كان علي عمر ان يجد وقتا و مساحة ليتحدث الي السيد صادق بعيدا عن رُقية ولكن دون ان تغيب عن محيط نظره. الفتاة لا تهدأ! تتحرك في كل الاتجهات و تقرر فعل امرا فجأة ..ثم تغير رأيها و تعود ادراجها.. لقد ارهقته بحق! ناهيك عن اختلاطها المبالغ فيه بالبشر حولها.. تحدث الجميع و تمرح مع الجميع .. و الاعجب انها سريعة في كسب ود الكل.. اصبحت بحلول الليل صديقة كل فرد من افراد ذلك المخييم.
اما ذلك المدعو لوك..فقد صار لا يفارقها.. او بعمني اصح لا يفارقهما.. فعمر مثل لوك لا يفارق رُقية.. يجب ان يمنعه من التقرب اليها حتي لا يسرق منه اهتمامها و تفشل الخطة ، خصوصا انه شابا فرنسيا جميلا يتحدث برقة ويعامل الفتيات و كأنهن اميرات..كان هاتف عمر بين الحين و الحين يتلقي رسالة مبهمة تستفسر عن اخباره.. كانت تلك رسائل صادق و المتفق علي اسلوبها المبهم منعا من اكتشاف امرعمر..لذا كان عليه ان يطمئن الرجل الملهوف علي ابنته كما وعده..
بالفعل حين اخبرته ان عليها الذهاب للحمام في داخل الاستراحة، رأي الفرصة سانحة فسار معها بحجة ذهابه للحمام بدوره .. وحين اطمئن انها دلفت الي دورة مياة السيدات و اغلقت الباب بينما يتظاهر هو بتوجهه لباب الرجال.. ابتعد واخرج الهاتف واتصل بصادق، لم تفارق عينه الباب، طمأنه ان الامور علي ما يرام و انه لا يوجد ما يعرقل الخطة..
صادق:" جايك و الرجالة هيكون علي مسافة منكوا ..في حالة احتاجتلهم"
عمر:" مسافة بعيدة.. مش عايزها تشوفهم غير لو انا لقيت ان ده هيخدمني.."
صادق:" متقلقش.. همة بعيد.. المهم، رقية ابتدت تحبك؟"
ولم يدر لم احرجه السؤال فرد باسلوب رسمي ليغطي علي الاحراج": الهدف لسة مشاعرها محايدة يا فندم .. انا كسبت فقط جزء كبير من ثقتها"
اصابه بعض التوتر فصار يتحرك مجيئا و ذهابا اثناء المحادثة
وبينما يتحدث استدار للباب مرة اخري ليلمح فتاة تدخل الي دورة المياة.. هذا يعني ان من كان بداخلها قد خرج!
لقد ابعد نظره عن الباب لثلاث ثوان فقط.. متي خرجت؟!
اصابه الغيظ.. تلك الفتاة ارهقته الي حد لا يوصف!
صاح في ابيها دون ان يشعر:" البنت دي هتضيعلي مستقبلي.. رحمتك يا رب! بعد اذنك يا فندم اما اروح اجري ورا الست هانم !"
انهي المكالمة و سار يبحث عنها في ظلام المكان.. كان يدرك انها لم تبتعد.. وبالفعل كانت تقف مع بضع فتيان قرب نارا مشتعلة بداخل برميل معدني.. تمسك بسيجارة في يدها..و بدي من الواضح انها تأخذ درسا في كيفية تدخين السيجارة.. تابعها و هي تسعل.. الي ان هدأ السعال تدريجيا و بدأت تتمكن من التحكم في الدخان.. كان يود لو يمنعها.. سعالها كان يشعره بضيق في صدره.. ولكن ذلك قد ينفرها منه..
حين رأته يقف عن بعد.. ابتسمت في سعادة ثم جرت عليه وفي يدها السيجارة..قالت في حماس وفخر:" لم اعد اسعل!"
قال:" جيد"
قالت:" انا الان مدخنة!" ونفثت الدخان ببعض التمكن
لم يرد، فقط ابدي عدم اهتمام..
استطردت:" والان استطيع القول اني كنت مدخنة!" ثم القت السيجارة في الارض وداستها بحذاءها..
