وقف يوسف بجوار الخواجة و كله اذان صاغية لتلك المكالمة المريبة ، و كان هذا ما سمعه..
الخواجة باقتضاب و برود:" اهلا يا معلم. ..انا تمام.. اطلب.. بنت؟! مكلمني يا مرعي عشان بنت؟! ... مممم ..... ممم ... خلص يا مرعي، فهمنا انها مهمة بالنسبالك.. المطلوب؟ .... شوف يا معلم مخبيش عليك، الدنيا عندنا اليومين دول فيها لبش.. بس و عد مني انا هخلي الموضوع في دماغي.. انت برضه ياما خدمتني.. خد جو معاك قله كل حاجة عنها .. سلام"
اخذ جو الهاتف، وما بداخله يختلف تماما عن الامبلاة التي تبدو عليه
وضع الهاتف علي اذنه ليسمع صوت المعلم مرعي يحدث عدوي قائلا:" جو ايه ده اللي هكلمه!!، خد انت فهمه كل حاجة.. وابقي قولي عملت ايه.."
اخذ الهاتف يوسف و ابتعد مشيرا للخواجة بالابهام ان "كله تمام" ثم جاءه صوت عدوي:"ايوة يا جو.."
جو:" ايوة يا نيلة.. انتوا لسة في الهيافة دي.. برضه بتدورا علي البت اياها.. حتي معلمك هايف زيك؟؟"
عدوي وكانه لم يسمع السباب:" اسمع هديك اوصافها.. هي قلة كدة شوية و شعرها غامق و ...... "
كان جو متظاهرا بالاستماع بينما كان يبحث بعينه عن شهد في المكان ، فقد اندهش عندما نظر الي الطاولة و لم يجدها..
"هي حلوة اوي .. يعني شكلها ملفت.. و جسمها.."
دار بعينية في كل الاتجاهات.. اين انت يا شهد؟؟
" هي يوم ما طفشت كانت لابسة جاكتة رمادي.. بس ممكن تكون غيرت.. وكان معاها شنطة كده و.."
توجه للطاولة و اشار لاحدهم متسألا عنها.. فرد عليه بانها اختفت فجأة.. اين انت يا شهد؟؟
"هي تبان غلبانة خلي بالك ..بس هي شرسة اوي.. انت شف دراعي؟"
توجه للمطبح و مازال الهاتف علي اذنه و عدوي مستمر في الحديث ، فتح الباب ليجد سمر مبتسمة في بلاهة و مندو و الطاهي.. و لكن لا وجود لشهد.. اين انت يا شهد؟؟
" هي شكاكة جدا ومبتأمنش لأي حد..لو لقيتها خلي بالك علي حاجتك دي بنت حرامية."
وقف امام الحمام لبرهة و لكن خرجت منه فتاة تاركة الباب مفتوح و لا احد بالداخل.. اين شهد؟؟
"اوعي لما تشوفها..تطمع فيها لنفسك..دي تطير فيها رقاب!"
اين انت يا شهد؟!!
جو فجأة:" اقفل يا عدوي!"
عدوي:" انت مستهتر بكلامي عشان بس متعرفهاش.. لما تشوفها هتعرف انا ليه هتججن عشان مش لاقيها.."
جو بعصبية :" خلاص ..عرفت! اقفل بأة"
واغلق الخط.. خرجت منه تلك الكلمات العصبية التلقائية تحمل معني حرفي مختلف عن ما وصل لفهم لعدوي..
قام بسؤال اكثر من شخص عليها و كانت الاجابة بالنفي .. فكر في انها قد تكون عادت للمنزل فانتظر علي نار حتي قرر الخاوجة ان يرحل ، ثم توجه للبيت سريعا بعد ان امن الخواجة لمنزله، ولكن لم يجدها.. اين ذهبت؟؟ لولا ان عدوي كان معه علي الهاتف (بيدلل) عليها ، لتأكد انه تمكن من العثور عليها و اعادها ..
جلس يفكر.. حسنا هي ليست مع عدوي.. هذا في حد ذاته جيد.. ولقد اوكل الخواجة مهمة البحث عنها بناء علي طلب المعلم مرعي له هو شخصيا و هذا ايضا ممتاز.. فهي ليست في خطر محدق في هذه اللحظة.. ولكن مازال السؤال اين ذهبت؟؟ و هل من المنطقي ان تذهب بدوان اي مقدمات او حتي وداع؟! طب كلمة شكر..
شعر انه متوتر ازيد من اللازم و انه يجيب عليه الهدوء.. فلتذهب اينما ارادت.. ما شأنه بها؟ لربما ذهبت مع احدهم، فهو لا يعرف عن حياتها شيئا..ثم انها حتي الان لم تكن سوي عبء عليه و مصدر لاهلائه عن (اكل عيشه) .. لربما كان رحيلها من ترتيبات القدر للرفق بحاله.. يجب الا يقلق نفسه بشأنها.. فهي كما قال عدوي شرسة و قادرة علي حماية نفسها..
خلع قميصه و صعد الي سريره ووضع رأسه علي الوسادة.. وقرر النوم..ولكن لسبب ما تذكر انها باتت ليلتها امس علي هذا السرير و وضعت رأسها و خدها علي تلك المخدة.. ولسبب ما افقدته هذه الفكرة القدرة علي النوم لمدة طويلة.. كان يفكر بها ثم يطردها من رأسه فتعود مرة اخري، فيطردها .. وهكذا حتي سقط في سبات عميق فجأة..
***
كانت شهد تسير مسرعة في الطريق.. لم تكن واثقة من وجهتها و لكنها كانت تبتعد، لم يكن الظلام دامسا في الشارع فعدد المحال التي مازالت مفتوحة تفي بغرض الاضاءة.. فوجئت بصوت انثوي يناديها.. التفت في توجس لتجد صاحبة الصوت هي زوزو..
زوزو:" رايحة فين يا شهد ؟؟"
شهد:" مروحة.."
زوزو:" مروحة فين؟؟ دا بيت جو عدي من زمان؟؟ ولا انت سبتي البيت عنده.." سألت السؤال الاخير بلهفة..
صمتت شهد تفكر فقد ترآءت لديها خطة و قررت استغلال الموقف..
شهد:" لأ مانا اصلي مش عايزة اتقل عليه بقي كفاية كده.."
