وقفت رووكي تتلفت حولها.. ترتدي سترة جلدية ضيقة ثمينة ووشاح شاعرة ببرودة الصباح الباكر جدا.. علي ظهرها حقيبة ظهر بها ما جمعت من بعض الملابس و احتياجات. و معها حقيبة اخري صغيرة جدا تعلقها علي كتفها بها نقودا و اوراقها.. كانت تقف امام هاتف عمومي.. اتصلت برقم اميلي صديقتها..
جائها صوتها نائما:" الو من؟"
رووكي:" إم انه انا.."
اميلي:" رووك؟؟ ما هذا الرقم؟؟!"
رووكي وهي تحبس انفاسها انفعالا:" اميلي لقد هربت من البيت.. وسالحق بك في الكرنفال.. اين انت الان؟؟"
اميلي وقد افاقت تماما و هي تصرخ فرحا :" لا اكاد اصدق.. لقد فعلتيها اخيرا يا فتاة.. انا فخورة بك حقا... هيا الحقي بنا نحن في (---) يمكنك اللحاق بنا اركبي القطار لمكان العبارة ثم استقلي القطار مرة اخري.. و.."
قاطعتها رووكي:" لقد ركبت العبارة بالفعل و خرجت من البلد... انا الان في مدينة (--) اين انتم؟"
اميلي بانبهار:" لقد انجزتي فعلا يا فتاة.. حسنا يمكنك اللحاق بنا في (--) سنرحل اليها غدا لنتبع الكارنفال الي هناك.. حاولي الوصل الينا قبل الغد.. انا و الاصدقاء نقض و قتا ممتعا حقا.. لا ينقصنا سواك يا عزيزتي.."
رووكي:" حسنا سالحق بكم يا رفاق.. و لكن ابق هاتفك دوما بقربك .. حتي نكون علي تواصل دائم لحين اصل اليك.. سأتصل من هواتف عمومية حيث اني تركت هاتفي بالبيت لعلمي ان ابي لديه اتصالات قوية وبأمكانه ان يراقبه و يتتبع مكاني بسهولة.."
اميلي:" حسنا رووك .. في انتظارك.. ذلك افضل خبر سمعته... هيا يا فتاة لا تتأخري.. الي اللقاء"
رووكي مبتسمة:" الي االقاء إم.."
وضعت السماعة و تلفتت حولها مرة اخري.. كانت تشعر بسعادة غامرة.. انها تعيش المغامرة الان.. حتي لحظات هروبها كانت مثيرة و مختلفة.. لم تتنكر في زي الخادمة كبعض المرات.. و لم تتسلق السور ايضا كبعض المرات الاخري.. لم تنتظرها سيارة الاصدقاء في مكان قريب لتهرب معهم.. بل كانت فخورة بخطتها العبقرية.. لقد طلبت البيتزا في وقت متأخر من الليل عن طريق خدمة التوصيل، تحت مرأي و مسمع من خادمتها.. طلبت كمية كبيرة .. وفسرت للخادمة بانها مكتئبة و الكثير من البيتزا ستخفف عنها.. و بينما احتار حراس البوابة مع رجل التوصيل الذي اتي في تلك الساعة العجيبة.. ومحاولة اكتشاف ان كان الطلب بتلك الكمية - والتي يكاد عدد العلب المرصوصة رأسيا يغطي وجه رجل التوصيل الذي يحملها - اتي صحيحا ام جاء بطريق الخطاء.. ومع اصرار رجل التوصيل ان الطلب صحيح وانفعاله علي الحراس مما جعلهم يشكون بامره وينشغلون به ..كانت رووكي قد تسللت بخفة و وحشرت نفسها في خلفية سيارة التوصيل(الفان) الصغيرة حيث يضع علب البيتزا.. وبعد ان اكدت لهم الخادمة ان السيدة الصغيرة هي بالفعل من قام بطلب كل هذا الكم من البيتزا .. خرج الرجل بالسيارة وبها رووكي و هو يسب الحراس بعد سلمهم برج العلب..
