كانت ليلى من مواليد الاربعينات، منذ الطفولة عشقت الالوان.. احبت الرسم و التصميم.. كانت تصمم ملابس العرائس و تزينها باكسسورات من مهملات المنزل.. ترسم رسومات بديعة علي الورق بيدها الصغيرتين.. لم يهتم احدا في الاسرة بالموهبة و لكن احدا لم يمنعها عنها..كبرت و قد زاد شغفها بالفن.. عندما اقترب موعد اختيار الكلية رغبت بشدة في "الفنون الجميلة" كانت منتهي املها.. ولكن والدها اعترض.. قال حرفيا مستنكرا:" هتعدي جنب الصبيان؟!!!" كان مؤمنا بتعليم المرأة ..ولكن ليس علي حساب الاخلاق .. فكلية الفنون طلابها متحررون والطالبات و الطلبة يجتمعان معا لتصميم المشروعات.. لذا طلب منها اختيار كلية اخري ، امتثلت ! و بناء علي مجموعها.. انتهي الامر بها في كلية الحقوق.. كانت تجلس في مدرجها بعيدا عن " الصبيان"..كأي فتاة مؤدبة.. كلما فكرت في الفن اعتصر الحزن قلبها.. ولكن الاخلاق قبل كل شيء!..
هي الان زوجة وام علي المعاش بعد ان كدحت عشرات السنين في وظيفة حكومية.. تراعي زوجا مريضا جدا.. تهتم بكل شؤن المعيشة.. تحمل هما و اعباء لا حصر لها .. ولكن بجدارة و قدرة.. بداية من نهرعامل القمامة علي عدم حضوره بانتظام.. الي متابعة قضية صاحب العمارة الذي يريد الاستيلاء علي الشقق الايجارفي عمارته.. ممرورا بشتي المشاكل المادية..
كانت ليلى تجلس في اجتماع السكان في شقة احد الجيران ..كان هناك ممثلا من كل شقة.. كانت هي السيدة الوحيدة في الجلسة..الكل مهموم و قلق ويتحدث بانفعال.. اثنا حديث احدهم سرحت ، لفت نظرها لوحة رائعة معلقة علي الحائط.. الالوان .. الدقة.. ما هذا الابداع؟! غرقت في الوانها.. وو بعد ان روت روحها و متعت ناظريها .. عادت للجلسة و دارت فيالجالسين بعينيها الدامعتان حسرةً .. قالت في رأسها بابتسامة مريرة "رحمك الله يا ابي.. تعالي لتراني اجلس وسط الصبيان؟!"
***
"مبروك يا ليلى.. جالك عريس... غني اوي" تلك كلمات ام سعيدة و فخورة بابنتها الجميلة.. ليلي هذه المرة مواليد اواخر الستينات..فاتنة ..متعلمة ..تتحدث ثلاث لغات.. ورثت الرقي و الرقة من سلسال عائلة عريقة انحدر بها الحال.. ابتسمت في عدم مبالاة.. فلم يعد يهمها شيئا لقد انفصلت مؤخرا عن من اختاره قلبها.. لم يكن مستواه المادي يتوافق مع مطالب ابويها.. وبعد ان ادركا بعد الخطوبة انه غير قادر علي مجاراة طلباتهما.. نجحا في تطفيشه.. و ليلي صامتة ، سلبية.. ربما بكت في حرقة ليلا..و ابدت اعتراضها لوسادتها.. و لكنها تدرك ان امها و ابيها يعرفان اكثر.. و يريدان الاحسن لها..كانت تخشي علي نفسها من العيشة في ذل مثلما اقنعاها. .
العريس ليس سيئا.. ليس مثل حبيبها السابق في شيء..كان سوقي .. حرفيا! فهو رجل سوق..ممن يطلق عليهم رجال عمال علي سبيل الفخامة.. بدأ من الصفر..الا انه يملك الان الكثير الذي يستطيع ان يقدمه، ويؤمنها من الذل.. لذا امتثلت! ملت الجلوس بمفردها و اشتاقت لوظيفتها المرموقة التي كانت قد حصلت عليها نظرا لمؤهالتها، و التي كانت ايضا اول ما رفض هو.. تحدث في استعلاء مع ابيها ان الامر بمثابة اهانة له ان عملت خطيبته، فهو كفيل بكل ما تتمني.. و لكن ما وجدته في الحقيقة انه يأتي لها بعكس كل ما تطلب.. فان طلبت حذاء ابيض ..اتي لها بأسود.. وان طلبت الدجاج اتي باللحم.. حتي صارت لا تطلب شيئا.. ما جدوي الطلب ان كان في النهاية يأتي بما يريد هو.. صارت تتقبل ما يجلب في صمت بعد ان تشكره..