حرك رأسه في اندهاش وقال:" ماذا؟ "
قالت بثقة و مرح:" لم تعجبني! لقد جربت السجائر واخترت بارادتي الا اكون مدخنة بعد التجربة.."
ابتسم وهو ينظر اليها.. مجنونة !
ان كان هدفها من الحرية هو التجربة ثم الاختيار وفقا لما يعجبها.. عليه اذن ان يمنعها من تجربة عدة اشياء - قد تصيب ابيها بالسكتة- هو علي يقين انها ستعجبها!
سارا معا لمكان المخييم و هي مازلت تتحدث عن طعم السيجارة و كيف شعرت انه مثل التراب..
"هل ابتعتما خيمة يا عمر؟"
كان هذا لوك بانجليزيته التي تكاد تكون سليمة الا من حرف الراء الذي ينطقة مثل حرف الغين.. وكان عمر يبتسم في سره ويري في هذا الامر نوع من الميوعة لا تليق برجل.. كان ليقول عنه لو كان في مصر و يجيد لغة الشارع : "سيس"
كانوا يجلسون حول نارا صغيرة .. اشعلها لوك قبل قليل طلبا للدفء
اجابت رووكي:" لم نفعل بعد.. افكر في النوم بلا خيمة.. ماذا ستفعل انت يا عمر؟"
عمر:" سيأكلك الناموس و الحشرات.. الخيمة افضل"
لوك:" انه محق عزيزتي رووكي.. الخيمة افضل لك"
رُقية تتصنع الغضب:" و ماذا يعرف كلاكما عن الافضل لي؟! انا فقط من تقرر ما هو الافضل لي!"
رفع عمر كفيه متراجعا و قال:" انها نصيحة لا اكثر.. لم ادع اني اعرف شيئا.. انه جلدك انت الذي سيمتليء بالحكاك و ليس جلد احدنا "
اما لوك فقد ابتسم و قال :" اه لدينا شابة لا تقبل النصح هنا.. كما تريدين يا رووكي .. انها نصيحة مجرب ليس اكثر"
ضحكت رووكي و قالت:" اجل هذا افضل.. احب ان اري الرجال تدرك حدودها.."
اقبلت عليهم دونا.. جلست علي الحشائش معهم و هي تقول للوك :" الديك بعض العلكة؟"
اقتربت رقية وهمست في اذن عمر:" لم اعرف ان اسمي و اسمك ممكن ان يكونا بهذا الجمال"
التفت لها و تأمل وجهها القريب منه مع انعكاس ضوء النيران علي جانبه .. بدت كحورية الغابة في تلك القصة التي قرأتها له امه في صغره.. تأمل فمها الصغير وشفتيها الحمروان بفعل حرارة النيران.. كانت تهمس بشيء ما عن اسميهما.. يجب ان ينتبه.. يجب ان يستمع لكل ما تقول.. انه دليله لمداخل قلبها و عقلها..
قال برفق وعينيه لا تزال علي الجزء الاسفل من وجهها:" ماذا؟"
فاقتربت اكثر كي يسمع و قالت:" اسمينا.. انا و انت.. الم تسمع كيف ينطق لوك .. عمغ و غووكي.. لم اكن اعرف ان اسمي قد يكون بهذه الجاذبية من قبل" قالتها و ضحكت ضحكة قصيرة حاولت اخفاءها في كتفها القريب من كتفه..
ابتسم عمر.. لم يدر لمَ ابتسم .. ما قالته لتو هو اخفاق بكل المقايسس.. أنْ تظن أنَ اسمها من فم لوك جذابا وهو انذار بفشل خطته.. كما ان مدلول ذلك الامر خطيرا.. ان كان يعجبها شاب رقيقا مثل لوك ،فهي طبعا لن يعجبها شخصا مثل عمر.. وعليه ان يتحول ويتظاهر بالرقة لينال اعجابها و الا ايضا تعرضت الخطة لخطر الفشل.. الا انه ابتسم .. هناك شيئا في ضحكتها يسعده.. لربما حاول اضحاكها متعمدا ليسعد نفسه..
