صورتي
القاهرة, Egypt
منة فوزي .سيناريست وبحب احكي حواديت

جميع حقوق النشر محفوظة وغير مسموح بالنقل !


حقوق الملكية يا حرامي!

3/06/2012

حُرية رُقية (8)


انطلقت بها السيارة التي يقودها جايك و هي ما بين التهديد و الوعيد و بين البكاء حسرة، يتخللهما شرود و تفكير في ما يمكنها فعله و كيفية الهروب منهم قبل ان تصل لابيها.. بينما هي تنظر الي الفراغ خارج النافذة مرق بجانب السيارة شبح لافت للنظر.. يتلفح بالسواد.. وينطلق فوق دراجته البخارية السوداء..انه عمر! تابعته عبر الزجاج الامامي فهو كان قد تقدم عنهم و صار امامهم ..لقد ارسله القدر في طريقها ثانية لسبب ما ، بعد ان افترقا لاكثر من ثلاث ساعات و عبر رقم كبير من الاميال ..هاهو يظهر امامها من جديد.. انه حقا القدر.. لعله ملاكها الحارس  متنكر في صورة بشر.. حاولت الا تبدوا تعبيرات وجهها لافتة للنظر.. يجب ان تجذب انتباهه!
صاحت فجأة كلمجنونة : انا لست بخير! افتحوا النافذة.. اخنتنق! افتحوا النافذة.. انه القيء.. افتحوا ! سأتقيأ الان"

امتثل فورا احد الحارسين وقد افزعه كثيرا قولها انها ستتقيأ الان.. فتح النافذة من الزر الكهربي بينما داست رقية بركبتيها عليه وهرست أحد افخاده فتأوه متألما و هو يحاول التمسك بها كي لا تقفز للخارج هربا.. بينما هي تخرج رأسها من النافذة وتتظاهر بالتعب.. القت نظرة و حددت مكان عمر الذي لم يكن بعيدا.. ثم صرخت  بأعلي صوتها:" عمر! الي هنا يا عمر.. انظر الي.. اخرجني من هنا يا عمر! اختطفوني.. النجدة"
وهنا تعاون الحارسان علي اعادتها جالسة بالقوة و اغلاق النافذة حينما انكشفت حيلتها بينما هي تصراعهم و مازالت تصرخ منادية لعمر.

اما عمر فقد وصل صوتها اليه و اخترق اذنه.. كان يتوقع هذا و تعليماته لجايك و الحراس ان يعطوها الفرصة لان تراه و تطلب النجدة دون ان تشعر انهم قصدوا ذلك..

لذلك استدار برأسه لمصدر صوتها فور ان وصل اليه.. ثم اوقف فجأة درجاته بحركة لولبية جعلته يدور بها و يستقر تماما امام سيارتهم .. وقد توقف سائق السيارة الذي كان يتوقع بدوره هذا و قد تظاهر بالرعب من تلك الدراجة التي ظهرت امامه فجأة و كاد يطيح بها و براكبها.. جلس مكانه لبرهة  يسب عمر و يشير له بحدة ليتحرك من امام السيارة  بينما و قف عمر يخبط بيديه بعنف علي غطاء السيارة الامامي.. حبست رقية انفاسها تتابع المشهد .. وتفكر في دورها التالي  .. ان اربعة رجال ضد عمر مهما كان شجاعا امر محسوم .. لقد ورطته في امر  سينتهي بما ليس في صالحه او صالحها.. ترجل جايك من السيارة و هو يأمر الباقين بألا يتحركوا و الا يتركوا رقية ..
سار حتي وقف مواجها لعمر تماما و صاح به ان يبتعد.. و بضع سيارات تمر بجانبهما تسبهما لإيقاف الطريق.. قام عمر بلكم جايك لكمة اطاحت به ارضا.. مما جعل  السائق و احد الحراس يترجلون بسرعة لنجدة جايك تاركين رُقية في حوزة حارسا واحدا .. حدثت معركة قصيرة انتصر فيها عمر بعد ان كال اللكمات وبعض ضربات الرأس... وهنا بدأ الحارس الباقي بتوجيه يده لجراب سلاحه..وقد بدي لرقيه انه استشعر الخطر ..فقامت بالانقضاض علي يده المتجهة للسلاح وعضتها بقوة جلعت الرجل يصرخ الما.. وفي نفس اللحظة كان عمر يفتح لها باب السيارة و يخرجها ثم يكيل لكمة للحارس وهو يحاول التشبث بحقيبتها  قبل ان تنزعها رقية و تصير بأكملها خارج السيارة.

ركضت رقية نحو دراجة عمر.. ثم انتبهت انه لا يتبعها بنفس السرعة .. استدارت نحوه لتجده واقفا يتابعها في برود.. فنظرت الي اجساد جايك و الحراس في الارض غائبين عن الوعي وصاحت:" بسرعة.. سيفيقون في اي لحظة.. هيا!"
قال عمر ببرود و قد اسند ظهره الي سيارتهم:" كنت اظن انك لا تريدين البقاء مع شخص متدخل مثلي"
رقية :" وهل هذا وقت عتاب؟!"
عمر:" انا افعل ما تطلبينه انت مني بارادتك حتي لا اكون متدخلا.. لقد طلبت مني ان ابتعد عنك ..ففعلت.. طبلت مني ان اخرجك من السيارة ففعلت ايضا... والان ماذا تريدين؟"
رقية وهي تتلفت  في ذعر الي اجسادهم و الي الطريق غير مصدقة ان عليها ان تقيم حوارا مع عمر الان:" اريدك ان تأخني بعيدا عن هنا ايها الغبي! الشرطة ستأتي الان!! علي الاقل مائة شخص شاهد الامر وقام بالإبلاغ"

طق طق عمر بفمه ببرود معترضا وقال" غبي؟! انت لديك مشكلة رهيبة مع ابداء الامتنان "

يأست رقية من محاولة تحريكه.. وقالت بنفاذ صبر و يأس:" حسنا .. ماذا تريد؟"

عمربشماتة :" فلنبدأ  بالاعتذار والتوسل.."

