فتح عمر عينيه في كسل.. لقد نام نوما عميقا .. انه الصباح.. كان متدثرا في غطاء دافيء تحت رأسه و ساده .. حاول جاهدا التذكر متي نام و و كيف تدثر .. و فجأة هبطت عليه الذاكرة!!! اين رقية؟؟ لقد تركها في الخيمة في بداية الليل!! وتعمد ان يستلقي دون غطاء علي الحشائش قرب الخمية حتي لا ينام .. يبدوا انه راح في النوم دن ان يشعر.. لقد نام طوال الليل الي الصباح!!
نهض مفزوعا.. تلفت حوله ليجد النشاط في اكشاك و نصبات الكرنفال هادئة بعض الشيء.. ليست بالصخب المعتاد.. الوقت مبكر اذن.. الناس لم تأت بعد و المبيتين مازالوا نائمون.. رفع الغطاء علي مدخل الخيمة و دس رأسه بالداخل .. كلهم نائمون في اكياس نومهم من الصعب تمييز من ينام اين.. قام بعدهم..العدد صحيح .. حسنا مؤكد رقية نائمة بينهم .. ميز حقيبة ظهرها.. لابد انها النائمة في كيس النوم جوار حقيبتها..
خرج و بحث عن حقيبته.. نظر في ساعة هاتفة.. الوقت مبكر فعلا.. لابد انهم احتفلوا امس لوقت متأخر.. ثم عادوا ليلقوا عليه غطاء و يضعوا رأسه علي وسادة.. كيف لم يستيقظ؟؟ و اساسا.. كيف ترك رقية بمفردها ليلة كاملة؟... تري ماذا فعلت؟ وبرغم ضيقة من نفسه و من تقاعسه عن اداء مهمته و نومه .. الا انه شعر ان بعد كل ما مر به ضغط نفسي.. كان يحق له ببعض الراحة و النوم.. من حظه ان شيئا لم يحدث لها..هاهي نائمة وبخير..لعلها لم تتهور ليلة امس .. او هكذا تمني.. مازالت تحيره .. احيانا تبدو له مدركة لما تفعل و محطاطة لنفسها و من حولها.. و احيانا تبدوا ان لا عقل في رأسها و لا حدود تقف في طريقها.. حمد الله انها لم تؤذ نفسها و لم يؤذها احد.. وعادت سليمة مع اصدقاءها..
ذهب الي كشك لبيع القهوة و ابتاع افطارا و قهوة و عاد يجلس في الشمس علي الحشائش قرب الخيمة.. الجو رائعا و القهوة من و حي الخيال و فوق كل ذلك رقية نائمة!. انه الهدووووء.. تلذذ برشفة قهوة.. قبل ان يري رأس صغيرة تبرز من مخرج الخيمة.. و يتبعها ذلك القوام الرائع الذي صار يعرفه عن ظهر قلب.. انها الانسة رقية.. لقد استيقظت لتقطع راحة باله!
وضع الشطيرة التي كان يقضم منها في ضيق.. "صباح الخير ايها الكسول!" هكذا هتفت
ذهبت لصنبور قريب في الارض.. غسلت و جهها هي منحنية .. ثم جلست و مددت ارجلها بجانبه واستندت للخلف علي ذراعيها في هدوء ..
انتهي عمر من مضغ القضمة و قال:" اهلا.. "
قالت بهدوء و مازلت عينيها شبه مغمضة و هي تواجه الشمس لتستمتع بدفئها :" الجو رائع.. اريد ان اجلس في هذا الهدوء للابد.... كانت ليلة صاخبة!"
ها قد بدأنا..
شعر عمر بتوتره يتصاعد و قال:" حقا؟ ماذا فعلتم.؟؟"
رقية ومازالت هادئة جدا:" لا أذكر حقا.. و لكنها كانت صاخبة"
عمر متوجسا :" لم لا تذكرين؟؟"و بداخله يتوسل " متقوليش سكرانة... متقوليش سكرانة"
رقية:" لأني كنت نائمة.. الا ان الصخب اصابني بالصداع.. لم اتمكن من النوم جيدا و لكني ايضا لم اقوي علي النهوض و الاحتفال.. كل ما اذكره اني اخرجت رأسي لأبحث عند وجدتك رحت في نوم عميق.. وضعت لك و سادة و وغطاء.. كنت كالجثة"
تنفس عمر الصعداء.. هي لم تبرح مكانها.. نامت قربه في الخيمة طوال الليل!
استطردت:" رغم انك كنت حقيرا مساء امس.. الا اني اشفقت عليك و انت نائم بلا غطاء !"
ابتسم عمر و قد كان حقا ممتنا الي ترتيبات القدر الذي ابقاها نائمة :" لا تغضبي مني يا رووك.. احب ان اراك مغتاظة.. تبدين مضحكة"
نظرت اليه بسخافة و لم ترد..
قالت آمرة بلا مبالاة:" اذهب آتني بشطيرة و قهوة"
نظر اليها عمر نظرة جعلتها ترتبك وقال:" فاكراني روب و لا ايه؟؟"
اخرج لها النقود من جيبه و قال :" احضري لنفسك "
اخذت النقود و ذهبت مسرعة امام عينيه و عادت له بعد ان ابتاعت الطعلم ، جلست ثم قالت:" انا لم اقصد.. فقط بحكم العادة.. انا.."
قاطعها عمر:" اخبرتك ان تفكري جيدا قبل ان تتحدثي معي!.. يجب ان تعرفي اني لست مثل اصدقاءك الذين يسرون في حاشيتك.. انا هنا لاساعدك لأني ارغب في ذلك.. و قد ارغب في الرحيل لي وقت ما يحلو لي.. فلينفعك الحاشية وقتها"
رقية بنبرة استعطاف:" اعلم ذلك يا عمر.. اعلم انك رجلا مختلفا عمن حولي.. و ممتنة لك.. انا لم اقصد .. لن تحدث ثانية.. لا تتحدث عن الرحيل.. انت تعرف اني بحاجة اليك"
تابعها عمر بناظريه.. لقد تمكن منها تماما.. ابتسم في ثقة
اقتربت منه ثم باغتته بذراعها الذي احاط كتفيه فجأة وضمت نفسها اليه وكأنها طفلة تتعلق بوالدها و اسندت رأسها علي كتفه القريب منها و قالت بنفس النبرة المستعطفة وحنان مغدق:" انت تعرف انك افضل اصدقائي.. الافضل علي الاطلاق.. لقد كنت لي خير عون و صديق ..انت حمايتي و اماني و لن ادعك تبتعد ابدا.. حقا اسفة لو قلت ما يضايقك"
سرت الكهرباء في جسد عمر.. و لم يتمكن من منع كفه من التمليس علي رأسها ..وانفه من استشاق رائحة شعرها و قلبه من الخفقان باسمها.. انه يسقط و يسقط و يستمر في السقوط.. الي اعماق حبها..
