"يا معلم في حاجة مش صح! قعادنا هنا أنا و هي ملوش لازمة صدقني .. الناس دي بيخططوا لحاجة تانية.. حاجة احنا مش عارفينها.. شكلهم هيغدروا بينا يا يا معلم! ... طب فسرلي رميتنا هنا كل ده! مدونيش شهد وجيتلك بيها ليه حسب الاتفاق؟؟.. البت مش راضية تاكل و علي متيجيلك هتكون جثة.. انا شايف انك تدخل يا معلم في حاجة بتحصل من ورانا!"
كان هذا سليم محدثا المعلم مرعي هاتفيا.. بعد ان تأكد ان احدا لا يسمعه..
***
راقب جو عن بعد المخزن المهجور حيث شهد محتجزة.. لم يكن هناك حراسة تقريبا.. رجلين فقط علي الباب .. و قد رأي عصام يخرج اليهما و يعود للداخل..و بالخارج فقط سيارة و احدة.. لو اكتظت تلك السيارة - التي مؤكد نقلتهم الي هنا - بالرجال لن يزيد عددهم عن ستة.. ثلاثة رءآهم ، و ثلاثة بالداخل.. ذلك علي اكثر تقدير..
واضح انه كمينا لاستدارجه..
لم يعرف ماذا يفعل هنا الان ؟؟.. كل ما يعرفه انه يريد ان يراها للتو.. حتي وان كان يعني ذلك ان يتم احتجازه معها.. لم يعبأ بأن اهم ركائز الخطة و هي استبعاد الخواجة.. لم تتحقق بعد.. و لكنه لن يتحمل الانتظار.. لن يتحمل ان يتركها خائفة .. كان يريد ان يراها ليتأكد ان احدا لم يمسسها بسوء.. لكي يتطمئن قلبها.. و تشعر بقربه.. ليخبرها انه سيحميها ، ويقتل كل من عكر صفو ابتسامتها..
بعض التعقل يا يوسف.. ماذا سيفيدها ان قُتلت انت؟ من سيُخلصها؟!
ولكنه يجب ان يراها..
جائته فكرة..لا داعي اذن للاشتباك.. يمكنه التسلل ليراها فقط و -ان امكن- التحدث اليها .. ثم يعود ادراجه وينتظر تنفيذ الخطة..
لا داعي لذكر ان تلك الفكرة منافية تماما للتعقل الذي اراد تطبيقة في بداية القطعة اعلاه..
قام بارسال الرسالة التالية لهتف حنان.. و التي ظلت تطلبه طوال الطريق دون ان يرد عليها..
"انا كويس.. انا هطل طلة علي شهد عشان قلقان.. امشي انتي في ترتيبات الهجوم مع عمر عادي.. لو مرجعتش الليلة اعرفي اني يإما اتمسكت معاها يإما اتقتلت.. و ساعتها لازم تنفذوا الهجوم و تخلصوها.. اوعي تخلي بيها يا حنان.."
وضع الهاتف في جيبه بعد ان اغلقه تماما..
وتـأكد ان سلاحة معه..
وهكذا بدأ التسلل الفردي..
***
قرأت حنان الرسالة واصابها الهلع..
حنان:" لعمر..شفت ابن المجنونة.. مستعجل علي ايه؟؟! دي كانت خلاص محلولة!!!"
نهض عمر و اقفا وقال:" كده يبقي لازم انا اروح حالا لرجالة السنهوري اظبط معاهم "
حنان:" طب استني.. هاجي معاك!"
عمر:" طب يالا.."
حنان بتردد طب معلش.. استناني خمس دقايق!"
عمر:" ليه؟ مانتي جاهزة اهه.. احنا لسة داخلين!"
حنان:" معلش.. حاجة مستعجلة..اعد ارتاح.. اعد بس.. مش هتأخر"
وتركته ودخلت حيث الغرف..
انتظر عمر .. شعر ان الخمس دقائق طالت.. كما ان اسلوبها كان مريبا.. قرر ان يدخل ليري ماهية الامر..
وقف في بداية الممر ونادي اسمها.. لم يتلقي اي رد.. اعاد النداء.. نفس النتيجة..
اقترب اكثر من ما ظن انه حجرتها و قال:" انتي فين يا حنان؟.. بقالك كتير"
كان الباب مواربا.. تردد و لكن قلقه و عدم ردها جعله يطل براسه من الباب..
وجد شيئا ادهشه..