قالت رقية و هي مازلت تتلفت حولها:" سأعتذر لك كما ترغب و لكن اخرجنا من هنا ارجوك!"

لم يرد بل ظل يرمقها ببرود.. نظرت اليه و ادركت ان حقا عليها الاعتذار و التوسل..

قالت :" انا اسفة حقا يا عمر.. ارجوك اقبل اسفي و ارجوك اوصلني الي اصدقائي"

هنا تأوه جايك علي الارض و بدا انه يستفيق..

قفزت رقية مذعورة و امسكت في ذراع عمر و هي تنظر الي جايك بينما تتوسل الي عمر:" ارجوك يا عمر.. ارجوك! انا اسفة.. حقا انا اسفة.. انا ادين لك حقا بالكثير.. ارجوك "

كاد عمر ان يضحك فقد كان تأوه جايك  اعلان عن ملله من التظاهر بالاغماء، قال عمر و هو يسحبها من يديها الي الدراجة:" فلتتذكري  لحظة الذل تلك كلما هم لسانك بتوجيه اي حديث لي بعد الان.. بأمكاني ان اعيدها دائما ان  لم يعجبني حديثك!"

اومأت برأسها و قلبها يخفق في خوف وهي تقفز خلفه علي الدراجة.. لم يهدأ قلبها الا حين ابتعدا تماما عن المكان دون ان يتبعهما احد..

بعد ان هدأت مر في ذهنها الاحداث السابقة.. انها المرة الثانية التي ينقذها فيها عمر من رجال ابيها.. ناهيك عن المرة التي انقذ فيها حياتها من تلك الرصاصة.. كيف لا تكون ممتنة له؟؟ كيف تغضب منه بعد ذلك لمجرد تدخله في امر شخصي.. و الذي اتضح بعدها انه كان له رؤيا صحيحة فيه بغض النظر عن الاسلوب الهمجي... ولكن مهلا،  حتي اسلوبه الهمجي الذي لم يعجبها مع لوك هو الذي نفسه الاسلوب الذي انقذها من جايك و الحرس..

ثبتت يديها علي كتفيه و نهضت واقفة .. فقال بهدوء وحزم:" اجلسي يا رقية!"

انحنت فوق كتفه للامام وقالت وهي تحاول مواجهة وجهه دون تستطيع مع صعوبة الوضع:" انا فقط اقف لك احتراما.. و اريد ان اشكرك علي كل ما فعلته لي بداية من الرصاصة والي الان مرورا بلوك و اقراضي المال.. واعتذر ايضا ان كنت اخطأت في حقك"

قال وهو يمنع ابتسامته:" حسنا لقد  اوضحت نفسك .. اجلسي الان!"

جلست بحماس مبتسمة و اعادت ذراعيها لتلتف حول خصره .

كان عمر قد امضي وقته بعيدا عن رقية  يعيد في ذاكرته كل ماحدث و يعنف نفسه  و يدرس اخطاءه و اخفاقاته  ليمنع تكرار ذلك.
ومن اللحظة  لا يجب ان يكون هناك اي وجود لاي نوع من المشاعر.. عليه الا يجعلها تستدرجه لأي حديث قد يفسد الخطة سواء حديث سلبي او ايجابي.. لن يجادلها في نقاشات تمس حساسيتها.. و لايريد ان يري منها ذلك الجانب الحميم الذي حرك مشاعره قبلا  حينما تحدثت عن احاسيسها و اهتمامتها.. لا يحتاج لهذا الان فبرغم ان الخطة كادت ان تفشل الا ان الخطة البديلة اكسبته اشواطا اكثر ..
كان يعلم ان انقاذها بتلك الطريقة سيبهرها و ينتزع اعجابها.. ستشعر بالامتنان و الثقة فيه و ستظن انه يهتم بها كثيرا..  وسيغنيه ذلك عن ايقاعها في حبه عن طريق الغزل  واحاديث الاحبة  التي لسبب ما دوما تتسبب في اخفاقه.

ولكن مازال هناك امرا يؤرقه.. ماذا حدث قبل ان تقف رقية لتستوقف السيارات؟؟ كانت خطتهم ان يخطفها رجال ابيها اثناء الاستراحة حين تترجل من سيارة لوك و مجموعته،  ولكنهم فجئوا ان لوك مع اقرانه في الاستراحة بدون رقية.. ثم و وجدوها بعدها علي الطريق.. ما الذي جلعها تتركهم؟ ماذا فعل لها لوك؟

اراد ان يسألها و لكن سؤاله عما فعله لوك قد يستفزها و يتعارض مع التزامه بعدم جدالها في اي امر تعتبره هي شخصي.. لذا لزم الصمت علها هي تحكي من تلقاء نفسها..