لمعت عينا زوزو، لقد التقطت الطعم:" طب و هتروحي فين؟؟"
شهد:" مخبيش عليكي، مش عارفة.. بس اوعي تجبيله سيرة.. اصلي بصراحة مش عاجبني شغالنة المطبخ دي، كمان مش عارفة اخد راحتي عنده..بس في نفس الوقت جمايله مغرقاني و مش عايزة ازعله..فقلت امشي من سكات.. امانة عليكي.. اوعي تقوليله انك قابلتيني..سلام" و همت بالسير
امسكتها زوزو من زراعها وقالت بسرعة:" لأ طب استني بس هتعدي فين يا بنتي بس..كده هيضيق بيكي الحال و تضطري ترجعيله تاني.." صمتت لبرهة ثم قالت:" متيجي عندي.."
شهد ببؤس وقد وصلت لمبتاغاها اخيرا:" مش عايزة اتقل عليكي انتي كمان.."
زوزو:" تتقلي علي مين يا عبيطة..دانتي حتي و شك حلو عليا، دانا رايحة اقابل واحد هيسلمني مفتاح اوضتي الجديدة.. واسعة و شرحة و جايباها بفلوسي.. تعالي اعدي عندي لحد ما ربنا يسهلك"
ابتسمت شهد و قالت:" مش عارفة اقولك ايه و الله..انت باين عليكي جدعة قوي.."
زوزو:" متقوليش كده.. انت اصلك دخلتي قلبي من ساعة ماشفتك.. تعالي معايا نعدي علي الراجل و نروح علي الاوضة الجديدة ننام.. و بكرة تبقي تيجي معايا ننقل بقية الحاجة من بيت صحباتي اللي كنت قاعدة فيه.."
شهد:" ماشي.. بس جو مش هيعرف!.."
زوزووهي تعني كل حرف:" عيب عليكي هو انا عبيطة.."
سارت الفتاتان معا تبتسمان في ارتياح فقد حققت كل منهما هدفها من الاخري.
***
في اليوم التالي بالفعل ذهبت شهد مع زوزو بعد ان استأجرت سيارة نصف نقل و قاماتا بنقل اغراض زوزو الي الحجرة الجديدة لا تختلف عن بيت يوسف كثيرا، الا انها فوق سطح مبني صغير. و بعد ان رتبن الاشياء جلستا تستريحان..
زوزو:" انا عندي شغل بالليل عند عطا..هتعملي انتي ايه؟؟"
شهد:" مش قلتي هتشغليني معاكي هناك؟"
زوزو محذرة:" لأ .. دلوقتي حاجة تانية.. جو هناك علطول و هيشوفك"
شهد :" اه فاتتني دي.. طيب حيث كده وريا كام مصلحة كده .."
زوزو:" طيب البيت بيتك .. عندك غدا اهه علي الترابيزة.. و انا هلبس و انزل عندي كام مشوار قبل ما اروح لعطا"
و بعد ان خرجت زوزو، اكلت شهد بشراهة ثم ارتدت من حقيبتها زي الامس و اخذت الحقيبة وخرجت.. خرجت من الشارع و خرجت من المنطقة لقد ابتعدت جدا.. و صلت لطريق سريع غير مأهول الي حد كبير.. ووقفت.. هذا كل ما فعلته.. وقفت.. تمر بها السيارات مسرعة..
ها هو الزبون الاول.. اقترب منها بسيارته الفخمة سار ببطء ثم توقف و نادها عبر النافذة.. ابتسمت في اغراء وحركت رأسها في دلال كناية عن الرفض.. ولكن رفضها زاد من حماسته .. استمر في استمالاته لها لتركب.. حتي انه اخرج لها نقودا و لوح لها بها.. بمجرد ان لمحت النقود..حتي ابتسمت ابتسامة ساحرة و اقتربت منه.. فبادلها بابتسامة عريضة واعين ملهوفة تتابعها وهي تتهادي نحوه و ما ان فتحت الباب حتي و جد نصل سكين يلامس عنقه و وشهد تقول:" اظن انك انت اللي عرضت الفلوس بنفسك.. وانا قبلتهم ..متشكرة قوي.." ثم ضغطت علي السكين حتي شعر انه علي وشك ان يجرح فصرح خائفا.. فقالت:" انا ممكن اتاويك هنا.. اتكل علي الله لو باقي علي عمرك"
و بلفعل ما ان ترجلت من السيارة حتي انطلق الزبون بسرعة البرق..
وهكذا استمرت.. الزبون الثاني فالثالث.. كانت واثقة من اعين بعض الرجال الفارغة التي ستعيدها للبيت غانمة رابحة. . ولكنها لا يجب ان تبقي في نفس المكان كثيرا فالذين يهربون قد يعودون بالشرطة ان كانت لديهم الشجاعة الكافية للتصريح بما كانوا ينتون فعله قبل ان تتم سرقتهم..
اقترب منها شخص بسيارة قديمة بالية يبدو عليه القحط و نادها مثل الذين سبقوه.. اقتربت منه شهد بسرعة و اشهرت السكين قبل ان تتحدث:" امشي من هنا ياد بدل ما اشرحك.. انت لاقي تاكل؟؟.. وفر فلوسك اللي كنت ناوي تبعزئها دي وروح اكل بيها عيالك ولا امك....جتك القرف كحيان و بتوقف للبنات؟!!"
وقفت تتابعه و هو بنطلق بعد ان صدم من تصرفها.. تذكرت يوم ان قامت وهي صغيرة بنشل احد الموظفين في الحافلة ، ثم رات الموظف يبكي بعدها بحرقة و يحكي للمواسيين له عن قائمة الاحتياجات التي كان سيصرف فيها المرتب المسروق..اثر بها بكأه بشده، واحرقتها دموعه فما كان منها الا ان لعبت دور الطفلة البريئة التي عثرت علي المحفظة اسفل احد الكراسي و اعادتها للرجل الذي فرح لدرجة انه قبلها و اعطاها كل الحلوي التي كانت معه وقد كان ابتاعها ككل اول شهر بعد القبض لاولاده.. يومها لاقت الويل من المعلم مرعي علي هذا التصرف الاحمق، و ولكنها قررت بعدها انها لن تسرق اي فقيرا ابدا و ليس علي المعلم مرعي ان يعلم بذلك.. وقد تبنت هذا المبدأ لاعوام مضت كثيرة.. وصارت تكثف جهودها مع لديهم فائض من "الخيرات".. وال الان مازالت تذكر دموع الرجل و قبلته الحانية علي جبينها و طعم الحلوي الرائع..
