ارتبطت بتامر زوجي في قصة حب هادئة نوعا ما لمدة عام قبل ان تتم خطبتنا. عندما صارحني بحبه للمرة الاولي اخبرني ان امامه عاما من وقتها لكي يستطيع ان يتقدم لأهلي ويطلب يدي، كنت ابادله شعوره الذي صرح به لي و اثق في كلمته كرجل، لذلك انتظرته طوال ذلك العام.. واخيرا بعد ان مر علينا العام معا ، بالفعل كان عند وعده وجاء يوما يخبرني انه فاتح ابيه و كل اسرته في موضوع الخطوبة وطلب مني ان افاتح اهلي في نفس الموضوع ولنر كيف تسير الامور.
بعد محاورات في كلا البيتين اتفق جميع الاطراف علي بروتوكلات التقدم و قراءة الفاتحة، والتي بداءت بتحديد موعد لقدوم تامر ووالده لطلب يدي والتحدث في الترتيبات والامور المادية .. اخيرا سأصبح عروس وسيتقدم لخطبتي من احبه قلبي .. كانت امي تطير فرحا فهي قد ظنت اني وهبت نفسي لوظيفتي وانها لن تراني ابدا بالفستان الابيض..
استعدادا لزيارتهم الغالية وقبل الموعد بقليل قامت امي بتحضير صينية تقديم المشروبات.. وهي صينية فضية اللون، بريقها مذهل، لها اربعة ارجل ضغيرة معقوفة و لها ماركة اتضح انها معروفة تسمي عند سيدات الصالونات (كوين آن) ، وضعت علي الصينية خمسة كئوس كريستال من نوع (بوهميا) والذي علمت بعدها انه يدل علي الفخامة والرقي.. ماعلينا من كل تلك المظاهر والتي هي جزء من البروتوكول، ملأت الكؤس بعصير كوكتيل ماعدا كأس تامر، حيث اني اخبرتها انه لا يشرب سوي المياة الغازية (بيبسي دايت) ، ليس من اجل رشاقته طبعا، هو مجرد اعتاد علي طعمها.. وصار لا يذوق سواها.. فما كا منها الا ان ابتاعت صباحا علبة او (كان) واحدة من النوع الذي يفضله وابقتها في الثلاجة.. افرغت ثلاث ارباع محتواها في الكأس الباقية حتي امتلاءت..
جاءوا في موعدهم بالضبط، دخل ابيه رجل وسيم وقور وانيق، كانت جلسة التعارف موفقة تخلو من الرسميات السخيفة، بل اقرب الي جلسة تعارف ودية لطيفة بينه و بين ابي وامي، قامت امي الي المطبخ ونادت علي، قمت كأي عروس رشيقة الي المطبخ.. امرتني ان احمل الصينية ، طبعا الموقف المتوقع هو ان احمل الصنية و اقوم بقلبها زرع بصل في حجر العريس..لا سأخلف ظنكم بي.. لم اصل حتي الي ربع تلك المرحلة.. تحمست حماس العرائس وقمت برفعها عن رخامة المطبخ ، وبعد اقل من ثانية ادركت انها اثقل مما تستطيع ان تحمل زراعاي، (جيل خرع! زمان العروسة كانت تخش بصنية مدورة كبيرة عليها عليها ستاشر كباية شربات).. فحاولت اعادة الصنية مكانها مرة اخري علي الرخامة ولكني نسيت انها بأرجل، فلم اقدر المسافة المناسبة فاصطدمت احدي الارجل بالرخامة فمالت كل الصنية علي جانبها وانا مازلت ممسكة بيديها في غباء، وكاني الاعبها رياضة الجودو واديتها مقص (اتشي باراي، وهي حركة شنكلة معروفة لمن لم يلعب الجودو) لتنزلق كل الكئوس بعصيرها علي الرخامة مصدرضجة شديدة، دارت بيني و بين امي مشاجرة حادة بدون صوت وكأننا نمثل مشهد (بانتوماميم) فقط نحرك شفاهنا و يدينا، مفادها انها تراني لا اصلح لعمل شيء وانا اري ان من الغباء ان تكون للصنية ارجل..ما فائدتهم؟ وان كانت لها ارجل فلتذهب لهم مشيا!! انتهت المشاجرة.. وسبحان الله ويشاء القدر بعد تلك الحادثة الا تنكسر اي كأس.. (طلع الكريستال البوهيمي اصيل).. فقط انسكب كل محتويات الكؤوس، اذن لا مشكلة.. مسحت امي العصير عن الصنية فازدادت بريقا، وعدلت انا الكؤوس واقفة، ثم قامت امي باعادة صب عصير الكوكتيل من علبته في اربعة كؤوس من الخمسة.. بقي كأس تامر.. وهنا المشكلة.. الكمية الباقية في (كان البيبسي الدايت) لم تكفي سوي لملء نصف الكأس، نصحت امي ان تفرغه وتعيد ملئه بالعصير وتنتهي القصة.. ومش لازم يشرب لو معجبوش.. قالت امي" لا يمكن ابدا نقدمله حاجة مبيشربهاش!".. "انزلي هاتي من الكشك اللي تحت واحدة تانية" هكذا اقترحت همسا.. نظرت لها ثم الي ملابسي وحذائي، كيف انزل الي الشارع هكذا سيتلف الحذاء في برك الماء المعتادة امام الكشك .. اقتنعت امي من نظراتي المشفقة علي الحذاء دون ان احتاج الي جدال صامت اخر لاقنعها بسوء فكرتها..