بعد مدة وقبل ان يصلا المدينة التالية بمسافة ليست بعيدة.. اوقف عمر الدراجة امام محطة وقود بها مقهي..

ترجلت رقية و كانت مرهقة و جائعة.. لحق بها عمر الي المقهي و هوي كليهما علي اقرب كرسيين..

رقية: حقا الرحلة شاقة.. كم بقي لنا للحاق باصدقائي في (--) ؟"
عمر:" نحن قرب مدخل المدينة.. لم يبق الكثير حتي نتخلص من بعضنا البعض"

ابتسمت رقية و قالت :" من قال لك انك ستتخلص مني؟ انا ادعوك لقضاء الوقت معي في الكرنفال"

عمر:" لست مهتما تماما.. كما اني لدي عمل ..لست عاطلا مثلك"

عقدت رقية حاجبيها متأثرة برده الجاف و قالت:" انت حقا مستاء مني.."

مالت للامام لتكون اقرب و نظرت له قائلة:" انا اسفة لما بدر مني .. احيانا اكون حساسة تجاة التدخل في شؤني..فيصدر مني ردود فعل سخيفة.. ارجوك سامحني"

اقترب منها عمر فجأة وقال :" اي تدخل في شؤنك يا رقية.؟. انا لا اعلم عنك اي شيء و اجد اشخاص لأ ادري كنههم و لا اعرف لما يطاردونك بهذا الاصرار.. ومع هذا لم اتردد للحظة ان اساندك و اخرجك مرتان من المأزق الذي كنت فيه معهم.. ولم اسألك سؤال واحد احتراما لخصوصياتك ..برغم انه حقي فانك قد تكونين اي شيء.. لصة ..مجرمة.. متورطة في امر ما مريب.. ماذا يدريني؟  الا اني رغم كل هذا  احاول  مساندتك! فلا تحدثيني مرة اخري عن حساسيتك تجاه التدخل في شؤنك!"

بهتت رقيه من حديثه الحانق الصحيح تماما..

ترددت في الرد .. ثم قالت :" انا اعتذر لك مرة اخري"

قال و قد ادرك انه تمكن منها تماما هذه المرة:" كفي عن الاعتذار.. يضايقني ان اراك في موقف ضعف"

ارتاحت لكلمته الاخيرة و ابتسمت في رضا ثم قالت مازحة لتغير الجو :" حقا؟ .. لم اراك تضايقت حين اكنت اتوسل اليك لترحل بي بعيدا عن جايك"

عمر:" اجل تضايقت لرؤية ذلك و لكن عزائي هو انك استحقيتيه"

رقية:" لن اجادلك"

عمر ساخرا :"اسمه جايك اذا؟؟ من منهم هو جايك؟ دعيني اخمن .. الذي تلقي اللكمة الاولي؟ من هو؟ زوجك الذي تهربين منه؟ لا دعيني اخمن.. هو يكبرك بعشرون عاما لذا هربت منه..صحيح؟"

ضحكت رقية اثناء سؤاله وردت:" اتظن اني شخص يمكن ان يتزوج دون ارادته؟"

ابتسم عمر ابتسامة العارف ثم هز رأسه نفيا.. نعم هو بالفعل هو يعلم انها لن تتزوج دون ارادتها.. لذلك هو هنا الان!  ليتحايل علي ارادتها و يكسرها..فتنتهي زوجة لمن هربت منه في البداية..  لماذا عليه ان يفعل بها ذلك؟ ما النبيل في الامر؟ دوما كان يؤمن ان كل مهمة مطلوبة منه هي لهدف نبيل ايا كانت و سيلتها.. و لكن  اين وجه النبل في تحطيم قلب فتاة بريئة كل ذنبها انها لا تريد الزواج من شاب حقير؟؟
نظر اليها و هي ترشف القهوة بتلذذ .. المسكينة لا تعي ما ينتظرها .. اشاح بوجه بعيدا واستحضر في ذهنه مهنيته و صرامته و سيطرته علي مشاعره.

قالت رقيه فجأة :" اخبرني الان ما حدث بينك و بين دونا.. وسأخبرك اماذا فعلت انا بها"

انتبه لها عمر من شروده.. كان الفضول يأكله ليعرف ما حدث مع دونا و لوك ..

فقال بالمصري:" مش  قلنا ده كلام كبار؟"

رقية:" هيكون اكبر من اني ضربتهالك علقة سخنة"

ابتسم عمر لقولها علقة سخنة فقد خرجت من فمها طفولية و مضحكة..  لقد رأي رقية تتشاجر في احدي حفلا ت عيد  ميلاد صديقتها مرة و لقد اذهلته ساعتها بكل الجرأة و الغضب والعنف التي قد تكون عليه.. ولكن ادهشه  الان انها ضربت دونا..تري لم؟

قال مندهشا:" ضربتيها؟ ازاي؟"

رقية: بدلال" احكيلي و انا احكيلك"

كان فضول عمر قد زاد جدا فقال:" مش فاهم يعني انتي ساذجة فعلا و لا بتمثلي ؟ الموضوع واضح يا رقية كانت بتدور علي حد تسلي و قتها معاه.. بس انا صديتها"

رقية  وكأنها وجدت ضالتها:" صديتها ازاي؟ و ليه اصلا صديتها"

عمر :" ليه.. عشان مش ده مش طبعي.. ازاي..ممم..قلتلها اني بحب واحدة و عمري ما هخونها"

رقية بلهفة:" مين؟"

عمر :" مين ايه؟"

رقية:" مين اللي بتحبها؟"

عمر:"ايه  النباهة دي؟؟!! بضحك عليها .. بقول اي حاجة "

رقية وقد بدي عليها التوتر و عادت للانجليزية:" الم تخبرها بأسم معين؟"

عمر:" لأ ..قلتلها و احدة تانية وخلاص"

عقدت رقية حاجبيها في جدية و قالت بمصريتها التي لم تتناسب مع الجدية:" عمر! انت بتكذب.. لأني ضربتها عشان هي قالتلي اني حقيرة و بلعب بمشاعرك.. لأن انت قلتلها انك بتحبني!"