هعع .. لنتذكر مرة اخري؟؟ مَن الذي تمكن مِن مَن؟؟
امضيا كلاهما عمر و رقية طوال فترة ما قبل الظهيرة يجلسان معا في الشمس و يتحدثان بهدوء في شتي المواضيع .. تحدثا عن الكتب التي قرءاها.. و افلامهما المفضلة .. تناقشا في انواع الطعام و كيفية الطهي.. حكي عمر كثيرا عن طفولته في مصر.. تناقشا في اوجه الاختلاف بين اسلوب التفكير الاوروبي و اسلوب تفكير المصريين .. انجرفت رقية معه في الحديث في استمتاع مطلق.. لم تقابل شخصا مثله قادر علي استيعابها .. يدرك ما تقصد .. و يفهمها دون استنكار او تعجب.. لو كان هناك ما يشرح كلمة "تفاهم" لكان هو حديثها معه.. كادت رقية ان تخبره اكثر من مرة عن سرها و عن ابيها .. و لكنها اثرت الكتمان..
اما عمر فقد شعر انه يري عبر روحها خلال حديثها و قد اعجبه كثيرا ما رأي.. كم هي مثيرة لاهتمام؟ لديها الكثير يعتمر داخل قلبها و رأسها.. تنظر دوما للاشياء بمنظور مثير للاهتمام.. كما انها مسلية و مضحكة جدا.. لقد مر اكثر من ساعتين دون ان يشعر معها بالوقت.. بل فقد الاحساس بالزمان و المكان.. وكأنه خرج من الواقع ، ومن المهمة ، و من كل ما عليه من مسؤلية.. انه لا يعي فقط سوي لوجودها الذي يجتاحه..
قاما ليتمشيا سويا و يشاهدا كل اكشاك الكرنفال قبل الزحام.. لعبا بضع لعبات في الملاهي.. وضحكا ملء قلبيهما..
رقية:" انظر كشك التقبيل"
عمر مستنكرا:" ماذا تريدين منه؟!!"
رقية وهي تدرس رد فعله بدقة:" انه للخير.. سيذهب ثمن التذاكر للاطفال في الملاجيء"
عمر:" ماذا؟ تريدين الجلوس علي الكرسي كسلعة معروضة؟. و كل من دفع ثمن التذكرة بامكانه تقبيلك؟ بعيدا عن احساسك بالكرامة... الا تخشين الامراض؟.. ستُقبلين عشرات الاشخاص"
رقية:"انظر .. الطابور شبه خالي سوي من اولاءك المراهقين.. انه للخير"
نظر عمر للطابور و هو يكاد يصاب بجلطة.. هي حقا ستجلس في كشك القبيل ليقبلها جميع الرجال في الطابورحتي و ان كانوا مجموعة اطفال في سن المراهقة..
قال:" حسنا اذهبي الان و انا سأذهب لأقف في الطابور.. القاك في القبلة" و غمر بعينيه..
رقية مندهشة جدا:" حقا؟"
عمر:" اجل.. سأدفع تذكرة و اخذ حقي بثمنها.. قبلة بيورو .. يالرخص! .. انه موسم التخفيضات"
ترددت رقية ثم قالت:" لم اكن اتوقع منك هذا .. انا كنت امزح من البداية.. اكيد لم اكن لأفعل ذلك"
عمر:" ولم تمزحين؟.. انه من اجل الخير.. هيا هيا.. انها فرصة لاقبلك دون ان تلوميني"
رقية:" قلت لك كنت امزح.. بالطبع انا لا اسمح لاحد بتقبيلي! "
عمر:" سنري هذا.."
رقية حانقة:" ماذا تقصد؟؟"
عمر بخبث دون ان ينظر اليها:" لا عليك.."
عادا ادراجهما الي حيث الخيمة و كان قد بدأ افراد المجموعة في الاستيقاظ.. وبعد ان انتهي الجميع من الافطار جلسوا معا علي الحشائش امام الخيمة يسترخون منهم من استلقي في الشمس ومنهم من مدد و منهم من جلس، يتحدثون فيما سيفعلون اليوم..
رقية :" ماذا فعلتم امس؟"
روب:" كنت اعرف انك لن تأتي.. كسولة!"
إميلي بخبث ضاحكة:" لقد ظننا بكما الظنون حين غاب كليكما .. و لكننا عدنا لنجد عمر المسكين نائم في الخارج و رقية تحتل الخيمة بمفردها"
عمر:" انها جبارة.. لقد طردتني من الخيمة.. لا شفقة في قلب تلك الفتاة"
نظرت له رقية نظرة متعجبة
قال روب:" اسألني انا .. هي لا تعرف معني الكلمة"
رقية متجاهلة روب:" ولم ظننت بي الظنون يا إم؟ الا تعرفين صديقتك؟ "
إميلي:" اعرف طبعا.. و لكني ايضا أري جيدا.. انظري اليه .. نجم السنيما" واشارت لعمر
اميلي بينما قالت رقية ساخرة:" عمر ساحر النساء.. ممكن توقيعك؟ و لكن انت مخطئة يا اميلي.. انه ليس النوع الذي افضل." قالتها واخرجت لسانها لعمر
ضحك عمر وقال:" انا متاكد من هذا.." ثم اكمل بالمصري:" بأمارة الشورت!"
قاطع روب الحديث فجاة و قال:" الم نخبرك ان كاثي هنا؟.. لقد رأيناها امس مع شلتها"
عمر مستفهما:" كاثي الصديقة السابقة للفتي الذي تقدم لخطبك؟ اسمه مروان.. الخائن؟"
رقية باندهاش:" انت لا تنسي شيئا؟؟ اجل.. هي .. فتاة بغيضة .. مثلها مثله"
عمر:" لقد كنتم تتحدثون امامي.. لم اتطفل"
رقية برقة شديدة:" لم اقل انك تطفلت عزيزي.. فقط اندهش من ذاكرتك"
توجس عمر من رقتها وخشي ان تضمه او شيء من هذا القبيل..لذا توترت عضلاته استعدادا .. و لكنها لم تفعل شيئا.. فارتخي .. كم هذا مضحك .. هو الرجل و يخشي تطاولها عليه.. ابتسم ساخرا للفكرة.. ثم شرد في امرا اخرا.. قد تكون تلك الفتاة كاثي هي الشخص الذي ينقل الاخبار لمروان.. و لكن ما سمعه منهم عن علاقتهما يفند تلك الفكرة.. المهم ان وجود كاثي تلك امرا غير مريح.. لا يريد ذيولا لأحد حول رقية..
إميلي:" ماذا سنفعل اليوم؟"
قال احدهم:" هناك مسيرة استعراضية ستخرج من ارض الكارنفال لتجوب المدينة.. وليلا فرقة الروك مستمرة"
رقية في حماس:" اريد الذهاب"
روب:" رووك ستكون مملة جدا.. لنذهب للملاهي المائية"
رقية:" اريد الاثنين!"