كانت حنان متسربلة بوشاح وردي كبير يغطيها كاملة ماعدا الوجه (عرف لاحقا ان اسمه اسدال) .. كانت تجلس علي سجادة .. وتتمم بخفوت.. انها تصلي!
تراجع للخارج ووقف مرتبكا مندهشا يسند ظهره للحائط..
ربما لم يري شخصا يصلي امامه من قبل سوي في المسلسلات و الافلام!
حنان من اولائك الذين يصلون؟! لم يبد عليها..
وكأن الامر (عجبة) .. وفي نفس الوقت كان يعجبه.. منظرها بذلك الوشاح كان اقرب للملائكة.. في وسط كل ما هما فيه من توتر و قلق و سرعة.. لم تنسي ان تصلي.. بل اصرت ان تؤجل كل شيء لما بعدها..
برغم من انه كان يرهب اولائك الذين يصلون..و لكنه لسبب ما كان منبهرا .. فخورا بها..
خرجت حنان و قالت بابتسامتها الصافية:" اتأخرت عليك معلش..يلا بينا "
قال عمر و هو ينظر اليها ملء عينيه:" انتي بتصلي؟"
حنان:" اه. الحمد لله بقالي فترة طويلة.. واحدة كانت بتشتغل عندي من فترة علمتني.. تصور.. علمتني مع ان هيا اصغر مني بكتير"
عمرحالما و مازال يغزو وجهها بعيناه:"دي حاجة كويسة اوي"
حنان:" انا مش عارفة كنت عايشة منغيرها ازاي.. برغم اني لوحدي في الدنيا.. عمري ما بقيت احس بكده من اول ما ابتديت اصلي.. "
قالتها و سبقته للباب و هي تقول علي إستحياء:" انا دعيتلك!"
ثم تحولت نبرتها للقلق للحزن:" ودعيت لابن المجنونة التاني هو البت شهد.. نجيهم يا رب"
كان مازال واقفا يتأملها عن بعد..
قالت:" مش يللا؟!"
كم يحبها.. مازالت حنونة .. بريئة.. محبة للجميع.. كيف تركها تتركه.. كيف تركها تذهب بعيدا عنه..
كم يخشي عليها..
تحرك ببطء و قال :" لأ انتي هتستني هنا.. هكون مطمن عليكي اكتر وانتي بعيد عن الي بيحصل.. وكمان عشان لما سي جو المجنون بتاعك يرجع تطمنيني .. او لو في اي اتصال مهم جه علي البيت"
حنان في احباط :"بس انا كنت عايزة اروح معاك.. اشوف الترتيبات بعيني.."
عمر و قد اقترب منها جدا و قال :"انت هنا مقر العمليات و الاتصلات.. اهم دور في الخطة.. خليكي احسن عشان ابقي مطمن.."
تركها و خرج.. برغم الوضع المُقلق ..لم تفارقها الابتسامة حتي بعد ان اغلق الباب..
***
انحني جو و زحف و (وتشقلب) و قفز .. وقدم كل المهرات التي تميز لاعبي الاكروبات او مقاتلي النينجا.. و في النهاية و صل لسطح المخزن..
بحث عن السلم فوجده.. نزل عليه بحرص و خفة.. كان يطل برأسه اولا قبل ان يتقدم خطوة.. صارت الان لديه رؤية واضحة للمكان من اعلي السلم..
كان مخزنا صغيرا بسقف عال.. مليء بالمهملات و الصناديق و قطع غيار خردة كبيرة مفككة من سيارت..
هاهي شهد تجلس مكبلة الايدي .. بدى عليها الارهاق.. لم يتمكن من التأكد ان كانت مصابة بضربات ام لا.. ولكنها بدت بخير في العموم..
و لم تكن تبكي.. هدأ نوعا ما حين رءآها هادئة..
مسح المكان بنظره .. هناك بالداخل عصام و سليم.. فقط!
فقط؟؟!! بأمكانه النيل منهم جميعا.. الامر سهل جدا.. غاية في السهولة..
لدرجة انه صار مشكوكا فيه..
ولكنه ظل يعيد النظر مرارا و تكرار.. بالفعل لا يوجد في المكان سوي اربعة رجال و شهد..
حتي ان الخواجة لا أثر له! لو كان الامر كذلك، فبإمكانه التغلب علي اربعتهم و الخروج بشهد سالمة..
