مقربا لها..
واضح طبعا  ولا يحتاج للايضاح انه كان يحدث المعلم المرعي..
مرعي:" انطق يا واد!"
سليم:" شهد!" و غمز بعينه..
مرعي و قد سعد بالخبر جدا:" عترت عليها فين؟؟"
سليم:" يظهر واد سيس كده اشتراها.. كنت رايح المستشفي اطل علي عدوي  وقابلتهم  هناك.. كنا هنضرب بعض انا و هو "
مرعي:" واد مين؟ اسمه ايه ؟؟"
سليم:" عرفت من الواد صلاح انه اسمه جو.. ده الجارد بتاع الخواجة"
فكر مرعي قليلا:" باين عارفه.. مش ده اللي ضرب عدوي بالنار؟؟ اكيد بأه الخواجة ادهالوا مكافأة "
سليم:" ايوة يا ريس..تلاقيه بيكسب دهب من ورها.."
مرعي:" طب و ده هياخد فيها كام؟ ولا هينضرب وتتاخد منه عافية ؟ و لا حكياته ايه؟"
لاحت علي سليم نظرة خبث و لكنه تدارك نفسه و قال ناصحا بجدية:" معتقدش هيبيع بالساهل.. ده كان هيضربني عشان بكلمها.. متهيألي يترن العلقة المتينة و يتعلم الادب و شهد ترجع لاهلها"
حك مرعي رأسه مفكرا وقال:" طب سيبني افكر فيها.. مش عايزين نقلب الخاوجة علينا"
***
مجموعة من المواقف حدثت مع الخواجة و التي لم يعلم بها جو :

موقف (1):
"من غير سبب كده؟!"
كان هذا الخواجة – بعد ان اخذ نفسا من سيجاره -  يوجه ببروده المعتاد سؤلا الي من جائه يشتكي ساخطا..
عصام:" يا ريس بقولك دخل عليا من غير و لا كلمة كسر ازازة في راسي و مسك في خناقي" و كررها في اندهاش و غضب :" من غير و لا كلمة!!"
الخواجة ببرود مستفز:" ده شلفطك خالص!"
لم يعجب عصام التعليق و لكنه اثر ان يقلب الامر لصالحه فقال:" وانا بقي جايلك عايز حقي! انا كان ممكن اخد الرجالة و نستناه.. بس ساعتها كنت هتخسر انت الجارد بتاعك.. لاننا كنا هنموته او ان عاش مكانش هيبقي فيه حتة سليمة..وانا محبش اعاديك.. انت حبيبي.. فجيتلك الاول!"
الخواجة:" هجيبه قدامك مذلول يتأسف .. بس لما اعرف الاول هو عمل كده ليه! لأن لو كنت انت الغلطان من الاول .. تبقوا خالصين.."
عصام:" يا ريس انا بقالي شهور مشفتوش.. مجتش جنبه هكون غلط في ايه؟ عموما انا راضي بحكمك.. ومستني حقي.."
خرج عصام من مكتب الخاوجة.. بينما نفث الاخير دخان سيجاره في ضجر قائلا:" مشاكلك زادت اوي يا جو"

***

موقف (2)

علي مائدة مستطيلة داخل مخزن مهجور اجتمع بعض الكبار لانهاء صفقة سلاح مهمة..
الخواجة علي رأس المائدة:" الكمية المطلوبة صعب توريدها دلوقتي.. ممكن نديكوا نصها.. العيون مفتوحة علينا.. و الحركة صعبة الفترة دي"
بكر (وهو بدوي من عرب الساحل) علي رأس المائدة في الطرف المقابل:" والله الشيخ فريج صار يضيج صدره منكم و من افعالكم! ما يصر نص الكمية.. عندنا عملية كبيرة و محتاجين سلاح بكمية!!"
الخواجة:" عمايل ايه بس يا بكر؟؟ احنا ماشيين معاكوا زي الفل.."
بكر:" لأ.. فين الفل؟؟ و الرجال هنا يشهدوا.. تأخيركم في التسليم صار ممل.."
الخواجة:" دي ظروف خارجة عن اردتنا و انتوا عارفينها.."
بكر مستطردا :"والاسعار الي رفعوتها؟؟"
الخواجة:" انتو بتاخدوا اقل اسعار اكراما للشيخ فريج.. انتوا بتاخدوا اقل من تجار الباطنية"
بكر :" لا .. الشيخ فريج زعلان... مو مبسوط بافعالكم و اخرها .. ها الرجال تبعكم اللي جه لحدنا و بعد ما اكرمناه هو و الحرمة اللي معاه.. سَرَج سيارة و هرب!!  احنا بنتم معاكم ها الصفجة ..بس عشان الشيخ ادى كلمة للريس عبود من فترة عليها!"
عقد الخواجة حاجبيه و قال :" راجل مين اللي جه عندكم؟!"
بكر:"جال انه من رجالك.. اسمه يوسف.. و الحرمة تبعه كان شاريها منك.. و حتي ها الجصة مزعلة الشيخ.. يعني اذا بتبيع حريم ليش ما جلتله؟؟ كان هو اولي بالحرمة !"
ولأول مرة ابدي الخواجة انفعلا علي و جهه.. قال مندهشا:" يوسف؟؟ جو؟؟ جالكم يعمل ايه؟؟ بيشتغل من ورا ضهري؟؟!! و ليه البنت كانت معاه؟؟!! بتساعده ؟؟! "
بكر:" ايش دراني؟؟ جال انه تايه ومحتاج توصيله.. ما أظنه اكلم في شغل.. بس في النهاية سرج السيارة و هرب.. كده لينا عندكوا حج عرب.. بس عشان الشيخ عارف انكوا يا بتوع مصر ما بتفهموا في الاصول .. وغير ان السيارة ما تهمنا.. ما حكينا شي! احنا كان ممكن نبعتلوه اللي يعلموه انه ما يطاول علي اسياده.. لكن لجيناه ما يستاهل.. عيل من غير رباية و غلط! "
الخواجة ببعض الحرج:" انا هكلم الشيخ بنفسي اتأسفله.. ده عزيز علينا جدا.. و عشان حق العرب اللي له عندنا له تخفيض مني انا شخصيا "
ابتسم بكر ابتسامة صفراء..  بينما شرد ذهن الخواجة في ما قيل للتو.. هناك شخص يجب ان يُعَاقَب!

****

موقف (3)