سأل عمر او ل ما خطر علي باله:" وهي شافت ايه يخليها تقول انك بتلعبي بمشاعري؟"

ردت رقية بتلقائية قبل ان تفكر في تسلسل الحوار:" شافت اني سبتك و رحت مع لوك.. عشان لوك يديني فلوس"

عمر بسرعة:" وهو لوك اداكي فلوس؟"

رقية:" لا لم اخذها كي لا يتوقع مقابل..دونا اخبرتني عن سوء نيته فرحلت بعد ان ضربت دونا ثم نهرته ليغرب عن وجهي"

ابتسم عمر ابتسامة عريضة.. ابتسامة انتصار.. بعد ان وصلا لتلك النقطة.. كان قد عرف منها كل ما اراد واطمأن الي ان لوك لم يتطاول فعلا عليها..كما ان دونا لم تجرها معها الي اي مصيبة.. و فوق كل ذلك تم اثبات وجه نظره السابقة في امر "نية لوك"..

ادركت رقية ما حدث للتو.. لقد انجرفت معه في الحديث .. وهي لم تحصل منه علي اجابة لسؤالها

قالت:"لم قلت لدونا اني انا حبيبتك؟"

عمر مبتسما:" لم اقل "

رقية:" عمر.. الفتاة  تحترق غيظا مني..بعد ان كانت تعاملني بلطف.. لا تقل لي انها مزاجية.. هناك ما ضايقها بشأني.. ناهيك عن انها اخبرتي ما هو الشيء.. قالت انها رأت لهفتك في عينيك"

ابتسم عمر و قال:" هي حرة فيما تراه .. اقسم اني لم اذكر اسمك لها"

رقية:" اذن لم تظن هي ان حبيبتك  هي انا؟؟"

عمر بابتسامة خبيثة:" ليس لدي ادني فكرة"

شعرت معه بالحيرة.. لم تعرف ماذا تظن.. كل ما تعرفه هو أن إن فعل شخصا كل ذلك من اجل شخصا اخر دون ان يعرف عنه شيئا فهذا يسمي اهتمام من نوع خاص.. وهذا الاهتمام هو ما رأته دونا في عيون عمر و اشعل غيظها.

***

رفع صادق صوته في حزم ليهديء من العاصفة الغاضبة التي دخل بها مروان عليه في حجرة المكتب في قصره:" مش كده يا مروان .. اهدي شوية!"

مروان:" يا عمي ده سافل.. بيغلط فيا و بيلمح بكلام مش كويس علي رقية"

صادق:" انا متأكد انه كان مكانش يقصد "

مروان :" لأ كان يقصد و قفل السكة في وشي.. انا مش عايزه يرجعها .. انا مش عايزه في المهمة دي خالص.. اديله حسابه و مشيه يا عمي!"

نظر له صادق نظرة محذرة وقال:" انت بتديني اوامر يا مروان؟"

مروان:" العفو يا عمي.. بس الولد ده ملوش لازمة.. لازم يمشي"

صادق:" انا اللي اشوف هو ليه لازمة و لا لأ .. خلي بالك من حدودك يا مروان.. ثم انت بتكلمه ليه اصلا و جبت رقمه منين؟؟ دي اخر مرة تتصل بيه.. عمر كلامه معايا انا بس!"

صمت مروان و لو ان تعبيرات الاستياء لم تبرح وجهه.. صادق شخص مسيطر ليس مثل ابيه.. لو كان ابيه هو من بيده الامر لامتثل فورا لنوبة غضب مروان و فعل له كل ما يرغب في الحال.. لم يعجب مروان هذا الامر تماما.

غادر المكتب و هو يقول :" اللي تشوفه يا عمي.. بس انا بحذرك من الولد ده.. هيتنمرد علينا ويحطنا تحت ضرسه.. انا عارف الاشكال دي!"

صادق بهدوء وهو يتابع مروان  و هو يفتح الباب و يخرج:" نورتنا يا عريس بنتي "