فما كان منها الا ان استدارت للصنية بنفاذ صبر و اكملت نصف الكأس بالعصير..
لقد صار لون السائل بداخل الكأس يشبه التمر هندي.. وما ادراك بطعمه.. عصير كوتيل علي بيبسي دايت..الله.. دخلنا في حوار صفصطائي صامت ايضا حول محتوي تلك كأس ورد فعل تامر ان شربها.. الا انها انهته فجأة بحملها للصنية وعليها كأس العذاب تلك وخروجها من المطبخ..
قدمت العصير لحماي و لابي ، وبمنتهي الثقة اشارت لتامر في ابتسامة واسعة "دي البيبسي بتاعتك يا تامر"
شرع ابي ووالد تامر في الحديث في موضعات واتفاقيات هامة ، وتامر يسمعهم في اهتمام الي ان جرع اول (بق) من المشروب العجبيب.. عقد حاجبية.. ثم قرب الكأس من انفه وشم محتواها.. ثم رشف رشفة صغيرة وازداد انعقاد حاجبية.. كنت ارقب رد فعله عن بعد، فجأة ترك حديثهم المهم واستدار لي ثم اشار بيده الي الكأس متسألا بالاشارة بما يعني"ايه ده؟!!!"
قلت هامسة:" بيبسي دايت"
اشار بيده وهو في قمة اليقين بما يعني "لأ"
فغمزته لكي يصمت واشرت له بما يعني:" بعدين"
فعاد وانتبه الي حديث ابوينا.. ثم امسك الكأس مرة اخري ورشف منه في توجس.. بدا علي وجهه التفكير العميق.. حتي اني ظننت انه يعيد النظر في احدي النقاط الهامة التي اثارها والده.. ثم استدار الي وسأل في سرعة خاطفة وكأنه يغش في لجنة امتحان وبصوت خفيض حتي لا ينتبه والدينا "خروب؟؟؟؟؟!!"
ابتسمت عندما ادركت ان تركيزه العميق كان في محاولة فك لغز المشروب..واشرت برأسي بالنفي.. وغمزته ثانية كي يصمت و اني سأخبره قصة حياة المشروب لاحقا..
وعدنا للتركيز مرة اخري مع مجري الحديث، الا انه فعل تماما مثلما فعل منذ برهة الا ان سؤاله هذه المرة كان"كركديه؟؟؟؟؟؟"
لم ارد عليه فظن اني لم اسمع فظل يعلوا بصوته كي يصلني مكررا السؤال.. تظاهرت بالانتباة التام لحديث ابيه، فيأس من محاولة سؤالي وظل يرشف رشفة تلو الاخري محاولا اكتشاف كنه المشروب الذي اخبرته عنه امي انه (بيبسي دايت)، نظرت له امي ثم قالت لي همسا "شفتي اهو عجبه اهه..عمال يشرب"
مابكم يا عالم؟؟؟!! .. انه يوم طلب يدي وكل ما تفكرون به هو المشروب!
انتهي الحديث باتفاق الطرفين ابي وابيه وابتسامة رضا وسعادة علي وجه كل منهم الحمد لله، اقترب مني حماي العزيز و سلم علي قائلا "مع السلامة يا عروستنا.. نتقابل قريب يوم قراءة الفاتحة انشاء الله" خفق قلبي في حماس وسعادة .. احمدك يا رب علي سلاسة الامور وعدم التعقيد.. اخيرا سيصير ارتباطي بمن اختاره قلبي وانتظره بشوق امرا رسميا تباركه اسرتي و يفرح به الناس جميعا.. التفت لتامر بسعادة لاسلم عليه فاقترب مني مبتسما ومد يده ليسلم علي، وقد كان والده وصل لباب للخروج ومعه ابي وامي يودعاه.. نظر حوله ليتأكد ان لا احد يسمعنا ، بالفعل كانو مشغولين مع حماي ، انتهز تامر الفرصة واقترب مني ، ابتسمت في حب متلهفة لسماع رد فعله علي هذه المناسبة السعيدة.. وهذا الموقف الذي نحن فيه والذي طالما حلمنا بقدومه.. سألني ليتأكد من يقينه :
" تمر هندي؟ صح؟؟؟؟"