قال لها بصوت خيفض بدوره وهو يمنع ابتسامته الساخرة و النظر ناحية لوك:" اعذريني ان كنت لا اشاركك الاعجاب باسمي من فم لوك.. فانا رجل يفضل النساء "
ضحكت ضحكة اخري.. حيا نفسه في داخله لانه اضحكها ..
القت نظرة خبيثة علي دونا و قالت:" حسنا دونا ايضا فرنسية .. ومؤكد ان عمغ منها ستكون جميلة"
ابتسم و قال مصححا:" اوماغ.. هي تقول اوماغ.. " ثم اومأ براسه و هو ينظر الي دونا متفحصا: "و اجل لن اجادلك في انها جميلة.. اعني اسمي هو الجميل منها"
رفعت رووكي حاجبيها تداري شعورا بالاحباط وقالت:" ممم حسنا كنت اعرف انك معجبا بها منذ لحظة ان وقعت عينيك عليها.. انها حقا جميلة.. هنيئا لك"
تعجب عمر في داخله .. لم ظنت ذلك؟؟ هو لم يعرف بوجود دونا ككائن علي وجه الارض الا حين ظهرت امامه تخبره عن مكان رُقية، برغم انه علم لاحقا انهما تقابلا قبل هذا دون ان يلاحظها.. كما انها لا تعجبه بالمرة.. الشقروات لا يثرن اهتمامه ابدا.. في المجمل الشكل الخارجي لم يكن يهمه بأي حال في انجذابه لاي فتاة.. قد تكون دونا حقا جميلة و لكن ليس في نظره.. مالذي اعطي رقية هذا الايحاء؟
ولكن السؤال الاهم؟؟ ان كانت دونا لا تهمه حقا ما الذي دفعه للتو للتظاهر بأنها تعجبه؟؟!!
قال بخبث :" هنيئا لي علي ماذا؟ انا لم احدث الفتاة سوي بضع كلمات"
رووكي وقد ضيقت عينيها متصنعة الحذاقة:" حقا؟ هل تظن اني لست ذكية كفاية؟ ان بينكما امرا ما.. ان اعرف تلك الامور جيدا حين اراها"
عمر ساخرا:" اوووه لدينا شارلوك هولمز صغير .. رووكي انت تتخيلين اشياء لا صحة لها"
هنا قالت دونا لعمر فجأة بعد ان انهت حديثا جانبيا مع لوك:" كيف حال سرنا الصغير يا عمر؟" وضحكت ضحكة عالية..
رفعت رقية حاجبيهة و التفتت لعمر بنظرة " اتخيل حقا؟!"
ضحك عمر و قال لدونا:" صمتا يا فتاة! انه سر .. الا تعرفين معني الكلمة؟"
لوك ضاحكا:" هل قلت سرا لدونا؟! يا ويلك! لقد اخترت الشخص الخطأ ،الفتاة لا تبقي اي سر.. بل قد تبتزك " وانفجر ضاحكا
عمر مدافعا:" لم اخبرها ! هي من دست انفها في الامر"
دونا:" نعم و مزال انفي يعاني حتي الان! الرائحة كانت نفاذة"
كانت رووكي تضحك دون فهم.. كانت تغطي علي الفضول الرهيب الذي انتابها ..يجب ان تعرف ما الامر الذي بينهما.. كل الحوار السابق مع عمر كان هدفه ان تفهم سر الاشارة التي رأتها بينهما قبل قليل.. و لكنه لم يفيدها.. ليس شخصا يمكن استدراجه في الحديث.. او اخذ انطبعات عن ردود فعله.. لقد القي نظرة علي دونا وهو يتحدث عنها.. قد تبدو انها نظرة اعجاب.. و لكن هناك شيئا فيها.. كانت خاوية.. تكاد تجزم انه كان ينظر للفراغ.. لقد حيرها امره..
لوك:" رائحة نفاذة؟! مانوع السر ذي الرائحة؟؟"
رووكي:" اخبرينا يا دونا.. هيا"
قامت دونا من مجلسها قرب لوك وجلست قرب عمر تكاد تأكله بعينينها وقالت بدلال:" هل اخبرهم؟"
عمر بسرعة:" لا!"