***
عادت شهد لمنطقة الريس عبود محملة بغنيمة اليوم تحركت بسرعة الي ان وصلت لبيت زوزو، استبدلت ملابسها و افترشت الارض و ضعت السكين بجوارها واخرجت النقود لتقوم بعدها.. حصيلة ليست سيئة علي الاطلاق.. والاهم ان لن يأخذ منها احد مليما.. ستحتفظ بكل المبلغ لنفسها.. سوف تشتري ملابس واشياء جديدة ابتسمت في سعادة و خبأت النقود، حاولت ان تنام و لكنها لم تستطع.. تذكرت نومها الهانيء في بيت جو.. تحسرت عليه.. ولكنها تدرك ان هكذا هي افضل حالا.. شهد ستعود لامجادها.. وبيت جو كان محطة في اول الطريق..
***
عندما التقت زوزو بيوسف عند عطا سألته عن شهد لكي تبعد اي تفكير ناحيتها و لتختبر رد فعله ، بالفعل لم يعجبها رده وهو في غاية الضيق:"متجبليش سيرتها بقي.. البت طفشت..و الموضوع ده خانقني"
زوزو:" وايه يعني ما فستين داهية"
جو:" انا خايف عيلها يا زوزو مهما كان دي لوحدها.. ملهاش حد"
زوزو:" طب مانا لوحدي ومليش حد، اشمعني مبتقلقش عليا؟!"
جو:" انتي ميتخفش عليكي يا زوزو"
زوزو:" وهي كمان يا خويا ميتخافش عليها.,. انت اللي علي نياتك و فاكرها غلبانة.. انما اسألني انا.. مايعرفش البنات غير البنات.. دي ساهية ووراها دايها.. كويس اللي ربنا بعدها عنك.. انا مكنتش مستريحالها.."
جو و قد ادرك انه لا لزوم لمواصلة الحديث بعد هذه النقطة فمن الواضح ان زوزو الان واقعة تحت تأثير غيرة وحقد شديدين و كل ما ستقوله هو كلام "نسوان" فارغ عن شهد..
فاثر الخير و قال مبتسما:" طيب يا واعية.. روحي شوفي وراكي ايه.."
شعرت زوزو ان ما قالته لم يؤثر (بنكلة) علي جو.. بل ما استفزها هو تأكدها من ان جو بشكل او اخر مهتما بشهد.. و نضيف علي ذلك ما روته لها الفتيات عن احداث امس و ما دار بين شهد و يوسف من فقرة الطعام الي فقرة الجلوس معه و الاصدقاء..
لقد نجحت حتي الان في التخلص من شهد جزئيا.. يجب تكمل الامر للنهاية..
***
وقفت زوزو في الردهة ما بين دورات المياة و المطبخ امسكت هاتفها واتصلت بشخص ما..
"اهليين.. ايه ده مش مسجل رقمي.. انا زوزو اخص عليك.. لقيتك مبتسألش قلت اسأل انا.. و بالمرة اعزمك بقي علي افتتاح بيتي الجديد.. هو ضيق حبتين بس قدامة سطح ايه ..حكاية.. ايه ده انت مش في هنا؟؟ وراجع امتي؟؟ طب يومين مش بعيد .. خلاص اول لما ترجع اتصل بيا عشان نوضب السهرة... كله هيكون موجود.... وفي كمان وجه جديد يا سيدي.. لا اوصفلك ايه؟؟ كده المفاجأة تبوظ.. طب هقولك الاسم بس.. اصلها اسم علي مسمي.. شهد.. اايه رأيك؟ .. خلاص مستنياك.. الحجات الحلوة عليك.. متنساش.... باي باي يا عيوني"
***
بقيت شهد عند زوزو كل منهمنا في حالها، فشهد تخرج لتقوم باعمالها بينما و قت زوزو مقسم بين الوظيفتين و الاصدقاء.
اما جو فقد كان يشعر بالضيق كلما تذكر شهد و مزيج من القلق عليها و الغيظ منها.. و لكنه كان يدرك ان التفكير بها لن يفيد شيئا، فيتناساها قدر استطاعته ..
ولكن حدث امرا ما .. كان عدوي يتصل به باستمرار ليسأله عن اي جديد و كان يوسف يخبره بانه لا جديد.. الا ان عدوي اخبره انه مازال مستمرا في البحث عنها دون علم المعلم مرعي الذي امره ان يترك الموضوع للكبار، اقلق هذا الامر يوسف مما دفعه بدوره ان يبحث عن شهد في محاولة لان يجدها قبل عدوي عله يمنع عنها اذاه..
وهكذا صار عدوي و يوسف يبحثان عن شهد كل علي حده.. بينما شهد تختبي من كليهما معا و تساعدها في ذلك زوزو التي تريد ان تبعدها عن يوسف تماما، وقد فكرت زوزو في ذلك الشخص والذي من المؤكد انه سينبهر بشهد و سيغدق عليها بامواله مما سيجعل شهد تنجذب له بدورها كرد فعل لأي فتاه طبيعية امام المال.. وقد تكون محظوظة زوزو فيعرض شراء شهد.. وحيث ان شهد لا عائل لها مؤكد ستقبل .. وهنا ستكون المصلحة مصلحتين حيث ان زوزو ساعتها ستقبض العمولة كاملة منفردة.
***
صار يوسف يتحمل علي مضض مكالمات عدوي بل احيانا يتصل هو به لكي يتابع ما توصل اليه في البحث عن شهد.. وفي احد المكالمات سأله يوسف:" انا سمعت انك بتفكر تتجوزها يله.. للدرجادي؟"
عدوي بلهفة:" انا بس احط ابدي عليها.. وهعمل اي حاجة تخليها ملكي طول العمر.. انشالله الزقها بغرا.."
جو:" وده من ايه ده؟ اخص علي الرجالة اللي بنات بتجيب بوزهم الارض.. مالك واقع كده؟! متجمد شوية متحسسنيش اني بكلم سوسن"
عدوي:" يابني انت مبتفهمش بقولك بقالها سنيني مجنناني.. بفكر فيها طول الوقت و يوم ما بقت ملكي ..طفشت "
جو بتردد ليس من طبيعته:" بتحبها يعني؟"
صمت عدوي صمتا غريبا..