بالفعل و جد عمر نفسه يلهث خلف رقية التي لا تهدأ فهي تريد المسيرة الاستعراضة.. ثم .. لنشاهد لنشاهد عرائس البحر.. اريد رؤية الاميرات.. احملني علي كتفك لأري... انزلني اريد مثلجات... احملني ثانية لأري.. المثلجات و قعت مني اريد اخري... لنذهب لاستعراض الحيوانات.. اريد رؤية خيال الظل.. لندخل كشك الصور.. ابتسم.. الان اريد هوت دوج.. اريده بدون مخللات.. يااااه انظروا استعراض القرود.. اريد التصوير مع القرد..
كاد عمر أن يخر صريعا.. ان لياقته البدنية تؤهله لدخول الحروب علي الجبهة.. و لكن رقية امرا مختلفا.. لقد حطمت قواة وجعلته مثل سيدة في السبعين!
صاح بها فجأة :" رقية.. كفي .. لقد تعبت!"
لوهلة نظرت اليه بدهشة ثم قالت مستاءة :" بامكانك العودة للنوم ان اردت.. لم يكن عليك الصياح في!"
ثم تركته و لحقت بروب و البقية الذين كانوا يشترون بعض الحلوي علي بعد خطوات..
وقف يلتقط انفاسه.. الا انه وجدهم يتحركون وسط الزحام ذهب ليحلق بها .. و لكن اختفوا فجأة .. تلفت حوله في الزحام الشديد لقد اختفوا فعلا.. من المستحيل تحديد مكانهم و سط هذا الكم من البشر.. لم كان عليه ان يحدثها بعنف؟ تأفف و قرر البحث عنهم ليصالحها.. مر عليه اكثر من ساعة يجوب الطرقات في الزحام دون اي اثر لها او لهم.. خمن انهم قد يكونوا عادوا لأرض الكرنفال للخيمة.. لذا قرر العودة.
عندما عاد و جد فقط شابين من المجموعة يجلسان.. اخبراه أن رقية و البقية ذهبوا للملاهي المائية.. فقام بخلع ثيابه و ارتداء شورت السباحة وتوجه للملاهي.. تأفف جدا لأن عليه الان ان يتعامل مع مشهد رقية بملابس السباحة و يتغاضي عن اللهو المستفز مع اصدقائها..
بحث عنهم ليجدهم بأعلي انبوب ضخم ملتوي ينتهي انحداره في حمام سباحة عميق.. كانوا بانتظار دورهم في الانزلاق..
صعد اليهم، لم تحييه رقية وحياه روب و إميلي ببعض البرود.. بدي واضحا ان رقية اصدرت اوامرها بمعاملته ببرود
اقترب من رقية تجاهل الدم المتصاعد الي رأسه و الذي اصبح يرافق وجود ملابس سباحة رقية.. قال:" لا تغضبي مني رووك.. كنت مرهق حقا.. وانت لا تهدأين.. لم اقصد ان اصيح بك"
رقية ببرود:" لا عليك يا عمر.. لقد ظننت اننا اصدقاء.. اعرف اني متطلبة ظننت ان بامكاني ان اثقل عليك وانك قد تحتملني.. و لكني كنت مخطئة!"
عمر:" ليس الامر كذلك.. بالطبع بامكاني احتمالك.. اعني و ماذا بك لا يحتمل؟؟"
رقية:" حقا؟ لقد بدا هذا واضحا في نبرة صوتك.. وصلتني عدم قدرتك علي احتمالي خلال كلماتك "
عمر:" و لكني فعلا لم اكن اعني..."
قاطعته صيحة رقية المتحمسة حين اخبرها المشرف ان تستعد للانزلاق..
قفزت في الانبوب العملاق و سمعوا صوتها تصيح في حماس وهي تنزلق للاسفل..
جاء دور اميلي.. الا ان عمر دفعها برفق جانبا و قال:" سأخذ دورك.. ان اذنت لي"
ثم قفز بعد رقية دون ان ينتظر رد إميلي..
في نهاية الانبوب سقط في الماء ثم صعد للسطح و بحث عن رقية ليجدها في الماء.. سبح اليها و ناداها.. ما ان رأته حتي سبحت مبتعدة و لكنه لحق بها و امسك بذراعها يستوقفها..
قالت:" اترك ذراعي يا عمر.."
عمر:" اريد ان اعتذر لك.."
رقية بالمصري:" ما هصلش حاجة"
عمر:" لأ هصل.. "
منعت ضحكتها علي تقليده للهجتها..
قال:" انا عندي فوبيا من الاماكن العالية و طلعت اتزحلقت و راكي عشان اصالحك"
رقية باهتمام:" بجد عندك فوبيا؟"
عمر:" لأ.. بس ممكن اقول اي حاجة عشان اصعب عليكي و تسامحيني.. طب انا يتيم"
لم تخف تخف رقية ضحكتها هذه المرة..
قالت :" خلاص محصلش حاجة.." و شددت علي حرف الحاء..
ثم تركته و سبحت مبتعدة لتخرج من حمام السباحة..
تابعها و هي تصعد و تسير مبتعدة سرح فيها بقوة ثم اتخذ قرار هاما.. سيسرق (المايوه) الخاص بها اثناء نومها و سيحرق قطعتيه..
خرج خلفها و تبعها .. امضي النهار يلاحقها دون ان يظهر لها كم ضاق صدره من كل ما يحدث .. بينما كانت هي تعامله ببعض الجفاء.. ضايقه انها عادت تطلب من روب ان يدفع لها.. كل ما كسبه من ارض صباحا ..خسره بسبب صياحه فيها عصرا.. عليه ان يعيد ما كسبه.. لن يكون الامر صعبا.. او هكذا تمني..
قبل ان يحل الليل كان الجميع اغتسل و تناولوا الطعام و ارتاحوا قليلا.. كانت رقية مستلقية داخل كيس نومها في الخيمة بينما يمدد روب بجوارها يتحدث اليها بصوت خفيض.. وعمر كان مستلقيا ايضا فوق كيس نومه ليس بعيدا عنهما.. لم يكن فالخيمة غيرهم و صديق اخر نائما بعمق في ركن الخيمة.. تظاهر عمر بالنوم و هو يستمع اليهما يتحدثان همسا..
روب:" بامكاننا ايجار شقة .. ويمكنك البحث عن عمل كما ترغبين"
رقية:" قلت لك يا روبي.. اريد ان استقل بحياتي.. لا ان ابدأ حياتي مع شخصا.."
روب" لم اقل لك تزوجيني.. اقل لك عيشي معي.. جربي"
رقية:" انت تعرف جيدا اني لن افعل ذلك..لاسباب عقائدية انا لن اعيش سوي مع زوجي.. و انا لن اتزوجك ابدا يا روبي تعرف هذا ايضا.. لذا كف عن الحديث في الامر"
روب :" من ستتزوجين اذن؟ المصري صديقك؟ "
رقية و هي تنظر لعمر لتتأكد انه نائما و تخفض صوتها اكثر:" لن اتزوج احدا.. اريد العيش بمفردي في الوقت الحالي.. اريد ان اعتمد علي نفسي"
روب:" رووك من تمازحين؟؟ انت تسخرينا جميعا لخدمتك.. انت لا يمكن ان تفعلي شيئا لنفسك.. ليس بامكانك جلب كوب ماء لنفسك.. ناهيك عن العيش و مواجهة الحياة بمفردك!! "
رقية غاضبة:" هذه نهاية الحوار! لن استمع لكلاما عن مدي صلاحيتي للعيش بمفردي .. اخرج او اصمت"
روب:" فكري يا رقية.. لن اخذ ردا الان.. فكري"
قالها و نهض خارجا..