صعد للسطح مرة اخري.. بحث عن قطع معدينة متوسطة الحجم.. وقف متواريا تماما فوق نقطة و قوف الرجلين الحراس علي باب المخزن.. قام بألقاء قطعة بعيدا بكل قوته.. عبرت القطعة مسافة كبيرة مخترقة الهواء لتهبط بعنف فوق كومة متكدسة من قطع الغيار المعدينة مصدرة صوت ارتطام عالي..
انتبه الرجلان للصوت..
قال احدهما:" ايه ده؟"
الثاني:" روح شوف.. ده عند الحديد اللي هناك..تلاقيها قطة.."
الاول:" لأ ده صوت حاجة خبطت جامد.. مش قطة.."
الثاني:" طب روح شوف!"
الاول :" و متروحش انت ليه؟؟ و لا انت عايز تتأمر و خلاص!"
كاد يوسف ان يلطم علي وجهه من كسل و غباء هذان الحارسان المملان! فليذهب احدكما بالله عليكما حتي يتخلص جو من الآخر!
فقام بقذف قطعة اخري و لكن باتجاه اخر.. و تواري بعدها مرهفا سمعه لرد فعلهما..
هنا قال الاول متوجسا:" لأ ده كده في حاجة بتتحرك حوالينا!"
نظر حوله ثم قال مشيرا بذراعه:" انت تروح من هنا و انا اروح من هنا.."
ضرب جو بيده علي وجهه .. هنا ادرك ان اغبياء كهذان لا يمكن ان يكونا سوي من رجال مرعي.. لقد تركا حراسة البوابة تماما و ذهبا بعيدا.. كان خطته ان يقضي عليهما و احد تلو الاخر بعد ان ينجح في تفريق مكنهما..
و لكن الان عليه ان يبدأ بهؤلاء من في الداخل اولا..
حسنا فليستغل فرصة عدم و جودهما .. وليعود لمن في الداخل..
تسلل نزولا مرة اخر من سلم السطح.. حذرا بطيئا.. كان الان يري شهد تتحدث وهي مقيدة .. الي ذلك الذي يسمي سليم.. كان يحمل معه شطيرة ..
شهد:" مش هاكل يا سليم.. منك انت بذات مش هاكل!"
سليم:" بلاش عند يا شهد! كلها كام ساعة و نرجع للمعلم مرعي.. انا كلمته و قاللي قاعدنا هنا مش هيطول"
شهد:" وانا ارجع للمعلم مرعي بتاع ايه؟!! انا دلوقتي ملك و احد تاني.. هو الوطيان وصل للدرجادي؟!!"
سليم بحدة:" انتي جرالك ايه؟ مكنتي راضية بعيشتك معانا.. ايه؟ استحليتي العيشة مع ابو عيون جريئة!"
شهد بهدوء:" قرب يا سليم عايزة اقولك حاجة في ودنك.."
تلفت سليم حوله ثم انحني ليقترب منها، فقالت شهد بصوت عالي في اذنه:" امك في العشة و لا طارت.."
كاد جو ان يضحك مصدرا صوتا.. دوما تبهره ! تلك الفتاة حقا مذهلة.. و لكنه خشي عليها من رد فعل سليم.. الا انه و جده يتراجع .. و قد بدا علي و جهه الغضب ثم قال:" مقبولة منك يا شهد.. بكرة نبقي سمن علي عسل زي زمان..لما ترجعي وسط اهلك!"
ادرك جو ان سليم يكن معزة ما لشهد.. فهو يأتي لها بالطعام و حتي لم يحتد عليها بعد ان اهانته .. واضح انه غير مؤذي.. كما واضح ان شهد لا تخشاه..
حسنا حان و قت التحرك.. سينزل..يفقد سليم الوعي..ثم يأتي بشهد ليصعدا السطح ..ومن هنا يحاولان الهروب.. الامر بسيط!
هم بالنزول و لكنه وجد عصام يخرج اليهم من باب جانبي..لابد انه الحمام ..
اقترب ببطء منهما و قال لشهد ساخرا:" صاحبك يظهر حلقلك و مش جاي.. بس تخافيش الخواجة بعت يجيبه.. و الشمل هيتلم!"
شهد:" و النبي الست الغلبانة صعبانة عليا.."
نظر لها عصام في غباء..
شهد موضحة:" اللي عاملة اشتمها من غير ذنب في الراحة و الجاية.. كل اما انت تفتح بقك تجيب لامك الشتيمة.. اتقي ربنا فيها واقفل بقك!.. صحيح العيل اللي زيك يجيب لاهله النعيلة!"