جلست زوزو في توجس امام الخواجة علي المائدة عند (عطا)..
قالت :" متشكرة انك سمحتلي اكلم معاك.. مش هاخد منك الا دقيقتين بس"
اومأ الخواجة برأسه بينما اخذ نفسا من سيجاره و هو يتفحص ببنظره وجهها المصاب..
قالت:" انا جاية احذرك من و احد انت مأمنله و هو هيغدر بيك.. "
عقد الخواجة حاجبيه مستنكرا متسائلا و لكنه لم يتحدث..
فاستطردت:" جو يا باشا.. جو الجارد بتاعك.. دراعك اليمين!  اللي فهمك انه ضرب صاحب عمره عشانك .. عشان يفديك.. لهو انت متعرفش ان عدوي زي اخوه؟ اسأل اي حد هيقولك انهم متربين مع بعض... همة بقي عملوا الليلة دي كلها عليك عشان في النهاية يتملك البت المعصعصة بتاعته دي.. اكمن المعلم بتاعها اللي اسمه مرعي قالب الدنيا عليها بعد ما هربت منه عشان عشيقها الي هو جو.. قاموا خططوا اللعبة دي بحيث يقلبوك علي المعلم مرعي؛ و تبقي هي و هو في حمايتك من المعلم.. ويبقي كده اتملكها رسمي .. لو مش مصدقني اسأل اي حد هيقولك ان جو بيروح يزور عدوي في المستشفي.. في واحد يضرب و احد بالنار و يروح يزوره؟؟!  طب ده كان لسة هناك من يومين.. ممكن اي حد يأكدلك .. دلوقتي بأة هو و البت دي بيخططوا لحاجة كبيرة.. و بيعملوا شغل مع بعض.. حتي تلاقي جو مبيجيش الشغل.. البيه مش فاضي و راه تخطيط.. و طول النهار بيلف و يعمل اتصلات.. بمين؟ متعرفش! بيروح فين؟ متفهمش.. بس بيدبر حاجة.. و الحاجة دي هتبقي غدر.."
ظل الخواجة مستمعا في هدوء و يدخن سيجاره..
سأل في النهاية:" خلاص؟"
زوزو في تعجب:" يا باشا عايز ايه اكتر من كده؟؟ الواد بيكدب عليك و بيدبر حاجة مع البت الي اسمها شهد"
الخواجة:"سؤال اخير.. مين ضربك كده؟" مشيرا الي وجهها
قالت زوزو وقد انهمرت دموعها فجأة:" هو و البت بتاعته..  لما عرفوا اني عرفت الاتفاق اللي بينهم و بين عدوي .. جولي و ضربوني و هددوني عشان مقولش لحد.. بس انا بأة العلقة دي هي اللي خلتني اعند واجي اقولك.. عشان انا مبخافش من حد!"
الخواجة:" متشكر يا... زوزو.. تقدري تتفضلي"
قامت زوزو (وقفاها بيأمر عيش).. كيف لم ينزعج و لو قليلا بكل تلك القصة التي حاكت اطرافها ببراعة؟؟؟ يبدوا انه لم يصدقها..  ابتعدت عنه في احباط.. و لكنها لو كانت تعرف الخواجة جيدا كانت ستدرك ان رد فعله واحدا علي كل شيء .. البرود المطلق و الـلا تعبير هو ما ستراه.. حتي و ان كان يحدث بداخله ما حدث.. بالفعل انزعج من ما سمع ووجده منطقيا ؛ متوائما مع احداث اخري كثيرة تخص يوسف.. وكأن ما حكت هي قد اكمل له الصورة الي حد ما.. و لكنه كأي محترف قرر ان يتأكد اولا..
وعندما بحث وتأكد ان جو وعدوي فعلا نشئا معا، وانه زاره في المستشفي، و انه بالفعل يتحرك تحركات كثيرة مريبة وغير مفهمومة.. عرف ان قصة زوزو ليست كاذبة!
***
موقف (4)
تأمل الخواجة الضيف الجالس امامه في محاولة ليستشف سر الزيارة المفاجئة..
قال الضيف:" برغم  الي انت عملته معايا.. انا ميخلصنيش اشوفك في ازمة و متدخلش و امدلك ايدي"
الخواجة مستنكرا:" أزمة؟!"
الضيف:" متخبيش عليا انا اخوك.. و اخوك مش سهل و عنده اللي بيجيبله اخبار دبة النملة..  انا عرفت انك عندك مشاكل في توريد كمية سلاح كبيرة للعرب.. و ان الشيج فريج زعلان!"
اعتدل الخواجة في كرسيه الوثير و وسحب نفسا من سيجاره و قال:" وهتمدلي ايدك ازاي بأة يا مرعي؟"
مرعي:" شوف ... انا مخازني كلها تحت امرك.. كنت مدكن كمية و ناوي اعمل بيها شغل قطاعي.. اشتريهم انت جملة ؛ وكمل صفقتك مع الشيخ!"
الخواجة:" من امتي الجدعنة؟"
مرعي مبتسما في لزوجة:" عشان تعرف اخوك..  عشان اكون صريح معاك.. اه اصل الصراحة اهم حاجة بين الاخوات.. اولا ..انا  هيفيدني اوي مبلغ كبير مرة واحدة اليومين دول.. بيني و بينك الشغل القطاعي بيطول وكمان العين مفتحة علينا اوي ..  وتاني حاجة و الاهم.. تراضيني !"
الخواجة:" مش فاهم؟"
مرعي:" زي ما سحبت مني البت شهد.. ترجعهالي! وهعتبر اللي حصل ده سوء تفاهم بسبب عيال تافهة زي عدوي و جو.. ومش هزعل .. انا و انت اكبر من كده.. و شهد دي من اهم الناس عندي و مصدر دخل كبير"
الخواجة ببرود:" نتفق الاول علي السلاح!"
***
هل صارت الصورة الان و اضحة للجميع؟!! لا يحتاج الامر لشرح مطول.. لقد صار موقف جو صعبا جدا.. فقد تجمعت في النهاية كل الخيوط الجانيبة للاحداث ..لتصنع عقدة (مكلكعة) عند الخواجة..
الان الخواجة غاضبا من جو ، وشبه متأكدا من خيانه له، متربصا له.. ونيته ان يوقع به .. و ساعتها سيتمني جو الرحمة.. و لن ينالها!

***

اخر تقرير وصل للخواجة عن متابعة تحركات جو:

-          قام الهدف ببيع قطعتي ارض واحدة في الساحل الشمالي قرب مطروح بمبلغ ضخم، و الاخري قرب اسوان بمبلغ ضئيل جدا (لشخصين مختلفين).

-          الهدف حضر جنازة و دفنة عدوي و كان متأثرا دامع العنين.

-          علاقة الحب واضحة بين الهدف و بين الفتاة التي تدعي شهد  تظهر في التفاعل بينهما من  العناق المتكرر.. الخ..


-          هناك علاقة واضحة تربطهما (الهدف و الفتاة) بسيدة تملك مركزا للتجميل و الفتاة تعمل به بصورة يومية.

-          الهدف باع بيته و كل ما يملك و هو الان مقيم هو و الفتاة لدي السيدة صاحبة مركز التجميل و تدعى حنان.

-          الهدف يزور سفارة دولة (--) بصورة متكررة ومعه الفتاة حاملين اوراقا منها باسبورات خضراء.. من المرجح ان ذهابهما هو لاستخراج الفيزا..


***

وضعت شهد مجموعة الاوراق التي في يدها علي رأسها تستجدي ظلها من الشمس الحارقة، حيث كانا يقفان امام مبني سفارة (--) في وسط الزحام في انتظار دورهم للدخول، واستندت بيدها الاخري علي صدر جو الذي كان ينظر حوله في حذر..
شهد:" ممكن افهم  الفرهدة دي اخرتها ايه؟ انا تعبت بقي!"
جو:" معلش استحملي.. هانت.."
وورفع يده فوق رأسها في محاولة ان يظلل علي وجهها..
نظرت اليه:" طب مش هتفمني الاوراق و البتاع الاخضر اللي انا رايحة جاية بيه ده بتاع ايه؟ "
ابتسم و هو ينظر اليها و قال:" البتاع الاخضر؟!!! اسمه باسبور.."
قالت:" يا صلاة النبي .. مانا عارفة انه اسمه كده .. ايه فايدته و انا اصلا معييش بطاقة؟"
جو متجاهلا سؤالاها وقال مداعبا:" طب قوليلي كده اسمه ايه؟"
شهد و قد ادركت انه يسخر من طريقة نطقها:" فقالت مش قايلة! سيبنالك العلام يا بتاع الخواجة"
ضحك جو وقال:" والله اي حاجة بتطلع منك بتبقي حلوة.. حتي لو كانت بازابور"
ضربته ضربه خفيفة وهي تتصنع الغضب، ثم قالت بدلال:" طب مش ناوي تفهمي؟.."
جو:" هفهمك.."
***

عندما ركب جو السيارة كالعادة مع الخواجة و الرجال  لذهاب للعمل ..فهو بالطبع لم ينقطع كليا عن العمل .. قال الخواجة و الذي كان مصرا ان يجلس جو بجوارة في الكنبة الخلفية:
"بقولك يا جو.. من بكرة الصبح بدري تبعتلي البنت بتاعتك عندي في المكتب.."
بهت جو من الطلب و ظل يعيده في رأسه.. معتقدا انه سمع خطأً ثم قال:" شهد؟؟ ليه يا ريس؟؟"
الخواجة:" هنرجعها لمرعي.. خلاص انا و هو اتراضينا.. و ان الاوان نرجعهاله"
قال جو مترددا:" بس دي بقت ملكي يا ريس.."
الخواجة:" انت هتعارضني؟!! بقت ملكك بأمري .. و بأمري هرجعها لمرعي.. مش عايز كلام زيادة عنها"
جو:" اسف.. يا ريس مش هقدر.."
الخواجة ببرود للسائق:" وقف العربية علي جنب .. "
بالفعل وقف السائق، بينما لم يفهم جو الهدف من ذلك..
ولمنه و جد الحارس الاخر و السائق ينزالنه و يمسكان به و الحارس الذي هو صديق لجو يقول بأسي هامسا:" سامحني يا جو  انا عبد المأمور"
ترجل الخواجة ووقف امام جو الذي كبله الرجلان بقوة..
قال :"بتعارضني عشان حتة بت؟"
جو:" يا ريس انت اللي بتنزل من نفسك لما تخش في حوارت عشانها.. مش مقامك"
الخواجة:" عارف يا جو .. لو كان اي حد غيرك هو الي عمل كده.. كان زمانه مقتول زي الكلاب.. بس اللي مأثر فيا ان الغدر يجي منك انت! انت اللي كانت ثقتي فيك ملهاش حدود.."
جو:" وانا عمري ما خنت ثقتك ! و ياما فديت حياتك!!!"
اشار الخولجة بإشارة لاحد الرجلين فقام بتوكيه لكمة قوية الي معدة جو.. الذي تلقاها و بصمت و بان علي وجهه الالم الشديد..
الخواجة:" مبحبش الكذب! فديت حياتي لما ضربت نار علي صاحبك و قصدت تجيبها في كتفه.. انا برضه قلت معقول من المسافة القريبة دي و متعرفش تجيبها في راسه.. اتاريك كنت قاصد"
جو:" في النهاية النتيجة ايه؟ انت طلعت سليم.. مكنتش محتاج اموته!"
امر الخواجة بلكمة اخري.. و قد كانت..
ثم قال:" قلت مبحبش الكذب! كنت فاكرني ايه؟ مش هعرف كل الللي اتعمل من و را ضهري؟!! كل حاجة بتوصلني  في ساعتها.. مشوارك لعرب الساحل.. خطتك الفكسانة انت وعدوي و البت بتاعتك.. مشاويرك للسفارة.. حتي مشاكلك الشخصية عارفها بالتفصيل.. الا صحيح انت ضربت عصام ليه؟؟"
لم يرد جو.. فكان نصيبة بضع لكمات اخري..
جو:" بجد اخر ما كنت اتوقع ان حتة بت (لفظ بذيء)  تتحكم فيك و تخليك تغدر باللي لحم كتافك من خيره.. عموما انت و هي حسابكم هيبقي معايا"
واشار اشارة اخري بيده.. ما جعل الرجلان يتحولا لألاتي ضرب.. تلقي جو بضع ضربات..
ثم بدون سابق انذار .. امسك السائق ولكمه في وجهه عدة لكمات متتالية سريعة كالطلقات  وتركه بعد ان فقد الوعي مضجرا في دماء وجهه.. ثم استدار للحارس الذي كان مترددا في الانقضاض عليه و لكن صيحة من الخواجة تأمره بالهجوم ..جعلته يقفز منقضا علي جو..
امسكه جو من رقبته و قال هامسا :" سامحني علي صبري..  مش هتقل عليك" 
و ضربه بسرعة  ضربة عنيفة جدا برأسه في عظمة انفه (روصية).. وفي لحظة سقط صبري ارضا فاقدا الوعي هو الاخر..
واخيرا استدار جو للخواجة الذي بدا عليه الانزعاج وبعض الذهول..
اقترب منه و امسك ياقة قميصه الانيق و قال بهدوء :" الـ (نفس الفظ البذيء الذي تلفظه الخواجة قبل قليل عن شهد) تبقي امك! عايز تعرف انا ضربت عصام ليه؟.. عشان اتجرأء و مد ايده علي شهد!  لو انت او اي كلب تبعك هوب ناحيتها.. هعذبه الاول و بعدين هموته.. اعتبرني مستقيل!"
 ابتسم ساخرا و هو يلقي نظرة علي الجسدين الفاقدين للوعي..  ثم  رفع يده الي رأسه و كانه يسلم علي الخواجة وهو يسير مبتعدا..
بينما و قف الخواجة ووجهه الابيض الناصع  قد تحول للون الاحمر غضبا.. اخرج هاتفه من جيبه و اجري اتصالا..
لم يقل سو كلمة و احدة:" نــفــذ!"