وبينما حمل احد الحراس علب البيتزا مع الخادمة لحجرة رووكي .. ليجدوها نائمة لا تجيب ...كانت هي تقفز في سرعة خارج السيارة بعد ان اوقف الرجل السيارة عند محل البيتزا.. وسارت لمسافة كبيرة مبتعدة، ثم استقلت الحافلة الي مكان العبارة ..
و بعد ان قضت وقتا ممتعا، خاطفا للانفاس من فرط الاثارة علي ظهرالعبارة ، وصلت اخيرا الي غايتها الي حيث بداية رحلتها البرية عبر مدن اوربا لحاقا باميلي و الكرنفال.. وبحثت عن الهاتف لتحدث رفيقتها..
ابتسمت عندما تذكرت كل هذا ، ثم تنفست بعمق و سارت متجهة الي اقرب محطة قطار..
عليها اللحاق بإم و الرفاق..
***
في بهو القصر الخاص بصادق و الذي تحول لمركز عمليات.. مروان و ابيه..كل منهما يتحدث في هاتفه مستغلا صلاته الهامة في محاولة تتبع اسم رُقية علي رحلات و خطوط الطيران.. بينما وقف صادق بين بعض من رجاله وعلي رأسهم عامر يخبرهم عن الخطواط التي عليهم اتخاذها و بين كل بضعة دقائق يحدث الحراس الذين ذهبوا في ملاحقة رُقية علي الهاتف للمتابعة.. اما نوال فقد جلست بمفردها علي احد الكراسي بين باكية و متابعة لما يحدث حولها في صمت..
مروان لصادق:" في خلال ساعة يا عمي هنعرف اذا كانت خرجت من البلد و لا لأ"
اومأ صادق برأسه و لم يرد
اما رقية فقد اتسعت عينها لفكرة ان ابنتها غادرت البلد و قالت لصادق و سط البكاء :" انت السبب يا صادق.. كله بسببك"
نظر لها صادق نظرة شديدة محذرة ان تبدأ في ذلك الان.. لا الجمع ولا الموقف مناسبان لفقرة تبادل الاتهمات و القاء اللوم..
جاء اتصال لعامر فطرقع باصابعه فجأة بعد ان سمع الكلمات الاولي لمحدثه و اشار للجميع طالبا الصمت.. امتثل الجميع وانتبهوا بشدة له في انتظار الجديد..
بعد ان انهي الحديث قال بسرعة لصادق بالانجليزية ليفهم كل الموجودين:" اميلي جوت صديقة الانسة روكي المقربة ذهبت في رحلة لتحضر المهرجان السنوي الذي يلف مدن اوروبا.. المعلومات تفيد ان الفتاة ذهبت مع مجموعة كبيرة من الاصدقاء و الذين هم في نفس الوقت اصدقاء الانسة روكي.. لذا هناك احتمال شبه مؤكد انها في الطريق اليهم.. حيث ان هناك معلومة عن ان فتاة بمواصفات تشابه هدفنا قد استقلت العبارة خروجا من المملكة ..كما ان التحريات تفيد ان اميلي شدت الرحال قبل هروب روكي بيومان.. كما ان هاتف الانسة روكي الذي تركته هنا يؤكد ان اميلي و روكي كانتا تتحداثان بكثافة اخر يومان.."
قاطعه صادق بعصبية:" اين الكرنفال اللعين؟"
عامر:" لقد وصل الان الي مدينة(--) و سيتحرك في اتجاه (---) من المحتمل ان الانسة روكي في الطريق لاحد تلك المدينتين"
انتفضت نوال و نهضت وهي تقول:" و ماذا تنتظرون؟ .. اذهبوا للحاق بها.. اجلبوا ابنتي لي الان! اسمعتم ؟! الان اقول!"
