تقريبا شفي و جه شهد إلا من بعض اللون البسيط.. وهكذا عادت لأسلوبها اياه في سرقة ركاب السيارات..
كانت تقف علي الطريق السريع مرتدية ما يثير الظنون و الشهوات.. و ما أن يقف لها احدهم حتي تر كب وتهدده بالسلاح الابيض و تأخذ كل ما لديه.. ثم تتركه مذعورا مرتبكا..
كانت تعود بمبالغ لا بأس بها .. و لكنها لم تكن سعيدة مثل ما كانت تسعد في الماضي بغنائم نهاية اليوم.. كانت تنظر للنقود وتتذكر كلمات يوسف:" اشعرفك اللي سرقتيه منه ده هو جايبه ازاي؟؟.. و لا عزيز عليه قد ايه؟؟ "
فتعود و تبرر لنفسها قائلة :" لو كانت الفلوس عزيزة عليه مكانش نزل يبعزقها في العط!!.. يستاهل!"
مرت بضعة ايام علي نفس الحال..كان هدفها الان ان تجعل لنفسها مسكن بعيدا عن المنطقة و عن جو ، و عدوي و المعلم مرعي.. و كل من تهرب منهم.. لذا لم تتوقف يوما عن العمل.
وقفت بدلال علي جانب الطريق السريع.. تلوقك قطع علكة بمياعة .. ها هو الزبون الاول.. بالفعل وأوقف السيارة و ركبت ثم ..هووب.. في اقل من دقيقتين نزلت محملة بالغنيمة ، بينما هو هرب مبتعدا..
توارت عن الانظار قليلا حتي لا تلفت النظر .. ثم عادت لتقف من جديد في مكان ابعد قليلا..
هاهو الزبون الثاني.. اقترب و اوقف السيارة ..ثم داعاها للركوب.. تدللت في البداية ثم ركبت.. ما أن وطأت بقدمها في السيارة حتي وجدت ذراعا قوية تلتف حول رقبتها من الخلف! يبدو ان شخصا كان مختبئا خلف مقعدها و لم تنتبه له و هي تركب.. حاولت الافلات بعنف ..الا انه وضع مطواه علي رقبتها مستخدما يده الاخري.. اما قائد السيارة فقال:" لو اتحركتي و لا اتنفستي نفس واحد..هنخلص عليكي!!"
تحسس جسدها.. فكادت ان يغشي عليها ذعرا و لكنه اخرج من جيوبها المطواه و النقود التي قد تحصلت عليها قبل قليل.. ابتسم في طمع ووضعهم في جيوبه.. ثم قاد السيارة و هو يعيد عليها ماقاله عن بقائها بلا حراك..
قالت:" انتو و اخدني علي فين؟؟"
قائد السيارة:" انتي تخرسي خالص.."
صمتت شهد مفكرة .. و لكن قطع تفكيرها ان الرجل فجأة قام بنزع (ولاعة) السيارة من مكانها والقاها بعيدا في الخلف و هي يقول:"متفكريش تلمسيها!"
يال الحظ كيف سبقها اليها.. لقد سبقها حتي في التفكير.. هي لم تخطر في بالها (الولاعة) كسلاح بعد..
كانت شهد تفكر بسرعة.. الي اين يأخذونها؟؟ ستقوم بضرب الرجل فور ان يترك رقبتها ليترجلا من السيارة.. هذه هي الخطة..
بعد مدة ليست طويلة اوقف الرجل السيارة في مكان مقفر.. ونزل منها بينما الرجل الذي يكمم شهد و يهددها بالمطواة ابقاها مكانها و لم يحرك ساكنا..
سمعت قائد السيارة في الخارج يوجه حديثه لشخص ما و لكنها لم تتمكن من روئيته من مكانها..
"تمام يا ريس.. الامانة اهي.. حسن مثبتها في العربية!"
اذن هما أجيران.. طُلب منهم خطفها.. ذلك يلغي الظن بانهم خاطفان مغتصبان.. و يجعل الامر ينحصر ما بين عدوي او المعلم مرعي..
قالت للرجل الممسك بها:" هو عدوي اللي مأجركوا؟"
ضغط بسن المطواه علي رقبتها و قال :" قلنا ترخرسي!".
لم تسمع شهد صوت مُحدث الرجل قائد السيارة، فقد كان خفيضا وهو يقول:
"طب تمام يا رجالة.. نخدمكم في الافرح.. عذبتكم هي؟؟"
الرجل:" خالص.. انت خوفتنا علي الفاضي.. انا كنت ممكن اجيبها لوحدي.. حتي موضوع الولاعة اللي حذرتني منه.. كنت نسيته.. و هي مجاش في بالها اصلا..بس أنا شيلتها احطياتي.. " وضحك بصوت عالي..
ادركت شهد الان الامر.. انه عدوي! مؤكد.. لم ينسي انها احرقت احدي ارجله بولاعة السيارة.. وحذر الرجل منها..
سمعت صوت اقدامه تقترب.. حسنا ستضرب الرجل الممسك بها في انفه بقبضتها و تأخذ منه المطواه و تغرسها في قلب عدوي..
تلك هي الخطة..
تعالت دقات قلبها في خوف وتوتر وهي تشعر باقترابه.. استعدت بقبضتها للمواجهة ..
يا قاتل يا مقتول..
لم يعد لديها ما تخسره..
لن يقترب منها عدوي إلا جثة!
وقف بجانب السيارة.. انحني بجسمه ليحدثها عبر النافذة..
"ازيك يا شهد!"
اتسعت عيناها و هوي فكها للاسفل و تراخت قبضتها .. ليس الوجه الذي توقعت رؤيته.. ولا الصوت..
قالت مذهولة:"جو؟!"
اشار هو للرجل المتحفظ عليها وقال:"اتوكل انت يا حسن.. متشكرين.."
تركها حسن و ترجل من السيارة.. تحسست رقبتها بحركة لا ارادية و هي مازالت تحت تأثير المفاجأة..
وقبل ان تستوعب؛ كان جو قد ركب بجوارها و قاد السيارة مبتعدا..
قال بغضب:" هربتي ليه يا شهد؟"
بدأت شهد مرحلة الاستيعاب.. تنفست الصعداء ان الامر لا علاقة له بعدوي.. ثم شعرت بالرضا لانها عينيها وقعت علي يوسف بعد ان اشتاقت اليه بشدة.. والان عليها مواجهة عاصفة من الغضب.. اجلت التفكير في خطة الهرب منه .. لم ترد ان تهرب في التو..
صاح بها في غضب عندما لم ترد:" هربتي عشان ترجعي لكارك الوسخ؟!! مش مستحملة تعيشي في نضافة؟"
لم ترد..