جو:" انت مت و لا ايه؟"
عدوي:" مش عارف .. اصل السؤال غريب.. اللي اعرفه اني عايزها.. عايزها تبقي بتاعتي..لوحدي.. سميه زي ما تسميه.. مش مهم، المهم الاقيها.. "
جو سارحا وكانه يحدث نفسه:" يعني انت مش قلقان عليها دلوقتي.. و هي لوحدها كده؟"
عدوي معترضا:"بقولك غزتني في دراعي .. يا عم اقلق علي مين؟ وبعدين لعلمك دي شرسة جدا، صحيح ماكتش بتقدر عليا و كنت ساعات ارقدها يومين من الضرب لو تفكر تمد ايدها عليا.. بس كانت ضوافرها و سنانها بيعلموا في جتتي.. هي جامدة برضه رغم انها قلة."
جو مصعوقا:"كنت بتضربها يا عدوي؟!! بتستقوي علي بت؟؟!! "
عدوي:" هي كام مرة كدة.. كان لازم تتربي.. لسانها طويل يا عم و ايدها اطول.. كل ما كلمها كلمة تعملي فيها خضرة الشريفة وتقل ادبها.. ده في مرة كف ايدها علم علي وشي 3 ايام..بس ساعتها مخلتش حتة في جسمها الحزام بتاعي مش معلم فيها.. "
جو ساخرا محاولا اخفاء انفعاله:" قال و انا بسألك ان كنت بتحبها؟ امال لما ترجعها هتعمل ايه؟ هتموتها؟"
عدوي:" لأ هعرفها غلطها بس.. و بعد كده فل.. المسامح كريم.. "
صمت جو كان يحاول ان يهديء نفسه.. تخيله لعدوي و هو يقوم بضرب شهد كان امرا مؤلما و مثيرا لسخطه بشدة.. ولكنه تمالك اعصابه فليس من مصلحته ان يخسر عدوي الان، فهو بحاجة لأن يبقي متصلا به متابعا لتطورات الامر معه، لذا اثر ان يصمت.. ثم لم عليه ان يتوقع شيء مختلف من عدوي؟؟ من كبر علي شيء شاب عليه.. العنف و الايذاء يسريان في دمه لم عليه ان يكون مختلفا مع شهد؟؟ تري اين انت يا شهد الان؟
جو بعد ان نجح في ان يهدأ:" يعني انت مش خايف مثلا و احد ابن حرام يطلع عليها يعمل فيها اي مصيبة و لا يموتها"
عدوي منفعلا:" يموتها!! بعد كل ده.. ده انا اكون شارب من دمه "
جو:" بعد ما تكون هي راحت.."
عدوي:" اسكت.!. اسكت! جتك الغم طول عمرك نكدي و غاوي نبر ..قال وانا نبسوط اننا بنكلم ونحكي.."
جو:" بنكلم و نحكي؟؟!!.. انت فاكرني خطيبتك! فعلا انا ايه اللي خلاني افتح في الكلام معاك؟ غور واما تعرف حاجة كلمني.."
انهي جو المكالمة كان يشعر بمشاعر مخطلتة.. كان غاضبا ومتألما من اجل ما علمه للتو عن اساءة عدوي السابقة لشهد ، هو يكره عدوي و يحتقره و لكن الامر الغريب انه كلما تحدث عدوي عن لهفته لشهد تعاطف معه لسبب ما، والان هو قلق علي شهد جدا و لكنه غاضب منها لانها سبب ضيقة و اضطراب افكاره ، كان يمكن ان تخبره ببساطة انها راحلة وتعلمه بمكانها لكي يصل اليها بسرعة في حالة طارئة مثل هذه.. والاهم هو غاضب من نفسه لانه و لاول مرة يسمح بكل تلك المشاعر ان تؤثر فيه.. ولكن يجب ان ينسي كل ذلك الان و يحاول ايجادها قبل ذلك الابله السادي
***
قبل اليوم الموعود لسهرة افتتاح بيت زوزو بيوم واثناء وجودها عند عطا في الصالة اتت باحدي الفتيات في ذلك الممر ما بين المطبخ و الحمام حيث الهدوء وحدثتها بصوت خفيض قائلة:" بت انا عايزايكي تقولي للبنات في الخباثة من غير ما حدي يعرف ان بكرة في سهرة عندي في البيت الجديد.. خلي اللي عايزة تجيب صاحبها معاها تجيبه.. بس محدش يجيب معاه اي حد من الصالة.. مش عايزة حد من هنا يشم خبر و بذات جو.. لو عرف هطين عشيتكوا.."
اومأت الفتاة برأسها في حماس و عاداتا معا الي الصالة لتصعدان الي اماكنهم و تبدأن في الرقص
***
عندما عادت زوزو قبيل الفجر كانت شهد مستيقظة فاخبرتها بامر السهرة..
زوزو:" عندك هدومي البسي اللي يعجبك.. السهرات دي بنطلع منها بمصلحة كبير.. يعني عندك و احد زبون كان بيجي الصالة بس بقي حبيبنا قوي وبعزمه بره الصالة.. غني جدا..بس عيبه انه بيسافر كتير.. متفهميش شغال في التهريب و لا ايه.. المهم ده تركزي معاه.. كريم و فييس قوي.. و لو عجبتيه هيهنييكي ده كمان ممكن يسفرك معاه تتفسحي.. شوفتي بظبطك ازاي؟.. انت زي اختي"
شهد:" يسلام ياختي يسفرني معاه و هو شغال في التهريب فاتقفش معاه..هو ده التظبيط؟ انتي عايزة تخلصي مني و لا ايه؟ ثم مين قالك اني ليا في السكة دي.. انا اخري اطلع ارقص معاكوا.. بكتير اقلب رزقي في جيوب زبون.. انما اعجبه و يسفرني معاه.. مليش فيه"
زوزو:"انتي فهمتي ايه؟؟ انتي مالك يا بت خايبة كده؟؟.. وانا قلتلك اعملي حاجة وحشة.؟!. اعملي زيي.. انا بعلق الواحد من دول.. يقع فيا.. يصرف يصرف يصرف.. و برضه مبيطولش حاجة.. و لا هيطول!.. بس هو بأة ميعرفش انه مش هيطول، ودي الشطارة" واتمت الجملة بضحكة مائعة
شهد:" مليش فيه.. لو عايزاني اقلبهولك ماشي.. غير كده معرفش"
زوزو مذعورة:" تقلبي مين؟؟ انتي عايزاة تبوظي سمعتي؟؟ محدش يتقلب عند زوزو ابد.. اوعي! خلاص ابقي اعدي معانا اتسلي وخلاص.."