عصام و هو يتوجه اليها غاضبا يقول:" وانتي مبتشبعيش من الضرب؟! "
وقف سليم حائلا بينهما و هو علي اتم الاستعداد للاشتباك مع عصام..
اما جو فقد وصل اسفل السلم في ثانية بمجرد ان رأي عصام يقترب من شهد ، ينوي علي الفتك به..
ولكن تدخُل سليم جعله يتريث..
اقترب من مكانهم متواريا في ظلال اكوام قطع الخردة..
بينما انشغل عصام مع سليم و احتدا علي بعضهما..
شهد و جدت جو امامها.. تهللت اساريرها و لكنها كانت حريصة الا تلفت النظر اليه..
في اعماق خيالاتها كانت تتوقع هذا المشهد.. وهاهو بطلها قد اتي من اجلها..
كم يبدوا وسيما عن المعتاد.. بذقنة النابتة.. و عظام فكه العريضة التي تضغط علي اسنانه في غضب وتوتر.
سيقتُل من اجلها! هكذا رأت في عينيه..
منعت ابتسامتها واستعدت نفسيا و بدنيا للحظة المواجهة..
عصام بعصبية :" لو مخفيتش من و شي.. لكون ضاربك انت و هي!"
سليم محتدا:" طب وريني اخرك!"
وفجأة لاحظا ان شهد تقف علي قدميها و تجري مسرعة كالطلقة باتجاه كومة الخردة..
صاح عصام ملتفتا اليها :"رايحة فين يا بت!"
ودس يديه بحزامه ليأتي بسلاحه..
صوب باتجاها ليفاجأ بيوسف.. و قد ظهر في الضوء موجها سلاحه اليه.. بينما وقفت شهد خلفه تحتمي به..
قال جو ببرود:" كنت بتسأل عني يا عصام.. خير.. اؤمر؟!"
عصام ساخرا:" اخيرا جيت برجليك يا بطل.. مكنت تيجي من بدري.. بدل ما الخواجة يتمشور..و يمشور الناس معاه"
جو:"بقولك يا عصام..بالنسبة جمل الافلام و كده.. خف منها احسن انت قالش اوي!"
شهد:" اه والنبي احسن ده كان بيعذبني طول قُاعدي بقلشه!"
جو لشهد بحزم:" اسكتي يا شهد!"
كان جو يتراجع للخلف وهو مازال مصوبا سلاحه نحو عصام و سليم.. كان يتراجع باتجاه السلم.. وشهد معه..
اما سليم فلأنه لم يكن يملك سلاحا .. فقد امسك بقطعة خردة كسلاح و عصام قد وجه مسدسه نحو جو و شهد.. وصارا يتقدمان باتجاههما بينما جو وشهد يتراجعا..
كان الكل يتحرك ببطء وكل واحد يدرس خطوات الاخرين..
صاح جو فجأة بشهد:" اطلعي السلم يا شهد!"
كان السلم موازي للموقع الذي يقفان به سليم و عصام.. لذا عندما صعدت شهد اصبحت تماما فوقهم..
رفع سليم نظره اليها يفكر في كيفية الصعود اليها دون ان يصاب بطلق ناري من مسدس جو ..بينما مازال سلاح جو و سلاح عصام موجهان لبعضهما..
ان حرك جو ساكنا سيقتله عصام و ان حرك عصام ساكنا سيقتله جو..
قال جو:" اطلعي يا شهد السطح و اقفلي الباب عليكي!"
برغم طاعتها العمياء له.. الا ان هذا الامر استوقفها..
تغلق الباب؟ وجو؟؟! تتركه؟؟! هل هناك خدعة في الامر لا تدركها! هل اذا عصت امره تفسد خطته! وقفت حائرة.. ايمكن ان يكون تلك محاولة يائسة منه لانقاذها و التضحية بنفسه؟!!
صاح جو مرة اخري:" بقولك اقفلي الباب"
جعلتها الصيحة تصعد مسرعة..وتغلق الباب بعنف مستخدمة جسدها فيديها مكبلتان خلف ظهرها..
وقفت علي السطح مذهولة.. كيف تركته؟!!
سيقتلاه.. اثنان لواحد.. الامر بديهي..
***
سليم:" انت هتندفن هنا... شهد ملك المعلم مرعي! انساها .."
جو:"طب خلي واحد ماسك مسدس يكلم.. ايه اللي في ايدك دي يا شاطر..بتستخدمها في ايه؟"
عصام:"هقولك هنعملك بيها ايه بعدين!"
ثم قال لسليم:" يلا يا سليم!"