ابتسم مروان ابتسامة صفراء و هو يغلق الباب خلفه و رفع كفه مودعا في صمت

نفث صادق في ضيق بعد ان غادر ..  الفتي علي قدر كفاءته في البزينس و مدي خبث افكاره وبراعته  في اتمام الصفقات .. الا انه علي الصعيد الشخصي مراهق مغرور.. تري هل يصلح للزواج.. هل ستكون رقية سعيدة معه؟  تنهد في حرارة و قلق عندما تذكرها.. امسك هاتفه وارسل احدي الرسائل المبهمة لعمر علي غرار.. كيف الحال ؟ متي سنراك يا صديقي؟
كان يتمني ان يصله ردا من عمر يطمئنه ان رقية صارت معه ثانية.. كان الخوف يعتصر قلبه و هو يفكر في كل اعداءه ..هناك من يعادونه لانه   عربي ناجح.. و هناك من يعادونه لانه رجل اعمال بارع و قد نجح في اخراج الكثير من المجال بعد ان تفوق عليهم.. وهناك من يكرهونه لانه اطاح بهم و ازاحهم من طريقه.. هو بدوره لم يكن بريئا تماما .. البيزنس ليس مجال نظيف علي اية حال.. قد يكون احتال بالرشاوي و ظلم ونافق  .. لكنه يعتبر نفسه اكثر رجال الاعمال نظافة و براءة.. ألا ان معرفته  بمدي دنو مستوي اقرانه يجعله يخشي ان يستغل شخصا مسأله رقية ضده بشكل او بآخر مما يعرضها للاذي و يعرضه للخسارة.

دلف عامر الي مكتبه بعد ان طرق الباب.. قال بأسلوب مهذب وابتسامة رضا :" جايك اخبرني ان عمر نجح في اختطاف رقية منهم مرة اخري.. بمساعدة قوية منها .. لقد عضت يد جون حتي ادمتها.. " ضحك مع جملته الاخيرة ضحكة قصيرة

تنهد صادق بارتياح وابتسم ابتسامة قلقة ثم سأل:" الهذه الدرجة لا تريد ان تعود لابيها؟ ماذا فعلت لها كي تكره العودة الي لهذه الدرجة؟"

قال عامر بالمصرية:" اعذرني يا فندم .. بس رقية بنت مدلعة جدا.. و مش مقدرة اللي سيادتك  بتعمله علشانها .. دي عايشة في نعم اي واحدة في سنها متحلمش بيها ..لو كانت بنتي كنت خليتهم يجيبوها من شعرها و ضربتها علقة وحبستها لحد ماتندم و تيجي تبوس رجلي.."

قال صادق بمرارة ساخرة:" انت فاكر نفسك في مصر؟ انت لو عملت كده في بنتك اللي معاها جنسية انجليزية هتدخل السجن يا عامر"

عامربتلقائية:" عشان كده عيال الانجليز موردتش عليهم تربية.. كويس ان سبت عيالي و امهم في مصر"

شعر صادق بالاهانة الغير مقصودة من عامر.. وكأنه ممتن لأن اولاده احسن من رقية التي لم تتربي في مصر..فسأل :" صحيح اخبار ابنك ايه؟ حليتوله مشكلة قضية الحشيش اللي اتمسك بيه مع اصحابه؟"

تمتم عامر مرتبكا و قد ادرك ما يرمي اليه صادق ثم قال :" لأ .. لسة .. امه لقيت محامي  بس لسة بيعمل اجراءات"

قال عامر اسفا:" معلش.. هسألك معارفي في مصر علي محامي كويس.. دي مشاكل البيوت الي الاب  فيها بيكون غايب"

اطرق عامر برأس في احراج وقال:" فعلا"

استنكر صادق ما قاله للتو ثم نهض و ربت علي كتفه قائلا:" سامحني يا عامر.. انت اكتر من اخ .. مكانش قصدي اجرحك و اجرح ابنك.. بس انا بنتي كمان متربية كويس.. انا اعصابي تعبانة و بقيت بخبط الناس بالكلام.. مش مستحمل اي حاجة"

اومأ عامر برأسه متفهاما وقال:" ان شاء الله ابن السيوفي  هيرجعها لحضنك"

صادق :" انا و اثق فيه ..زي ما كنت بثق في ابوه الله يرحمه.. مش كان يبقي هو ابن عبد هادي ..بدل الواد الحيوان التاني ده"

عامر بهدوء:" النصيب بقي يا فندم.. النصيب"


***

رقية :" عمر اعطني نقودا معدنية احتاج ان اتحدث في الهاتف.."

عمر:" استخدمي هاتفي " و مد يده اليها بهاتفه المحمول ..

اخذته و ابتسمت شاكرة..

اتصلت بإميلي:" إم.. انا روك.... افتقدك ايضا ... اجل  اقتربت جدا.. انا علي ابوب المدينة... الحماس يقتلني لا اكاد اصدق اني فعلتها..  لن تصدقي ما تعرضت له.. لقد بت في مخيم .. و تنقلت مع اشخاص لا اعرفهم.. غير اني ضربت  منهم فتاة... (تضحك) اعرف انها عادتي .. ولكنها كانت تستحق هذه المرة... "
ثم نظرت الي عمر في حرج و نهضت وسارت بعيدا قليلا حتي لا يسمعها ، اكملت همسا:" هربت من رجال ابي مرتين..  مازلت مع نفس الشاب الذي قابلته في القطار.. اسمه عمر.. هو من انقذني منهم للمرة الثانية.. انه رائع يا إم...سأتي به معي.. اقسم انك ستقعين في حبه حين تريه.. وسيم جدا ... و رائع .. لم اقع في حبه لا يا سخيفة.. فقط يعجبني.. تعرفين  لا وقت لدي للعلاقات.. حسنا سأكمل لك حين أرلك .. وداعا"

عادت  له و قالت بابتسامة بريئة:" أيضايقك ان مسحت الرقم الذي اتصلت به .. انت تعلم كيف احافظ علي خصويتي و..."