شهد:" ان كان كده ماشي.."
***
بالطبع سري الهمس في اليوم التالي عن سهرة زوزو بين الجميع الي ان و صل لجو.. و قد تعجب من انها لم تقوم بدعوته و لكن لم يبد للامر اهتماما بقدر غرابته.. اثناء جلوسه في الصالة لمح تلك الفتاة التي تعمل بالمطبخ ..ماذا كان اسمها؟؟ سمر؟؟ كانت تقف علي باب المطبخ وتشير باشارات غريبة.. هل تشير له؟؟ ركز انتباهه عليها ليجدها تناديه بالفعل وواضح انها لا تريد احدا ان يلاحظ الامر..
ذهب اليها و قال:" في ايه يا سمر؟؟"
سحبته الي المطبخ الذي كان خاليا الا من سواهم
قالت هامسة:" اسمع بسرعة قبل ما يجوا.. انا عارفة ان شهد طفشت و انت بتدور عليها.. زوزو عارفة مكانها.. انا سمعتها بتكلم و احد في التليفون من يومين عنها ..يظهر هتعرفهم ببعض وهيتقابلوا في سهرة.. انا قلت و قتها وانتي مالك يا بت..سيبي شهد تشوف حظها..بس اللي خلاني اندهلك انهاردة اني سمعت زوزو بتتفق مع البت مني انهم يسهروا سهرة عندها في البيت الليلة.. واكدت عليها ان محدش يعرف من هنا و خصوصا انت بذات.. هتقولي و انتي خايفة من ايه؟؟ هقولك معرفش!. في حاجة مش صح.. الفار بيلعب في عبي.. حاسة ان نية زوزو مش خالصة.. اولا شهد واقفالها في زورها.. هتخدمها و تعرفها علي واحد ليه؟؟من جدعنتها اوي؟؟ و ثم من امتي يعني زوزو تخبي عليك انت بذات سهرة و كمان عندها في البيت.. دي بتتمنا انك ترضي عنها... وبعدين الطريقة اللي كانت بتكلم بيها الراجل ده عن شهد يعني لامؤاخذة كانها بتبيعله بيعة.. فوق كل ده ما هي اكيد عارفة انك بتدور علي شهد و نكرتها منك مع انها عارفة مكانها و عازماها عندها في السهرة"
كان يوسف يستمع في صمت يحاول اكتشاف ان كانت سمر صادقة و يحلل ما تقول .. ان سمر لا مصلحة لها في اي شيء..
شكرها وخرج للصالة..
ما حكته سمر الان كان غريبا حقا .. كما انه لا يفسر سبب هروب شهد منه بتلك الطريقة.. اتركته من اجل ان تتلتقي بصديق زوزو؟؟ وهل كان هو يمنعها عن لقاء ايا كان ؟؟ غير منطقي.. ثم اين تقيم؟ و لم تتظاهر زوزو بعدم معرفتها بمكانها؟؟ بل تتمادي في السباب ان اتت سيرة شهد.. سمر محقة .. هناك شيء مريب..
ذهب الي البيت حيث تقيم زوزو مع صديقاتها ليواجهها بالامر و يفهم ، فعلم منهن ان زوزو انتقلت و انها حضرت بصحبة صديقة جديدة ستقيم معها اسمها شهد لاخذ بقية الاغراض الخاصة بها.. كما اعطينه العنوان الجديد، كم هو سهل الحصول علي كم رهيب من المعلومات من الفتيات.. ثرثارات و غبيات.. ليت عدوي لا يتعثر في امثالهن اثناء بحثه عن شهد..والان زادت حيرته بالمعلومة الاضافية.. فاقامة شهد مع زوزو لهو امر غريب؟؟ زوزو قد تتحمل الطاعون و لا تتحمل شهد.. ما السر؟؟ و اضح ان المواجهة ليست الحل الافضل.. بل المفاجأة!
***
عند حجرة زوزو المطلة علي سطح بيت من دورين تجمع الاصحاب.. بعض الفتيات من راقصات الصالة و بعض الشباب من اصدقائهم.. جلسوا في ساحة السطح الواسعة حيث نظمت لهم زوزو جلسة علي الطراز العربي ..فافترش الجميع الارض و حولهم "الاشياء لزوم الاشياء" كل انواع الدخان و المشروبات ما كان بريء منها و ما كان مذنب.. وصوت اغنية يخرج من جهاز كاسيت رديء وقديم..
جلست شهد معهم سارحة.. فقد ذكرتها الجلسة بالمكان حيث عاشت سابقا.. تضاربت مشاعرها بين الحنين لمكان نشأتها و المقت الشديد له.. اتت زوزو بجانبها و قالت :"افردي و شك يا بت.. مالك مسهمة كده؟ في ايه؟؟"
تنهدت شهد و قالت:" مفيش.. مخنوقة.."
زوزو:"طول مانت قاعدة في حالك هتفضلي مخنوقة.. اصبري دلوقتي يجي ياسر يفرفشك.."
شهد متسألة:" ياسر؟؟"
زوزو:" الواد اللي قلتلك عليه.. زمانه علي وصول"
شهد:" مانا قلتلك مليش فيه"
زوزو ضاحكة:" هو انا قلت ان ليكي؟؟ اعتبريه صديق" قالتها مع تعطيش الدال لتصبح " ستشيك"
لم ترد شهد بل اكتفت بتحريك رأسها في استنكار..
و بالفعل وصل "الستشيك" ياسر.. هلل الجميع لرؤيه و و بدوره حياهم استقبلته زوزو بحفواة و ترحاب واخذت منه ما كانن يحمل من "ما لذ وطاب" لزوم السهرة ثم عرفته علي شهد و اجلسته بقربها.. تصرفت شهد معه بترحاب.. فهي ان كانت لن (تقلبه) هنا بناء علي رجاء زوزو..فعلي الاقل لا داعي لخسارة زبون محتمل (التقليب) في المستقبل.. فلا احد يعلم ما تحمله الظروف.. لذا تكسب اعجابه.. لربما..