نهضت رقية جالسة زفرت في ضيق و امسكت برأسها بين كفيها.. سمع عمر نشيجا خافتا .. اعتصر الصوت قلبه.. انها تبكي .. تبكي بيأس و ضيق شديد.. وجد نفسه يعتدل ثم ينهض و يقترب منها.. ما أن رأته حتي ارتبكت و سارعت بمسح دموعها..
قال بحنان:" الم تعديني اني لن اراك باكية؟"
رقية تحاول المزاح:" ليس المفروض ان يري النائم شيئا"
عمر:" لم تبكين؟"
رقية:" لا عليك.. فقط اصبت ببعض الاحباط.. لا عليك"
ثم استطردت:" هل تراني فاشلة يا عمر؟"
عمر مندهشا:" انتِ؟ اطلاقا.. اري فتاة تملك قلبا كبيرا .. مفتوحا علي الدنيا.. و لديها احلام كبيرة"
رقية:" كف عن الكلام المرسل.. اعني.. اتشك بقدرتي علي الاعتماد علي نفسي.. لقد نهرتني انت اليوم لأني متطلبة.. واصدقائي يظنون اني استعبدهم.. نقودي سرقت مني.. كما ان حكمي علي البشر دوما خاطئا.. تذكر الفتي في القطار و لوك... هل هذا يعني اني فاشلة؟"
عمر:" هذا يعني انك تفتقدين الخبرة فقط.. وربما تحتاجين لبعض الحرص..اما بالنسبة لانك متطلبة.. اعتقد انك ان لم تجدي احدا يلبي لك ما تريدين لن تكوني كذلك.. نحن نصنع الطغاة!... اصدقائك يفسدونك بالدلال المفرط.. هم يظنون انهم ينالون رضاك و انت تظنين انه حقك المكتسب.."
رقية:" اعرف ان منهم منافقون .. ولكن هل تظن اني مؤهلة للعيش مستقلة؟"
عمر:" لست فاشلة علي الاطلاق.. اما بالنسبة للعيش مستقلة.. فانا لي وجهة نظر شخصية في الامر لا تتعلق بك بالذات"
رقية متفهمة:" اجل اجل.. يمكنني ان اخمن.. انت مصري و بالتالي تظن ان ليس من حق الفتاة ان تستقل و هذا ليس من عادتنا الخ .. الخ.. صدقني احفظ المحاضرة عن ظهر قلب"
قالتها و هي تنهض من مكانها و تتوجه لخارج الخيمة وكأنها تهرب من ما سيقول.. لحق بها عمر و هو يرد عليها
عمر:" لا .. لم اكن لأقول ذلك.. بالعكس.. هناك فتيات كثيرات عربيات يعشن في اوربا بمفردهن اما للدراسة او للعمل... اؤمن به للعربيات ان كان لهدف محدد و فترة محددة ..ينتهي مع انتهاء سببه"
سألت رقية مستنكرة وهي تسير و عمر الي جوارها :" ولكن ليس من حق الفتاة ان تعيش بمفردها دون ان يكون هناك سببا سوي الدراسة او العمل؟ كما انك حددت العربيات .. فانت تعطي حقا للاجنبيات .. و لكن العربيات لا حق لهن؟؟"
عمر:" انا لا اعطي حقا او امنعه..فقط اري الامر غير مناسب... "
رقية بلمحة سخرية:" ولم تري ذلك؟"
عمر:" اعرف انك تلمحين الي جذوري المصرية التي تجعلني متخلف في نظرك.. "
رقية:" لم اقل عنك ذلك ابدا.. انت ذكرته للتو.. معناه انك مقنتع به و لو لحد ما"
عمر :" اعترف ان ليس كل المعتقدات المصرية صحيحة ..و لكن الامر كذلك بالنسبة لاي ثقافة اخري.. و سأعطيكي مثالا بالاوربيات هنا.. المتعارف عليه ان الفتاة تستقل بحياتها في سن الثامنة عشر .. و بالتالي -علي العكس تماما من الثقافة في مصر- من تبقي مع اهلها بعد تلك السن هي من تكون خرجت عن المتعارف عليه و تكون غريبة.. وكأنه صار امرا مفروضا عليهن.. وانا اري انه وضع غير طبيعي، لاني اشعر ان الانثي بطبيعتها تبحث عن الامان و الاحتواء و الرفقة .. وبالتالي.. تستقل الفتاة وهي في قمة السعادة لانها حرة.. و بعد ان تستقر وتنتهي من تجربة ممارسة حريتها كاملة بل تملها ..تظل تبحث عن الامان و الرفقة و الاحتواء الذين افتقتدهم بترك اسرتها ..والتي صارت تتمثل في الحبيب.. الي ان تجد و احدا ترتاح معه ثم الخطوة الثانية ينتقلا ليقيما معا.. تمهيدا للتفكير في الزواج.. أسألي اي واحدة ستخبرك انها تفضل العيش مع صديق او حبيب عن ان تعيش بمفردها..فهي لا تحب الوحدة و لن ترجع لاسرتها و الا صارت غريبة الاطوار.. و لكن ماذا تفعل فتاة عربية معتقداتها و ثقافتها تمنعها من ان تفعل مثل ذلك و تعيش مع رجلا دون زواج؟"
رقية:" من قال لك اني مثل اولائك الاجنبيات او العربيات حتي... لا ارغب في العيش مع احدا.. اقصي احلامي ان اعيش بمفردي.. من قال لك اني احتاج الي الامان مثلا او الاحتواء او ايا ما ذكرت؟"
اطلق عمر ضحكة خافتة و هو يقول:" عزيزتي.. سبب تفضيلك لي علي ما اذكر في الصباح هو اني أمانك؟ الم تقولي ذلك؟ لا اقول ان عليك العيش معي.. ولكني اشير الي طبيعة الانثي.. لقد رأيتي اني افضل اصدقائك - علي حد قولك - بسبب انك شعرت معي بالامان..هذا ما اتحدث عنه "
عجزت رقية عن الرد و قد اغاظها ذلك جدا..لذا اسرعت في خطاها و هي تسير بعصبية حاولت اخفاءها
فقال ليخفف وطأة إفحامه لها:" و لكننا خرجنا عن الموضوع الاساسي لنتحدث عن و جهة نظري الشخصية التي تحتمل ان تكون خاطئة..كل ما قلته لا ينفي قدرة اي فتاة علي ان تستقل بذاتها ..سواء كانت راضية بذلك او ظروفها فرضته عليها .. البنات قادرات علي مواجهة الحياة بمفردهن ان اردن ذلك.. وانت من هؤلاء القادرات و لا تدعي احدا يحبطك و يخبرك بغير ذلك!"