لم ترد..
فعاد ليقول بعصبية:" متنطقي.. هربتي ليه؟؟ ها؟؟.. مخروسة ليه؟!!"
كان يلكمها في كتفها بغيظ لتتكلم عدة مرات متتالية و بغل وقوة
امسكت كتفها و قالت بصوت اوشك علي البكاء:" كفاية ضرب بأة.. ارحموني! "
نظر اليها ولاحظ ان الالوان علي وجهها اثار العلقة.. عقد حاجبيه في قلق ثم اوقف السيارة جانبا..
استدار اليها وقال منفعلا مشيرا الي وجهها:" طبعا ده واحد جيتي تقلبيه قام معلمك الادب.. اكيد! منا مش فاهم الجبروت ده جايباه منين؟؟!! بتنطي علي عربيا لوحدك كده؟؟! ..بطولك؟! ده في عصبات بحالها من خمس ست انفار دي شغلتها!!.. اتفضلي.. قال وانا باعتلك اتنين يدوكي درس عشان تشوفي ممكن يحصلك ايه؟ اتاري في واحد قبلي اداكي الدرس و علم عليكي! ومع ذلك ايه؟ مفيش مخ.. مبتحرميش!!"
لم يجد منها سوي الصمت..
مد يده ليخبطها علي رأسها و لكنه تراجع و قام بخبط يده علي عجلة القيادة بعنف.. وصاح:" فهميني هربتي ليه ورحتي عند زوزو؟... عشان ترجعي للسرقة؟؟! فهميني!!"
شهد بانفعال:" كفاية زعيق بقي.. مالك عايش دور الشريف العفيف كده؟! بتمثل علي مين؟ علي نفسك؟؟ وطول الوقت محسسني انك احسن مني.. عشان انا حرامية و انت (يا صلاة النبي) جارد.. بس عشان تبقي عارف بقي.. انا اللي احسن منك! علي الاقل انا مبضحكش علي حد و مبخبيش حقيقتي.. انما انت طلعت واطي وكداب.."
امسك يده عن صفعها صفعة قوية.. واكتفي بصفع عجلة القيادة..
قال مستنكرا:" كدبت عليكي في ايه ان شاء الله؟!!"
شهد:" إسأل نفسك! افتكر حركاتك معايا!.إسأل زوزو.. إسأل البنات اصحابك عند عطا.. اقولك؟ إسأل سمر!"
جو بنفاذ صبر وانفعال :" سمر مين؟؟ و بنات ايه؟؟ متفهميني انت.. كلميني كده زي ما بكلمك و بلاش فوازير"
شهد:" طبعا هتنكر.. ايه الجديد مانت مقضيها كدب عليا من الاول.."
جو يرجوها بانفعال:" في ايه؟؟؟ كدبت عليكي في ايه؟؟"
شهد وقد تراجعت وعقدت ذراعيها امام صدرها و رسمت علي وجهها تعبير مليء بالتحدي:"نجيب من الاول.. الريس عبود فين يا جو؟؟؟"
قال جو باستهتار:" يا سلام؟! دي الكدبة اللي خليتك تهربي؟؟! ايوة يا ستي كدبت عليكي .. غلطان انا عشان خفت عليكي وقتها؟.. برغم اني كانت ساعتها بقالي نص ساعة بس اعرفك.. ابن كلب عشان عارف انك لو كنتي هوبتي هناك كنتي هتتمرمطي؟.. و كانوا هيرجعوكي لمعلمك زي الدبيحة مسحولة في شوال.. انت فاهمة انهم هناك مبيرحموش؟؟ مش هايعاملوكي بالراحة اكمنك بنت.. معندهمش تفاهم! انا خفت عليكي ساعتها.. استاهل تسبيني و تهربي عشان كنت خايف عليكي؟!!"
كانت تتحسس وجهها و اصابتها اثناء حديثه.. كانت تدرك صحة كل ما يقوله.. وعن تجربة!
قالت و مازلت هجومية:" طب لو قلنا انك فعلا كان قلبك رهيف و خفت عليا.. فهمني بقي اشترتني ليه.. ليه مدتنيش حريتي بعدها لما انت جدع كده؟؟"
جو باقتضاب:"عشان كنت عايزك تبقي جنبي! خايف عليكي من عدوي.. و خايف من كل الكلاب اللي بتجري وراكي!"
شهد باستهزاء:" هو كل اما اقولك حاجة تقولي كنت خايف عليكي! عموما يا سيدي انا عرفت انت كنت شاريني ليه.. زيك زي عدوي.. فعلا تربية و احدة.. وعارفة انت بتقول عليا ايه للبنات المعجبات.. وعارفة اتفاقك مع زوزو.. عموما انت و زوزو عينة و احدة وتستاهلوا بعض!"
جو وقد عاد اليه الانفعال:" بقولك ايه يا شهد.. زي منا ماسك ايدي عنك.. امسكي انت لسانك! "
نفث في غضب ليهديء من نفسه ثم اكمل:
" انا معرفش اتفاق ايه اللي مع زوزو ، و كلام ايه اللي بقوله للبنات.. بس اللي انا عارفه يا شهد اني مش زي عدوي.. وانا لو كنت عايز منك اي حاجة كان زماني خدتها.. وعشان تبقي عارفة كان هيبقي برضاكي! افتكري.. افتكري كويس.. افتكري لما كنا في البحر.. افتكري فرص كتيرتانية كان ممكن استغلها.. بس انا مش واطي زي ما بتقولي.. و كان اهم حاجة عندي اني احافظ عليكي! اسألي بقي انتي حمادة.. كان بيعد يقولي انك ملكي و من حقي.. وبيسألني بحافظ عليكي لمين مانت مسيرك تتباعي.. إسأليه ردي عليه كان ايه.. بلاش.. إسألي حنان.. اسأليها كنت بروحلها عشان تعالجني نفسيا من الخوف اللي كنت بخافه عليكي من كل الناس و مش مخليني عارف انام.. طب إسأليهم .. الكام اليوم اللي مكنتش عارف طريقك كانت حالتي عاملة ازاي؟؟؟ كنت بموت كل يوم من الرعب عليكي!! لحد ما راقبت بيت زوزو و عرفت انك رجعتي عندها و من ساعتها مغبتيش عن عيني.. انا بقيت اسيب شغلي و ادور وراكي اخلي عيني عليكي.. كل ده و برضه شايفاني زي عدوي؟!!"
