صورتي
القاهرة, Egypt
منة فوزي .سيناريست وبحب احكي حواديت

جميع حقوق النشر محفوظة وغير مسموح بالنقل !


حقوق الملكية يا حرامي!

11/13/2010

مشاهد من حياتي: درس الحساب الذي لن انساه

عميد طيار اركان حرب/ محمد خيري حسنين
اجلس علي مائدة السفرة العملاقة في بيتنا ويجلس مدرس (الماث) او الحساب علي رأس المائدة، امامي كشكولي المجلد بجلاد بلاستيك لونه فوشيا (كان طفرة في عالم الجلاد ايامها) وهو في يده قلمه الاحمر، لقد كنت في الصف الخامس الابتدائي ، اذكر يوم ان قاموا في المدرسة باستدعاء ابي بصفة ودية وافادوه ان مستواي في (الماث) سيء للغاية ونصحوه ان يتخذ اي اجراء في هذا الشأن والا ابنته التي هي انا، مهددة بالرسوب . وقتها كانت خمسة ابتدائي شهادة.. ايضا اذكر امي وهي تقوم باتصلاتها للعثور علي مدرس ، حتي عثرت علي شقيق احدي صديقاتها .. مستر جورج.. هاهو يجلس امامي علي المائدة و صلعته البراقة تزيد من اضاءة المكان، لقد كان صبورا علي غبائي ، ويتحمل عدم قدرتي علي التعامل مع الارقام ، التي بالمناسبة لم تتغير الي الان. كان هناك جو من الكئابة يسود البيت ويعود ذلك لمرض (انكل خيري) زوج عمتي و هو في نفس الوقت ابن خال ابي و صديقه المقرب هو و امي، اما بالنسبة لي فهو احب الناس الي قلبي في العالم،كنت اعشقه، كان بثابة صديقي المقرب، كنت اقض افضل ساعات حياتي في اللعب معه، عندما انجب هو و عمتي ابنتهم التي تصغرني بعامين، كنت اغار منها ظانة انها اتت لتأخذه مني. لم اري شخصا محبوبا بهذا القدر من الناس حوله، كان ضاحكا مضحكا ، طيب القلب وخدوم الي اقصي حد، شخصية مميزة جدا .. كان طيارا حربيا ، اشترك في حرب اكتوبر المجيد، وبعد التحرير صار يعمل طيارا مدنيا في احدي الدول العربية، في يوم ما عاد في اجازة ، ليلتها دخل المستشفي لعلة في قلبة.
كان الدرس بعد تلك الليلة بعدة ايام.. كتب مستر جورج مسألة في كشكولي بقلمه الاحمر الذي يصدر صوتا وهو يخط الارقام التي تعاديني وتتعمد اثارة ذهولي امامها، ثم ادار الكشكول لي لكي احلها " حلي يا ماما.. ها.. زي ما وريتك قبل كده" هكذا قال و هو يقذفني بتلك المسألة الحمراء اللعينة.. كان ابي يجلس في الصالون بقربنا ، ليراقب الموقف.. رن جرس الهاتف، لم يحرك رنينه ايا منا، فهناك عدة اضافية بالداخل في الحجرة حيث كانت امي، ستقوم هي بالرد.
اتي من الدخال من خلف الباب الذي يفصل الصلون و السفرة عن مكان الغرف صوت امي:" يا احمد.." احمد هو ابي.. لم ادري لم وترتني نبرتها ، ارهفت سمعي دون ان اشعر لما دخل اليها ابي.. "خيري..." ثم بكت .. هوي قلبي قبل ان تكمل.. "مات!" قالتها وبكت بحرقة..
وكأني لم اسمع ، رفضت سماع الخبر.. نظرت للمسألة الحمراء لكي احلها.. لم اعد اراها بوضوح صارت ارقامها تمتزج معا امام عيناي ، ثم رأيت قطرات شفافة تسقط عليها لتحيلها الي بقع امتزج فيها الاحمر مع لون الورق الابيض.. الكشكول كله بدا مرعبا قاتما ، كيف يبدو اللون الفوشيا سخيفا هكذا.. شعرت بمستر جورج يلكزني بقلمه الاحمر في كتفي "حلي يا ماما ..حلي.. مستنية ايه؟ انتي بتعيطي؟!! المسألة سهلة جدا و حلينا زيها قبل كدة.. الموضوع مش مستاهل عياط"
لم ارد.. ادركت اني ابكي فعلا.. مرت في رأسي عشرات الصور، ذكريات خاطفة ، لقطات غير كاملة.. رأيتني وكنت طفلة تحبي، اجلس امام شباك طويل يدخل منه ضوء الشمس خافتا ، يأتي هو يدغدغني اضحك و اضحك حتي تكاد ان تخرج رئتي من فمي..
اراه يمسك يدي ونسير في مكان ما يبدو لي حديقة او نادي.. احمل بيدي الاخر عصا بها غزل البنات وردي اللون.. اشم رائحته الحلوة.. وانظر له في سعادة..
اري نفسي اطير عاليا ، ابتسم في سعادة واضحك من قلبي..انظر الي الاسفل اجده يحملني بين يديه ، ويخبرني اني احلي طائرة رأها في حياته..
اري ابنة عمتي تخاصمني وتدير ظهرها الي ، فاديره لها بدوري.. فيأتي هو ماشيا علي ركبه و قد احولت عيناه محركا اصابعه في سرعة كارجل حشرة مقلوبة صائحا:" انا بزغزغ العيال اللي بيزعلوا من بعض.. مين زعلان هنا " يمسك بنا بزراعيه و يلقينا ارضا ، ويدغدغنا ونحن نصرخ ضاحكين "اتصالحنا! اتصالحنا خلاااص!"
"مالك يا حبيبتي في ايه يا ماما؟ ايه كل الدموع دي؟؟!!" قال مستر جورج متعجبا وقلقا..

خرج ابي من الداخل، لم اري وجهه فكان ظهري له، وقف خلف الكرسي الذي اجلس عليه وقال للمدرس:" انا اسف يا استاذ جورج ، احنا هنضطر نلغي الدرس.. عندنا حالة وفاة"
ادار الرجل نظره بيني و بين ابي ذهول اكيد لسان حالة يقول" هي عرفت منين؟؟" ثم قال لابي:" البقية في حياتك ؟ مين؟؟"
مازلت لا اري ابي و لكن صوته انبأني عن شكله وهو يقول:" جوز اختي" فانفجرت في نوبة من البكاء بصوت عال.. لم يدر المدرس ماذا يفعل، ربت علي كتفي كنوع من المواساة ثم وضع قلمه الاحمر في جيب قميصه و خرج بسرعة.. استدرت لم اجد ابي، اختفي في مكان ما بالبيت.. دخلت الي حجرتي ولم اضيء النور القيت جسدي علي سريري ووضعت يدي علي اذني حتي امنع صوت عويل امي من الوصل اليهما.. نمت.. حلمت به يضمني بشدة، ويربت علي ويواسيني.. ومن يومها والي الان، لقد صرت فتاة كبيرة ولي اسرتي وبيتي الخاص المستقل ، كلما نمت مهمومة او حزينة اتي الي في احلامي ليضمني و يواسيني..

رحمك الله يا حبيبي..

نسألكم الفاتحة