***

ابتعد جو سريعا عن المكان .. يجب ان يذهب لشهد الان.. يجب ان تبقي امام ناظريه حتي يتم المراد..
حادثة الخواجة تلك لم تكن في الحسبان.. الان عليه ان يسرع ..
امسك هاتفه و قام بالاتصال بحنان..
اتاه صوتها قبل ان ينطق بـ" الو"  مذعورا باكيا:" اخدوا شهد يا يوسف! ضربوني و اخدوها"
هوي قلبه..
شهد...

***

احتاجت شهد لعصام و سليم معا لشل حركتها.. كانت تركل بعنف وتصرخ  متلفظة باقذر السباب..
نجحا في ابقائها ساكنة بجهد كبير.. و جلسا و هي بينهما في السيارة الخاصة بالمعلم مرعي..
هكذا كانت خطة الخواجة.. ان يستعين بعصام  استغلالا لحقده علي يوسف.. فقد خشي ان يتواطأ معه اي حارس اخر صديق له.. كما ارسل له المعلم مرعي الدعم في صورة سليم  كبير رجاله، و اكثر شخص علي وجه الارض علي دراية بمهارت و اساليب شهد ، و لكي يكون مشرفا علي استرجاعها.. بالاضافة الي بعض الرجال من الطرفين..
كانت هذه العملية مخطط لها.. قبل حتي ان يتحدث الخواجة الي جو.. كانوا فقط بانتظار لاشارة البدء و التي ارسلها الخواجة للتو..
قالت شهد لسليم:" انت معاهم و لا معايا.. دحنا بنا عيش و ملح و يا ندل"
سليم:" انتي اللي خنتي العيش و الملح لما هربتي.. اخرسي بقي"
شهد:" اخرس انت يا حيوان.. نسيت لما كنت بتخليني اسرقلك الاكل يا بن الجعانة!"
صاح عصام:" متخرسي بأة يا بت! و لا نسيتي انتي العلقة اللي كلتيها عندنا في القصر.. مبتحرميش؟ نقطعلك لسانك عشان ترتاحي و تريحينا؟؟!"
شهد:" وانت راخر رجل اوي.. فخور و بتتباهي انك ضربت بت..  الا صحيح ايه الي في خلقتك ده؟! انا سمعت ان واحد صاحبنا رنك علقة موت"
اغتاظ عصام بشدة و قال عاضبا:" اهو.. انتي و هو هنعلمكوا الادب!"
ضحكت شهد ضحكة رقيعة متعمدة لاستفزازه و قالت :" يجبوك من علـ حيط بشبشب"
لم يكن من عصام الا ان صفعها في غل ومنعه سليم من استكمال الضرب..مما استفز شهد و جعلها تثور مرة اخري و تعود للعنف و الركل و اللكمات .. وقد بذلا جهدا مضاعفا مرة اخري للسيطرة عليها..

لسبب ما لم تكن تشعر شهد بالخوف.. ضرب؟ لم يعد يخيفها.. موت؟ صارت لا تخشاه..
بل يمكن الجزم بأنها و اثقة انها ستنجو.. تشعر ان هناك بطلا يطير في الافق يحوم حولها.. و سوف يأتي ليصعق الاشرار و ينقذها.. 

6/24/2011

اللصة :: (15)



تقريبا شفي و جه شهد إلا من بعض اللون البسيط.. وهكذا عادت لأسلوبها اياه في سرقة ركاب السيارات..
كانت تقف علي الطريق السريع مرتدية ما يثير الظنون و الشهوات.. و ما أن يقف لها احدهم حتي تر كب وتهدده بالسلاح الابيض و تأخذ كل ما لديه.. ثم تتركه مذعورا مرتبكا..
كانت تعود بمبالغ لا بأس بها .. و لكنها لم تكن سعيدة مثل ما كانت تسعد في الماضي بغنائم نهاية اليوم.. كانت تنظر للنقود وتتذكر كلمات يوسف:" اشعرفك  اللي سرقتيه منه ده هو جايبه ازاي؟؟.. و لا عزيز عليه قد ايه؟؟ "
فتعود و تبرر لنفسها قائلة :" لو كانت الفلوس عزيزة عليه مكانش نزل يبعزقها في العط!!.. يستاهل!"



واثناء الليل تتذكره .. جو.. بطلها.. سابقا!...وتبكي قليلا من الم فراقه ثم تنام..
مرت بضعة  ايام علي نفس الحال..كان هدفها الان ان تجعل لنفسها مسكن بعيدا عن المنطقة و عن جو ، و عدوي و المعلم مرعي.. و كل من تهرب منهم.. لذا لم تتوقف يوما عن العمل.

وقفت بدلال علي جانب الطريق السريع.. تلوقك قطع علكة بمياعة .. ها هو الزبون الاول.. بالفعل وأوقف السيارة و ركبت ثم ..هووب.. في اقل من دقيقتين نزلت محملة بالغنيمة ، بينما هو هرب مبتعدا..
توارت عن الانظار قليلا  حتي لا تلفت النظر .. ثم عادت لتقف من جديد في مكان ابعد قليلا..
هاهو الزبون الثاني.. اقترب و اوقف السيارة ..ثم داعاها للركوب.. تدللت في البداية ثم ركبت.. ما أن وطأت بقدمها في السيارة حتي وجدت ذراعا قوية تلتف حول رقبتها من الخلف! يبدو ان شخصا كان مختبئا خلف مقعدها و لم تنتبه له و هي تركب.. حاولت الافلات بعنف ..الا انه وضع مطواه علي رقبتها مستخدما يده الاخري.. اما قائد السيارة فقال:" لو اتحركتي و لا اتنفستي نفس واحد..هنخلص عليكي!!"
تحسس جسدها.. فكادت ان يغشي عليها ذعرا و لكنه اخرج من جيوبها المطواه و النقود التي قد تحصلت عليها قبل قليل.. ابتسم في طمع ووضعهم في جيوبه.. ثم قاد السيارة و هو يعيد عليها ماقاله عن بقائها بلا حراك..
قالت:" انتو و اخدني علي فين؟؟"
قائد السيارة:" انتي تخرسي خالص.."
صمتت شهد مفكرة .. و لكن قطع تفكيرها ان الرجل فجأة قام بنزع (ولاعة) السيارة من مكانها والقاها بعيدا في الخلف و هي يقول:"متفكريش تلمسيها!"
يال الحظ كيف سبقها اليها.. لقد سبقها حتي في التفكير.. هي لم تخطر في بالها (الولاعة) كسلاح بعد..
كانت شهد تفكر بسرعة.. الي اين يأخذونها؟؟  ستقوم بضرب الرجل فور ان يترك رقبتها ليترجلا من السيارة.. هذه هي الخطة..
بعد مدة ليست طويلة اوقف الرجل السيارة في مكان مقفر.. ونزل منها بينما الرجل الذي يكمم شهد و يهددها بالمطواة ابقاها مكانها و لم يحرك ساكنا..
سمعت قائد السيارة في الخارج يوجه حديثه لشخص ما و لكنها لم تتمكن من روئيته من مكانها..
"تمام يا ريس.. الامانة اهي.. حسن مثبتها في العربية!"
اذن هما أجيران.. طُلب منهم خطفها.. ذلك يلغي الظن بانهم خاطفان مغتصبان.. و يجعل الامر ينحصر ما بين عدوي او المعلم مرعي..
قالت للرجل الممسك بها:" هو عدوي اللي مأجركوا؟"
ضغط بسن المطواه علي رقبتها و قال :" قلنا ترخرسي!".
لم تسمع شهد صوت مُحدث الرجل قائد السيارة، فقد كان خفيضا وهو يقول:
"طب تمام يا رجالة.. نخدمكم في الافرح.. عذبتكم هي؟؟"
الرجل:" خالص.. انت خوفتنا علي الفاضي.. انا كنت ممكن اجيبها لوحدي.. حتي موضوع الولاعة اللي حذرتني منه.. كنت نسيته.. و هي مجاش في بالها اصلا..بس أنا شيلتها احطياتي.. " وضحك بصوت عالي..
ادركت شهد الان الامر.. انه عدوي! مؤكد..  لم ينسي انها احرقت احدي ارجله بولاعة السيارة.. وحذر الرجل منها..
سمعت صوت اقدامه تقترب.. حسنا ستضرب الرجل الممسك بها في انفه بقبضتها و تأخذ منه المطواه و تغرسها في قلب عدوي..
تلك هي الخطة..
تعالت دقات قلبها في خوف وتوتر وهي تشعر باقترابه.. استعدت بقبضتها للمواجهة ..
يا قاتل يا مقتول..
لم يعد لديها ما تخسره..
لن يقترب منها عدوي إلا جثة!
وقف بجانب السيارة.. انحني  بجسمه ليحدثها عبر النافذة..
"ازيك يا شهد!"