فاقتربت اكثر وهمست في اذنه بدلال اكثر:" حسنا لن اخبرهم عما رأيت.. سأحتفط بالامر لنفسي"
عمر:" اشكرك علي الحفاظ علي صورتي"
دونا ومازالت تهمس:"فلنقل اني احافظ عليها من اجل منافع شخصية "
عمرضاحكا:" حقا؟ هل ستبتزيني كما قال لوك؟ "
دونا وهي شبه قد الصقت فمها بأذنه:" لا ..لنقل اني اصبت بالطمع.. وان ما رأيت هناك يستحق فعلا ان احتفظ به لنفسي فقط!"
نظر اليها غير متأكد ماذا عليه ان يفهم ، و لكن حين رأي نظرات الاغراء في عينيها ،ادرك عمر انها تعني امرا اوقح كثيرا من مما تخيل..
حسنا هو رجل.. وقد استثاره الامر بعض الشيء.. و لكنه ليس من نوعية الرجال التي قد تمرح مع اي فتاة عابثة.. كما انه في مهمة عمل ولا مجال لاي "منافع شخصية" علي حد قول دونا.. حين التفت لرُقية ليذكر نفسه بمهمته.. رأي نظرة في عينيها جعلته يدرك كل شيء..
حوارها الطويل حول دونا.. اقترابها منه وهمسها في اذنه حين اتت دونا.. تلك النظرة علي وجهها الان و هي تراقب دونا الملاصقة له..
الفتاة تغار! رُقية تغار عليه!!
لقد انجز خطوة كبيرة جدا هنا! الان هو علي الطريق الصحيح.. ان كانت تغار حتي ولو قليلا فيهي تري فيه ما يستحق اعجابها!
اسعده الامر كثيرا.. لم يتوقف ليحلل تلك السعادة الغامرة التي لا تتناسب مع مجرد انجاز خطوة من خطوات مهمة عمل.. عادة انجاز العمل يعطيه احساس بالرضا، احساس بتحقيق الذات ، كلها مشاعر هادئة وبسيطة.. ولكن ما يشعر به من سعادة الان مماثلة لاحساسه حين كان يعود للمنزل من المدرسة في طفولته ليجد امه قد اعدت كعكته المفضلة..
تعمد ان تكون نظراته سافلة لدونا و هو يرد عليها همسا..
لم تسمع رُقية ما قالاه برغم قربها .. لكنها رأت النظرات المتبادلة و الهمس.. اصابها الاحباط مع مزيج من الغيظ.. ولكن لم الغيظ؟ منذ ان رأته للوهلة الاولي وهي تتوقع ان حبيبته ستكون مبهرة لكي تستحقه.. لمَ الان تستنكر اعجابه بفتاة جميلة مثل دونا؟..ما يضايقها حقا اسلوبها الرخيص وتجاوبه معها.. كانت لتفرح له وتتقبل فكرة القسمة و النصيب ان كانت حقا حبيبته و بينهما علاقة عاطفية.. لا مجرد فتاة مثيرة تنجح في الايقاع برجل عابر..
اشارت للوك لكي ينهضا و يتركا الاحبة دون ازعاج ..امتثل لوك فورا و سار معها عبر مجموعات الشباب المتناثرة ..
لم تسمع رقية ما قاله عمرلدونا.. اخبرها وعيناه تتفحصها دون حياء انها من اكثر النساء التي قابل فتنة ، وانه محظوظ انها اختارته من دون جمع البشر الموجود لتنجذب له.. ولكن لحسرته ان قلبه متعلق باخري! وهو ليس من الرجال الذي قد يترك قلبه مع واحدة و يذهب بجسده مع اخري.. برغم انه يتمني في هذه اللحظة لو كان كذلك.. ولكن هذا هو الحال.. لن يخون قلبه مهما قابل من فاتنات!
كان يحدثها و بين الحين و الحين يتابع رقية التي نهضت مع لوك.. اراد اثارة قليلا من غيرتها ، لذا تعمد الهمس لدونا و النظر اليها بعنين يملوءها الرغبة..لم يهتم ان رقية ابتعدت واكتفي بمابعتها..