اخيرا ابتسمت وقالت:" حقا؟"
اومأ برأسه في ثقة
فعادت لتقول ضاحكة:" انت الشاب الوحيد الذي اعطاني ثقة بنفسي دون ان يغازلني.."
عمر مازحها يغيظها:" اهذا جيد ام سييء؟ اعني تريدين ان اغازلك؟؟ ان كنت تريدين ذلك فانا مضطر ان اعتذر.. تلك الامور تحتاج لقبول"
رقية بالمصري :" لا لا انت كده كويس.. تغيير شوية.. الي بيحبوا فيا كتير.. وزهقوني"
عمربنظرة هي النقيض تماما لما يقول:" مش عارف عاجبهم فيكي ايه؟"
اقتربت منه رقية فجأة فتوجس قليلا وابطاء السير.. قالت ردا عليه بابتسامة غامضة وهدوء:" الشورت!"
قالتها و عادت ادراجها باتجاه الخيمة بعد ان كانا قد سارا مسافة وهما يتحدثان
ولسبب غير مبرر صعدت الدماء في رأسه من الكلمة التي القتها له للتو فقد استحضر منظرها و منظر سيقانها المغرية في ذلك الشورت القصير جدا.. واستحضر معه نظرات المعجبين و المحدقين و روب الذي لا يبعد يديه عنها ..توقف و لم يتحرك وهو يراها تبتعد.. هل القتها عبثا؟ ام انها تدرك وقعها عليه؟
التفتت اليه في بعد ما سارت خطوات عديدة بلفتة من رأسها جعلت شعرها يطير في دلال بدت فاتنة و ابتسامتها اذابت قلبه ..وقفت عن بعد و اشارت اليه بمعني:" الن تأتي؟"
تحرك نحوها كالمصير.. منع نفسه ان يجري اليها ثم يسرقها في سرعة خاطفة و يذهب بها علي دراجته بعيدا عن كل شيء..
مع قدوم الليل استعد الجميع لحضور ذلك الحفل المستمر لعدة ليالي منذ الليلة السابقة..طردت الفتيات الشباب لحين الانتهاء من اللبس .. و حين خرجن.. عرف عمر ان الليلة ستكون صعبة للغاية.. ها هي رقية تعطيه نبذة عن ما سيتعرض له من ذبحات و جلطات ..خرجت عليهم بفستان اسود اقصر ما يكون اضيق ما يكون عاري الاكتاف تماما..
صفر الشباب كنوع من المجاملة.. قبل روب يد رقية متظاهرا بأنها اميرة ..مما جعل عمود عمر الفقري ينتصب في تشنج كهربي.. اقبلت رقية علي عمر تخترق عينيه بنظراتها بحثا عن الاعجاب..ولكنها و جدت شيئا اخر لم تستطع تفسيره شيئا جعلها تتوتر وتحاول اطالة الفستان قليلا بيدها و ترفعه لاعلي اكثر عند الصدر..
عمر ساخرا و بغيظ نجح في اخفاءه:" ايه حتة القماش الي لفة نفسك بيها زي ما تكوني خارجة من الحمام دي؟؟ و بتقولي ابوكي اغني واحد..مستسخر فيكي قماش زيادة؟"
ضحكت رقية وقالت:" جاهل! الفستان ده كلهم جوة كانوا هيتجننوا عليه اول لما لبسته.. ده تمنه اغلي من الموتوسيكل بتاعك"
عمر:" ودا بتتنفسي فيه عادي و لا لو خدتي نفس يفرقع؟"
رقية تتصنع عدم الاكتراث:" عمر! كنت فاكرة ان راسك فيها حجات اكبر من فستاني؟ هو شاغلك اوي كده ليه؟"
قالتها و مرت امامه بثقة و نظرات راي فيها بعض التحدي..
(بتحاول تجيب اخري).. هكذا قال عمر لنفسه مفسرا ..
لم يكن موقع الحفل بعيدا ..كان علي مساحة واسعة و هناك منصة عالية منصوبة كمسرح يقف عليها اعضاء الفرقة و اآلاتهم الموسيقية..يغنون اغانيهم بحماس و صخب.. بينما اسفل المسرح يتجمع عدد كبير من الشباب يتابعون العرض و يغنون مع الاغاني.. وتمتليء المنطقة حول المسرح بشباب كثيرون ..يتناثرون في مجموعات صغيرة و كبيرة ..من يفترش الارض و من يرقص ومن يقف للتحدث مع الاخرين.. كانت مثل حفلة اليوم السابق.. صاخبة جدا..
وقفت مجموعة الاصدقاء بينهم رقية و عمر في موقع يبعد قليلا عن المسرح و الزحام الخانق.. كانت رقية تغني مع الاغنية و تتراقص بهدوء وهي تتابع الفرقة عن بعد علي المسرح.. وعمر لم ينزل عينه من عليها.. كانت ساحقة الجمال ! و لكن رأسه ايضا كان مسحوقا تحت وطأة التفكير فيما سيحدث منها الليلة و ماذا عليه ان يتحمل؟
رقية و هي تنظر ناحية المسرح:" اريد الذهاب عن قرب"
إميلي:" صدقيني يا رووك الامر لا يستحق.. فعلنا ذلك امس.. الزحام لا يطاق.. "
روب:" نحن موقعنا ملائم هنا..بامكننا الروئية و الاستماع دون ان يسحقنا بشر اخرون"
رقية:" اذن كلكم ذهبتم و انا الوحيدة التي لم تفعل؟! اريد االذهاب .. ان لم يعجبني سنعود"
اميلي:" انا لن اذهب.. لقد كدت ان اختنق امس "
روب:" حسنا رووك ان كنت ترغبين بشدة لنذهب لدقائق قليلة و نعود.. هيا سأحملك علي كتفي كي لا يسحقك الناس"
نظر عمر مصعوقا لفستان رقية القصير و لم يمكنه التخيل كيف سيكون وضعه ان صعدت علي اكتاف روب، ناهيك عن الفكرة نفسها !!!
الا ان رقية انقذته قبل ان يسقط في نوبة تشنجات صرعية وقالت محدثة روب:" كيف اصعد علي كتفيك يا احمق بهذا الفستان؟!"
وخرجت زفرة الصعداء من عمر وحمد ربه علي الذكاء الفطري الذي الهم رقية بالتفكير في تلك النقطة..
قال روب:" رووك.. اخشي حقا ان تتأذي من الزحام.. "
رقية:" كفوا عن القلق علي.. اريد الذهاب الان.."
وتحركت باتجاه المسرح تاركة اياهم جميعا .. مما اجبر عمر و روب في نفس ذات اللحظة ان يتبعاها..