دمعت عينا شهد اثناء حديثه.. كم تمنت ان يكون صادقا.. هل حقا يهتم بها كل هذا الاهتمام.. كم تحبه.. ليتها لا تحبه كل هذا الحب حتي لا يخيب املها فيه.. تذكرت جملة زوزو:" يا ريت الواحد كن يقدر يختار اللي بيحبه.. كنت اخترت و احد عينه مليانه مش زايغة زيه ..مايملاهاش غير التراب! " .. عندها الف حق!
قالت بخفوت:" امال ليه قلت لزوزو انها تسامحك و تصبر عليك لحد ما ... يعني... تاخد اللي انت عايزه و بعدين تبيعني.. و ترجعلها"
ضحك جو وقال:" طب انا راضي ذمتك ده اتفاق؟؟ في حاجة اسمها كده؟!! في اتنين بينهم علاقة المفروض انها حب يطلب منها انه يروح لواحدة تانية شوية.. وهي توافق؟؟!! يعني اذا الي بيكلم مجنون يبقي المستمع عاقل!!"
شهد:" بس الناس سمعتك و انت بتقولها كده.."
جو حانقا:" عمري ماقلتلها كده!! مين دول اللي سمعوني؟؟.."
شهد:" ايوة ! سمر قالتلي انك قلت كده قدام عبير و سماح.."
جو:" سمر تاني ؟؟ سمر مين اساسا؟؟!"
شهد بغضب:" زميلتي بتاعة المطبخ!! و عبير و سماح اللي بيرقصوا اصحاب زوزو... اظن دول عارفهم!"
جو:" هي طبعا سمر دي بت كويسة و ليها حركات جدعنة معايا ، بس اولا سمر دي انا مشفتهاش من زمن.. وعبير و سماح كل كلامي معاهم علي قد كلمتين الهزار.. يعني هي سمر سمعتني بودانها بقول كده؟!!"
شهد :"لأ.. شافتك بتكلهمم.. و بعدين جم جنبها و قالوا انك قلت كده.."
صمت جو لبرهة وهي ينظر لشهد منتظرا منها ان تستنتج شيئا.. ولكنها لم تفعل
فقال محاولا ان يوصل لها الصورة:" انت مش بنفسك قلتي عبير و سماح اصحاب زوزو؟؟ يعني متكنش زوزو مثلا سلطتهم يقولوا كده قدام سمر اللي عارفين انها صاحبتك وهتروح تقولك؟؟! واهي عملت كده بالحرف"
شهد مستنكرة:" يا سلاااام... كل الفيلم ده عشان يوصلولي.. ده قصة طولية جدا..."
وحكت شهد بالتفصيل الممل عن ما قالته سمر و عن حديثها مع زوزو في نفس اليوم.. و عن ما فعله هو و جعلها تهدده بالسكين..
انهت حديثها بـ:" اقنعني بأه ان كل ده فيلم من تأليف زوزو.. هي اه مش سهلة بس مش للدرجادي!"
ابتسم جو وقال:" انا مش هدافع عن عن نفسي انا هسيبك تحكمي قلبك... المرة دي إسأليه هو.. وشوفي هو مصدق مين.. وانا راضي بحكمه"
شهد وكأنها لم تسمع تلك الكلمات التي اثرت فيها بشدة.. وحركت كل مشاعرها:" طب وحركاتك معايا اللي مش ولابد اللي زادت في الاخر اوي؟؟"
جو ومازال مبتسما ينظر اليها في اعجاب و حب:"اعتبريني كنت بنفذ نصيحة واحد غشيم قالي ان نتيجتها مضمونة هتخليكي متفكريش غير فيا.. وانا بصراحة بموت لما اي حاجة تشغلك عني.. ومن يأسي بحاول اي محاولة.. "
شهد وقد صارت اكثر ليناً:"يعني انت مكلمتش مع البنات عليا؟؟"
جو:" بكلم عليكي علطول.. انا بقيت بقضي وقتي كله عند عطا في سيرتك.. عشان كده همة غيرانين منك وعايزين يفرقوا بنا"
شهد:" وسمر اللي شافتكوا؟"
جو:" اديكي قلتي.. شافت! مسمعتش.. انا وقفت فعلا من كام يوم مع الثلاثة دول زوزو و سماح و عبير وكنا بنهزر في كلام عادي.. اكيد همة اللي وصلوها انه كان عليكي.."
شهد بقليل من الرقة و الدلال:" يعني انت مش ناوي تبعني؟؟"
جو:" حد يبيع روحه؟؟ انا اليومين اللي فاتو كنت ميت.. و دلوقتي بس روحي رجعت "
خفضت نظرها في خجل فتأمل هو وجهها..كم هي رقيقة حين تخجل.. كم هي حـ....
يالهول! ما هذا الكم من الاصابات في وجهها؟؟!!
امسك بذقنها بين كفه و قرب و جهها منه وتفحصه عن قرب.. تراجعت شهد و قبل ان تستفهم منه عن ما فعل للتو..قال بقلق:" هو ده حصل ازاي؟!!
اطرقت شهد برأسها و وقالت بصوت خفبض:" اترنيت علقة!"
جو منفعلا:" واضح انها علقة.. مين اللي ضربك؟ طبعا زبون؟"
شهد:" لأ رجالة الريس عبود.."
اتسعت عينا جو ذهولا و قد زاد غضبه وقال :" انت برضه روحتي؟!"
اومائت برأسها..
فقال منفعلا:" احسن! تستاهلي! " ثم خبط بيده علي عجلة القيادة المسكينة.. و قال ضاغطا علي اسنانه وهو ينظر امامه متجنبا النظر اليها حتي لا يفقد اعصابه :" انهي حيوان فيهم؟!
شهد ساخرة:" نسيت اتعرف عليهم و انا بَنضرِب.."
لم يعر جو لمزحتها اهتماما وقال و مازال ضاغطا علي اسنانه:" شكل امه ايه؟؟!"
شهد:" اللي ضرب؟.. ولا اللي كتف؟ ولا اللي قالهم ربوها؟"
نظر اليها جو وكانه يقول "انطقي!" دون ان يتحدث..
فقالت شهد:" همة مجموعة حرس مع واحد رفيع كده و لابس بدلة باين عليه رئيس الحرس"
جو:" مممم.. طيب!"
شهد:" متشغلش بالك.. بصراحة انا لو منهم كنت موتني.. دنا سبيتلهم و شتمتهم وضربت الراجل المسلوع ابو بدلة ده بالشلوت.."
ابتسم جو و هو يتخيل شهد الضئيلة تركل عصام رئيس الحرس الانيق بقدمها..
ولكن نظرة اخري الي وجهها المصاب محت الابتسامة في لحظة و استبدلتها بوجه غاضب.. لك حساب عسير معي يا عصام! هكذا قال في رأسه..