قاطعها بهدوء:" يكفي ان تطلبي.. لا داعي للتبرير"

امسك الهاتف و جعلها تري بنفسها و هو يقوم بمسح الرقم من ذاكرة الارقام..

رقية:" اخبرت اصدقائي ان معي صديق سيأتي للكرنفال"
عمر:" حقا؟؟ من هو؟ وأين سنقابله؟

رقية مندهشة من غباءه:" اخبرتهم ان اسمه عمر و معه دراجة سوداء"

ابتسم عمر و قال:" لا .. عمر ذو الدراجة السوداء غير مهتم بالكرنفال.. سأوصلك و اذهب لعملي"

رقية بدلال طفولي:" ارجوك... انا حقا اريد ذلك.. سنقضي وقتا مرحا.. اريد ان اعوضك عما عانيته بسببي"

تمتم عمر :" تحتاجين عمرا كاملا لتعويضي"

رقية:" هه؟"

عمر:" لا شيء ..اقول يكفيني ان اراك في امان و سعيدة وسط اصدقائك"

امسكت كفه  ببيديها تستجديه كالاطفال .. فنزع  كفه منها فجأة بتوتر وعنف جعلها تجفل.. و كما تفاجأ هو نفسه من ردة الفعل المبالغ فيها

نظرت اليه رقيه متفحصة و قد عقدت حاجبيها في محاولة لتفسير ما فعله للتو.. تابعت توتر نظراته ..

فقالت بهدوء بعد ان توصل فكرها لتفسير ما:" انت حقا تحب و احدة!  وانا اعجبك.. لذا وجودي يوترك .. لانك تخشي ان يتمادي هذا الاعجاب لاكثر من ذلك.."

ضحك عمر ساخرا  و قال :" اقسم لك اني لست علي علاقة بأي واحدة.. كف عن اثارة هذا الامر.. و ليهبط فضولك.. كما اني لست معجبا بك .. ولست اخشي ان  يتمادي اي شيء لانه ليس هنك شيئا من الاساس"

رقية:" ولم لست معجبا بي.؟. انا فتاة جميلة و مرحة و اجد معجبون اينما ذهبت""

عمر:" نسيتي بالاضافة الي جميلة و مرحة.. مغرورة!"

رقية ضاحكة:" هيا.. انت تعلم اني لست مغرورة.. انا واقعية .. و نعم الواقع يقول اني جميلة.. كيف لا تعجب بي اذن؟"

عمر:" تريدين الواقعية؟ حسنا .. انت لست النوع الذي افضل!.. الواقع  مؤلم ها؟"

تابع فكها المدلي ووجهها المذهول.. كاد ان يضحك..لعله الشخص الاول في حياتها الذي صدها بتلك الطريقة..

ابتلعت جملته فهي تعرف انها من اصرت علي ان تأخذ اجابة.. تنحنحت لتدفع بكلمته  الي بلعومها و قالت:" احم .. و ما هو النوع الذي تفضل؟؟ تحب الشقروات مثلا؟ اخبرني.. سليني"

عمر:" لا .. لدينا  رحلة لنقوم بها .. هيا كفي عن حديث الفتيات الممل انا لست صديقتك المفضلة..و انهي طعامك .. و ادخلي الحمام ان اردت حتي نرحل .. هيا ان اردت المبيت الليلة وسط اصدقائك"

نهض بعيدا ووقف يتحدث في هاتفه عن بعد ولم يبعد نظره عنها.. قبل ان يحدث صادق استمع لحديثها مع اميلي فهاتفه فيه خاصية تسجيل المحادثات بصورة متطورة  منعت رقية من اكتشاف الامر.. تسارعت دقات قلبه و هو يستمع الي ما قالته عنه.. شعر بالرضا.. لأن مهمته علي الطريق الصحيح و الفتاة معجبة به جدا..  نعم .. نعم ..انها المهمة ما اسعده..و هل هناك شيئا اخر؟

 اما هي فكانت شاردة.. هي متأكده انه ينكر اعجابه بها.. و ألا لماذا ارتبك حين لمست يده.. لو لم يكن لديه اي شعور نحوها لمر عليه ذلك الامر دون ان يعيره اهتماما.. كم تود ان تعرف شعوره.. الفضول طحن عقلها.. يجب ان تجبره ان يظهر اعجابه!

عاد عمر بعد ان حدث صادق و طمأنه.. كانت تأكل في صمت و شاردة.. جلس علي الكرسي امامها و قال مبتسما :" فيم انت شاردة؟"

اشارت الي طفل صغير لا يتعدي الخمس سنوات يركن ظهره الي حائط و لا يكف عن البكاء.. قالت:" هذا الطفل امضي الخمس دقائق الاخيرة يبكي بشدة و لا يبدوا ان احدا من السيدات  او الرجال علي الطاولات بقربه يمت له بصلة.. اعتقد انه تائه"

قالتها و هي تنهض نحوه بسرعة.. لحق بها عمر يمنعها قائلا:" لا شأن لك .. لعل امه قريبة وهو معاقب.. ان اقتربت منه قد تتهمك بمحاولة خطفه؟ فلنراقبه مدة اطول"
لم تعر رقية حديث عمر اهتماما بل قالت و هي ذاهبة :" وماذ ان كان بالفعل تائها و مذعورا .. نزيد عذابه بالانتظار؟!!"

تركها عمر تذهب للطفل واثر ان يراقب عن بعد حتي ان وقعت رقية في مشكلة كان شاهدا في صفها و ليس مشتركا معها..