وذلك لعدة اسباب كلها بالطبع مهنية تتعلق بالمهمة!
لكي يتأكد من انها حقا غيرة و.. حسنا .. هم سببين فقط!
لكي يتأكد من انها تغار ، وذلك عن طريق زيادة الجرعة.. و ايضا حتي.. حسنا ..
علي من نضحك؟!! لقد اراد اثارة غيرتها اكثر ليري رد فعلها ويتأكد منه.. لان ذلك سيسعده! الامر شخصي بحت!
تابعته دونا و هو يلقي بنظرات متتالية علي رقية ثم قالت:" اعتقد اني اعرف من التي تملك قلبك! "
نظر اليها عاقدا حاجبيه مستفهما:" حقا؟ "
دونا بجدية متجاهلة استفهامه:" انا احترمك اكثر الان! واسفة ان كنت فرضت نفسي.. انت جذاب وظننت ان لدي فرصة معك"
نهضت و هي تقول:" شكرا لصراحتك .." ابتسمت ابتسامة مقتضبة وابتعدت.
لم يأبه عمر تماما لدونا وموضوعها.. لقد اهتم الا يجرحها و قد نجح .. الان كل ما في رأسه هو ان رقية تغار!
جنب سعادته ومشاعره الشخصية.. واستعاد عقله للتفكير في الخطوة التالية.. تغار اذن فهي معجبة.. الاعجاب بداية الطريق للحب و التعلق، عليها ان تتعلق به بشدة حتي ينجح في العودة بها.. ومن ثم تسليمها لابيها..
انقبض قلبه و هو يتخيل النهاية.. سيتحطم قلبها وتتزوج الفتي السخيف.. كلاهما اسواء من الاخر.. كيف لابيها ان يفعل هذا بها؟! انه حقا رجل قاس لا رحمة في قلبه..
القي نظرة علي رُقية التي جلست مع لوك وسط مجموعة ليست بعيدة، يجلسون حول نارا كبيرة بينما يعزف لهم شخصا علي الجيتار وهم يغنون علي لحنه غناء جماعي مزعج و لكن المرح يتفجر منه.. ابتسم لرؤيتها تبتسم.. كانت تغني في حماس مع المجموعة و لكن هناك امرا ما بدي علي وجهها وابتسامتها .. كان يعرف هذا التعبير جيدا.. رأه دوما .. حين ترقص مع اصدقاءها في الملهي.. او حين تحضر حفلا.. ذلك التعبير الخاوي وكأنها تتصنع المرح.. كان يتعجب منذ ان رأها في القطار ان هذا التعبير وتلك النظرة المتوترة التي اعتاد ان يراها دوما قد غابت عنها تماما.. الان فقط عادت اليها.. ايكون هو السبب؟ هل اثر فيها حقا؟
توجه اليها لاحظ توترها حين لمحته قادما، ابتسمت و صاحت بمرح:" تعال يا عمر.. انضم لنا.. الامر ممتع"
ولكنه كان يعرف اكثر.. و يميز قدرتها المبهرة علي التصنع..
جلس قربها و قال في اذنها حتي يصل صوته عبر الغناء و الصياح :" كيف تتركيني في ذلك المأزق و تنهضي؟ الا تعرفين شيئا عن عرفان الجميل؟ ااكون شهما معك فتردي الشهامة بالندالة"
رووكي وقد تمنت ان يكون ما فهمته صحيحا:" اي مأزق؟!"
عمر:" لقد رأيت بعينك الفتاة تغازلني وتحاول اغوائي.. كيف تتركيني؟ اليست لديك اي نخوة؟ "
انفجرت رقية ضاحكة..
فقال :" اتضحكين؟! ظننتك شرقية مثلي تقدرين معني شرف الرجل.."
ظلت تضحك.. ثم قالت:" وهل شرفك بخير؟"
عمر:" اجل.. فتاة اخري غيريك واجدع منك انقذتني!"
رقية ضاحكة:" وكيف ذلك؟"
عمر:" اخبرت دونا ان هناك شابا اوسم مني.. فتركتني"
ابتسمت رقية و قد وصلت لها الرسالة عبر دعابته ان دونا مجرد فتاة عابثة و هو لا يعبأ بها..