سأل جو بهدوء و رقة:" هنرجع نجيب حاجتك؟!"
اعتدلت شهد في جلستها ونظرت اليه .. ارادت ان تصدقه.. تمنت ان تتفند كل شكوكها و تنساها تماما..
حتي وانت لم يحدث ..فلا حيلة لديها.. كل ذرة فيها ترغب في البقاء بقربه ايا كانت العواقب..
قالت وقد ظهرت مشاعرها المضطربة في نبرتها:" انا ماعدش ليا اي حاجة في الدنيا.. أنا هثق فيك يا جو.. متخيبش ظني!"
جو:" انا بأة بقي ليا حاجة مهمة اوي في الدنيا .. وهي دي اللي انا عايش عشانها.. يارب يوم ما تحسي اني خيبت ظنك اموت!"
ثم ابتسم ابتسامة جميلة و قال:" نروح بقي نجيب الحاجة؟"
شهد:" بس بلاش تيجي معايا انا هروج اجيبها من ورا زوزو وخلاص.. بلاش مشاكل..انا زهقت من الحوارات"
جو:"لأ إزاااي دانا رايح لزوزو مخصوص.. في كلمتين ليها في قلبي عايز اقولهم!"
***
فتحت زوزو الباب لتجد جو واقفا واضعا ذراعه حول كتف شهد وهي مستندة اليه تلوك علكتها في استهتار..
وقفت مذهولة في محاولة لتخيل الاحداث التي ادت لهذا المشهد الذي تراه امامها..
قال جو:" زوزو يا حبيبتي .. انا جاي استسمحك في شوية وقت كمان اقضيه مع شهد.. انا عارف انك قلبك كبير و هتوافقي.. اللي صبرك كل ده ..يصبرك شوية كمان... مش ده اتفاقنا برضه؟!!"
ادركت زوزو ان خطتها الحقيرة وصلت الي علم جو وقد جاء غاضبا..
ارتبكت و لم ترفع عينها الي شهد..
قالت:" شهد دي ملكك يا جو .. تستسمحني ده ايه؟؟"
جو:" لأ ازاي مش انتي حبيبتي اللي برجعلها في الاخر.."
اطرقت برأسها و قالت شبه غاضبة:" انت جاي تتمألس عليا.. هو عشان انت عارف غلاوتك عندي ؛ عايز تبيع وتشتري فيا"
فجاة تحول جو من النبرة الباردة الساخرة الي انفعال و حنق :" انتي لسة شفتي حاجة؟! وكمان ليكي عين تزعلي؟!! انا و النعمة لولا اني مبمدش ايدي علي حريم كنت مخلتش فيكي حتة سليمة! اسمعي يا زوزو.. من هنا و رايح ملكيش دعوة بشهد.. وأسمها ميجيش علي لسانك! لأ.. ميعديش في راسك من أساسه.. فسما بالله لو حصل من ناحيتك اي حاجة .. لهتشوفي مني رد مش هتتصوريه!! وابعدي عني انا كمان.. انسيني خالص!! الحب مش بالعافية!!"
كانت شهد صامتة تنظر ارضا .. برغم كل غيظها من زوزو الا انها وجدتها الان في موقف لا تحسد عليه.. بل اشفقت عليها من غضب يوسف.. كم كان غليظا جافا معها.. ليت الامر ينتهي عند هذا الحد و يتراكها لحالها ويرحلا..
ولكن زوزو في ثانية غيرت فكر شهد ثماما ..
صاحت زوزو بنبرة تسمي (ردحا):" كل الهلمة دي عشانها!! اشحال اذا ما كانت مملوكة من واحد لواحد.. حز فيك اوي اني ببعدها عنك ؟؟؟!! عاجبك فيها ايه؟؟ أنا اللي أولي بيك.. ياما دلعتك وهننتك.. واستحملت قرفك ومعاملتك الباردة.. تقوم تيجي بنت امبارح دي الي منعرفش عنها غير اصلها الوسخ .. وتقلبك عليا؟؟!! دي لا عاشت و لا كانت!"
ثم انقضت علي شهد وغرست اصابعها بغل في عمق شعرها و جذبتها منه..
لنكن واضحين في رسم الصورة .. فلو ان شهد تساوي غزالاً رشيقا ً؛ فزوزو تساوي فرساً ممشوقاً و(متربي علـ الغالي).. المعركة محسومة لصالح زوزو لمن ينظر عن بعد..
ولكن الغزال هنا اذكي.. ولديه خبرة في العراك بالايدي اكثر بكثير من الفرس..
لذلك كان (تكنيك) زوزو في العراك هو النسائي المعتاد من تمزيع الشعر و تمزيق الوجه بالاظافر و الجلوس علي العدو (لتبطيطه) .. اما شهد فكات تتعارك كالصبية الصغار.. ركلات و لكمات ..إلخ..
وقف يوسف مبهوتا.. وهو يري زوزو تسحل شهد من شعرها و تجلس فوقها ثم تنحني عليها لتعضها في ذرعها.. اقترب و قد وجد ان اسلم حل هوأ ن يحمل زوزو و يلقيها بعيدا.. إلا انه و جد شهد بعد ان صرخت ألما جراء العضة .. في لمح البصر ، كالت لزوزو لكمة قوية في انفها.. جعلتها تترنح و تسقط من فوقها.. فاعتدلت شهد واستدارت لها و ونشبت بينهما معركة اخري من التشابك بالايدي ، كانت لكمات شهد فيها لها الصوت الاعلي.. وقف جو مرتبكا لا يدري كيف ينهي عراك القطط هذا..
انقض عليهما و نجح في حمل شهد بذراع واحد من خصرها ؛ بينما دفع بذراعه الاخري زوزو الي الناحية المعاكسة.. و هو يصيح:" بس!! بس!!"
نال بضع ركلات طائشة من شهد علي بعض الخربشات من زوزو..
كانت شهد عنيفة بحق! و قد وجد صعوبة في السيطرة عليها ، بينما تراجعت زوزو لاهثة و قد اصابها الدوار من كثرة ما لاقت من ضربات في وجهها..
صاح في شهد التي مازلت تحاول تسديد ضربات لزوزو و هي مرفوعة عن الارض في ذراعه:"اهمدي بأة!!".. وجد نفسه مضطرا لاستخدام كلتا يديه بقوة ليسيطرعلي عصبيتها و عنفها، و هو يصيح بها ان تهدأ..
اخيرا هدأت .. و قفت تلهث و قد ظهرت اثار جروحا و خربشات علي وجهها و عنقها و ذراعيها ، و كأنها كانت تتعارك مع نمرا.. اما زوزو فقد جلست علي الارض ممسكة برأسها ..وقد بان فيه اثار الضرب..