اتسعت عيناها و هوي فكها للاسفل و تراخت قبضتها .. ليس الوجه الذي توقعت رؤيته.. ولا الصوت..
قالت مذهولة:"جو؟!"

اشار هو للرجل المتحفظ عليها وقال:"اتوكل انت يا حسن.. متشكرين.."
تركها حسن و ترجل من السيارة.. تحسست رقبتها  بحركة لا ارادية و هي مازالت تحت تأثير المفاجأة..
وقبل ان تستوعب؛ كان جو قد ركب بجوارها و قاد السيارة مبتعدا..

قال بغضب:" هربتي ليه يا شهد؟"
بدأت شهد مرحلة الاستيعاب.. تنفست الصعداء ان الامر لا علاقة له بعدوي.. ثم شعرت بالرضا لانها عينيها وقعت علي يوسف بعد ان اشتاقت اليه بشدة.. والان عليها مواجهة عاصفة من الغضب.. اجلت التفكير في خطة الهرب منه .. لم ترد ان تهرب في التو..
صاح بها في غضب عندما لم ترد:" هربتي عشان ترجعي لكارك الوسخ؟!! مش مستحملة تعيشي في نضافة؟"
لم ترد..
فعاد ليقول بعصبية:" متنطقي.. هربتي ليه؟؟ ها؟؟.. مخروسة ليه؟!!"
كان يلكمها في كتفها بغيظ لتتكلم عدة مرات متتالية و بغل وقوة
امسكت كتفها و قالت بصوت اوشك علي البكاء:" كفاية ضرب بأة.. ارحموني! "
نظر اليها ولاحظ ان الالوان علي وجهها اثار العلقة.. عقد حاجبيه في قلق ثم اوقف السيارة جانبا..
استدار اليها وقال منفعلا مشيرا الي وجهها:" طبعا ده واحد جيتي تقلبيه قام معلمك الادب.. اكيد! منا مش فاهم الجبروت ده جايباه منين؟؟!! بتنطي علي عربيا لوحدك كده؟؟! ..بطولك؟!  ده في عصبات بحالها من خمس ست انفار دي شغلتها!!.. اتفضلي.. قال وانا باعتلك اتنين يدوكي درس عشان تشوفي ممكن يحصلك ايه؟ اتاري في واحد قبلي اداكي الدرس و علم عليكي! ومع ذلك ايه؟ مفيش مخ.. مبتحرميش!!"
لم يجد منها سوي الصمت..
مد يده ليخبطها علي رأسها و لكنه تراجع و قام بخبط يده علي عجلة القيادة بعنف.. وصاح:" فهميني هربتي ليه ورحتي عند زوزو؟... عشان ترجعي للسرقة؟؟! فهميني!!"
شهد بانفعال:" كفاية زعيق بقي.. مالك عايش دور الشريف العفيف كده؟! بتمثل علي مين؟ علي نفسك؟؟ وطول الوقت محسسني انك احسن مني.. عشان انا حرامية و انت (يا صلاة النبي) جارد.. بس عشان تبقي عارف بقي.. انا  اللي احسن منك! علي الاقل انا مبضحكش علي حد و مبخبيش حقيقتي.. انما انت طلعت واطي وكداب.."
امسك يده عن صفعها صفعة قوية.. واكتفي بصفع عجلة القيادة..
 قال مستنكرا:" كدبت عليكي في ايه ان شاء الله؟!!"
شهد:" إسأل نفسك! افتكر حركاتك معايا!.إسأل زوزو.. إسأل البنات اصحابك عند عطا.. اقولك؟ إسأل سمر!"
جو بنفاذ صبر وانفعال :" سمر مين؟؟ و بنات ايه؟؟ متفهميني انت.. كلميني كده زي ما بكلمك و بلاش فوازير"
شهد:" طبعا هتنكر.. ايه الجديد مانت مقضيها كدب عليا من الاول.."
جو يرجوها بانفعال:" في ايه؟؟؟ كدبت عليكي في ايه؟؟"
شهد وقد تراجعت  وعقدت ذراعيها امام صدرها و رسمت علي وجهها تعبير مليء بالتحدي:"نجيب من الاول.. الريس عبود فين يا جو؟؟؟"
قال جو باستهتار:" يا سلام؟! دي الكدبة اللي خليتك تهربي؟؟!  ايوة يا ستي كدبت عليكي .. غلطان انا عشان خفت عليكي وقتها؟.. برغم اني كانت ساعتها بقالي نص ساعة بس اعرفك.. ابن كلب عشان عارف انك لو كنتي هوبتي هناك كنتي هتتمرمطي؟.. و كانوا هيرجعوكي لمعلمك زي الدبيحة  مسحولة في شوال.. انت فاهمة انهم هناك مبيرحموش؟؟ مش  هايعاملوكي بالراحة اكمنك بنت.. معندهمش تفاهم! انا خفت عليكي ساعتها.. استاهل تسبيني و تهربي عشان كنت خايف عليكي؟!!"
كانت تتحسس وجهها و اصابتها اثناء حديثه.. كانت تدرك صحة كل ما يقوله.. وعن تجربة!
قالت و مازلت هجومية:" طب لو قلنا انك فعلا كان قلبك رهيف و خفت عليا.. فهمني بقي اشترتني ليه.. ليه مدتنيش حريتي بعدها لما انت جدع كده؟؟"
جو باقتضاب:"عشان كنت عايزك تبقي جنبي! خايف عليكي من عدوي.. و خايف من كل الكلاب اللي بتجري وراكي!"
شهد باستهزاء:" هو كل اما اقولك حاجة تقولي كنت خايف عليكي! عموما يا سيدي انا عرفت انت كنت شاريني ليه.. زيك زي عدوي.. فعلا تربية و احدة..  وعارفة انت بتقول عليا ايه للبنات المعجبات.. وعارفة اتفاقك مع زوزو.. عموما انت و زوزو عينة و احدة وتستاهلوا بعض!"
جو وقد عاد اليه الانفعال:" بقولك ايه يا شهد.. زي منا ماسك ايدي عنك.. امسكي انت لسانك! "

نفث في غضب ليهديء من نفسه ثم اكمل:
" انا معرفش اتفاق ايه اللي مع زوزو ، و كلام ايه اللي بقوله للبنات.. بس اللي انا عارفه يا شهد اني مش زي عدوي.. وانا لو كنت عايز منك اي حاجة كان زماني خدتها.. وعشان تبقي عارفة كان هيبقي برضاكي! افتكري.. افتكري كويس.. افتكري لما كنا في البحر..  افتكري فرص كتيرتانية كان ممكن استغلها.. بس انا مش واطي زي ما بتقولي.. و كان اهم حاجة عندي اني احافظ عليكي! اسألي بقي انتي حمادة.. كان بيعد يقولي انك ملكي و من حقي.. وبيسألني بحافظ عليكي لمين مانت مسيرك تتباعي.. إسأليه ردي عليه كان ايه.. بلاش.. إسألي حنان.. اسأليها كنت بروحلها عشان تعالجني نفسيا من الخوف اللي كنت بخافه عليكي من كل الناس و مش مخليني عارف انام.. طب إسأليهم .. الكام اليوم اللي مكنتش عارف طريقك كانت حالتي عاملة ازاي؟؟؟ كنت بموت كل يوم من الرعب عليكي!! لحد ما راقبت بيت زوزو و عرفت انك رجعتي عندها و من ساعتها مغبتيش عن عيني.. انا بقيت اسيب شغلي و ادور وراكي اخلي عيني عليكي.. كل ده و برضه  شايفاني زي عدوي؟!!"