لم تكن بحاجة لبذل جهد لنيل اعجابه..فقد ابهرته من اللحظة الاولي.. خاصة بعد ان تحول مظهرها فقد اعتنت بنفسها و ابتاعت الملابس الجديدة.. كانت فاتنة بحق، حتي انها لاحظت انه لم يكن ياسر فقط هو من اعجب بها، بل بعض الشباب هنا كانوا يشاغلونها من و راء ظهر صديقاتهم.. كانت مثل هذه المواقف المؤسفة تثير سخريتها و ضحكها فكانت تضحك فتزيد المعجبون اعجابا..
اطمأنت زوزو ان خطتها في تشبيك شهد مع ياسر في طريقها للنجاح ، فشهد لم تكف عن الضحك منذ ان جلست معه..
لم يكن ياسر ثقيلا .. كان مرحا متحدثا و مغازلا جيدا فلم تجد شهد لزوم للمونة و لا لعصرها.. كانت تسلي و قتها به حتي انقضاء السهرة .. ( وبالمرة تربي زبون)
كانت مازالات تضحك الي ان وقفت الضحكة في حلقها فجأة.. وتسمرت مكانها مثبتة نظرها علي القادم عليهم، حتي ان ياسر استدار بسرعة في اتجاه بصرها ليري ما الذي اصابها بالتجمد بهذا الشكل..
اما زوزو فقد كادت ان تصاب بالشلل عند رؤيتها له.. ولأول مرة لا يسعدها وجوده.. كيف اتي؟ كيف عرف؟؟
تبادلت نظرات الذعر مع شهد ثم انطلقت قائلة:" جو؟؟ اهلا ..اهلا"
قال جو بهدوء و بابتسماة هادئة:" كده يا زوزو متعزمنيش في الحفلة دي.. اعرف من برة؟ "
تمتمت زوزو بكلمات غير مفهومة علي سبيل التبرير
فقاطعها قائلا:" عموما انا مش غريب فعزمت نفسي بنفسي.."
كان موجها كلامه لزوزو بينما نظره الي شهد.. اقترب منها و قال:" وقلت كمان اجي اسلم علي شهد الندلة.. كده يا شهد مختفية بقالك كام يوم..فينيك يا ندلة؟"
ثم القي نظرة سخيفة الي ياسر و جلس بجوار شهد المزعورة الصامتة علي ما يشبه الكنبة ، فاصبحت هي بينهما وقال بهدوء:" وحشتيني والله.." ثم القي بذراعه علي كتفها بطريقة بها استهتار وتقدم في جلسته الي الامام ليصبح مواجها لياسر وقال:" مش تعرفيني يا شهد.. انا بشبه عليك"
كان ياسر منزعجا من تطفل جو المفاجيء وتعامله مع شهد بتلك الحميمية ولكنه اجاب في عدم فهم:" انا ياسر.. انت مين؟؟"
فقال يوسف بطريقة مسرحية:"ممممم ياسر.. عرفتكك يا راجل مش انت من الشلة اللي كنت بتيجوا عطا كلب؟؟ انت باين بتشتغل مع حمدي في التهريب.."
تلفت ياسر حولة و قد قام بتفسير خوف زوزو و شهد الواضح بصورة خاطئة فقال:" انت مباحث و لا ايه؟؟"
ضحك يوسف بشدة و قال:" لا انت فهمت ايه؟؟ انا بس بحب اختبر ذاكرتي .. اصل انا منساش حد ابدا.. و كمان بحب اعرف كل حاجة عن اي حد يجي ناحية الحجات الي تخصني.." و ضغط بذراعه علي رقبة شهد و هو ينظراليها
كانت شهد صامتة في محاولة لفهم ما يفعله يوسف.. لم بيد عليه انه اتي للامساك بها..برغم انه يمسك بها حرفيا و يكبلها ان صح التعبير.. ولكن واضح ان مشكلته مع ياسر هذا وليست معها حتي الان..
قال ياسر مندهشا:" انا زوزو فهمتني انها حرة.. انت بتملكها؟؟"
يوسف:" ايه؟ عايز تشتريها؟؟"
نظر ياسر الي شهد ثم ابتلع ريقه و قال:" اه ..عايز "
همت شهد بالاعتراض.. بدأت تشعر انها وقعت في مكيدة مدبرة من الجميع.. زوزو و جو و ياسر..سيبيعونها
فضغط يوسف علي رقبها مرة اخري وقال :" اخرسي انت خالص.."
ولسبب ما صمتت بالفعل..
فقال لياسر:" طب انت عاينت قبل ما تنوي؟؟ "
ياسر وعيناه تلمعان:" الجواب باين من عنوانه.. "
همت شهد مرة اخري بأن تنهض فلم تستطع فقد كانت زراع يوسف القوية تثبتها.. فبقيت مكانها غير مصدقة ان هذا يحدث فعلا..
يوسف:" هتدفع كام؟؟"
ياسر:" اللي تؤمر بيه.. شهد تستاهل"
يوسف:" عشان تعرف انك مغفل.. كان ممكن البسك العمة دلوقتي و اقلبك في تمنها.."
ثم ابتسم ساخر و قال:" دي مراتي يا مغفل.. انا حبيت بس اهزر معاك.."
تراجع ياسر مصدوما ثم سأل متعجبا:" امال زوزو..."
قاطعه جو مهدئا:" متعرفش.. زوزو متعرفش اصله لامؤاخذة جواز في السر.. هي كان قصدها تخدم"
كان ياسار مازال مصدوما.. فازاح يوسف ذراعه من علي كتف شهد و بنفس الذراع خبط به علي كتف ياسر و قال:" فرصة تانية .. متزعلش نفسك.. القاعدة مليناة مزز، ارمي العطا علي واحدة تانية.. " ثم دفعه بقوة اكثر قائلا بنبرة محذرة:" قوم بأة من هنا.. و مشوفش حتي عينك بتيجي ناحيتها..انا دمي حامي"
بالفعل قام ياسر وسط ذهول شهد.. وتوجه وهو علي وشك الانفجار لزوزو التي كانت تتابع من بعيد في توتر و لم تجروء علي الاقتراب،
اما شهد فقد اصابها الارتباك.. اذن فياسر كان ينوي شرائها بالاتفاق مع زوزو.. و جو احبط الخطة.. لم؟ كيف عرف بها؟؟ و ماذا عن عدوي؟؟ هل احبط بيعها لياسر ليعيدها لعدوي؟؟
قطع ذهولها صوت جو:"هربتي ليه يا شهد؟؟"
نظرت اليه لتجده قد اقترب منها بشدة وعينيه تنظر اليها معاتبة حنونة مستفهمة..