قال جو لزوزو:" تصدقي بقي.. ان شهد اللي خدتلي حقي منك!! لو معجبتنيش في اي حاجة بعد كده هبعتهاك!!"
ثم احتضن رأس شهد و ربت عليه و قال:" جدعة يا بت.. لمي حاجتك يالا.. خلينا نمشي من هنا.."
قالت زوزو وهي مازلت ممسكة برأسها:" في ستين الف داهية.. اشبعوا ببعض!"
لم يرد اي منهما عليها .. وفي سرعة كانت شهد تحمل حقيبة اغراضها .. فأخذها منها جو و لف ذراعه علي كتفها و خرجا.. معا تاركين زوزو تسب و تلعن في غل..
سارا في الطريق يحتضن كتفها و ينظر اليها في اعجاب مبتسما..
قالت و هي تتحس و جهها:" بتبص علي ايه؟؟ بنت الجزمة دي شوهتني.. ده و شي ملحققش يروح منه ضرب العلقة اللي فاتت.."
ابتسم جو وقال:" هي برضه اللي شوهتك؟؟ امال اللي حصل في وشها هي يبقي ايه؟؟ دانت شلفطيها.. بس ماكنش اعرف انك جامدة كدة.."
قالت شهد مازحة بفخر:" اديك عرفت! حرص علي نفسك بأة.."
ضمها اليه اكثر و ضحك واستمرا في السير..
***
في البيت مساءا اتت حنان و حمادة لرؤية شهد.. و قد انباها و عاتبها بشدة علي فعلتها.. و علي الذعر الذي سببته لهم جميعا.. ولكن في النهاية كان الجميع سعيدا بعودتها.. امضت معهم امسية رائعة .. ضجوا بالضحك عندما حكت عن عراكها مع زوزو ، و مغامرتها مع حراس الريس عبود.. كان جو يضحك معهم و لكن كسا و جهه الغضب حين حكت علي رئيس الحراس الذي جعل رجاله (يعدموها العافية)
قطع حديثها و قال:" خلاص يا شهد.."
نظرت اليه غير فاهمة..
فقال:" متضحكش خالص ..علي فكرة.. قصة دمها تقيل"
فقالت حنان:" لأ الصراحة يا جو .. شهد غباوتها متتوصفش.. وقال فاكرة ان الراجل هينبهر بيها" و ضحكت بشدة ..
اما حمادة فقد تفهم مشاعر جو، فقال:" عنده حق.. حكاية تحرق الدم.. و مفيهاش اي طرافة"
قلبت الفاتاين شفاتهما في عدم فهم وانهتا الحوار امتثالا لطلب جو..
وهكذا انتهت الليلة الظريفة..
****
في المساء التالي دلف جو الي تلك الحانة الراقية.. سلم علي الحارس فهو يعرفه شخصيا..
هنا يسهر عصام كبير حرس الريس عبود.. فعلا وجده جو يجلس علي كرسي البار امام الساقي و يحدث صديقا يجلس قربه..
وضع جو يده علي كتف عصام.. فاستدار له ..
"جو؟؟! اهلا.. فينك يا عم؟؟"
اقترب جو من البار و طلب من الساقي زجاجة كبيرة من البيرة ، و تجاهل تماما قول عصام.. فناولها له الساقي..
فامسك بها و استدار لعصام الذي قال متعجبا:" ايه يا عم انت قافش مني و لا ايه؟؟ انا بكلمك!"
فجأة رفع جو الزجاجة عاليا و هوي بها في قوة علي وجه عصام.. الذي سقط ارضا من علي الكرسي العالي وسط قطع الزجاج المهشم .. وقد سال الدم من رأسه مكان ارتطام الزجاجة و تهشمها..
قام عصام مندهشا وغاضبا و هو يتحسس رأسه و يري الدماء علي اصابعه.. قال بغضب:" انت اتهبلت؟"
وانقض علي جو ليأخذ حقه..
وبالفعل كانت معركة حامية لم يتحدث فيها جو بكلمة..
انتهت بعصام في حالة اغماء..
بصق جو علي جسد عصام المدد ارضا و خرج بهدوء وسط ذهول الحاضرين..
***
"مال وشك؟؟ انت اترنيت علقة انت كمان؟"
كانت هذه شهد تتأمل و جه جو عندما دخل عليها فجرا..
قال جو :" مين ده يا بت.. محدش يقدر"
قالت في شماته:" لا و النبي شكل في حد قدر.. اما ايه اللي في وشك ده؟"
جو:" مانت اصلك مشفتيش و شه هو.."
شهد:" هو مين؟"
جو:" واحد نرفزني!"
شهد متصنعة الخوف: " اللهم احفظنا من نرفزتك.. و عصبيتك و قلبة وشك!!"
ابتسم في حب..
كان ليفعل من اجلها اي شيء.. قد يقتل لأجلها..
شعر بارتياح شديد بعد ان قام (بتكويم) عصام.. برغم انه لم يحدثه حتي بكلمة.. ولم يعرفه سبب الضرب الذي تعرض له ، و علي اي شيء يتم تلقينه الدرس ..وذلك حتي لا يجلب المزيد من المشاكل و الضغوط علي رأسه ورأس شهد.. و لكنه كان مرتاحا لأنه (فش ) غله.. لم يكن ليتركه بدون عقاب بعد ان تجرأ وسبب لشهد الاذي..
***
كان جو الفترة الماضية يتغيب كثيرا عن عمله مما زاد من سوء العلاقة بينه و بين الخواجة.. و صار يشعر ان ايامه معه علي وشك الانتهاء.. و لكنه اراد ان يجعلها خاتمة سلسة .. بدون مشاكل او ذيولا..فالخواجة ليس طيب القلب او متسامح.. وهو لا يأمن شره في حالة أن إنقلب عليه..
كما انه كان يريد ان يضمن و ظيفة اخري إحتياطيا.. في حالة ان قام الخواجة بالاستغناء عنه فجاة.. صار مشغولا بتدبير حاله .. و ترتيب حياته.. و خصوصا بعد ان ادرك ان رغبة الخواجة صارت ان تكون شهد بعيدة عن المنطقة بعد ان زادت المشاكل حولها.. و كان ياخذ خطوات سريعة في هذا الشأن..
***
في المساء قبل ان يخرج خو للعمل..طرق الباب ففتح ليجد و جها مالوفا و لكنه لا يتذكره تحديدا.. و لأن البيت صغيرا كانت شهد تري القادم من مكانها بالداخل ..
صاحت بدهشة و ذعر:" صلاح؟؟؟!!!"