اقتربت رقية من الطفل الباكي.. الذي حين رآها تراجع في توجس وهو يتفحصها..

قالت بحنان :" هل انت تائه؟"

اومأ الطفل برأسه ايجابا و قال:" لا اجد امي.."

قالت برقة وهي تمد يدها اليه:" حسنا تعال معي لنبحث عنها.. ما اسمها لننادي عليها"

تراجع الطفل و قال:" لا اعرفك لاذهب معكي.. مامي قالت لي لا تذهب مع الاغراب"

كان عمر يتابع ما يحدث و يسمع الحديث

قالت رقية برقة و ثقة:" حسنا انت محق جدا  لا يجب ان تجعل غريبا يأخذك او يلمسك.. لنعقد اتفاقا.. اخبرني اسم مامي.. و امشي بجواري ننادي عليها.. لن امسكك او احملك.. وبامكانك الجري والهروب مني في اللحظة التي تشعر فيها اني قد اؤذيك.. اتفقنا؟"
فكر الطفل لبرهة ثم اقتنع ..

قال لها ان اسم امه هو سارا.. وحافظ علي مسافة امنة بينه و بين رُقية وسار بجانبها ينادي امه .. بينما صاحت رقية  تتلفت حولها:" سارا..سارا.. ابنك هنا"

اعجب عمر قدرة رقية علي كسب ثقة الطفل الحذر .. كانت منطقية مقنعة و حنونة .. لو كان طفلا لتعلق بها و ترك امه.. ابتسم و هو يراها مع الصغير الذي وضع اماله و ثقته فيها.. كانت ملامح وجهها جادة وقلقة.. و بدي عليها انها تحمل الهم وكأنها هي من اضاعت امها.. الفتاة  حقا تملك قلبا كبيرا..

قبل ان يتحركا بضع خطوات.. اتت سيدة ملهوفة باكية .. صاحت: بن ..بن.. حبيبي.. لقد مت رعبا!!"

احتضنت الصبي.. وعنفته لانه ذهب بعيدا..ثم نهضت لتحدث رقية و مازلت دموعها لم تجف.. نظرت اليها تتفحصها ثم حدثتها بحدة قائلة:" والي اين كنت تظنين انك ذاهبة بابني؟!!!"

رقية و قد اغاظها اسلوب الام:" كنا ذاهبين  للبحث عنك و ابلاغ امن المطعم"

صاحت الام التي فقدت رشدها:" حقا؟!! ان ابني يعرف جيدا انه لا يجب الذهاب مع الغرباء.. كيف جعلتيه يذهب معك؟ .. كيف تحايلت عليه؟.. انت خاطفة اطفال!"
هنا قام عمر بالتدخل و اخبر الام حقيقة ما حدث.. الا ان رقية قاطعته و دفعته جانبا..

وانفجرت في الام :" ايتها الام الحذرة.. لو كنت اريد ايذاء طفلك.. فلقد تركت انت لي الوقت الكافي لافعل ذلك!!.. طفلك امضي بمفرده عشر دقائق يبكي مذعورا.. ثم امضي خمس دقائق اخري في التحدث مع شخص غريب و هو انا.. اي ان ابنك امضي قرابة ربع الساعة غائبا عن نظرك و انت لا تدرين شيئا عنه!!! بدلا من توزيع الاتهمات علي الاخرين .. انتبهي لطفلك الذي كاد يموت ذعرا بجانب هذا الحائط!"

ثم انسحبت و عادت بخطوات عصيبة لطاولتهما و هي تتمتم سبابا في الام المجنونة.. ذهب عمر خلفها بعد ان اعاد علي مسامع السيدة ما حدث بالفعل و اطمأن ان السيدة رحلت في هدوء دون اثارة مشاكل..

جلس امام رقية  ليجد وجهها حانقا و لكن عيناها دامعة.. و يبدو انه اطال النظر و بدي علي وجهه تعبير متعاطف ..انها المرة الاولي التي يراها باكية..

قالت رقية بجفاء وتوتر:" فيم تحدق؟"

عمر:" رقية من له الحق في البكاء هو السيدة التي مسحت انت بها الارض قبل قليل ..لم الدموع يا صغيرة؟"

رقية باستياء:" الم تري كيف كان الولد منهار.. كان مرعوبا..مؤكد ظن انه لن يري امه  ثانية.. تلك السيدة مهملة  و ابنها لن ينسي هذا الموقف ابدا"

عمر بحنان وهو يتأمل وجهها الباكي الجميل  :" الطفل سينسي ... ذلك طبع الصغار.. لقد كانت ربع ساعة لا اكثر.. اعرف انك مشفقة عليه و لكنه سينسي فور ان تأت له امه بلعبة او حلوي"

رقية حانقة و قد انهمرت دموعها:" لن ينسي يا عمر.. اؤكد لك لن ينسي! و سيظل يتذكر تلك اللحظات وشعوره بالفزع للابد"

تأملها عمر لوهلة ثم سأل لتأكد من يقينه:" انت تهت عندما كنت صغيرة؟ بلي؟"

رقية:" كنت اظن اني تهت.. و لكني علمت بعدها ان ابي تعمد ان يجعلني اظن ذلك حتي اتعلم الا اذهب بعيدا .. مازلت اتذكر الشعور بالضياع و البكاء الحارق و الخوف الرهيب"