دمعت عينا شهد اثناء حديثه.. كم تمنت ان يكون صادقا.. هل حقا يهتم بها كل هذا الاهتمام.. كم تحبه.. ليتها لا تحبه كل هذا الحب حتي لا يخيب املها فيه.. تذكرت جملة زوزو:" يا ريت الواحد كن يقدر يختار اللي بيحبه.. كنت اخترت و احد عينه مليانه مش زايغة زيه ..مايملاهاش غير التراب! " .. عندها الف حق!
قالت بخفوت:" امال ليه قلت لزوزو انها تسامحك و تصبر عليك لحد ما ... يعني... تاخد اللي انت عايزه و بعدين تبيعني.. و ترجعلها"
ضحك جو وقال:" طب انا راضي ذمتك ده اتفاق؟؟ في حاجة اسمها كده؟!! في اتنين بينهم علاقة المفروض انها حب يطلب منها انه يروح لواحدة تانية شوية.. وهي توافق؟؟!! يعني اذا الي بيكلم مجنون يبقي المستمع عاقل!!"
شهد:" بس الناس سمعتك و انت بتقولها كده.."
جو حانقا:" عمري ماقلتلها كده!! مين دول اللي سمعوني؟؟.."
شهد:" ايوة ! سمر قالتلي انك قلت كده قدام عبير و سماح.."
جو:" سمر تاني ؟؟ سمر مين اساسا؟؟!"
شهد بغضب:" زميلتي بتاعة المطبخ!! و عبير و سماح اللي بيرقصوا اصحاب زوزو... اظن دول عارفهم!"
جو:" هي طبعا سمر دي بت كويسة و ليها حركات جدعنة معايا ، بس اولا سمر دي انا مشفتهاش من زمن.. وعبير و سماح  كل كلامي معاهم علي قد كلمتين الهزار.. يعني هي سمر سمعتني بودانها بقول كده؟!!"
شهد :"لأ.. شافتك بتكلهمم.. و بعدين جم جنبها و قالوا انك قلت كده.."
صمت جو لبرهة وهي ينظر لشهد منتظرا منها ان تستنتج شيئا.. ولكنها لم تفعل
فقال محاولا ان يوصل لها الصورة:" انت مش بنفسك قلتي عبير و سماح اصحاب زوزو؟؟ يعني متكنش زوزو مثلا سلطتهم يقولوا كده قدام سمر اللي عارفين انها صاحبتك  وهتروح تقولك؟؟! واهي عملت كده بالحرف"
شهد مستنكرة:" يا سلاااام... كل الفيلم ده عشان يوصلولي.. ده قصة طولية جدا..."
وحكت شهد بالتفصيل الممل عن ما قالته سمر و عن حديثها مع زوزو في نفس اليوم.. و عن ما فعله هو و جعلها تهدده بالسكين..
انهت حديثها بـ:" اقنعني بأه ان كل ده فيلم من تأليف زوزو.. هي اه مش سهلة بس مش للدرجادي!"

ابتسم جو وقال:" انا مش هدافع عن عن نفسي انا هسيبك تحكمي قلبك... المرة دي إسأليه هو.. وشوفي هو مصدق مين.. وانا راضي بحكمه"
شهد وكأنها لم تسمع تلك الكلمات التي اثرت فيها بشدة.. وحركت كل مشاعرها:" طب وحركاتك معايا اللي مش ولابد اللي زادت في الاخر اوي؟؟"
جو ومازال مبتسما ينظر اليها في اعجاب و حب:"اعتبريني كنت بنفذ نصيحة واحد غشيم قالي ان نتيجتها مضمونة هتخليكي متفكريش غير فيا..  وانا  بصراحة بموت لما اي حاجة تشغلك عني.. ومن يأسي بحاول اي محاولة.. "
شهد وقد صارت اكثر ليناً:"يعني انت مكلمتش مع البنات عليا؟؟"
جو:" بكلم عليكي علطول.. انا بقيت بقضي وقتي كله عند عطا في سيرتك.. عشان كده همة غيرانين منك وعايزين يفرقوا بنا"
شهد:" وسمر اللي شافتكوا؟"
جو:" اديكي قلتي.. شافت! مسمعتش.. انا وقفت فعلا من كام يوم مع الثلاثة دول زوزو و سماح و عبير وكنا بنهزر في كلام عادي.. اكيد همة اللي وصلوها انه كان عليكي.."

شهد بقليل من الرقة و الدلال:" يعني انت مش ناوي تبعني؟؟"
جو:" حد يبيع روحه؟؟ انا اليومين اللي فاتو كنت ميت.. و دلوقتي بس روحي رجعت "

خفضت نظرها في خجل فتأمل هو وجهها..كم هي رقيقة حين تخجل.. كم هي حـ....
 يالهول! ما هذا الكم من الاصابات في وجهها؟؟!!
امسك بذقنها بين كفه و قرب و جهها منه وتفحصه عن قرب.. تراجعت شهد و قبل ان تستفهم منه عن ما فعل للتو..قال بقلق:" هو ده حصل ازاي؟!!
اطرقت شهد برأسها و وقالت بصوت خفبض:" اترنيت علقة!"
جو منفعلا:" واضح انها علقة.. مين اللي ضربك؟ طبعا زبون؟"
شهد:" لأ رجالة الريس عبود.."
اتسعت عينا جو ذهولا و قد زاد غضبه وقال :" انت برضه روحتي؟!"
اومائت برأسها..
فقال منفعلا:" احسن! تستاهلي! " ثم خبط بيده علي عجلة القيادة المسكينة.. و قال ضاغطا علي اسنانه وهو ينظر امامه متجنبا النظر اليها حتي لا يفقد اعصابه :" انهي حيوان فيهم؟!
شهد ساخرة:" نسيت اتعرف عليهم و انا بَنضرِب.."
لم يعر جو لمزحتها اهتماما وقال و مازال ضاغطا علي اسنانه:" شكل امه ايه؟؟!"
شهد:" اللي ضرب؟.. ولا اللي كتف؟ ولا اللي قالهم ربوها؟"
نظر اليها جو وكانه يقول "انطقي!" دون ان يتحدث..
فقالت شهد:" همة مجموعة حرس مع واحد رفيع كده و لابس بدلة باين عليه رئيس الحرس"
جو:" مممم.. طيب!"
شهد:" متشغلش بالك.. بصراحة انا لو منهم كنت موتني.. دنا  سبيتلهم و شتمتهم وضربت الراجل المسلوع ابو بدلة ده بالشلوت.."
ابتسم  جو و هو يتخيل شهد الضئيلة تركل عصام رئيس الحرس الانيق  بقدمها..
ولكن نظرة اخري الي وجهها المصاب محت الابتسامة في لحظة و استبدلتها بوجه غاضب..  لك حساب عسير معي يا عصام! هكذا قال في رأسه..
سأل جو بهدوء و رقة:" هنرجع نجيب حاجتك؟!"
اعتدلت شهد في جلستها ونظرت اليه .. ارادت ان تصدقه.. تمنت ان تتفند كل شكوكها و تنساها تماما..
حتي  وانت لم يحدث ..فلا حيلة لديها.. كل ذرة فيها ترغب في البقاء بقربه ايا كانت العواقب..
قالت وقد ظهرت مشاعرها المضطربة في نبرتها:" انا ماعدش ليا اي حاجة في الدنيا.. أنا هثق فيك يا جو.. متخيبش ظني!"
جو:" انا بأة بقي ليا حاجة مهمة اوي في الدنيا .. وهي دي اللي انا عايش عشانها.. يارب يوم ما تحسي اني خيبت ظنك اموت!"
ثم ابتسم ابتسامة جميلة و قال:" نروح بقي نجيب الحاجة؟"
شهد:" بس بلاش تيجي معايا انا هروج اجيبها من ورا زوزو وخلاص.. بلاش مشاكل..انا زهقت من الحوارات"
جو:"لأ إزاااي دانا رايح لزوزو مخصوص.. في كلمتين ليها في قلبي عايز اقولهم!"


***

فتحت زوزو الباب لتجد جو واقفا واضعا ذراعه حول كتف شهد وهي مستندة اليه تلوك علكتها في استهتار..
وقفت  مذهولة في محاولة لتخيل الاحداث التي ادت لهذا المشهد الذي تراه امامها..
قال جو:" زوزو يا حبيبتي .. انا جاي استسمحك في شوية وقت  كمان اقضيه مع شهد.. انا عارف انك قلبك كبير و هتوافقي.. اللي صبرك كل ده ..يصبرك شوية كمان... مش ده اتفاقنا برضه؟!!"
ادركت زوزو ان خطتها الحقيرة وصلت الي علم جو وقد جاء غاضبا..
ارتبكت و لم ترفع عينها الي شهد..
قالت:" شهد دي ملكك يا جو .. تستسمحني ده ايه؟؟"
جو:" لأ ازاي مش انتي حبيبتي اللي برجعلها في الاخر.."
اطرقت برأسها و قالت شبه غاضبة:"  انت جاي تتمألس عليا.. هو عشان انت عارف غلاوتك عندي ؛ عايز تبيع وتشتري فيا"
فجاة تحول جو من النبرة الباردة الساخرة الي انفعال و حنق :" انتي لسة شفتي حاجة؟!  وكمان ليكي عين تزعلي؟!! انا و النعمة لولا اني مبمدش ايدي علي حريم كنت مخلتش فيكي حتة سليمة! اسمعي يا زوزو..  من هنا و رايح ملكيش دعوة بشهد.. وأسمها ميجيش علي لسانك! لأ.. ميعديش  في راسك من أساسه..  فسما بالله  لو حصل من ناحيتك اي حاجة .. لهتشوفي مني رد مش هتتصوريه!! وابعدي عني انا كمان.. انسيني خالص!! الحب مش بالعافية!!"
كانت شهد صامتة تنظر ارضا .. برغم كل غيظها من زوزو الا انها وجدتها الان في موقف لا تحسد عليه.. بل اشفقت عليها من غضب يوسف.. كم كان غليظا جافا معها.. ليت الامر ينتهي عند هذا الحد و يتراكها لحالها ويرحلا..