اكمل عمر بهدوء:" لم تخبرها فقط ان عن الشاب الاوسم.. بل اخبرتها ايضا عن الفتاة الجميلة التي تصحبني.. ففرت هاربة"
حاولت رقية منع الابتسامة و قالت دون ان تنظر له:" ماذا اخبرتها عن تلك الفتاة ؟"
عمر برفق وهو يتأملها :" لن اخبرك.."
رقية وهي تحاول الا تنظر له:" مؤكد شيئا بشعا .. فقد اخافها لتفر هاربة.."
عمر:" او رائعا جدا جعلها تدرك ان لا مجال للمقارنة"
لم ترد.. جاهدت لمنع ابتسامة رضا.. ثم نهضت فجأة و انضمت لمجموعة ترقص علي انغام العزف و لغناء.. تلقاها شابا ما وامسك خصرها بيد و كفها بيده الاخري و دارا معا يرقصان وسط الراقصين.. نظرت الي عمر في سعادة .. لم يستوعب ما حدث للتو بعد .. الا ان عودة ابتسماتها الصافية جعلته يشعر بالرضا..
قام لوك من مكانه بعد برهة و طلب من الشاب الذي يراقص رقية ان يراقصها هو.. فتركها الشاب.. لم تمانع رقية كانت تمرح و تقفز وتدور حول نفسها ثم تعود لذراعي لوك ليدورا معا و هما يغنيان..
كانت خطة عمر التي وضعها لنفسه - بناء علي ادراكه لنقاطها الحساسة المرتبطة بهروبها من قمع ابيها- تملي عليه الا يحاول ابداء اي نوع مباشر من المنع او الانتقاد لاي تصرف قد يحلو لها.. وذلك لكي لا تنفر منه وبالتالي تدريجا يكسب ثقتها.. وكان عليه ان و جدها علي وشك ايذاء نفسها بشكل او باخر ، ان يمنعها بصورة غير مباشرة.
ان ما يحدث امامه الان لا يندرج تحت مسمي ايذاء النفس او ايذاء الغير لها.. الفتاة تمرح و تقضي وقتا ممتعا امام ناظريه في امان.. كما انه لا يناقد الخطة فقد تأكد له الان ان كان هناك من تهتم له فهو هو نفسه و ليس لوك.. اذن لوك ليس مصدر تهديد.. لماذا اذن يرغب في تصفيته الان بمدفع ؟ هل لان كفيه الرقيقان يحوطان خصرها الصغير؟ ام لانه ينظر لها و يدقق النظر مثلما ينظرهو نفسه لها؟ تري هل اكتشف (الغمازات) في وجنتيها؟ هل لفت نظره شفاتها العلوية المكتنزة اكثر من السفلي؟
وجد نفسه ينهض و يطلب من لوك مراقصة رقية.. تركها لوك له و ذهب لمراقصة فتاة اخري.. توترت رقية حين امسك بخصرها.. بل دفعها التوتر الي الابتعاد و التظاهر بالرقص عن بعد .. حسنا.. لا داعي للضغط واصابتها بالتوتر.. قرر ان يجاريها.. طالما انها معه هو الان و لا تراقص غيره.. كان هذا كاف و مرضي له..
تلاشي توتر رقية تدريجا و اندمحت مع عمر وسط المجموعة في الغناء والرقص.. كانت الاغاني المعزوفة علي جيتار ذلك الشاب و بايقاع تلك الفتاة علي دلو ما .. تحمس الجميع علي الغناء .. كانت الاغاني عن الحب و الطبيعة و عن الحرية .. قضت و قتا ممتعا جدا.. لقد رقصت دوما مع الاصدقاء المقربون في ارقي الملاه، و لكنها لم تسعد ابدا مثلما سعدت الليلة وسط الاغراب و علي ايقاع دلو وجيتار وسط الخلاء .. وما كان مميزا حقا هو عمر.. لم تكن تتخيل لن لديه جانبا صاخبا مجنونا مثلها.. لقد امضي وقتا رائعا بدوره ..لقد بثت فيه رقية الحماس واخرجته من هدوءه ورزانته التي اكتسبهما بحكم وظيفته..