تردد جميع الحرس الواقفين في حيرة و توجهوا بانظراهم لصادق في انتظار التعليمات النهائية..
قال صادق بنبرة هادئة:" بهدوء يا نوال.. الامر ليس ككل مرة.. الفتاة لم تهرب في امسية لتمرح مع الاصدقاء و هي مدركة انها ستعود في نهاية الليلة لتلقي بعض العقاب.. لقد قرأت الخطاب بنفسك.. ابنتك قررت الخروج من حياتنا.. و من المتوقع ان تبذل كل ما بوسعها للاختفاء والهرب.. اري ان ارسال الحرس ليحضروها عنوة هو تصرف غير سليم.. الفتاة حرة في قانون الدولة و قد تلجاء للشرطة.."
تنحنح مروان قبل ان يتحدث و قال:" اسمح لي يا عمي.. بامكاني الذهاب لاحضارها بنفسي.. لي اصدقاء بالفعل قد ذهبوا لمرافقة الكرنفال.. ربما لن تأتي مع الحرس ولكنها قد تأتي مع يستميل قلبها.." و ابتسم ابتسامة واثقة..
نوال لصادق في غيظ متجاهلة مروان:" اظن ان تلك هي فكرة غبية يا صادق! الفتاة هربت من الاساس بسببه.. كيف سيستعيدها هو؟! الم تر كيف كانت تسب فيه؟!!"
تقبل مروان الكلام اللاذع في ثبات و ابتسم في محاولة لاخفاء احراجه.. كان يدرك ان الام قد طار عقلها بسسب هروب ابنتها و لعلها لا تدرك ما تقول و غالبا لا تعنيه..
اما صادق فقد نظر لزوجته نظرة اخري محذرة.. لقد تمادت في اهانة زوج ابنته وابن شريكه مستقبليا..
فكر قليلا ثم قال:" ليست فكرة غبية تماما.. علي العكس.. الفتاة هربت بحثا عن الحرية و الحب و الحياة.. سأرسل لها كل ذلك.."
ابتهج مروان و قال بابتسامة عريضة:" تاكد اني سأكون عند حسن ظنك يا عمي.."
***
جلست رُقية علي تلك الطاولة تشرب القهوة في كافتيريا قرب محطة القطار.. لقد كانت رحلة مرهقة.. كنوع من التمويه ركبت عدة حافلات و سيارة اجرة حتي و صلت تلك الضاحية البعيدة ومنها ستركب القطار الذي سينقلها لتلك المدينة حيث تلقي اميلي و الاصدقاء.. رشفت من القهوة و ابتسمت.. لقد كان مذاقها مختلفا عن كل مرة تذوقتها في سنوات عمرها ..كان ممزوجا بطعم الحرية..
هاهو قطارها قد وصل.. تممت علي متعلقاتها و ذهبت لتركب..
اختارت تلك الكابينة الخالية.. و ضعت حقيبة ظهرها علي الرف اعلي المقعد.. و جلست قرب النافذة، حاولت فتحها و لكنها كانت عالقة.. لم تهتم ..جلست ومازالت الحماسة تدغدغها من الداخل.. هاهي تخرج من البلد في هذه الكابينة.. لا يهم ان لم تفُتح النافذة الان.. فالعالم له سينفتح امامها لاحقا..
بعد ان استقرت في جلستها تتأمل الخضرة خارج النافذة.. مرق شخص في ردهة القطار من امام باب الكابينة الزجاجي.. لم تلمحه جيدا و لم تهتم.. و لكن ما جعلها تعيد النظر ان الشخص بعد ان مرق عاد.. اطل برأسه داخل الكابينة..
كانت طلة تشرح القلب.. وسيم وجذاب..