ولكن زوزو  في ثانية غيرت فكر شهد ثماما ..
صاحت زوزو بنبرة تسمي (ردحا):" كل الهلمة دي عشانها!! اشحال اذا ما كانت مملوكة من واحد لواحد.. حز فيك اوي اني ببعدها عنك ؟؟؟!!  عاجبك فيها ايه؟؟ أنا اللي أولي بيك.. ياما دلعتك وهننتك..  واستحملت قرفك ومعاملتك الباردة..  تقوم تيجي بنت امبارح دي الي منعرفش عنها غير اصلها الوسخ .. وتقلبك عليا؟؟!! دي لا عاشت و لا كانت!"



ثم انقضت علي شهد وغرست اصابعها بغل في عمق شعرها و جذبتها منه..
لنكن واضحين  في رسم الصورة .. فلو ان شهد تساوي غزالاً رشيقا ً؛ فزوزو تساوي فرساً ممشوقاً و(متربي علـ الغالي).. المعركة محسومة لصالح زوزو لمن ينظر عن بعد..
ولكن الغزال هنا اذكي.. ولديه خبرة في العراك بالايدي اكثر بكثير من الفرس..
لذلك كان (تكنيك) زوزو في العراك هو النسائي المعتاد من تمزيع الشعر و تمزيق الوجه بالاظافر و الجلوس علي العدو (لتبطيطه) .. اما شهد فكات تتعارك كالصبية الصغار.. ركلات و لكمات ..إلخ..
وقف يوسف مبهوتا.. وهو يري زوزو تسحل شهد من شعرها و تجلس فوقها ثم تنحني عليها لتعضها في ذرعها.. اقترب و قد وجد ان اسلم حل هوأ ن يحمل زوزو و يلقيها بعيدا.. إلا انه و جد شهد بعد ان صرخت ألما جراء العضة .. في لمح البصر ، كالت لزوزو لكمة قوية في انفها.. جعلتها تترنح و تسقط من فوقها.. فاعتدلت شهد واستدارت لها و ونشبت بينهما معركة اخري من التشابك بالايدي ، كانت لكمات شهد فيها لها الصوت الاعلي.. وقف جو مرتبكا لا يدري كيف ينهي عراك القطط هذا.. 
انقض عليهما و نجح في حمل شهد بذراع واحد من خصرها ؛ بينما دفع بذراعه الاخري زوزو الي الناحية المعاكسة.. و هو يصيح:" بس!! بس!!"
نال بضع ركلات طائشة من شهد علي بعض الخربشات من زوزو..
كانت شهد عنيفة بحق! و قد وجد صعوبة في السيطرة عليها ، بينما تراجعت زوزو لاهثة و قد اصابها الدوار من كثرة ما لاقت من ضربات في وجهها..
صاح في شهد التي مازلت تحاول تسديد ضربات لزوزو و هي مرفوعة عن الارض في ذراعه:"اهمدي بأة!!".. وجد نفسه مضطرا  لاستخدام كلتا يديه بقوة ليسيطرعلي عصبيتها و عنفها، و هو يصيح بها ان تهدأ..
اخيرا هدأت .. و قفت تلهث و قد ظهرت اثار جروحا و خربشات علي وجهها و عنقها و ذراعيها ، و كأنها كانت تتعارك مع نمرا.. اما زوزو فقد جلست علي الارض ممسكة برأسها ..وقد بان فيه اثار الضرب..

قال جو لزوزو:" تصدقي بقي.. ان شهد اللي خدتلي حقي منك!! لو معجبتنيش في اي حاجة بعد كده هبعتهاك!!"
ثم احتضن رأس شهد و ربت عليه و قال:" جدعة يا بت.. لمي حاجتك يالا.. خلينا نمشي من هنا.."
قالت زوزو وهي مازلت ممسكة برأسها:" في ستين الف داهية.. اشبعوا ببعض!"
لم يرد اي منهما عليها .. وفي سرعة كانت شهد تحمل حقيبة اغراضها .. فأخذها منها جو  و لف ذراعه علي كتفها و خرجا.. معا تاركين زوزو تسب و تلعن في غل..

سارا في الطريق يحتضن كتفها و ينظر اليها في اعجاب مبتسما..
قالت و هي تتحس و جهها:" بتبص علي ايه؟؟ بنت الجزمة دي شوهتني.. ده و شي ملحققش يروح منه ضرب العلقة اللي فاتت.."
ابتسم جو وقال:" هي برضه اللي شوهتك؟؟ امال اللي حصل في وشها هي يبقي ايه؟؟ دانت شلفطيها.. بس ماكنش اعرف انك جامدة كدة.."
قالت شهد مازحة بفخر:" اديك عرفت! حرص علي نفسك بأة.."
ضمها اليه اكثر و ضحك واستمرا في السير..
***
في البيت مساءا اتت حنان و حمادة لرؤية شهد.. و قد انباها و عاتبها بشدة علي فعلتها.. و علي الذعر الذي سببته لهم جميعا.. ولكن في النهاية كان الجميع سعيدا بعودتها.. امضت معهم امسية رائعة .. ضجوا بالضحك عندما حكت عن عراكها مع زوزو ، و مغامرتها مع حراس الريس عبود.. كان جو يضحك معهم و لكن كسا و جهه الغضب حين حكت علي رئيس الحراس الذي  جعل رجاله (يعدموها العافية)
قطع حديثها و قال:" خلاص يا شهد.."
نظرت اليه غير فاهمة..
فقال:" متضحكش خالص ..علي فكرة.. قصة دمها تقيل"
فقالت حنان:" لأ الصراحة يا جو .. شهد غباوتها متتوصفش.. وقال فاكرة ان الراجل هينبهر بيها" و ضحكت بشدة ..
اما حمادة فقد تفهم مشاعر جو، فقال:" عنده حق.. حكاية تحرق الدم.. و مفيهاش اي طرافة"
قلبت الفاتاين شفاتهما في عدم فهم  وانهتا الحوار امتثالا لطلب جو..
وهكذا انتهت الليلة  الظريفة..
****
في المساء التالي دلف جو الي تلك الحانة الراقية.. سلم علي الحارس فهو يعرفه شخصيا..
هنا يسهر عصام كبير حرس الريس عبود.. فعلا وجده جو يجلس علي كرسي البار امام الساقي و يحدث صديقا يجلس قربه..
وضع جو يده علي كتف عصام.. فاستدار له ..
"جو؟؟! اهلا.. فينك يا عم؟؟"
اقترب جو من البار و طلب  من الساقي زجاجة كبيرة من البيرة ، و تجاهل تماما قول عصام.. فناولها له الساقي..
فامسك بها و استدار لعصام الذي قال متعجبا:" ايه يا عم انت قافش مني و لا ايه؟؟ انا بكلمك!"
 فجأة رفع جو الزجاجة عاليا و هوي بها في قوة علي وجه عصام.. الذي سقط ارضا من علي الكرسي العالي وسط قطع الزجاج المهشم .. وقد سال الدم من رأسه مكان ارتطام الزجاجة و تهشمها..

قام عصام  مندهشا وغاضبا و هو يتحسس رأسه و يري الدماء علي اصابعه.. قال بغضب:" انت اتهبلت؟"
وانقض علي جو ليأخذ حقه..
وبالفعل كانت معركة حامية لم يتحدث فيها جو بكلمة..
انتهت بعصام في حالة اغماء..
بصق جو علي جسد عصام المدد ارضا و خرج بهدوء وسط ذهول الحاضرين..
***
"مال وشك؟؟ انت اترنيت علقة انت كمان؟"
كانت هذه شهد تتأمل و جه جو عندما دخل عليها فجرا..
قال جو :" مين ده يا بت.. محدش يقدر"
قالت في شماته:" لا و النبي شكل في حد قدر.. اما ايه اللي في وشك  ده؟"
جو:" مانت اصلك مشفتيش و شه هو.."
شهد:" هو مين؟"
جو:" واحد نرفزني!"
شهد متصنعة الخوف: " اللهم احفظنا  من نرفزتك.. و عصبيتك و قلبة وشك!!"
ابتسم في حب..
كان ليفعل من اجلها اي شيء.. قد يقتل لأجلها..
 شعر بارتياح شديد بعد ان قام (بتكويم) عصام.. برغم انه لم يحدثه حتي بكلمة..  ولم يعرفه سبب الضرب الذي تعرض له ، و علي اي شيء يتم تلقينه الدرس ..وذلك حتي  لا يجلب المزيد من المشاكل و الضغوط علي رأسه ورأس شهد.. و لكنه  كان مرتاحا لأنه (فش ) غله.. لم يكن ليتركه بدون عقاب  بعد ان تجرأ وسبب لشهد الاذي..
***
كان جو الفترة الماضية يتغيب كثيرا عن عمله مما زاد من سوء العلاقة بينه و بين الخواجة.. و صار يشعر ان ايامه معه علي وشك الانتهاء.. و لكنه اراد ان يجعلها خاتمة سلسة .. بدون مشاكل او ذيولا..فالخواجة ليس طيب القلب او متسامح.. وهو لا يأمن شره في حالة أن إنقلب عليه..
كما انه  كان يريد ان يضمن و ظيفة اخري إحتياطيا.. في حالة ان قام الخواجة بالاستغناء عنه فجاة..  صار مشغولا بتدبير حاله .. و ترتيب حياته.. و خصوصا بعد ان ادرك ان رغبة الخواجة صارت ان تكون شهد بعيدة عن المنطقة بعد ان زادت المشاكل حولها.. و كان ياخذ خطوات سريعة في هذا الشأن..