اقتربت منه لثناء الرقص و سألت:" الن تخبرني عن السر؟"
عمر:" اي سر؟"
رقية:" الامر الخاص بدونا.."
عمر:" ثقي بي، لا تريدين ان تعرفي"
رقية متوسلة:" اريد.. هيا اشبع فضولي"
ابتسم ولم يرد وهو ينظر اليها باهتمام ..
قالت:" ان قلت لي ما هو سأقول لك احد اموري الخاصة.."
عمرضاحكا:" صفقة مغرية حقا.. ولكني مازلت لن اخبرك... ده كلام كبار"
صمتت رقية و قد اغاظها رده.. ولكنها لم تتضايق منه جديا.. علي العكس تماما.. هي سعيدة بتلك الليلة الرائعة التي تمضيها معه..
اثناء الرقص رفض عمر طلب لوك حين جاءه بعد فترة يطلب روكي للرقص.. الامر الذي اذهل لوك بشدة.. فطلب فتاة للرقص من الذي يراقصها ليس سوي لفتة ذوق لا اكثر.. ليس في حقيقته طلب اذن فعلي ينتظر الموافقة او الرفض..
لوك غير مصدق:" هل قلت لا للتو؟"
عمر و هو يتحرك رقاصا ممسكا بيد رقية التي تدور حول نفسها علي ايقاع اغنية اسبانية:" اجل.. قلت لا!"
وقف لوك مذهولا.. فقال عمر بصوت عال ليسمعه لوك وسط الصخب:" لا نتظر الي هكذا.. رووك لن تراقص غيري الليلة.. ابحث عن اخري"
ابتعد لوك وان لم يعجبه انعدام ذوق عمر..
سمعت رقية الحديث القصير بينهما الا انها تظاهرت بعدم الانتباه له.. كانت تريد ما اراده عمر.. ان يراقصها هو فقط طوال الليل..
اخيرا قبيل الفجر تعب الجميع و تساقطوا واحدا تلو الاخر نياما..
قال عمر فجأة:" شفتي! المحل قفل و ماشترناش الخيمة"
رووكي:" قلت لك سأنام بدون خيمة.."
ثم فردت ذراعيها و رفعت رأسها عاليا و صاحت تغني بالعربية بالفصحي :" هل فرشت العشب ليلا و تلحفت الفضاااااء"
ثم القت بجسدها علي الحشائش واستلقت تواجه السماء..
عقد حاجبيه مندهشا وجلس بجوار جسدها الممد و قال:" انتي تعرفي فيروز؟؟ "
قالت:" انا اصلي بدرس في الجامعة مادة ترجمة من عربي لانجليزي و العكس.. بستغل اللغتين الي عندي"
عمرساخرا:" هي دي معلومة في حد ذاتها كويسة لانها اول معلومة اعرفها عنك.. بس ده ايه علاقته بفيروز؟؟"
ضحكت رقية ضحكتها الصافية وقالت بلهجتها المضحكة :" كنت بكره مادة العربي جدا و مش شاطرة فيه..لحد ما مرة في كلاس الترجمة البروفيسور ادالنا قصيدة اعطني الناي و غني.. و ادالنا ترجمتها عشان ندرسها.. لما قريتها مضطرة عشان الامتحان.. كلامها عجبني جدا.. كلها حاجات كنت نفسي اعملها.. وبعدين عرفت ان فيروز بتغنيها.. فدورت عليها و سمعتها ، ومن ساعتها بقيت بحب فيروز.. و بحب العربي..وبحب الشعر.. "
كان يستمع اليها و هي تقص عليه الموضوع.. انها المرة الاولي التي تحكي موضوعا طويلا كاملا بالمصرية.. لهجتها (المكسرة) تجذبه اليها اكثر.. لها مذاق لذيذ في اذنه.. مثل لذة سماع طفل لا يجيد النطق الصحيح بعد.. انها تحيره.. من يراها قبل قليل تتقافز و تصيح بالغناء مثل المجانين ..لا يتصور انها بعد وهلة ستجلس لتتحدث في هدوء عن قصيدة بالفصحي وعن فيروز..