قالت بأسي:" انت اللي ليه عايز تغدر بيا؟؟"
يوسف :"اغدر بيكي؟؟ انا جيت جنبك يا بت؟؟ و لا عشان الكلمتين المجاملة اللي قلتهملك ساعتها افتكرتي ان عيني منك؟!! دانت قايمة نايمة في بيتي.. و انا بنام ضهري ليكي"
شهد:"متستعبطش انت فاهم قصدي.. انت عايز تسلمني لعدوي!.. هو كلمك قدامي.. انا سمعت الكلام! ليه؟ دانت الوحيد اللي اديتله الامان.. دانا كنت بنام عندك و معرفش حتي السكينة فين!!"
نظر اليها و قال:" انتي كدابة!"
اندهشت من الاتهام
فاكمل:" انتي مسمعتيش المكالمة.. لو كنتي سمعتي كنتي عرفتي انه اطلب مني اساعدهم في التدوير عليكي.. وانا ثبتهم و قلتلهم تمام.. و كدابة عشان بتقولي ادتيني الامان.. لو كان ده حقيقي كنتي استنيتي و سألتيني و اتحققتي من ظنونك.. انما انتي غبية و اخدة في وشك من غير تفكير.. و رحتي لمين؟؟ لزوزو.؟ بقي مأمنة لزوزو وانا لأ؟؟!.. طب اتفضلي اهي كانت ناوية تبعيك للواد ده.. دا كويس اني لما دخلت و شفته و افتكرته و افتكرت انه معروف انه بيبدل في البنات.. فقريت ان زوزو جايباه بذات عشان كده..عشان هي عايزة تزيحك من طريقها و انتي قاعدة زي الهبلة تضحكي معاه.. عدوي ايه ده اللي هسلمك ليه؟ افهمي! انا اللي باعده عنك دلوقتيي.."
كانت شهد تحاول تجميع الكلام في رأسها.. الامر يبدوا منطقيا.. هي بالفعل لم تستمع للمكالمة.. كما انه لو اراد تسليمها لعدوي لفعلها من اللحظة الاولي.. يبدوا ان الذعر لعب برأسها ساعتها و منعها من التفكير المنطقي..
***
في هذه الاثناء كانت زوزو قد اخذت ياسر لداخل الحجرة للتحدث بعيدا عن الناس بعد ان صار ياسر منفعلا عليها، و بعد ان حكي لها ما قاله يوسف.. ادركت انها خطة يوسف لاحباط اي تواصل بين شهد و ياسر.. انه رسميا يغار علي شهد..قامت بـ(كلفتة ) ياسر و اعتذرت له و اكدت له عدم علمها بمعلومة زواجهم و طلبت منه ان يكمل السهرة معهم فالفتيات كثيرات ولينسي امر شهد.. و بعد ان انصرف للسطح، خرجت بعده بهدوء لتجد نفسها في موقع تستطيع منه سماع الحوار الدائر بين شهد و جو.. فانصتت بكل حواسها..
***
يوسف:" ها وضحت الصور ولا لسة شاكة ؟؟"
شهد:" اصل موضوع انكوا اصحاب من وزمان ده هو اللي خلاني افكر كده"
يوسف:" انا هحكيلك كام مرة القصة دي؟؟!.. انا و عدوي مش اصحااااااب.. اتربينا في مكان واحد ..بس! وحتي لو اصحاب ده مش سبب يخليني اسلمك ليه.. عشان يضرب فيكي بالحزام.. و يبهدلك معاه"
وكأن كلماته هي التي ضربتها..رفعت عينيها اليه مندهشة متألمة.. سألته كيف عرف بنظرتها الخجلانة من انه يعلم امرا كهذا عنها ..
فقال:" مستغربة ليه؟ واحد زيه ممكن يكون الموضوع ده بالنسباله حاجة يتفشخر بيها.."
انزلت عينيها الي الاسفل فامسك بذقنها ورفع وجهها وقال:" ورحمة ابويا وامي ما هخلي الواد ده يلمسك تاني"
لم تدري لم دمعت عيناها في تلك اللحظة.. اهو الحزن علي حالها ام التأثر ام... الفرحة؟
اشاحت بوجهها و ابتسمت كأنها تريد ان تنفض الموضوع عنها..
ثم قالت باهتمام:" طب سؤال؟"
يوسف:" أؤموري.."
شهد:" هو انت فعلا كنت بتقولي كلمتين مجاملة؟ يعني منظري كان وحش يوميها؟"
ابتسم يوسف ابتسامة واسعة و قال:" ايوة مجاملة.. قعدتي تقولي شكلي وحش، شكلي معفن..قلت اجاملك ..بعد ما قعدتي في الحمام كتير.. كان واجب اجاملك"
شهد:" ياسلام؟؟ و كل اللي كانوا قاعدين كانوا بيجاملوني؟؟ انت بنفسك قلت انهم مبطلوش بص عليا.."
يوسف:" يمكن عجبتيهم همة.. انما انت متمليش عيني.. رفيعة كده و مقددة و مبتكليش.."
شهد و قد انقلب معها الامر وصارت عصبية:" وانت كمان علي فكرة متملاش عيني.. فرحان قوي بعضلاتك؟؟ ايه؟ كل ده دراع؟؟ دراع ده و لا جزع شجرة؟؟.. اوعي كده.."
ودفعته في غضب و نهضت بينما بقي هو يضحك ساخرا..
ذهبت واتت لنفسها بكوب من احد المشروبات البريئة فوجدت زوزو تقف علي مقربة تنظر اليها نظرات قوية.. فتوجهت اليها وقالت:" شفتي يا زوزو يوسف جه طفش ياسر.. بيقول انه بيبدل في البنات.. وهو عشان وصية ابويا ليه خاف عليا منه وكده.."