سأل ببرود بالنجليزية :" اهذا المقعد خال؟"
قالت:" اجل انا و حدي في الكابينة.. و ان كنت افضل ان اظل هكذا"
قال بقليل من السخرية:" صدقيني وانا لا اتمني شيئا اكثر من الوحدة و الهدوء.. و لكني مضطر ان لان كل الكبائن الاخري مليئة"
دلف الي الكابينة ووضع حقيبته بدوره اعلي مقعده جلس مواجها لرقية قرب النافذة..
تعمدت الا تنظر اليه و ان تتجاهله تماما حتي لا يظن انها فرصة للتعارف او يحاول اي محاولة للغزل.. فلا يمكن التنبؤ بما يجعل الرجال تظن ان الفرصة سانحة..
طالت فترة الصمت.. يبدو انه لا ينوي المغازلة او التعارف... او حتي محادثتها من الاساس.. لمَ يا تري؟ الهذه الدرجة لم تثر اهتمامه؟ اي رجل كان ليحاول حتي اجراء حوار بسيط مع فتاة جميلة مثلها.. ولو علي سبيل تمضية الوقت..
نظرت بجانب عينيها اليه .. لقد كان منهمكا في قراءة كتاب.. القت نظرة علي الكتاب.. انه لكاتبها المفضل! هذا الشاب لديه ذوق ادبي رفيع..
رفعت عينيها تتأمله.. وسيم بالفعل.. ملامحه قد تكون من اصل عربي.. او اسباني.. لماذا تشعر انها تعرفه؟ لقد رأته قبلا في مكان ما.. يالهول! انه الشاب الذي انقذها من الرصاصة في الملهي.. و هاهو اثر بسيط للجرح في جانب رأسه.. يالمصادفة؟!! هل حقا جمعهم القدر لسبب ما؟؟
صاحت بحماس:" الا تعرفني؟!"
رفع عينيه عن الكتاب وقال في تململ:" وهل يجب علي؟ اسف لست متابعا للفن و الفنانات الصاعدات"
قالت:" لست فنانة! انا الفتاة التي انقذتها قبل بضعة ايام.. في الملهي (--)"
رفع حاجبيه مندهشا و بدا الاهتمام علي و جهه للمرة الاولي..تأمل و جهها و قال:" حقا؟ اسف لاني لم الاحظ.. لم اخذ وقتا ساعتها لانظر لوجهك.. "
واكمل مازحا بنبرة ساخرة:" تعرفين ضيق الوقت.. فالرصاص لا يمهل احدا"
ابتسمت في حماس و مدت يدها اليه قائلا:" انا رُقية.. يمكنك مناداتي برووكي"
ابتسم بدوره و قال:" انت عربية؟"
قالت:" نعم مصرية.."
قال بمصرية سليمة وهو يمد يده:" وانا عمر يا روكي.. تشرفنا"
تلاشت ابتسامتها في لحظة و تراجعت وكأنها مصدومة.. ثم مدت يدها وصافحته في غير حماس..
تراجعت في مقعدها .. ولسان حالها يقول:" يعع"
فسأل:" في مشكلة؟"
قالت بتردد:" لا علي الاطلاق.. ابدا... صدفة لطيفة.. لقد اردت ساعتها أن اشكرك و لكن هناك ظروف ما منعتني.. و ها انا انتهز الفرصة لاشكرك علي انقاذك لحياتي"
فقال:" لا تشكريني.. لو كنت مكاني لكنت فعلت نفس الشيء.. انتي بتعرفي عربي ؟"
روكي:" اجل"
عمر:" بتتكلمي انجليزي ليه واحنا الاتنين مصريين؟"
روكي:" لهجتي المصرية مضحكة بعض الشيء.. كما اني ارتاح اكثر في الانجليزية.. لقد نشأت هنا واحمل الجنسية.. اعتبرني انجليزية"
عمر بابتسامة رائعة:" حسنا كما تشائين.. انا سعيد بالمصادفة الجميلة.. سأدعك الان لسكونك و سأعود لكتابي بعد اذنك.. فانا لا يتسني لي القراءة سوي في السفر.. و قد اشتقت لكاتبي المفضل.. كنت مشغولا و لم اقراء منذ فترة"
تراجع في مقعده و اعاد الكتاب بين يديه..