استشعر جو خوفها فقال للقادم بسخافة:" أؤمر؟؟!"
صلاح:" انت مش عارفني يا جو؟ انا من رجالة عدوي.."
دفع الجو الباب ليغلقه في وجهه و قال ببرود:" معرفش حد بالاسم ده.. و قوله لو هوب هنا المرة دي هيموت!"
قال صلاح مستعطفا:" هو فعلا بيموت يا جو.. اسمعني بس! انا جاي اوصل رسالة..طب فتشني براحتك.. بس دخلني اكلم شهد.."
كانت شهد تسمع الحديث من داخل البيت و قد اصابها التوتر..
قال جو:" قول اللي انت عايزه ليا و انا هوصلها.."
صلاح:" عدوي خلاص بيموت.. و عايز يشوف شهد .."
جو:"ليه دي حياله رصاصة في كتفه.؟؟. ملقتوش فيلم اذكي من كده شوية؟؟ هبل احنا بقي و هنصدق.. والبت هتجري ملهوفة عليه.. قوله انه حتي لو بيموت.. مش فارقة معنا.. في ستين داية.. هنبقي ندعي ربنا يسامحه"
صلاح:"افهم بس يا جو.. مش فيلم و الله.. عدوي طلع عنده سرطان.. لما دخل المستشفي عشان الرصاصة.. بعد فترة شكوا انه عيان.. وبعدين عرفوا انه عنده بقاله مدة و منتشر .. دلوقتي هو بيموت.. "
لسبب ما اثر كلام صلاح في جو.. و لكنه لم يصدقه بعد..
فقط ادخله ليسمع تفاصيل اكثر و يتمكن من تحديد صدق القصة..
قال صلاح بتأثر:" تفتكر يعني قعاده في المستشفي راقد كل ده ليه؟؟؟ دي لو كنت الرصاصة كان خرج من زمان.."
تذكر جو انه قبل بضعة ايام حين سأل بالفعل عن عدوي اثناء بحثه عن شهد.. علم ان حالته الصحية سيئة، و لكنه لم يعط الامر اهتماما وقتها..
استطرد صلاح:" لو تشوفه دلوقتي حالته تصعب علي الكافر.. انا بعد جنبه دموعي بتنزل.. ماعادش عدوي الجبار الي قلبه ميت.. وكل اللي علي باله دلوقتي انه يشوف شهد قبل ما يموت"
قال جو وقد بدا مصدقا الي درجة ما:" واشمعني شهد؟!"
صلاح:" يا جو دي اللي قضي حياته بيجري و راها.. بيحبها يا جدع.. طلع عند قلب وبيحبها"
سرت كهرباء عصبية في جسد جو و هو يستمع لهذا الكلام..
ولكنه لم يعلق.. كانت مشاعره متضاربة الان.. فبرغم كرهه لعدوي.. و لكن اخر ما كان يتوقعه ان يراه علي فراش الموت في عنفوان شبابه.. ان يموت ضعيفا مسكينا.. لربما توقع موته علي يد احد اعداءه الكُثر و الذي صار هو احدا منهم.. و لكن هكذا؟؟!.. يموت مريضا!! لا حو ولا قوة إلا بالله!
ثم ما قصة رغبته في رؤيته شهد؟؟؟ لا يروقة هذا الامر بتانا..
قال صلاح محدثا شهد:" هتروحي يا شهد؟؟ مش هيكلفك غير خمس دقايق.. اكسبي فيه ثواب.. ده حالته بقت صعبة اوي.. ومفيش غير سيرتك علي لسانه.. متخفيش منه.. ده خلاص ..مش قادرحتي يرفع ايده.."
كانت نفس المشاعر المتضاربة تمر بها هي الاخري.. المها ما وصفه صلاح عن حاله عدوي.. هي تكرهه علي حالته الطبيعة .. عنيفا قويا ساديا و يحب الاذي.. و لكن مريضا ضعيفا؟؟!! اشفقت عليه بشدة.. سبحانك يا رب!
لم ترد.. بل نظرت الي جو علي امل ان ينقذها من حيرتها و لكنها و جدته في نفس الحيرة..
قال صلاح في قولا نهائيا:" واضح انكم برضه مش مصدقين.. ادي عنوان المستشفي واسمها.. ممكن بسهولة تتأكدي من كلامي قبل ما تروحي .. لو في قلبك شوية رحمة.. ارحمي واحد بيموت و كل وكل امله انه يشوفك"
قال كلمته الاخيرة و انصرف و قد بدا عليه الحزن الشديد..
لم يكذب جو خبرا قام بعدة اتصالات ليتاكد من صحة كلام صلاح..
وقف مبهوتا يحدث شهد في حزن واضح :"طلع كلامه صح .. عدوي بيموت فعلا يا شهد في المستشفي!"
وجلس يحاول تقبل الخبر.. مر في مخيلته صورا عديدة .. فيها عدوي طفلا.. ثم صبيا.. ثم شابا قويا.. تذكر معاناتهما معا.. اللقيمات التي تشاركاها احيانا.. الحقيقة أنه كان لا يطيق و جوده.. و لكن لم يكن يتمني رحيله بهذه الطريقة..
قالت شهد بحزن وحيرة:" تفتكر اروحله؟"
رفع بصره اليها بسرعة.. و لكنه لم يكن لديه اجابة .. كان محتارا مثلها.. كيف يقبل ان تذهب لرجل اخر يهيم بها حبا ويرغب في رؤياها و النظر اليها و والتمتع بقربها؟؟ولكن هل يرفض طلب انسان مسكين علي فراش الموت؟؟ لمجرد ان الموضوع يثير غيرته؟؟ ومما يغار اصلا؟؟ من شخص علي وشك الرحيل عن عالمهم لملاقاة ربه؟؟!
***
فتح جو باب حجرة المستشفى ببطء و كأنه يؤجل الدخول.. مد رأسه ونظر الي الدخل ورآه.. بدا مختلفا.. نقص وزنه بشدة و تلك الهالات السوداء حول عينيه.. ضايقه المنظر..
بداية غير موفقة..
التفت اليه عدوي و قال بوهن مندهشا:" جو؟؟!! "
اومأ جو برأسه دون أن يدخل وكأنه يخشي الدخول..
قال عدوي:" كتر خيرك انك جيت تشوفني.. انا بموت يا جو.."
تنهد جو كان عاجزا الكلام.. الموقف صعب و مشاعره مختلطة..
سأل عدوي بلهفة:" شهد مش هتيجي؟"
بالفعل تذكر جو ان شهد تقف خلفه و انه دخل قلبها ليطمئن اولا ان المكان بالفعل امن.. دلف الي الحجرة ساحبا شهد من يدها.. و التي بدا عليها التوتر و الحزن..