زوزو فجأة:" ابوكي اسمه ايه؟"
اربك شهد السؤال و لكنها كانت سريعة فقالت:" اشمعني؟؟"
زوزو:" لأ عادي.. اصلي انا وجو عشرة و اعرف كل معارفه.. الا عمري ما سمعت عن ابوكي اللي مات ده.. هو كان اسمه ايه؟؟"
شهد:" محمد احمد..الله يرحمه " ثم رفعت يديها متظاهرة بأنها منهمكة في قراءة هامسة حزينة لسورة القاتحة.. حمدت الله علي الاسم المبتكر الذي اتي علي بالها.. كم من البشر اسمهم محمد احمد.. لابد ان لجو خمسة معارف علي الاقل بهذا الاسم..
انصرفت عنها زوزو و هي ترمقها بنظرات غريبة.. واتي يوسف..
نظرت اليه شهد بغيظ وقالت:" بقولك ايه؟ كفاية و قف حال بقي.. طفشت ياسر و قلنا نيته وحشة.. عايز تطفش الباقي"
فقال ضاحكا:" يا شخية اجري هو حد معبرك.. كل واحد قاعد مع مزته.. حتي ياسر لقي واحدة غيرك"
فقالت شهد باصرار:"طب وان علقتلك واحد دلوقتي .. و هو قاعد مع مزته؟؟!! كلهم يتمنوا بس نظرة.."
انقلب وجه يوسف فجأة و قال محذرا:" و النعمة لو عينيك اترفعت علي اي حد منهم و انا وقاف معاكي دلوقتي لكون ملبس وشك ده في الحيطة.. الحجات دي مفيهاش هزار.. انتي متعرفنيش كويس... ابقي خلي المرئعة دي لما تكوني واقفة لوحدك!!"
نظرت اليه شهد بشدة حتي تتحاشي ان يقع نظرها و لو بالخطأ علي اي شخص اخر.. كان يخيفها حين يتحول بنبرته الي تلك النبرة الحازمة الجافة..
كتم ضحكة ساخرة علي امتثالها المطلق لتحذيره وقال:" هتروحي معايا؟؟"
شهد بتردد:" بصراحة يا جو انا مش حابة شغلانة المسح دي ..انا رجعت لشغلي تاني.. وانا هنا براحتي اكتر.. يعني اكمن زوزو بت زيي وكده.. "
يوسف منزعجا:" يعني ايه؟؟ مش جاية؟؟ امال انا جيت ليه؟ ثم رجعت لشغلك ازاي؟؟ بتعملي ايه؟؟"
شهد:"بقلب رزقي بقي، مش لازم تعرف التفاصيل.. سر المهنة.. المهم اني برجع بفلوس حلوة كل يوم.. و زي ما قلتلك.. هنا مرتاحة مع زوزو "
يوسف:" انا ضايقتك في حاجة؟ دانت لما بتدخلي تغيري في الحمام بسيبلك الاوضة و اطلع عشان تبقي براحتك.. ثم زوزو ايه اللي مرتاحة معاها؟؟ دي لو تطول تحدفك من السطح كانت حدفتك"
شهد:" متخافش انا بعرف اصرف نفسي معاها.. بنات بقي في بعض.. وبعدين و ليه تسيبلي الاوضة و اسيبلك الاوضة.. خليك براحتك.."
يوسف:" وانا كنت اشتكيتلك؟"
شهد:" معلش سواء عندك و لا عندها.. كلها كام يوم و الريس عبود يرجع و نخلص من الموال ده.. مش كده برضه؟؟ هو مش قرب؟؟"
يوسف:" لسة مش باين... يعني مش هتييجي معايا اخر كلام؟؟ ده عدوي قالب عليكي الدنيا خليكي قدام عيني احسن"
شهد:" انا محتاجة اشتغل شغلي يا جو.. وانا هنا برضه في حمايتك.. اديك طبيت علينا في ثانية طفشت ياسر. "
فقال باقتضاب:" يعني برضه مش جاية؟"
اشارت شهد برأسها بمعني لا و ابتسمت
شعر يوسف انه رجاها اكثر من اللازم و اكثر من ان تسمح مكانته و كبرياءه .. لقد تمادي في الامر و يجب ان يتوقف لينقذ ما يمكن انقاذه من كرامته..
يوسف:" طيب انا كده ابقي عملت اللي عليا و عداني العيب و ازح... انا كده يا بنت الناس راضي ضميري معاكي .. و برضه ان احتجت حاجة في اي ساعة في اي وقت انتي عارفة طريقي..سلام انا بقي.. احسن هموت و انام..خلي بالك من نفسك"
وهو في طريقه للخروج القي نظرة غاضبة علي زوزو جمدتها في مكانها والقي السلام علي الجميع و رحل... كانت شهد تتمني ان تذهب معه و لكنها تدرك ان هكذا افضل حالا لها..
***
خرج جو و هو في قمة الضيق.. لقد اذل نفسه جدا .. كل ما كان يريده هو ان يطمئن علي وجودها بجواره ..حتي يحميها من عدوي ذو الحزام.. لم يكن مثلا يردها لكي يصطبح بوجهها الجميل يوميا ولا لكي يستمتع بمشاكستها واثارة غيظها و لا لكي يسمعها تتحدث بطريقتها المرحة الرقيقة.. و لا حتي لكي يمتع ناظريه بجمالها وفتنتها.. اطلاقا.. كان يريد فقط ان يحميها.. كان ينوي خيرا و جني ذلا... ليس عدلا..
ثم ما قصة عودتها للعمل؟ ماذا عساها تفعل؟؟ هل تقتحم بيوتا؟؟ ام تنشل في الحافلة؟ انها متهورة حقا.. لقد بائت تلك الزيارة لبيت زوزو بمزيد من القلق.. ولكنه علي الاقل يعرف مكانها.. فليعطي لعدوي غدا معلومة مغلوطة تبعده عن اتجاهها..
دخل اخيرا بيته د استقر لينام.. الان صورة شهد لم تفارقه لحظة.. كان يتذكر منظهرها و هي تضحك مع المدعو ياسر فتصعد الدماء في رأسه.. ثم يتخيلها و هي تلتصق بالرجال في الحافلة لتنشل جيوبهم فيضيق صدره.. ثم يعود و يتخيلها و هي بين يدي عدوي و هو ينهال عليها بالحزام فيتقلص قلبه .. وهكذا امضي ليلة مؤلمة عاني فيها كل اعضاء جسده.. واكثرهم علي الاطلاق قلبه..