ظهرت رأس فتاة من خيمة صغيرة قربهما وقالت بضيق:" هل صمتما! لا استطيع النوم"
اعتذر لها عمر.. بينما لم تبد رقية اي رد فعل.. لم يعد لديها طاقة .. نائمة اكلينيكيا.. نظر اليها تحدق في السماء بعيون شبه مغلقة.. لقد راها في احوال كثيرة.. لكن لم يقترب منها قط وهي نائمة.. بدي له الامر محبب جدا..
وجد نفسه منهك و يستلقي بجوارها.. قالت بصوت اثاره وهي ناعسة كالسكاري :" الاستلقاء تحت النجوم ايضا يأتي في القائمة"
لم يرد.. لانه رده عليها كان سيكون فعلا يأتي في قائمة: "اسباب لصفع الرجل"
سمع صوت نفسها المنتظم فتأكد انها راحت في النوم.. مد ذراعه و احاط ساعدها بكف يده.. وذلك حتي يشعر بها ان نهضت وهو نائم..
حسنا.. الان بعد ان سحلته خلفها طوال النهار ان الاوان ان يسترخي .. نوم الظالم عبادة حقا..
القي نظرة علي النار قربهما ..كان يدرك انها سنتطفيء عاجلا او اجلا مما سيجعل البرودة تأكلهما.. وهو الامر الذي ادركه جميع النائمين بداخل خيام او اكياس النوم.. تقريبا هما فقط من يناما بدون حتي غطاء.. اففف.. حتي و هي نائمة ترهقه.. نهض واتي بحقيبة ظهرها .. فتحها وبحث فيها عن ما يصلح كغطاء لها .. حاول الا يتفاعل مع ملابسها الداخلية التي تصادمت مع نظره.. رفع وجهه لاعلي و تحسس الملابس في الحقيبة بيده فقط و بالفعل و جد شيءا بملمس صوفي.. انها كنزة بحجم كفه.. كيف ترتديها؟؟ انها تصلح علي اي حال.. حاول قدر المستطاع ان يضعها عليها لتغطي اكبر مساحة منها.. لم يفلح بالكاد تغطي كتفها.. كيف ترتديها بحق؟؟.. نهض مرة اخري و سار عبر الناس التي قد نام معظمها..وجد شابا مازال لم ينم يقوم بتجهيز مكان نومه.. الفتي يملك كيس للنوم و بطانية.. حسنا كيس النوم يكفيه..ما هذا الطمع ؟ اقترب منه و عرض عليه ان يدفع ثمن البطانية .. الا ان الفتي رفض.. فعرض عليه ضعف ثمنها فرفض، ولكن حين عرض عليه ثلاثة اضعاف ثمنها وافق واعطاها له مع ابتسامة بلهاء.
تأفف بصبر نافذ وهويعود ليستلقي قربها مرة اخري بعد ان القي عليها البطانية .. ومد ذراعه ثانية وامسك بساعدها.. ولو ان ذلك قد يبدوا (تلكيكة) الا انه يخشي حقا ان تنهض اثناء نومه وتفعل امرا اخرقا ما.. مهمته التي يحاول الاتزام بها جاهدا رغم الصعاب هي الا يفارقها.. طرأت في رأسه فكرة اخري يضمن بها عدم تحركها من جانبه بسلاسة.. نهض ثانية و خلع عنها حذائها ووضعه قربه.. لن تنهض حافية .. استلقي للمرة الاخيرة و هو يلعن اليوم الذي طلبه صادق لتلك المهمة.. استرخي اخيرا وسرح بخياله استعدادا للسقوط في النوم.. حسنا برغم سخطة الان ، لن ننكر ان المهمة بها جانب مشرق.. مثل فاصل الرقص و الغناء الليلة.. مثل قصتها المضحكة عن القصيدة.. مثل ملمس كم سترتها الجلدية الان تحت كفه.. ورائحة عطرها التي التصقت به بعدما (دعبس) في حقيبتها..
ادار وجهه ناحيتها و تأمل وجهها النائم .. ابتسم و نام..
تصبحوا علي خير..