لم تكن محجبة بعد، و لكن صلتها بالله قوية و لم تترك فرضا.. اجبرها هو علي الحجاب برغم اندهاشها من طلبه، فهو يعاقر الخمر احيانا.. ولا تراه يسجد كثيرا.. ودائما يبدي اعجابه بمن ترتدي الملابس الضيقة و الكاشفة و لربما تطور الامر لغزل صريح في حضورها.. الا انها امتثلت!..
كلما ارادت الذهاب لقضاء حاجة او زيارة امها .. كان عليها انتظار(البيه) السائق لينتهي من اولوياته من مشاوير خاصة لزوجها و عائلته، ان اتي ..جاء بأحقر سيارة، تلك المخصصة لاستهلاك المشاوير.. برغم ما يملكون من سيارات فاخرة.. واستطاعتها القيادة.. الا ان زوجها "يخشي" عليها من القيادة.. فكانت تمتثل!
سألته يوما تتصنع الدلال:"لمَ تزوجتني؟"
فاجاب بفخر:"كل رجل يحتاج للمرأة التي تليق به! اخترتك من ضمن الكثيرات"
فردت ساخرة و المرارة تعتصرها:"ياله من شرفٍ لي!"
ادركت انها استكمالا لنواقصه.. واسقاطا لعقد نقصه .. اشتري ما كان يفتقد.. اشتري واحدة كما يقال:"بنت ناس" لتكمل الصورة..
دائما يذكر حبيباته السابقات و يقارنهن بها.. دائما يتهمها بعدم التهذيب و رغبتها في "الصياعة" خارج البيت.. يسب اهلها "المودرن" الذين لم يحسنوا تربيتها.. ينتقد ملابسها الرقيقة البسيطة.. و يخبرها ان كانت لا تفهم في الملابس الراقية الغالية فلتتعلم من اخوته الفتيات..كانت هي تري البهرجة في ملابسهن فتؤلم ناظريها.. ولكنها تمتثل! بل انها طلبت منهن ان يساعدنها في اختيار الملابس حتي ترضي ذوقه..
كانت تمتثل و تمتثل.. بناء علي ضغط ذويها.."ليلى!!!هل تريدين تركه فتعيشين في ذل الفقر!" ، "ليلى!!هل تريدين الطلاق فتذلي باقي عمرك بوصمة اللقب؟!" كانت تلك الاسئلة المستنكرة تعيدها الي رشدها و تخيفها من الذل الذي ينتظرها ان انتفضت و تركت مملكته..
عندما غضبت يوما من معاملة سيئة تعرضت لها في وسط عائلته.. لم يهتم.. صعدت الامر وذهبت الي بيت ذويها.. لاموها بشدة.. لم يأت ليصالحها.. فهو لم يأت بيت ذويها يوما منذ ان تزوجا.. فهل سيأتي الان؟! بعد فترة من ضيق اهلها بها و ضيقها منهم .. عادت! اتصلت به ليأتي لأخذها ..فبعث السائق و السيارة الحقيرة..
هاهي الان ام لثلاثة اولاد في بداية سن الشباب.. تجلس في بيتها الخاوي الكبير تتناول الطعام بفردها في انتظار الاولاد يعودون من عند الجدة حيث التجمع العائلي اليومي للغذاء.. يقلهم الاب بنفسه و سيارته الفخمة.. و يعود لعمله.. يدخلون عليها فتتهلل اساريرها.. يحيونها في حرارة تحمد الله عليها.. وتعود (للاب توب) القديم الذي تركه لها ولدها الاكبر بعد ان اهداه والده واحدا احدث.. تمضي الوقت تتصفح الاخبار و المدونات .. وتنشر ما يعجبها علي (الفيس بوك) مع تعليقا معبرا عن رأيها.. تناقش من يرد عليها ... تدافع عن رأيها بحماس ..تبتسم و تضحك .. وفي نهاية اليوم ترقد علي سريرها بمفردها ، تنظر محدقة في الفراغ و تفكر :"هل حقا ..حمت نفسها من الذل الذي خشت منه دوما؟"
***
انسانة عصبية ، متوترة وتحاول اخفاء ذلك ..لا ثقة لديها في نفسها او في الناس.. تلك هي ليلي! زوجة شابة من مواليد اوائل الثمانينات.. تخرج يوميا.. تبحث ان مئات الاشياء تفعلها.. تتمها جميعا و تزيد عليها .. او لا تتمها.. المهم ان تخرج و تقضي وقتا خارج المنزل..فزوجها لا يعود الا ليلا من عمله.. تزوجته عن قصة حب قوية.. قصة حب مع الحرية.. ليس معه.. لقد احبت الحرية بشدة في بيت كان تسمي فيه بمسمي اخر:"العيب" ، لذا عندما وجدت اول مواصله تقلها الي الحرية بمسماها الصحيح ..ركبت فورا!