قال روب لعمر:" ارجع انت يا عمر.. سأهتم بها..اقضوا وقتا ممتعا حتي نعود .. انا معتاد علي عنادها و سخافتها"
عمر:" اعتقد انا افضل..في مسألة الزحام.. اعني انا اكبر منك حجما و بامكاني ان اكون حاجزا منيعا عن الناس"
روب:" لا ..لا من حقك ان تستمتع لقد رافقتها طوال النهار ..اعرف كم تكون رفقتها مرهقة.. هيا عد اليهم ..نحن سنلحق بكم"
شعر عمر انه ان تمسك بموقفه اكثر من ذلك سيكون ملفتا ..خصوصا بعد ان علق روب انه يرافق رقية طوال اليوم.. لذا عاد الي حيث البقية..كانوا يرقصون و يمرحون فتظاهر بالرقص معهم وهو بربع عقل.. فبقية عقله مع رقية وروب و الفستان.. كما انه يشعر بغرابة وسط اصدقائها بدونها.. لا ينسجم معهم اطلاقا..
بعض اقل من ربع ساعة امضاها عمر لا ينظر سوي ناحية المسرح..وجد ظل رقية و روب قادمان..كانت يترنحان ضاحكين..و روب كعادته لا يرفع يده عنها..
اقبلت رقية قالت ضاحكة بشدة:" حسنا ..لدي اعتراف.. صغار الحجم لا يصلحون للاقتراب من المسارح"
روب وهو يضحك بدوره:" لم نصل حتي الي ربع المسافة داخل الزحام"
رقية:" كان يجب ان ترو روب و هو يحاول حمايتي من السحق.. بينما هو كالساندوتش بين الناس.. كان مضحكا جدا"
ضحك الكل علي ما حاولت رقية تقليده ..الا عمر تظاهر بالابتسام .. لماذا يجب علي الحيوان ان يضع يده عليها كلما تحدث؟
ثم قرر ان يحاول كسب نقطة فقال:" اترغبين في ان اذهب بك.. انظري الي.. بامكاني ان ادهس من يقترب "
رقية :" حسنا لنجرب"
رأي عمر و جه روب الذي كان ضاحكا وهو ينقلب في ضيق.
سار عمر برقية امامه وضعها بين ذراعيه و قام بازاحة الناس التي تأتي في طريقهم .. كانت منبهرة حقا .. الطول هيبة.. لقد وصلا لمكان قريبا من المسرح جدا.. بدأت تغني و وتصفق و تتراقص في مكانها كانت سعيدة جدا و تنظر بانبهار اسعد عمر بدوره.. كان سعيد ايضا بهذا الوضع حيث يشعر انه يضمها .. من الجيد في الزحام ان لا احد منتبه اليها و لا يمكن لاحد رؤية فستانها.. هو فقط يمكنه ذلك.. اعطي لنفسه قليل من الحرية ليتسمتع بالموقف وينسي التوتر..
قالت في حماس" تلك افضل لحظات حياتي!!"
ربت علي كتفها و ابتسم في حب... انها من افضل لحظات حياته هو ايضا... كان الزحام شديد و هو يجاهد في المحافظة علي مساحة حول رقية حتي لا تصير عصيرا.. كان يبعد بيده الناس برفق وذوق.. الا ان فتي بدي عليه انه مخمور عاد بظهره للخلف حاول عمر دفعه بعيدا لكي لا يصطدم بهما.. و لكن الفتي كان في حالة عدم توازن و واصل التراجع الي ان دهس قدم رقية التي صرخت الما .. مما جعل عمر يدفع الفتي بعيدا بعنف.. بينما كانت رقية تتأوه الما.. فما كان من الفتي المخمور الا ان حاول الهجوم علي عمر ليضربه.. تشبث عمر برقية و لف احد ذراعيه حولها ليؤمنها و دفع الشاب بذراعه الاخري.. وما انقذ الفتي هو ان اصدقاءه امسكوه و ابعدوه عن عمر.. معتذرين له..
خرج عمر برقية من الزحام و هو حانق.. قالت رقية غاضبة:" انظر لقد تلوث صندلي و قدمي بالطين!.." وقفت وخلعت الصندل وهي تحاول تنظيفه بيدها..
قال عمر وهو يحاول الا يكون عصبيا معها فيفقدها مثل ما حدث صباحا:" رقية .. لنذهب.. اظن انك الان قد جربت ان تكوني امام المسرح و عرفتي انه امرا مؤذيا و غير ممتع!"
رقية:" هل تمزح؟! كان ممتعا جدا"
ثم امسكت بكوعه مستندة اليه بينما رفعت قدمها ووقفت علي قدم و احدة لترتدي الصندل في قدمها المرفوعة ..
عمر مغتاظا وهي يري عدم المبالاة :" طبعا مانت مكنتيش تعبانة في حاجة عمالة ترقصي و تغني و سايبة البودي جارد بتاعك يتعجن ويهشلك الناس"
رقية ضاحكة لتغيظه:" عرفت بقي انت دورك ايه في حياتي؟؟ روب الخدام و انت البودي جارد!! بدور علي لبيسة ، - متعرفش واحدة؟"
لسبب ما لم تجد رد فعل منه يبين ان الدعابة اعجبته ..
فقط نزعها من ذراعها و سار بها بعصبية دون ان يتحدث..
عادا للمجموعة جرت رقية عليهم ووقفت ضاحكة تصف ما حدث مع الفتي المخمور وتصف ساخرة عمر و هو متوتر يمنع الناس من الاصطدام بهما.. كانوا جميعا يضحكون علي حديثها..ماعدا عمر.. كانت دعابتها قبل قليل تدور في رأسه.. هل حقا هي تستغله كما تستغل روب؟ هل يمنعه ميله اليها من ادراك الحقيقة؟؟ هل كلهم ينظرون اليه كما ينظرون لروب.. و كما ينظر هو نفسه لروب؟؟ القت الفكرة في صدره بحزن مؤلم.. وان كانت تلك الحقيقة -وليست دعابة سمجة منها - علي ايه حال هو ليس افضل منها.. هو ايضا يقوم بخداعها لينتهي من مهمته علي اكمل وجه..
اتت فجأة فتاة من المجموعة كانت قد ذهبت لمكان ما قبل دقائق.. صرخت بحماس للفتيات بأمر ما لم يفسره عمر..وامسكت بذراع رقية و هي تسرسع وتتقافز..فصرخن الفتيات بدورهن و تقافزن في سعادة غامرة ..ثم انطلقن بسرعة معا مبتعدين ليتبعن الفتاة .. بينما وقف الشباب يسخرون منهن.. سأل عمر متحيرا و هو ينظر الي رقية التي تبتعد ولا يعلم كيف يذهب خلفها وقد بدا واضحا انه امر تذهب فيه الفتيات فقط بينما يبقي الرجال
"ماذا بهن؟"
روب:" انه ديكس.. صديق قديم لرقية وعزيز جدا عليها كان موهبا ايام المدرسة و حين صار شاعرا مشهورا يكتب كلمات الاغاتي لعدد من المغنين ..صارت الشلة كلها من معجباته وهائمات به.. يبدوا انه هنا "
عمرساخرا:" ما اتفههن؟"
قالها وصدره مشتعل.. رقية ليست امام عينه.. ومن هذا الديكس ايضا؟؟؟ وكأن الصورة ينقصها شابا اخر .. تذكر وجه رقية و السرور الذي ملأه حين اخبرتها بوجوده الفتاة المسرسعة.. لم يتمكن من البقاء ساكنا اكثر من ذلك.. اخبر الشباب انه سيتمشي في جولة حول المكان..