انقضا عليه كليهما فاطلق جو رصاصة باتجاههما تفاداها عصام وقبل ان يصلا اليه ... صدر هذا الصوت المُزلزل.. وكأن المخزن ينهار فقق رؤسهما..
رفعوا جميعا رأسهم لأعلي..
صرخ سليم في هلع..
وتلقي باب السيارة الضخم الصديء في وجهه وصدره وسقط تحته.. لقد القت شهد عليهما من اعلي السلم مجموعة من الخردة كيفما اتفق..
بنما نجح عصام في تفادي قطعا اخري صغيرة..
انتهز جو فرصة الربكة و انقض علي عصام.. نزع سلاحه اولا..ثم..
طبق الاصل العلقة الي فاتت!
صعد الي شهد مسرعا..
وقال لاهثا مبتسما:" فكيتي اديكي ازاي يا قردة؟؟"
شهد:" عيب بأة السؤال ده.. انا محترفة!"
امسك بوجهها بكلتا كفيه..تأمله و سأل باهتمام وقلق:" حد عملك حاجة؟؟"
ازاحت يده و قالت:" السؤال ده تسأله ليهم همة" و ابتسمت..
ثم قالت لتغير الموضوع:" ده و قت رغي يلا من هنا و ابقي لوك براحتك بعدين!"
كانت البقية بسيطة.. سينزلان بهدوء من السطح مستخدمين المواسير الخلفية و يهربان بخفة..
اعطاها سلاحه و احتفظ بسلاح عصام..
وصل جو للارض اولا ليؤمن المكان..
وقبل ان تصل شهد سمع جو الرجلان حارسي الباب.. يتصايحان في انفعال يجرون باتجاهه ويقولون اشياء علي غرار لقد قتلت سليم وعصام.. ويل لك.. استعد للموت.. ومشهران سلاحيهما..
قفزت شهد ووقفت بجوار جو.. كانت و اثقة انه سيخرج بخطة اخري..
بالفعل اشهر كل من شهد و يوسف سلاحيهما بدورهم..
وفجاة.. اصوات اقدام مسرعة قادمة من الجهة الامامية للمخزن.. ظهر اصحابها.. انهم رجال الخواجة.. مسلحون ..حاصورا شهد و يوسف..فالقيا سلاحيهما!
ثم اتي الخواجة في ذيلهم مباشرة..
صار المر الان مقلقا جدا لجو.. حياته قد تكون في خطر.. من سيعتني و بشهد؟! قد يحاولن ايذائها انتقاما منه..ليته لم يتسرع..
قال الخواجة ببرود:" تصدق يا راجل.. رحت اجيبك..ملقيتش حد.. ارجع الاقيك هنا.. بس مجيناش برضه ايدنا فاضية"
اشار بيده.. فاتي احد رجاله ممسكا بـفتاة تصرخ و تبكي.. انها حنان!
شهقت شهد لدي رؤية حنان.. اما جو فقد اغمض عينه حتي لا يري ذعر حنان في عينيها.. لأول مرة في حياته يشعر بالعجز..
الخواجة:" اختك دي؟! انا هندمك انت و كل للي تعرفهم علي وش الارض! مش الخواجة اللي يتقرطس!"
"هاتوهملي جوة"
كانت هذه كلمته الحازمة لرجاله قبل ان يعطيهم ظهره و يتوجه للمخزن..
***
جلس عمر مع السنهوري و رجاله يخططان لاقتحام المخزن.. لم يكن الامر عسيرا.. خطة بسيطة يتوقعون فيها الاسواء..ويضعونه في الحسبان..
انتهي معهم سريعا بقي فقط تحديد موعد اشارة البدء و الذي يعتمد علي انسحاب الخواجة و رجاله..
اتصل بحنان طوال الطريق الي بيته وكان هاتفها مغلقا.. الامر العجيب.. فهي بانتظار مكالمة منه و اخري من جو.. انها مركز العمليات.. كيف يُغلق هاتفها في توقيت كهذا..
قرر ان يعرج علي منزلها ليطمئن قلبه..
كان بيتها في تلك المناطق النائية الجديدة مكون من طابق و احد ومطل علي حديقة..
دق الجرس.. وليس من مجيب..
قرر ان يطرق بعنف .. الا ان الباب مع اول طرقة انفتح..لم يكن مغلقا من الاساس!
انقبض قلبه و هو يري اثار العنف في المكان.. هنا هاتفها مهشهم.. وهنا بعض نقاط الدماء..