عقد عمر حاجبية مستنكرا :" كيف فعل بك ذلك عمدا؟"

ضحكت رقية بمرارة ساخرة:" الحب القاسي.. ابي يؤمن ان القسوة معي لتقويمي هو نوع من الحب"

صمت عمر .. هو يعلم هذا جيدا عن ابيها.. هو شخصيا اداه من ادوات ابيها لتقويمها .. اطرق برأسه و قاوم مشاعره ورغبة ملحة في ضمها .. لكن مشاعره غلبته الا انه قاومها بجهد و اكتفي بوضع يده علي ظهرها و ربت عليها قائلا:" اظنه كان يريد حمايتك.. اكيد انك لم تبتعدي ابدا بعدها؟"

ابتسمت ساخرة  ولم ترد.. فقط مسحت دموعها و انفها ..ثم اخبرته انها ستذهب للحمام..

تابعها  وزفر زفرة حارة وخبط بكفه علي الطاولة.. هو يشعر انه يكره صادق من كل قلبه الان.. ذلك الرجل يتفنن في الحاق الاذي بنفسية ابنته.. واضح ان للموضع تاريخ .. كم يكره ان يكون وسيلة ذلك الرجل البغيض في ايذاء تلك الفتاة الرقيقة.. كم الحنان الذي اظهرته للطفل.. لم يكن يتخيل ان تلك المشاعر تتواجد داخلها و هي دوما تبدو جافة وسطحية.. آلمه  ايضا بكاءها .. قد يفعل اي شيء حتي يتجنب رؤية تلك الدموع اللؤلؤية علي وجنتيها اللذيذتان ثانيا.. لو كان الامر غير مستحيلا لطلب هو يدها من صادق و انقذها من زواجها من مروان و انقذها من  حب ابيها القاسي.. و لكن كما يقال العين متعلاش عن الحاجب.. لن يرضي ابيها بشاب مثله لا يملك من الدنيا سوي راتبه و بيته ودراجته ..و يترك المال و النفوذ المتمثلة في مروان  وابيه ..
 ربما عليه ان يطلب من صادق اعفاءه من المهمة..هكا يتخلص من عذاب الضمير و القلب و البال.
ولكنه لفظ  فورا تلك  الفكرة التي طرأت في ذهنه.. فبرغم كل شيء.. هو يرغب في الاستمرار معها.. يريد ان يطمأن انها بأمان.

عندما عادت كانت دموعها قد جفت الا ان انفها ووجنتيها مازال لونهم وردي يميل للاحمرار اثر البكاء..

ابتسم و داعب طرف انفها بأصبعه و قال :" لا اريد فتيات باكيات هنا.. ان ذهبت معك للكرنفال اتعيدني ان تتوقفي عن البكاء؟"
اشرقت ابتسامة سرورعلي و جهها و ظهرت نغازاتها الجميلة .. تأملها عمر مبتسما بدوره..
اومأت برأسها في سعادة..
فاستطرد:" و هناك شرط اخر.. ليس فقط ان تتوقفي عن البكاء الان.. و لكن لا اريد بكاءا مرة اخري"
رقية:" اعدك"
تأملها قسمات وجهها المبتسم .. كل ملي فيه اصبح جزء من قلبه .. سواء ادرك ذلك او لم يدركه.. اخفاه او اعلنه .. رُقية تسربت الي اعماقه و اصبحت تحتل مكانا لا بأس به في قلبه!

ركبت خلفه الدراجة اسندت رأسها علي ظهره  في هيام و ضمت وسطه بذراعيها.. بينما انطلق هو وهولا يلوي علي خطة محددة ولكنه  يلعن اليوم الذي تعرف فيه ابوه علي ابوها وعينه لديه.

هناك 4 تعليقات:

  1. جميله كالعاده يا منه
    ووضحتى الفرق بين مصر والغرب بخصوص الطفل التائه لا يوجد ثقه او حتى الشعور بالامان ( ديه لو كانت فى مصر كانت الام باست راسها وقالت لها كتر خيرك يا بنتى ومش بعيد تعزمها على الغدا وممكن تجبلها عريس ههههههههه )
    بيبه الجميله

    ردحذف
  2. رشا الصغير7 مارس 2012 في 1:39 ص

    انتظرت كثيرا يا رقية

    وممتنة لشهرزاد أن جاءت بجديدكِ الرائع

    كل سطر هنا يكشف جزء جديد من شخصيتك

    ويعرفنا أكثر ببطلتنا الجديدة

    رغم العناد المرهق هناك قلب كبير وعاطفة فياضة تختفى خلف القناع المكابر الذى أورثها إياه والدها بقسوته وضغطه المستمر عليها

    رقية هنا كسبت الكثير من تعاطفنا وحبنا أيضا

    شكرا لكِ صديقتى

    سننتظر المزيد المدهش

    تحيتى واحترامى غاليتى

    ردحذف
  3. جزء رااااااااائع بجد مليء بالاحاسيس والمشاعر المكتومة التي تتسلل للظهور بين الحين والاخر ...
    دايما مبدعة يا منة وروايتك في الكتاب ليها طعم جديد مستنيينك تنزلي باقي الروايات باذن الله تعالى

    ردحذف
  4. جميييييييييييييلة جدااااااااااااااا
    عمر صعبان عليا اووووووووى
    بين عمله وقلبه
    جويرية

    ردحذف