امضت طفولتها و مراهقتها تحاول اولا العثور علي صديقات يحتملن شخصيتها المهزوزة العصبية المرتابة.. ثم المرحلة الثانية هي محاولة ابقائهن، دون ان يفرن هاربات..
اثناء الجامعة كان الاب يقلها ذهابا و ايابا.. كان لديها من الاخوة ولدان يصغرانها باعوام عدة.. و برغم هذا، كانا خروجهما امرا لا يوجد مجال للحديث بخصوصه من الاساس.. كانت علاقتها بهما فاترة فهم من عالم حقيقي و هي من عالم اخر لا تعرف سوي الكتب والتلفاز..
ارادت ان تعمل بعد التخرج ، ووسط رفض ابيها الشديد.. كان اصرارها و صمودها مبهرا.. الي ان دبر الاب وظيفة لها في شركة صديق له حتي تكون تحت السيطرة... كان الجميع يستخفون بها في الشركة، سموها "حبيبة انكل" من وراء ظهرها.. لانها (معرفة صاحب الشركة)..
في مرة يتيمة تم اسناد مهمة ما لها.. فقاتلت لتثبت نفسها.. و بقيت تعمل بجهد..حتي بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية.. كانت ليلة عصيبة في المنزل.. كاد ابوها ان يتلفظ متهما اياها بالفجور لانها عادت بعد المغرب.."اتعودين في منتصف الليل؟!! ماذا سيقول الناس؟! لقد تخطيتي ابعد حدود العيب!" حاولت اخباره ان الساعة لم تتعد السابعة.. و لكنه اعلن عن قرار عدم ذهابها للعمل عقابا لها!!!
كانت تنظر للعريس و هو جالسا في الصالون.. تبتسم في سعادة.. تري فيه الميكروباص الذي سيخرج بها من هذا السجن.. وافقت و بشدة عليه.. لم تفكر لحظة.. و بالفعل صارت زوجة!!
هل صارت حرة التحرك؟! نعم فهي لا تدخل البيت قبل الحادية عشر ليلا..
هل لديها اصدقاء؟ ان كان جموع الناس الذين تقابلهم و تجلس معهم في اي مناسبة وتتحدث معهم في حماس في امور شتي لا تعنيها يسمون اصدقاء؟ ..فنعم لديها الكثير جدا.. فإن ليلى الان لا تترك مناسبة بها تجمع اناس بشرية الا و تواجدت بها..
هل تعمل و تثبت نفسها؟! نعم فهي تعمل بجهد في شركة صباحا و تأخذ علي عاتقها عدة اعمال حرة تقوم بتنفيذها مساءاً..
و زوجها (السيد ميكروباص)؟ طالما انها ليست زوجة نكدية تطلب منه البقاء معها و ترك اهتمامته(الغير متضمنة لها) فهو سعيد..
هل هي سعيدة؟! لا نعرف.. فهي نفسها لا وقت لديها للإجابة علي هذا السؤال ..
كلمةروعة أو ممتعة أو واقعية ظلم لتلك الابداعات التي تخترق القلب
ردحذفلقد تفوقت على نفسك يا غاليتي
نسيت ان اعرف نفسي
ردحذفpink ocean
رائعه جدا كم أنت قريبه و واقعيه وفقك الله ,بانتظار المزيد
ردحذفجميلة ورقيقة ومؤلمة
ردحذفالسعادة الغائبة
كلنا ليى
كم انتى بارعة جويرية