***
في المساء قبل ان يخرج خو للعمل..طرق الباب ففتح ليجد و جها مالوفا و لكنه لا يتذكره تحديدا.. و لأن البيت صغيرا كانت شهد تري القادم من مكانها بالداخل ..
صاحت  بدهشة و ذعر:" صلاح؟؟؟!!!"
استشعر جو خوفها فقال للقادم بسخافة:" أؤمر؟؟!"
صلاح:" انت مش عارفني يا جو؟ انا من رجالة عدوي.."
دفع الجو الباب ليغلقه في وجهه و قال ببرود:" معرفش حد بالاسم ده.. و قوله لو هوب هنا المرة دي هيموت!"
قال صلاح مستعطفا:" هو فعلا بيموت يا جو.. اسمعني بس! انا جاي اوصل رسالة..طب فتشني براحتك.. بس دخلني اكلم شهد.."
كانت شهد تسمع الحديث من داخل البيت و قد اصابها التوتر..
قال جو:" قول اللي انت عايزه ليا و انا هوصلها.."
صلاح:" عدوي خلاص بيموت.. و عايز يشوف شهد .."
جو:"ليه دي حياله رصاصة في كتفه.؟؟. ملقتوش فيلم اذكي من كده شوية؟؟ هبل احنا بقي و هنصدق.. والبت هتجري ملهوفة عليه..  قوله انه حتي لو بيموت.. مش فارقة معنا.. في ستين داية.. هنبقي ندعي ربنا يسامحه"
صلاح:"افهم بس يا جو.. مش فيلم و الله..  عدوي طلع عنده سرطان.. لما دخل المستشفي عشان الرصاصة.. بعد فترة شكوا انه عيان.. وبعدين عرفوا انه عنده بقاله مدة و منتشر .. دلوقتي هو بيموت.. "
لسبب ما اثر كلام صلاح في جو.. و لكنه لم يصدقه بعد..
فقط ادخله ليسمع تفاصيل اكثر و يتمكن من تحديد صدق القصة..
قال صلاح بتأثر:" تفتكر يعني قعاده في المستشفي راقد كل ده ليه؟؟؟ دي لو كنت الرصاصة كان خرج من زمان.."
تذكر جو انه قبل بضعة ايام حين سأل بالفعل عن عدوي اثناء بحثه عن شهد.. علم ان حالته الصحية سيئة، و لكنه لم يعط الامر اهتماما وقتها..
استطرد  صلاح:" لو تشوفه دلوقتي حالته تصعب علي الكافر.. انا بعد جنبه دموعي بتنزل.. ماعادش عدوي الجبار الي قلبه ميت.. وكل اللي علي باله دلوقتي انه يشوف شهد قبل ما يموت"
قال جو وقد بدا مصدقا الي درجة ما:" واشمعني شهد؟!"
صلاح:" يا جو دي اللي قضي حياته بيجري و راها.. بيحبها يا جدع.. طلع عند قلب وبيحبها"
سرت كهرباء عصبية في جسد جو و هو يستمع لهذا الكلام..
ولكنه لم يعلق.. كانت مشاعره متضاربة الان.. فبرغم كرهه لعدوي.. و لكن اخر ما كان يتوقعه ان يراه علي فراش الموت في عنفوان شبابه.. ان يموت ضعيفا مسكينا..  لربما توقع موته علي يد احد اعداءه الكُثر و الذي صار هو احدا منهم.. و لكن هكذا؟؟!.. يموت مريضا!! لا حو ولا قوة  إلا بالله!
ثم ما قصة رغبته في رؤيته شهد؟؟؟ لا يروقة هذا الامر بتانا..
قال صلاح محدثا شهد:" هتروحي يا شهد؟؟ مش هيكلفك غير خمس دقايق..  اكسبي فيه ثواب.. ده حالته بقت صعبة اوي.. ومفيش غير سيرتك علي لسانه.. متخفيش منه.. ده خلاص ..مش قادرحتي يرفع ايده.."
كانت نفس المشاعر المتضاربة تمر بها هي الاخري.. المها ما وصفه صلاح عن حاله عدوي.. هي تكرهه علي حالته الطبيعة .. عنيفا قويا ساديا و يحب الاذي.. و لكن مريضا ضعيفا؟؟!!  اشفقت عليه بشدة.. سبحانك يا رب!
لم ترد.. بل نظرت الي جو علي امل ان ينقذها من حيرتها و لكنها و جدته في نفس الحيرة..
قال صلاح في قولا نهائيا:" واضح انكم برضه مش مصدقين.. ادي عنوان المستشفي  واسمها.. ممكن بسهولة تتأكدي من كلامي قبل ما تروحي .. لو في قلبك شوية رحمة.. ارحمي واحد بيموت و كل وكل امله انه يشوفك"

قال كلمته الاخيرة و انصرف و قد بدا عليه الحزن الشديد..

لم يكذب جو خبرا قام بعدة اتصالات  ليتاكد من صحة كلام صلاح..
 وقف مبهوتا يحدث شهد في حزن واضح :"طلع كلامه صح .. عدوي بيموت فعلا يا شهد في المستشفي!"
وجلس يحاول تقبل الخبر.. مر في مخيلته صورا عديدة .. فيها عدوي طفلا.. ثم صبيا.. ثم شابا قويا.. تذكر معاناتهما معا.. اللقيمات التي تشاركاها احيانا.. الحقيقة  أنه كان لا يطيق و جوده.. و لكن لم يكن يتمني رحيله بهذه الطريقة..
قالت شهد بحزن وحيرة:" تفتكر اروحله؟"
رفع بصره  اليها بسرعة.. و لكنه لم يكن لديه اجابة .. كان محتارا مثلها.. كيف يقبل ان تذهب لرجل اخر يهيم بها حبا  ويرغب  في رؤياها و النظر اليها و والتمتع بقربها؟؟ولكن هل يرفض طلب انسان مسكين علي فراش الموت؟؟ لمجرد ان الموضوع يثير غيرته؟؟ ومما يغار اصلا؟؟ من شخص علي وشك الرحيل عن عالمهم لملاقاة ربه؟؟!
***
فتح جو باب حجرة المستشفى ببطء و كأنه يؤجل الدخول.. مد رأسه ونظر الي الدخل ورآه.. بدا مختلفا.. نقص وزنه بشدة و تلك الهالات السوداء حول عينيه.. ضايقه المنظر..
بداية غير موفقة..
التفت اليه عدوي و قال بوهن مندهشا:" جو؟؟!! "
اومأ جو برأسه دون أن يدخل وكأنه يخشي الدخول..
قال عدوي:"  كتر خيرك انك جيت تشوفني.. انا بموت  يا جو.."
تنهد جو كان عاجزا الكلام.. الموقف صعب و مشاعره مختلطة..
سأل عدوي بلهفة:" شهد مش هتيجي؟"
بالفعل تذكر جو ان شهد تقف خلفه و انه دخل قلبها ليطمئن اولا ان المكان بالفعل امن.. دلف الي الحجرة  ساحبا شهد من يدها.. و التي بدا عليها التوتر و الحزن..
عندما وقع نظر عدوي عليها.. تصاعدت انفاسه و قال منفعلا علي قدر ما سمحت قوته:" شهد؟!! شهد.. اخيرا جيتي..  قربي.. قربي .. انا محتاج اقولك حاجات كتير.. "
نظرت شهد لجو تطلب الدعم.. ولكنها و جدته حالته حال..
اقتربت ببطء و توجس.. مد عدوي يده و لم يستطع ان يرفعها فقال بوهن:" هاتي ايدك.. نفسي امسكها"
ابتلع يوسف ريقه بصوت عالي و كانه يحاول ابتلاع ما سمع للتو..
مدت شهد يدها و تركتها في يد عدوي.. تجمعت الدموع في عينيها عندما نظرت في وجهه الباهت المريض وعينيه التي تنظران اليها بهيام ..