عندما وقع نظر عدوي عليها.. تصاعدت انفاسه و قال منفعلا علي قدر ما سمحت قوته:" شهد؟!! شهد.. اخيرا جيتي.. قربي.. قربي .. انا محتاج اقولك حاجات كتير.. "
نظرت شهد لجو تطلب الدعم.. ولكنها و جدته حالته حال..
اقتربت ببطء و توجس.. مد عدوي يده و لم يستطع ان يرفعها فقال بوهن:" هاتي ايدك.. نفسي امسكها"
ابتلع يوسف ريقه بصوت عالي و كانه يحاول ابتلاع ما سمع للتو..
مدت شهد يدها و تركتها في يد عدوي.. تجمعت الدموع في عينيها عندما نظرت في وجهه الباهت المريض وعينيه التي تنظران اليها بهيام ..
تأثرت شهد بكلماته و نزلت دموعها و هي تقول:"مسامحاك .. اطمن.."
اكمل عدوي:" انا مبسوط اوي انك جيتي.. دلوقتي انا مستعد لأي حاجة.. كنت خايف اموت قبل ما اشوفك.. او المس ايديك.. او احط ايدي علي شعرك .. " و رفع يده في ضعف فترددت لوهلة ثم احنت رأسها له ليملس علي شعرها..
فاكمل :" واشم ريحته.. ريحته اللي كانت بتجنني لما بفتكرها وانا لوحدي.. و اقوم في ساعتها ادور عليكي عند المعلم مرعي عشان اجُر شَكَلك.."
قرب رأسها اليه .. الي ان صارت مسنودة علي صدره تماما و دس انفه في شعرها و اخذ نفسا عميقا..
لم تحرك شهد ساكنا فقد كانت متألمة بشدة من حديثه و الموقف الصعب جدا الذي هم فيه تلاثتهم.. تركت دموعها تنهمر تأثرا و تركت راسها علي صدره..
شعر جو بالدماء تصعد الي رأسه.. اشاح بوجهه بعيدا حتي يتمكن من الهدوء.. عقد ساعديه علي صدره في عصبية .. و قضم اضافره..
اهدأ يا يوسف! اهدأ.. ليس هناك مجالا للغيرة الطاحنة الان.. ليس هناك اي مجال!!
قال عدوي في راحة:" ياااه يا شهد.. ياااه .. يا رتني عييت من زمان.. لو كنت اعرف ان موتي هيخليني في يوم اضمك لقلبي كده ..كنت موت نفسي الف مرة.. "
ثم وجه حديثه الي جو وقال:" متضايقش مني يا جو.. انا مش عايز حد يضايق مني.. بس انا خلاص دي فرصتي الاخيرة معاها.. انت قدامك العمر كله.. خلي بالك منها.. انا عارف كويس انك هتحميها.. انا جربت بنفسي.. " قالها و ابتسم في ضعف
اقبل عليه جو و قد لام نفسه علي غضبه قبل لحظات.. قال:" انا اللي اسف يا عدوي.. اسف عشان ضربتك بالنار.. و .."
قاطعه عدوي قائلا:" كان حقك.. كنت بتحميها.. وكويس انك عملت كده.. انا مش عارف لو رصاصتي كانت جت فيها ، كنت هعمل ايه.. كنت هحرق نفسي!.. خلي بالك منها.. حرص من مرعي.. هو لسة عايز يرجعها وبيدور عليها.."
وقف جو واعصابه من نار.. هاهو يقف يودع في مشهد مؤلم رفيق درب المعاناة و الكفاح .. في نفس ذات اللحظة يشاهد حبيبته في احضان رجلا.. يلامس شعرها و يتحسس ظهرها.. و يستمع لحديثا مؤثرا جدا عن عشقه لها .. لشهد.. شهد حبيبته هو!! ادرك انه سيخرج من هذه الغرفة و هو بحاجة ماسة لعلاج نفسي مكثف..
قال عدوي و هو يضم شهد اليه بقوة:" سلام يا شهد.. ابقي اقريلي الفاتحة لو خطرت علي بالك.. اكيد هحتاجها.. متسينيش.. افتكري ان كان في واحد بيحبك اوي.. و كان كل امله انك تحبيه.. سامحيني يا شهد.. "
وفجأة ارتخت يده التي كانت تضمها و بدا و كأنه يفقد الوعي.. فجري جو مسرعا للخارج و نادي الطبيب.. الذي اتي مسرعا و بعد ان تفقد عدوي قال لهما ان تلك هي لحظات غياب عن الوعي تتكرر بكثرة و قد تنتهي بغيبوبة او الوفاة.. وطلب منم الدعاء له فحالته متاخرة جدا و تلك قد تكون لحظات النهاية..
بكت شهد بحرقة وهما يسيران للخارج بينما سار جو سارحا وكأنه مصدوم..
كان من اصعب المواقف التي مرت في حياة كل منهما.. بل هو اصعب موقف علي الاطلاق!
قبل ان يخرجا من بوابة المستشفي الرئيسية استوقفها جو و طلب منها ان تنتظره بينما يدخل سريعا لدورة المياة..
بالفعل اسنتندت علي الحائط بجاور باب دورة المياة .. وقفت تبكي بمفردها.. اثر بها بشدة كلام عدوي.. تمنت لو انها لم تعامله بكل ذلك الجفاء، برغم انه كان يستحقه..
في نفس اللحظة التي رأت فيها جو يخرج من دورة المياة.. و جدت يدا تضربها علي كتفها و صوت رجلا يقول: بت يا شهد!"
كان جو قد و صل اليها وقد عقد حاجبيه محاولا ان يفهم كنه ذلك الشخص الذي وضع يده علي شهد للتو..الهم طولك يا روح..
استدارت شهد للشخص الذي تعرفته علي الفور و لكن وترتها رؤيته..
قال الشاب:" فين اراضيكي يا حلوة.. ده المعلم قالب عليكي الدنيا.. ومالك معيطة كدة.. حد مزعلك؟؟!" ثم رمق جو بنظرة نارية..
قال جو:" مين انت اساسا؟؟"
اجابه الشاب بامتعاض :" انا اللي مربي البت دي .. بس متمرش فيها و هربت.. خليها هي تقولك انا مين؟"
تحدثت شهد بصوت مبحوح:" ده سليم يا جو.. من رجالة المعلم مرعي.. "
جو لسليم :" مربيها ده ايه؟ دانت شكلك اعيل منها.."
وضعت شهد كفها علي صدر جو كنوع من التهدئة و قالت:" قصده معلمني حاجات كتير.. سليم كان زي كده المدرب بتاعي.."