بحث عنها في البيت باكمله بلهفة..ولكن كما توقع.. لا و جود لها..
الامر و اضح..
حيث توجد شهد ستوجد حنان.. يوسف هو المقصود..
اسلوب قذر ..قديم و معروف.. الانتقام من الشخص.. و احباءه..
ولكنهم عبثوا مع الشخص الخطأ..
الا حنان!..
***
جلست حنان بقرب شهد، كلتاهما ايديهما مقيدتان للخلف..
كانت حنان تبكي في صمت.. وشهد في حالة مريعة من القلق.. اين جو؟؟ ليس معهما.. الي اين اخذوه؟؟
نظرت للحارسين اللذان يقفان بقربهما..
سألت برفق:" هو جو فين؟"
احدهما:" اخرسي!"
قالت حنان بذعر:" اسكتي يا شهد! اسكتي! "
شهد مخاطبة حنان مهدئة لها:" متخافيش يا حنان.... "
لم ترد عليها حنان بل اكملت بكاءها الصامت المذعور..
رات سليم عن بعد غارقا في دمائة بينما يحاول احد ما يضمد جراحه و هو يئن في الم..
قالت شهد لحنان:" شايفة المتشرح اللي هناك ده.. انا اللي عملت فيه كده!"
رفعت حنان بصرها الي سليم و ما ان رات حالته حتي اجهشت في البكاء قائلة:" بيقي هيجي دلوقتي يموتنا"
نظر الحراس الي سليم ثم نظرا الى شهد.. وتبادلا نظرة مندهشة.. وعادا ينظرا الي سليم..
***
وقف الخواجة امام جو بينما امسك رجلين به.. و قد احاطهم عدة رجال مسلحين..
كانوا في حجرة خلفية للمخزن بعيدة عن شهد و حنان..
قال الخواجة:" عندك فرصة تقول كل حاجة .. قبل ما اجيب البنتين و ادبحهم قدامك!"
جو:" و لو قلت هتسيبنا؟"
الخواجة:" همة بس!.. انت مقدرش استغني عنك!"
جو :" ماشي.."
الخواجة:" عين العفل.."
رن فجاة هاتف الخواجة فنظر اليه لقراء الاسم .. بدي عليه الانزعاج لوهلة .. اخذ الهاتف بعيدا و خرج..
الخواجة:" ايو ة يا ريس.."
الريس عبود:" اخبار الجارد بتاعك ايه يا مرتضي؟!"
كان الوحيد تقريبا الذي يعرف اسمه الحقيقي.. لقد سماه ابوه المصري مرتضي .. وكونه استخدمه في الحديث اليه ..لا يبشر بخيرا ابدا..
الخواجة:" مش فاهم يا ريس؟"
الريس عبود :"فاروق جاي يفهمك! خسارة يا مرتضي.."
واغلق الخط ..
لم يفهم الخواجة سوي ان موضوع خيانة يوسف قد وصل الي علم الريس عبود.. ولكن ما قصة فاروق؟.. هل ارسله لقتل يوسف؟؟ وهل يستحق يوسف أن يتحرك فاروق من عرينه؟!
عاد الخواجة ليستمع لاعترافات جو,,
"اكلم يا جو.. كنت بتروح سفارة (--) ليه؟"
جو:" كنت مسافر هناك.."
الخواجة:" ليه؟"
جو:" اعمل صفقة لحسابي.."
الخواجة:" مع مين؟"
وقبل ان يجيب جو.. دخل احد الحراس واخبر الخواجة امرا ما بدا انه مهم..
الخواجة:" و ده ايه اللي جابه؟ متفقناش يجي.."
هم بالتوجه خارج الحجرة .. ولكنه فوجيء بمرعي يقف امامه قائلا:" ومتفقناش برضه علي ركنة البت عندك كده.."
ميز جو مرعي.. كان قد رأه بضع مرات سابقة.. هل سيستكمل الخواجة اسلوب الغدر و يعطيه شهد بعد ان اخبر جو انه سيطلق سيتركها تذهب ؟؟
الخواجة:" استني علي البت دي شوية.. ثم مين سمحلك تيجي هنا و معاك كمان رجالتك.. ايه جاي تتخانق؟"
مرعي:"جاي اخد البت.. ومش همشي من غيرها.. و عايز حق الواد اللي دمه سايح برة.."
الخواجة:" بقولك اصبر.. لما اخد اللي انا عايزه .. ابقي خدها في ستين داهية! واللي عمل كده في سليم الواد دهه.. هخادلك انا حقه" واشار الي جو..