تأملته.. لم تعرف ما تشعر تجاهه.. هي ممتنة جدا للبطل الذي انقذها.. البطل المثقف الذي يشاركها الحب لنفس الكاتب.. و لكنه مصري مثل ابيها.. لربما ان اطالت معه الحديث لاستنكر كيف تسافر فتاة مثلها بمفردها.. ولاخبرها ان مكان الفتاة في بيت زوجها.. الافضل ان تتركه و شأنها..حتي يتركها وشأنها..
ولكنه تركها و شأنها بالفعل.. دون ان تطلب او حتي ان تحاول ابعاده.. حتي بعد ان فتحت هي معه الحديث ، بعد ان عرف انها ممتنة له.. اي شاب اخر كان انتهز الفرصة للتعارف..يبدوا انها لا تثير اهتمامه بالمرة.. اكيد مرتبط عاطفيا .. واحد مثله لن يكون خال.. مؤكد فتاته هي عارضة ازياء مثيرة، تملاء عينه فلا يكاد يلاحظ اي فتاة غيرها.. يا لها من محظوظة..
تنهدت بصوت عال.. و تابعت المناظر من النافذة المغلقة..
فجأة انفتح باب الكابينة و دلف دون استئذان شاب اخر.. ضخم و اشقر شديد البياض.. ووجنتيه بلون الدم
قال بلكنة اسكتلندية :" لقد سئمت الناس في الكابينة الاخري.. انتم تبدون الطف"
جلس بجوار روكي و قال:" انا مارك"
رُقية بامتعاض:" روكي"
نظر الفتي لعمر و قال:" وانت ما اسمك؟"
عمر بضجر شديد:" عمر.. انا عمر"
مارك:" هل انتما معا؟"
روكي:" لا ..لسنا معا.."
مارك:" حسنا جيد.."
وعاد ليقول:" انا ذاهب للحاق بالكرنفال السنوي.. سألحق به في (--)"
رووكي وقد رأت اخيرا في مارك ما يستحق الاهتمام:" حقا؟ و انا ايضا.. "
صاح مارك بحماس:" يالها من مصادفة! فلنذهب معا .. هل ستلحقين باصدقائك؟ ان لم يكن يامكانك الانضمام لاصدقائي هناك.."
رووكي:" بلي سألحق باصدقائي.. و لكن شكرا علي العرض"
مارك:" جيد فلنذهب الطريق معا اذن.. مازال امامنا بضعة محطات و بضع حافلات.."
ثم وجه حديثه لعمر:" و انت يا (أومار).. الي اين انت ذاهب؟"
عمر بضيق:" لست ذاهبا للكرنفال! و اذا سمحتما انا ارغب في الهدوء للقراءة"
مارك:" مابك يا رجل! اهدأ! لقد كنت احاول فقط ان اشركك في الحديث.."
ثم التفت لرووكي و قال:" اتدخنين؟ تعالي معي لمنطقة المندخنين.. هناك بقعة حيث الهواء منعش حقا.. و لنتركه لهدوءه و كتابة السخيف"
رفعت رووكي كتفيها في عدم اكتراث و قالت:" لم لا؟.. هيا"
رفع عمر عينيه الي رووكي ليري رد فعلها علي عرض مارك.. و ما ان لمح موافقتها ..حتي قال:" فكرة جيدة.. احتاج للتدخين انا ايضا.. ساتي معكما"
مارك:" الم تكن ترغب في الهدوء قبل ثانية؟"
عمرساخرا:" حين تُذكر السيجارة.. يصير كل شيء اخر اقل اهمية"
ضحك مارك و هو يربت علي ظهر عمر قائلا:" ظننت هذا المثل يقال علي المرأة"
وبالفعل ذهب ثلاثتهم لمنطقة المدخنين بالقطار..