لم ترد شد استفزاز سليم بأي صورة حتي لا يغضب و يحاول إذائها بإخبار المعلم عن مكانها او اثارة اي مشاكل حولها.. لقد تعبت من كثرة المواضيع و المشاكل..
جو باستهزاء:" حرامي يعني؟؟ تشرفنا .."
فقال سليم ببرود مشيرا الي جو باحتقار:" مين ده يا شهد؟!"
جو غاضبا:" انا اللي بملكها! ومش مسموح لك تكلمها .. وايدك لو اتمدت عليها تاني هقطعهالك" كان يشير الي كتفها حيث ضربها سليم قبل قليل..
وضعت شهد كفيها علي وجهها في يأس.. وكأنها تلطم.. عراك جديد!
سليم بحدة:" لا دانت عايز تتربي بقي!!"
جو:" وريني اخرك يا (لفظ بذيء)"
وفجأة امسك شهد برأسها وسقطت ارضا بينهما حيث يقفان..
انحني جو بسرعة ليتفقدها ..بينما جري سليم ليأتي بكوب ماء..
حملها جو و دخل بها من باب قسم الطواريء .. بينما بحث عنهما سليم فلم يجدهما ..
فحصها الطبيب و قال بدهشة:" مفيهاش حاجة!"
جو:" امال مالها؟؟!"
الطبيب :" مش فاهم.. مفيهاش جنس حاجة.. ضغطها و اطي سنة بس مش لدرجة فقدان الوعي"
جو:" طب فوقها.."
الطبيب:" هي فايقة.. عينها مقفولة بس!"
جو في عدم فهم:" بتمثل يعني؟؟!!"
رفع الطبيب كتفيه في حيرة :" ممكن!"
اقترب منها جو وتفحص وجهها.. لطمها لطمة خفيفة علي وجهها لم يجد رد فعل.. فلطمها اخري لقوي.. مازالت بلا رد فعل فكر لثانية ثم همس في اذنها بأمرا ما..ليجد عينيها تفتح بسرعة و تقول:" والله لكون ضارباك قدام الناس!"
فقال الطبيب حانقا:" انتو بتلعبوا؟؟!.. بتضيعوا وقتي؟!!"
قال جو معتذرا:" اسفين يا بشمهندس.."
واخذ شهد و خرجا.. وسط سباب الطبيب ..
قال جو:" مش فاهمك! نشفتي دمي"
قالت شهد و هي تتلفت حولها و تسحبه من يده في سرعة ليصلا الي خارج المستشفي:" كنت عايزة افكس الخناقة.. مكنتش عايزاك تتخانق مع سليم.. ده نابه ازرق.. وممكن يعملنا مشاكل"
جو:" يا حبيبتي الخناقة حصلت خلاص من ساعة ما حط ايده علي كتفك.. وهو كده يعني مش هيعملنا مشاكل؟ اه يا رب.. انا هلاقيها منين و لا منين.."
شهد:" و حد قلك تتغابي عليه؟ "
جو:" لأ اسيبه يقولك يا حلوة و يحط ايده عليكي عادي! انتي اول مرة تتعرفي عليا؟"
صمتت شهد و ابتسمت في دلال.. كم تعشق غيرته عليها..
سارا مبتعدين عن المستشفي.. ولم تبعد صورة عدوي المريض عن رأسيهما طوال الطريق.. دعا له بالرحمة والغفران..
راااااااااائع اكثر من رائع .........
ردحذفو مبسوطة ان الاحوال بقت احسن ما بينهم و اشفقت على عدووي اوي :( ....
و منتظرة البقية :)
ده انا بقالى كتير مش دخلت ..ظروف امتحانات بقى
ردحذفبس ايه ده ياشيخه الحلقه دى خلصنا من خلصنا من الناس الى كانت عملالنا اكبر قلق فى بدايه القصه .. زوزو وعدوى .. وظهر اعداء بس كانو مستخبين من تحت لتحت.. يعن الخواجه ده مش هيسيب جو كده والسلام .. ومرعى الى زات تدويره على شهد وعصام الى راح جو اداله الواجب التمام ده .. والرجل الخفى الريس عبود ده .. اكيد هيكون ليه دور حتى لو ضيف شرف
بس كويس ان المشاعر بقت واضحه بين الانتين علشان كل واحد يعرف راسه من رجليه زى مابيقولو ..
ستراي جيرل فينك و حشتني تعليقات الطويلة و تحليلك :)ربنا يوفقك في الدراسة.. فعلا الدنيا بدأت تضيق عليهم .. المرة دي "الاعداء" اكبر منهم بكتير..
ردحذفشكرا علي تعليقاتك اللي بتفرحني جداا
يا سلام يامنة فصل يجنن
ردحذفكده اتطمنت على شهد بس لسه قلقانة على جو من الخواجة..
ياترى أخيراً خلصنا من زوزو ولا لسه فيها حيل بعد العلقة اللي اترنتها؟
عدوي صعب عليا قوي طلع بيحبها فعلاً مش كلام وبس
والريس عبود ده زي ما قالت ستراي جيرل الرجل الخفي هو مالهوش دور في القصة؟ اسم بس؟
مش عارفة بس حاسة إن عقدة جو من ناحية الخواجة حايكون للريس عبود فيها دور ولا إيه؟
خدي راحتك بقى في الفصل الجديد أنا اتسربعت علشان أعرف اللي حايحصل بعد كده وأطمن على شهد
تسلمي يا احلة منة♥
الحلقة جميلة اوى بس عندى احساس ان المشاكل هتبدى تانى زوزو وسليمياترى هيحصل ايه؟
ردحذفراااااااائعة جويرية
اول حاجة لازم لللللللللولي عشان السرعة في تنزيل الجزء
ردحذفكملي ياقمر جميييييل
كده كل واحده هتحط ايدها علي قلبها اصل الخواجه ومرعي مش خفاف خااااالص ربنا يستر .... بس في حاجه ..جو باع ارض الصعيد يعني بيخطط لهرب علشان محدش بعرف طريقهم ولا ايييه بالظبط الله يخليكي يا منه بلاش نكد لحسن انا باتاثر اوي وممكن يجيلي حالو اكتآب ..... ساشا.
ردحذفرائعه جدا يا منه مش قادره أقلك البلوج كم مره بفتحه باليوم عشان أعرف نزلتي الجديد ولا لسا
ردحذفجميلة جدا وبتشد الواحد بتخالي مابدو يتركها قبل مايخلصها وانا مع ساشا بلاش نكد لانو شكلها المشاكل حت تبداء
ردحذفhttp://rewaeate.blogspot.com