قال جو:"اسأله بقي يا معلم ...بيقولك اصبر ليه؟ بيهددني بقتل شهد! هيموتها يا معلم! "
قام احد الرجال بلكم جو ليصمت..
بينما هلل المعلم مرعي:"لأ مش مرعي اللي يضحك عليه.. انا همشي حالا و معايا شهد! واعتبر اي شراكة بنا يا خواجة خلصانة! "
صاح مرعي:" انت فاكر نفسك بتتفضل عليا يا جربوع انت! طب و ريني هتاخد البنت ازاي؟!"
واشار الي رجاله فقاموا بتتويق مرعي و من معه شاهرين السلاح.. ما جعل رجال مرعي يشهروا السلاح بدورهم..
قال الخواجة:" شفت غبائك ؟! شفت مجيتك هنا هتحول المكان لحرب و تشغلنا عن الهدف الاساس..غلطتي اني قبلت اتعامل مع غبي زيك!"
مرعي:" لولايا مكنتش عرفت تخلص صفقة العرب!"
في وسط كل هذا كان جو قلقا علي شهد.. لم يرى الي اين ذهبوا بها .. كذلك حنان..المه ان تتورط في الامر.. ولكن كيف اتوا بها؟ اين عمر؟ كانت كل تلك الافكار في رأسه و هو يتابع المعركة الكلامية بين مرعي والخواجة.. بدى ان مرعي لن يستسلم و الخوجة اصابه الضجر من تلك المشكلة الجانبية التي تعطله..
كان من المستحيل ان يفلت منهم.. عدد الرجال المسلحة كبير.. هو محاصر حصار المدن!
دخل حارسا اخر يركض .. وقال بخفوت للخواجة لكن الجميع سمع:"فاروق هنا و معاه رجالة.. شكله مش ناوي خير"
كانت سمعة فاروق سيئة بحق.. مثال للرجل الشرير الذي لا عزيز له..
حتي هذه اللحظة عقل الخواجة لم يتخيل ان فاروق قادم من اجله.. لقد ظن علي اسواء تقدير ان الريس عبود قرر ان يستبعده من تصفية جو نظرا لعلاقتهما القوية.. فارسل فاروق..
ولكن مازال الامر غريبا..
قال الخواجة لمرعي:" متخلنيش اسيب عليك فاروق.. انا بالنسبة له.. ملاك!"
وخرج من الباب ليحدث فاروق..
كان صوتهم مسموعا من الخارج..
فاروق للخواجة:" الريس عبود باعتني برسالة ليك!"
ادرك الخواجة كما ارك حارسه قبله..الامر لا يمكن ان يكون خيرا..
فاروق لرجاله:" هاتوه! و لو حد حاول يمنعكم خلصوا عليه!"
كان الخواجة سريعا وقد وصل الي وسط رجاله بسرعة الضوء.. بينما اشهر رجاله السلاح و استعدوا لللاشتباك..
حتي من كانا ممسكان بجو فقد تركاه و توجها لحماية الخواجة..
فما كان من جو وسط كل ذلك الصخب و الارتباك..ان يسرع بحثا عن شهد..
بينما فكر مرعي نفس التفكير و لكن جو كان الاسرع..
وجدهما تجلسان وقد تركهما الحراس و ذهبا بدورهما لحماية الخواجة..
اقترب اولا من حنان و فك قيدها ..ثم فك قيد شهد.. مسح بنظره المكان الذي صار يعج بعشرات الرجال المسلحين ..
الباب هو الحل الامثل..
امرهما ان تتبعاه.. و توجه للباب .. و لكن الان ظهر مرعي و رجاله..
" تعالي يا شهد!"
هكذا قال مرعي بينما هدد رجاله جو و الفتاتان بالاسلحة..
رفع يوسف ذراعيه لاعلي قائلا:" محدش يضرب نار.. روحي شهد"
كان عليه ان يحمي شهد و حنان و نفسه.. ان ذهبت شهد لمرعي ، فاسترجاعها سهل.. و لكن ان اصرعلي العند الان قد يُقتل احدهم..
ذهبت شهد ناحية مرعي و رجاله.. كانت مندهشة من امر جو.. و لكنها تثق به.. لذا نفذت ..
بينما احتمت حنان بجو و هي تبكي بكاءا لا ينتهي..