هناك وقفت رووكي وسطهما بدي عليها التردد.. ثم قالت لمارك فجأة:" اعطيني سيجارة.."
اخرج مارك واحدة من علبته و اعطاها اليها.. ثم امسك بقداحته ليشعلها لها..
كان عمر يتابعها باهتمام في صمت و هو ينفث دخان سيجارته..
اخذت رووكي نفسا .. ثم سعلت بشدة..حتي كادت تتقيا
قال مارك منزعجا:" ما بك يا فتاة؟؟ هل انت مريضة؟؟"
رفعت رووكي يديها وسط السعال معلنة انها بخير..
فضحك مارك و قال:" هذه سيجارتك الاولي يا فتاة... بلي؟"
لم ترد و استمرت تسعل و لكن اخف قليلا..
اما عمر فقد بدا علي وجهه بعض القلق و لكنه مازال صامتا..
قال مارك:" ظننتك مدخنة.. لمَ لم تقولي؟ انا لم اجبرك...لقد طلبت السيجارة بنفسك"
قالت رووكي اخيرا وعيناها دامعة من كثرة السعال:" اريد ان اكون واحدة"
مارك و عمر في نفس الثانية باندهاش:" مدخنة؟!!"
اومأت رووكي برأسها ايجابا و قالت بنبرة واثقة:" انا فتاة حرة بامكانها ان تفعل ما تريد..ادخن سيجارة.. ادخن مخدرات..انا حرة"
مارك مندهشا:" و لمَ تريدين هذا؟ انت في نعمة يا فتاة.. كل مدخن هو عبد لسيجارته..اي حرية تتحدثين عنها ؟؟ اسأليني انا؟ اود ان اكون غير مدخن.. و لكني غير قادر.. وكاني ...غير حر.."
اقترب عمر منها و سحب السيجارة من يدها و قال بهدوء:" بعد نوبة السعال تلك اظن انك لست بحاجة لهذه الان.."
قالت:" ولكن.."
قاطعها بعد ان اطفاء السيجارة في المطفاءة وقال رافعا كفيه :" لم يتعدي احدا علي حريتك يا فتاة!.. بامكانك التجربة مرة اخري في اي وقت اخر.. ولكن إن اخذتِ نفسا آخر من تلك السيجارة الان هناك احتمال 90 في المائة ان تتقيائ.. و صدقيني لا يرغب احدا منا الوقوف وسط القيء"
ابتسمت .. لماذا هو دائما صامت؟ و لكن كلما نطق.. زاد اعجابها بشخصيته..
كان مارك ينظر لرووكي بنظرات اعجاب و اضحة..
حين عادوا ثلاثتهم للكابية..و عاد عمر لكتابه..جلس مارك قرب رووكي يحدثها في امور شتي.. انشغلت معه في الحديث.. كانا يتحدثان بصوت خفيض حتي لا يسببا الازعاج لعمر.. ولكن رووكي بدأت تدرك انه معجب بها.. لقد دخل في مرحلة الغزل.. بدأ يثني علي جمال عينيها.. سألها ان كانت مرتبطة.. كان لطيفا لم يضايقها الامر.. و لكنها لن ترتبط عاطفيا مع شخص الان .. لديها الكثير لتفعله ..لا وقت لديها للتقيد باي علاقة.. فليبقي الامر دوما عند مرحلة الغزل اللطيفة..
طلب منها القيام معه للخارج لاحضار القهوة..لم تمانع.. وحين هم عمر للقيام معهما قال له مارك بنبرة ذات معني بعد ان خرجت رووكي:" ابق انت يا رجل.. سأتي لك بم تريد..هيا اعطيني فرصتي"
فانتظر عمر و لم يذهب معهما.. بقي لبضعة دقائق ثم خرج بدوره من الكابينة.. سار في ردهة القطار باتجاه البار.. ها هو الان امام ماكينة القهوة.. ليسا هناك!