تمشي بالفعل في المنطقة حول المسرح بحثا عن رقية.. الزحام زاد .. ولا يجدها.. امضي كثر من نصف ساعة يدور في المكان الي ان لمحها بالفعل كانت وسط مجموعة من الفتيات بعدد اكبر قليلا من شلتها ..لقد قابلن صديقات اخريات.. وكان معهن شابا وسيما جدا ..واضح انه السيد الشاعر ديكس و معجباته ..تابعها عن بعد.. كانت تضحك بشدة و تمرح معهن..هناك من تحمل زجاجة خمر.. و بدي علي كثير منهن الترنح و عدم التوازن.. وضع كفه علي وجهه ودعكه في محاولة لاستيعاب الانفعال.. ماذا سيقول لابيها..ابنتك سكيرة؟؟ تفقدها بدقة ليحاول تميز ان كانت قد شربت وغير موزنة ام لا.. ولكنها كانت تتراقص وتتحدث وتضحك ملء قلبها ..لا يمكنه التحديد.. قرر ان يعرف قبل ان يفقد اعصابه.. توجه اليها وناداها كانت في حالة ضحك شديدة..اقبلت عليه بفم مفتوح عن اخره ..
امسكت بيدها ساعديه وقالت بسعادة غامرة:" عمر.. انا امضي افضل لحظات حياتي"
عمر:" رقية انت تقولي ذلك كلما فعلت امرا جديدا.. لقد قلتها قبل ساعة عند المسرح"
رقية وهي تضحك:" اعرف.. ولكن هذا ما اشعر به الان..انظر للفتيات..رفيقاتي..لم اراهن منذ زمن.. تعال لاعرفك بديكس احد افضل اصدقائي..انه شاعر مشهور"
امسكت بيده و سحبته ثم نادت علي ديكس الذي اقترب وبدا انه مخمورا ولكن و اع الي حد كبير..
رقية:" ديكس هذا عمر صديقي"
حياه ديكس بلا اهتمام.. ثم قال :" هيا لنعود للفتيات ..هيا يا رجل انضم لنا"
ثم استند بذراعه علي كتف رقية ومال عليها مما جعلها تميل و تكاد تسقط..لحق بهما عمر ونجح في ان يساند ديكس ليقف متزنا .. فشكره ديكس و ذهب شبه مترنحا نحو فتاة منهن كانت تناديه..
همت رقية باللحاق بديكس و لكنها و جدت عمر يسحبها من ذراعها ويستبقيها
رقية:" ماذا؟!"
عمر:" شربتي معهم؟"
رقية:" ليس من شأنك"
فوجئت به يمسكها من اسفل وجهها عند الذقن..ويثبت رأسها ثم يقرب وجهه منها ..
رقية وهي تحاول الافلات:" هل ستقبلني؟!!"
قرب انفه من فمها وشمه..ثم تركها.. وابتسم
قال بخبث:" ماذا؟ هل احبطك اني لم اقبلك؟"
رقية مندهشة جدا:" كنت تشم رائحة نفسي؟"
لم يرد، فقط تأملها بابتسامة
قالت حانقة:" تشمني لتري ان كنت اشرب؟؟ "
اومأ عمر برأسه وقال:" لانك رفضت الاجابة..فاشبعت فضولي بنفسي"
رقية بثقة :" انا لا اشرب الخمر.. برغم انه امرا لا يخصك"
عمر:" لم لا؟ انك تجربين كل شيء.."
رقية:"الا هذا.. الفكرة نفسها لا تستهويني.. لا احب ان افقد السيطرة.. احب ان اكون في وعيي ... كما انه امر ممتع.. حين يكون اصدقائك حولك غير واعيين و يتصرفون بصورة مضحكة و انت واع لتضحك عليهم و لا يفوتك شيئا..فرصة ايضا لمعرفة كل الاسرار حين يبدأون في الفضفضة "
كانت تتحدث هي تضحك و تشير الي صديقاتها المترنحات..و ديكس
عمرساخرا:" حسنا ..طالما انك مع من هم اقل قوة منك.. فانت لا تدرين ما قد يفعله معك شخصا اقوي في غير وعيه"
كان يتحدث ساخرا و لكنه كان يريد حقا ان يوصل لها الامر دون نصيحة مباشرة.. من الغباء ان تتواجد فتاة مثلها مع شاب او شباب ثملين.. حين تذهب عقولهم لن تكون هي بأمان..
رقية بثقة ايضا:" بامكانك ان تسأل روب ماذا فعلت به حين كان ثملا و تطاول علي.. "
عمر:" لذا اقول مع شخص اكثر منك قوة.. انت اقوي من ذاك الفتي المخنث.. ثم اني اري ان روب يتطاول عليك طوال الوقت دون ثمالة و انت لا تفعلين شيئا .. ماذا حدث للصفعات التي توزعينها علي المطاولين؟ اين العرق الصعيدي؟"
خرجت جملته الاخيرة بكثير من الغيظ و الانفعال..
رقية مستنكرة:" ولم اصفعه؟؟! انه صديقي منذ سنوات طويلة.. ليس بيننا حدود! ما هو الذي تراه ؟؟ ما نوع التطاول الذي تتحدث عنه؟"
عمر بحنق وقد استفزه قولها ان لا حدود بينهما :" الفتي لا يمضي لحظة دون يلامسك بشكل او باخر.. وكانك تؤمه الملتصق!!! اخبريني ما استفادة ان يضع يده علي كتفك اليوم كلما تحدث؟؟ "
رقية مندهشة من الحديث:" مالذي تقوله؟..روب من الاشخاص الذين حين يتحدثون يجب ان يربتوا علي الاخرين..انها عادة فيه.. لا يمكنك اساءة الظن بالناس هكذا!! "
عمر:" حقا ؟؟ و لا كني لا اراه يقوم بتلك العادة سوي معك!!"
رقية وقد اكتسي صوتها بنبرة غاضبة:" ربما كنت لتراه لو انك ازحت نظرك عني للحظة.. دائما تتهم الاخرين بسوء النية تجاهي.. بينما انت لا ترفع عينك من علي..ثم تنافق قائلا اني لا اجذب اهتمامك!.. اسمع يا عمر انا لا اسمح لك بانتقادي! ولا اسمح لك بقول مخنث علي احد اصدقائي!"
وقف عمر غير مصدق انه يعيد الخطأ ثانية! ينجرف لنفس النقاش .. شاب اخر ..وسوء نية..وتدخل منه في امرا خاص!!
عمر في محاولة للاصلاح:" انا لم اقل ان نيته سيئة.. بالعكس.. انا اشير الي اهتمامه بك.. اري انه معجبا بك او يحبك؟ وكنت سأسلك عن شعورك.. انه حديث عام"
رقية:" لا تتظاهر علي.. نعته بالمخنث!"