بدأت معركة ضارية و اطلاق رصاص في المكان .. المعركة بين فاروق و رجاله و الخواجة و رجاله.. وساد الهرج و المرج ..والرجال يخفضون رؤسهم و يجرون في كل مكان.. وتساقط المصابين و القتلي..واختباء البعض الاخر..
انحني يوسف وامسك بحنان لتنحني.. بينما لم يزل نظره علي شهد..رأها تخفض رأسها و تتخذ احد رجال مرعي الضخام ساترا.. الفتاة تجيد التصرف..
امر مرعي رجاله بالخروج سريعا..
و بالفعل توجهوا للباب ومعهم شهد.. الا ان رصاصة قادمة من الخارج اطاحت بالرجل الممسك بها.. ذعرت شهد.. فقد كانت و شيكة..
وفجأة انفتح الباب علي مصراعيه و دخل من الخارج.. مجموعة كبير من الرجال المسلحين... يطلقون النيران .. مجهولي المصدر..
تلقي بعض رجال مرعي الرصاصت بينما احتمي البعض الاخر باكوام الخردة.. امسك مرعي شهد بذراعيه ليضمن بقاءها معه.. و لكنها دفعته دفعة قوية .. وافلتت..
جرت و سط وابل الرصاص..نحو جو الذي كان يصيح بها ان تبقي مكانها...
الا انها ابت، و نجحت في الوصول اليه.. احتضنها بين ذراعيه واطبق عليها.. ثم نظر الي وجهها ونهرها لانها لم تبق مكانها و عرضت نفسها للخطر..
لم يفهم جو كنه كتيبة الاعدام تلك التي اقتحمت المكان..
كانوا يطلقون الرصاص بغزارة.. وبرغم من ان شهد كانت هدفا سهلا امامهم الا ان لم تطالها رصاصة.. لم يصوَبوا نحوها من الاساس.. من يكونوا؟؟
المخزن صار ساحة حرب مصغرة.. الكل عرضة لرصاصة طائشة.. او متعمدة!
وقف يوسف بالفتاتين بلا حراك محتمين ببعض قطع الخردة.. يفكر في طريقة للخروج.. الرجال الغامضين يسدون مخرج الباب..
و البقية في كل مكان..
سمع يوسف صوت يقول للكتيبة الغامضة.. "وقفوا النار "
قالت حنان بلهفة:" ده عمر.. صوت عمر!!"
ادرك جو ان هؤلاء الرجال الغامضون هم رجال عمر.. بدا عدم اصابتهم لشهد مبررا.. مؤكد لديهم اوامر بعد المساس بأي فتاة تحسبا لان تكون حنان..
تنفس يوسف الصعداء.. الان يمكنه إنقاذ شهد و حنان من المعركة المستعرة..
الا انه فوجيء بمرعي و معه سلاحا ابيض يجري نحوه و خلفه رجلان و هو يصيح:" مش مرعي! مش مرعي اللي يتاخد علي قفاه.. هتموتوا كلكوا!"
قرر جو مواجهتهم.. لا حل اخر.. حياة شهد الان في خطر.. و عمر غير منتبه لوجودهم.. يجب ان يواجه..
امر شهد و حنان بالاختباء..
بالفعل توجها الي ركن محمي بصناديق و قطع حديد..احتضنت حنان شهد.. وظلت تتمتم في ذعر و سط البكاء..
ركل جو السلاح من يد مرعي.. بينما انقض عليه الرجلان.. اشتبك معهما يكيل لكمة هنا و ركلة هناك و يتلقي مثلهم.. كانوا كُثر عليه.. ولكنه لن يستسلم..
نظرت شهد الي المخزن غير مصدقة.. الكل ممسكا بسلاح يضرب الاخرين.. جثث و مصابين..ودماء.. صار غير واضحا من في صف من.. من هو عمرالذي تعرفت حنان صوته؟!! من هؤلاء الرجال ؟؟!
لم تعد تستطيع رؤية جو.. شعرت انها علي شفا الاغماء.. كل هذا الضغط العصبي و هي لم تأكل منذ فترة..
امسكت اكثر بحنان و كانها تتشبث بها..
سمعتها تردد باكية:" اللهم اضرب الظالمين بالظالمين.. واخرجنا من بينهم سالمين.. اللهم اضرب الظالمين بالظالمين!"
كان الصراع يزيد و لا يهدأ ..
صياح الرجال ..
صوت الرصاص..
تضرع حنان..
دقات قلبها..
اين جو؟..
بدأت الاصوات تبعد.. تتلاشي..
اين انت يا جو؟!!