قال عدوي:" انا عايزك تسامحيني!.. سامحيني يا شهد علي كل اللي عملته فيكي.. برغم كل اللي عملته كنت بحبك.. و كان كل اللي بتمناه انك تبقي معايا طول عمري.. "
تأثرت شهد بكلماته و نزلت دموعها و هي تقول:"مسامحاك .. اطمن.."
اكمل عدوي:" انا مبسوط اوي انك جيتي.. دلوقتي انا مستعد لأي حاجة..  كنت خايف اموت قبل ما اشوفك.. او المس ايديك.. او احط ايدي علي شعرك .. " و رفع يده في ضعف  فترددت لوهلة ثم احنت رأسها له ليملس علي شعرها..
فاكمل :" واشم ريحته.. ريحته اللي كانت بتجنني لما بفتكرها وانا لوحدي.. و اقوم في ساعتها ادور عليكي عند المعلم مرعي عشان اجُر شَكَلك.."
قرب رأسها اليه .. الي ان صارت مسنودة علي صدره تماما و دس انفه في شعرها و اخذ نفسا عميقا..
لم تحرك شهد ساكنا فقد كانت متألمة بشدة من حديثه و الموقف الصعب جدا الذي هم فيه تلاثتهم.. تركت دموعها تنهمر تأثرا و تركت راسها علي صدره..
شعر جو بالدماء تصعد الي رأسه.. اشاح بوجهه بعيدا  حتي يتمكن من الهدوء.. عقد ساعديه علي صدره في عصبية .. و قضم اضافره..
اهدأ يا يوسف! اهدأ..  ليس هناك مجالا للغيرة الطاحنة الان.. ليس هناك اي مجال!!
قال عدوي في راحة:" ياااه يا شهد.. ياااه .. يا رتني عييت من زمان.. لو كنت اعرف ان موتي هيخليني في يوم اضمك لقلبي كده ..كنت موت نفسي الف مرة.. "
ثم  وجه حديثه الي جو وقال:" متضايقش مني يا جو.. انا مش عايز حد يضايق مني.. بس انا خلاص دي فرصتي الاخيرة معاها.. انت قدامك العمر كله.. خلي  بالك منها..  انا عارف كويس انك هتحميها.. انا جربت بنفسي.. " قالها و ابتسم في ضعف
اقبل عليه جو و قد لام نفسه علي غضبه قبل لحظات.. قال:" انا اللي اسف يا عدوي.. اسف عشان ضربتك بالنار.. و .."
قاطعه عدوي قائلا:" كان حقك.. كنت بتحميها..  وكويس انك عملت كده.. انا مش عارف لو رصاصتي كانت جت فيها ، كنت هعمل ايه.. كنت هحرق نفسي!.. خلي بالك منها.. حرص من مرعي.. هو لسة عايز يرجعها وبيدور عليها.."
وقف جو واعصابه من نار.. هاهو يقف يودع في مشهد مؤلم رفيق درب المعاناة و الكفاح .. في نفس ذات اللحظة يشاهد حبيبته في احضان رجلا.. يلامس شعرها و يتحسس ظهرها.. و يستمع لحديثا مؤثرا جدا عن عشقه لها .. لشهد.. شهد حبيبته هو!! ادرك انه سيخرج من هذه الغرفة و هو بحاجة ماسة لعلاج نفسي مكثف..
قال عدوي و هو يضم شهد اليه بقوة:" سلام يا شهد.. ابقي اقريلي الفاتحة لو خطرت علي بالك.. اكيد هحتاجها.. متسينيش.. افتكري ان كان في واحد بيحبك اوي.. و كان كل امله انك تحبيه.. سامحيني يا شهد.. "

وفجأة ارتخت يده التي كانت تضمها و بدا و كأنه يفقد الوعي.. فجري جو مسرعا للخارج و نادي الطبيب.. الذي اتي مسرعا و بعد ان تفقد عدوي قال لهما ان تلك هي لحظات غياب عن الوعي تتكرر بكثرة و قد تنتهي بغيبوبة او الوفاة.. وطلب منم الدعاء له فحالته متاخرة  جدا و تلك قد تكون لحظات النهاية..
بكت شهد بحرقة وهما يسيران للخارج بينما سار جو سارحا  وكأنه مصدوم..
كان من اصعب المواقف التي مرت في حياة كل منهما.. بل هو اصعب موقف علي الاطلاق!
قبل ان يخرجا من بوابة المستشفي الرئيسية استوقفها جو و طلب منها ان تنتظره بينما يدخل سريعا لدورة المياة..
بالفعل اسنتندت علي الحائط بجاور باب دورة المياة .. وقفت تبكي بمفردها.. اثر بها بشدة كلام عدوي.. تمنت لو انها لم تعامله بكل ذلك الجفاء، برغم انه كان يستحقه..
في نفس اللحظة التي رأت فيها جو يخرج من دورة المياة.. و جدت يدا تضربها علي كتفها  و صوت رجلا يقول: بت يا شهد!"
كان جو قد و صل اليها وقد عقد حاجبيه محاولا ان يفهم كنه ذلك الشخص الذي وضع يده علي شهد للتو..الهم طولك يا روح..
استدارت شهد للشخص الذي تعرفته علي الفور و لكن وترتها رؤيته..
قال الشاب:" فين اراضيكي يا حلوة.. ده المعلم قالب عليكي الدنيا.. ومالك معيطة كدة.. حد مزعلك؟؟!" ثم رمق جو بنظرة نارية..
قال جو:" مين انت اساسا؟؟"
اجابه الشاب بامتعاض :" انا اللي مربي البت دي .. بس متمرش فيها و هربت.. خليها هي تقولك انا مين؟"
تحدثت شهد بصوت مبحوح:" ده سليم يا جو.. من رجالة المعلم مرعي.. "
جو لسليم :" مربيها ده ايه؟ دانت شكلك اعيل منها.."
وضعت شهد كفها  علي صدر جو كنوع من التهدئة و قالت:" قصده معلمني حاجات كتير.. سليم كان زي كده المدرب بتاعي.."
لم ترد شد استفزاز سليم بأي صورة حتي لا  يغضب و يحاول إذائها بإخبار المعلم عن مكانها او اثارة اي مشاكل حولها.. لقد تعبت من كثرة المواضيع و المشاكل..
جو باستهزاء:" حرامي يعني؟؟ تشرفنا .."
فقال سليم ببرود مشيرا الي جو باحتقار:" مين ده يا شهد؟!"
جو غاضبا:" انا اللي بملكها! ومش مسموح لك تكلمها .. وايدك لو اتمدت عليها تاني هقطعهالك" كان يشير الي كتفها حيث ضربها سليم قبل قليل..
وضعت شهد كفيها علي وجهها في يأس.. وكأنها تلطم.. عراك جديد!
سليم بحدة:" لا دانت عايز تتربي بقي!!"
جو:" وريني اخرك يا (لفظ بذيء)"
وفجأة امسك شهد برأسها وسقطت ارضا بينهما حيث يقفان..
انحني جو بسرعة ليتفقدها ..بينما جري سليم ليأتي بكوب ماء..
حملها جو و دخل بها من باب قسم الطواريء .. بينما بحث عنهما سليم فلم يجدهما ..
فحصها الطبيب و قال بدهشة:" مفيهاش حاجة!"
جو:" امال مالها؟؟!"
الطبيب :" مش فاهم.. مفيهاش جنس حاجة.. ضغطها و اطي سنة بس مش لدرجة فقدان الوعي"
جو:" طب فوقها.."
الطبيب:" هي فايقة.. عينها مقفولة بس!"
جو في عدم فهم:" بتمثل يعني؟؟!!"
رفع الطبيب كتفيه في حيرة :" ممكن!"
اقترب منها جو وتفحص وجهها.. لطمها لطمة خفيفة علي وجهها لم يجد رد فعل.. فلطمها اخري لقوي.. مازالت بلا رد فعل فكر لثانية ثم  همس في اذنها بأمرا ما..ليجد عينيها تفتح بسرعة و تقول:" والله لكون ضارباك قدام الناس!"  
فقال الطبيب حانقا:" انتو بتلعبوا؟؟!.. بتضيعوا وقتي؟!!"
قال جو معتذرا:" اسفين يا بشمهندس.."
واخذ شهد و خرجا.. وسط سباب الطبيب  ..
قال جو:" مش فاهمك! نشفتي دمي"
قالت شهد و هي تتلفت حولها و تسحبه من يده في سرعة ليصلا الي خارج المستشفي:" كنت عايزة افكس الخناقة.. مكنتش عايزاك تتخانق مع سليم.. ده نابه ازرق..  وممكن يعملنا مشاكل"
جو:" يا حبيبتي الخناقة حصلت خلاص من ساعة ما حط ايده علي كتفك.. وهو كده يعني مش هيعملنا مشاكل؟ اه يا رب.. انا هلاقيها منين و لا منين.."
شهد:" و حد قلك تتغابي عليه؟ "
جو:" لأ اسيبه يقولك يا حلوة و يحط ايده عليكي عادي! انتي اول مرة تتعرفي عليا؟"
صمتت شهد و ابتسمت في دلال.. كم تعشق غيرته عليها..
سارا مبتعدين عن المستشفي.. ولم تبعد صورة عدوي المريض عن رأسيهما طوال الطريق..  دعا له بالرحمة والغفران..