عمر وهو يدرك انه يهذي :" اجل .. في نظري الشاب الذي لا يذهب لينتزع اعجاب او حب الفتاة انتزاعا و يكتفي باظهار مشاعره بلمسة هنا او هناك هو مخنث.. علي الرجل ان يكون رجلا"
نظر اليها يستشف ان كان غضبها تراجع.. ولكنه لم يفهم
رقية:" علي الذهاب الفتيات تناديني"
وتركته و عادت لهن و ديكس.. الذي بدا انه انضم اليه شابان اخران..
وقفت رقية بينهم جميعا ترقص و تلهو و تلقي نظرات خفية الي عمرعن بعد..هي متأكده انه يهتم بها .. وربما يغار ايضا.. ولكنها تمقت ان يتهمها..ان ينتقد سلوكها.. ان يحجر علي تصرفاتها و يحكم عليها بصفتها مصرية ولا يحق لها هذا او ذاك بينما يحق لإميلي..عليه ان يعرف حدوده معها.. هي بالفعل تحترمه وتقدر ما فعله و متمنة له،وقد تكون معجبة به .. وقلبها يرتجف حين تري وجهه ويخفق حين تلتقي عيناهما... ولكن هذا لا يجعله ذا اي صفة في حياتها.. لقد كان لديها متسلط واحد و قد تخلصت منه ..لا تريد اخر..
لم يعرف عمر ماذا عساه ان يفعل الان؟ لم تدعوه رقية للانضام لمجموعة ديكس.. و هو لن يعود لبقية الشباب و روب .. كما انه يجب ان يبقي عينه عليها.. اليلة تتحول تدريجيا الي فشل و اخفاق تام.. ويبدوا ان المزيد سيأتي.. هاهي في وسط مجموعة من الفتيات معظمهن سكاري.. وبعد ان كان ديكس الشاب الوحيد.. بدأ عدد الشباب يزيد.. طبعا .. من يمكنه مقوامة امسية صاخبة وسط فتيات مخمورات!
جلس علي سور قصير ليس بعيدا وامسك برأسه بين كفيه.. مشاعره تتصارع في صدره.. يجب ان يجنبها تماما ليفكر بمنطقية.. كل ما يفكر فيه الان ان يترك المهمة.. ان وكيل النيابة ليتنحي عن قضية حين يكون متورطا مع احد الاطراف بمشاعره بسبب علاقة قرابه او ماشبه.. وذلك لكي يضمن الحيادية.. عليه ان يفعل المثل.. لقد تورط مع رقية هو الاخر بمشاعره و لا يمكن نكران ذلك.. عليه ان يتنحي! لقد حاول اكثر من مرة الا تتدخل مشاعره وانفعلاته في سير الخطة و لكنه فشل..و هذا الفشل سيمتد لفشل المهمة نفسها.. افضل له ان يتركها دون ان ينهيها علي ان يفشل فيها.. كما انه سيرتاح من الذنب الذي كان سيطارده ان انهي المهمة و سلم رقية بيده لابيها القاسي و خطيبها الاحمق.. وفوق ذلك كله كسر قلبها..
ثم ابتسم في مرارة للفكرة.. من يكسر قلب من؟ الواضح الان ان رقية لا تعبأ به.. هي فقط يؤرقها ان شابا يفلت منها و لا يعجب بها لذا تحاول باستماته انتزاع اعجابه.. كما انها قالت بنفسها انه "امانها".. وسخرت من الامر واخبرته دون حرج ان وظيفته في حياتها هي الحماية..مثل اي شخص اخر تقوم باستعباده في من حولها..
ترك المهمة هو الحل! سيفكر حتي الغد في كيفية اخبار صادق و رؤسائه في الوكالة .. نظر الي رقية نظرة اخيرة قبل ان يهم بالنهوض و الذهاب للنوم فهي لم تعد تهمه الان.. ارقه بشدة المشهد.. الكثير من الشباب و الفتيات المخمورين . ورقية بينهم تضحك معهم و ترقص.. كان متأكدا انها ستتعرض لامر ما.. تلك هي القاعدة التي لا تخلف ابدا... اذا تواجد سكاري وجدت المشاكل .. تمهل و لم ينهض.. فكر قليلا .. تأفف و اتخذ قرار ... حتي الان هو مازل تحت التكليف علي الاقل بحمايتها.. او بمعني اصح - وان لم يقره في نفسه - لم يطاوعه قلبه علي تركها الان ... لذا سيبقي الليلة لكي يتأكد انها لن تتعرض لاي مشكلة.
الليلة فقط!
مسكين يا عمر
ردحذفلقد تألمت حقا لكل ما مر به مع المرهقة رقية
وقد وصلنا لمفترق طرق هنا
أرجو ألا يفعلها عمر ويترك تلك العنيدة لعبثها
تعرفى يا منة لو أن رقية فكرت بهدوء
لوجدت أن ليس هناك ما يسمى بالحرية المطلقة
هى نفسها تضع لها بعض الحدود وإن كانت واهية
الانسان لن يشعر بالسعادة لو عاش بلا قيود كالحيوانات مثلا
القيود هنا تحفظ عليه رقيه وآدميته
أظن رقية ستعى ذلك
ربما بعد أن تتلقن درسا قاسيا
سأنتظر
لن أمل من زيارة مدونتك صديقتى لأتذود بالمزيد من الروائع
تحيتى
رااااااااااائعة جدااااااااااا
ردحذفالحلقات فى منتهى الجمال
وصفك للمشاعر والمواقف راااااااااائع
برغم عيوب رقية لكن مش متخيلة انها تكتشف ان عمر بيخدعها
رقية طيبة ومقتنعة بالحدود لكن الكبت والحبسة هى اللى بتدفعها للتهور
عمر صعبان عليا اوووووووى ويتخلى عن المهمة احسن لانه انسان كويس ومش معقول يخدع انسانة ويحطم نفسيتهاعلشان يكمل مهمته
انتظرك فلا تغيبى جويرية
بد مش قادرة اقول غير انك موهوبه مستنين البارت الجديد متتاخريش علينا
ردحذفالحلقة تجنن أوى
ردحذفالأحداث والمواقف وكل حاجة تحفة بجد
ابتكارك للشخصيات والأحداث ونفسيات الابطال فظيع بجد
بصراحة مبدعة ودايما بيبقى عندك عمق للشخصية
بصراحة ماشاء الله عليكى قصصك كلها أحلى من بعض وكل واحدة فيهم مختلفة تماما عن الى قبليها وفيها تجديد رهيب وبتعيشينا فجو القصة بطريقة رهيبة
قصتك دى رجعتنى لورا لقصتك عملوها الكبار ووقعوا فيه العيال فى لمحة من جبروت رقية فجبروت ملك متتخيليش أنا بعشق القصة دى اد ايه
خلتينى اقراها النهرده للمرة التالتة
بجد تسلمى وربنا يوفقك وتبقى من انجح الكتاب
ومتتأخريش علينا بليييز عشان بجد بتسبينا على أعصبنا متتخيليش الانتظار بيعمل فينا ايه
ليه القصه مكملتش لحد دلوقتى حقيقي روايه جميله وخساره انها متكملش
ردحذف