هل اخذا القهوة وذهبا لتدخين سيجارة اخري؟.. تقدم اكثر باتجاه منطقة المدخنين..وقف بها لا اثر لهما..
انتابه بعض القلق..
عاد ادراجه الي الكابينة.. مازلت خاوية..
دلف اليها وعاد لمقعده.. ماذا عليه ان يفعل الان؟
وفجأة فُتح باب الكابينة بعنف.. و دلخلت رووكي..وعلي وجهها غضب شديد..جلست بعصبية قرب النافذة تهز قدمها في توتر شديد..
عمر:" اين مارك؟"
رووكي بحدة:" لا اعرف.. و لا اريد ان اعرف!"
ادرك عمر ان امرا ما حدث.. هل تشاجرا؟
هل عليهما مارك و دفع الباب برفق.. ما ان رأته رُقية حتي قفزت من مكانها لتجلس ملاصقة لعمر و قالت لمارك بحدة شديدة محذرة:" اقسم بالله ان اقتربت مرة اخري.. ستكون هذه المرة ركلة تحرمك من الاطفال لباقي عمرك!"
مارك مندهشا وببعض الغضب:" ما بك يا فتاة هل انت مجنونة؟! لقد كنت لطيفة.. كيف انقلبت هكذا؟ وكيف تجروءين علي صفعي هكذا؟!"
ثم وجه حديثه الي عمر يشهده:" الم تري بنفسك انها كانت لطيفة معي.؟؟. هل بدت باي حال من الاحوال رافضة لي؟؟ كل ما فعلته هو اني لففت ذراعي حولها اثناء وقوفنا معا في نافذة القطار .. فوجئت بها تستدير لتصفعني! انها مجنونة ! ابتعد عنها"
قال عمر بهدوء:" تفضل غادر الكابينة يا مارك!"
مارك مصعوقا:" ماذا؟!!"
عمر :" كما سمعت.. غادر الان.. وجودك يضايق الفتاة!"
مارك ومازال مندهشا من رد فعل عمر:" الاولي بك ان تطلب منها هي ذلك..هي المريضة عقليا و لست انا!!"
رووكي:" انا لست مريضة ايها الغبي.. انت من تطاول علي.. ان لم تغادر سأبلغ امن القطار انك حاولت التحرش بي!"
كان مارك يسحب متعلقاته من قبل ان تتحدث رووكي..
مارك ساخرا:" اكيد سأذهب ، ان كنت انت ستبقيين..لن ابقي مع مريضة مثلك في مكان واحد.. و انت يا (أومار )اتمني لك حظا سعيدا مع المجنونة"
قال عمر بنبرة حازمة:" غادر!"
خرج مارك و صفق الباب ..
كانت رووكي تجلس ملاصقة لعمر وتتنفس بسرعة في انفعال.. بعد ان خرج مارك التفتت لعمر و قالت:" اشكرك لدعمي.."
ثم قامت من جانبه و عادت لمقعدها المواجه له و قالت:" كيف جروء؟ لم نتحدث سوي لوهلة و يظن ان يمكنه ان يضمني"
عمر:" لقد بدي عليك انك متقبلة له تماما"
رووكي:" نعم ..ان حديثه لطيف.. ولكن ان يضمني امرا اخر.. اعرف ان صفعه كان امرا مبالغ فيه.. كان يكفي ان اخبره اني لا ارغب.. و لكنه ايضا مخطيء بالتسرع"
عمر في عدم اكتراث:" ربما.."
رووكي و قد كادت ان تجن من عدم اهتمامه.. و لكنها اخفت ذلك خلف ابتسامة عريضة:" اشكرك مرة اخري انك و قفت في صفي"
عمر:" حسنا لا تشكريني لقد اخترت منكما الرفيق الاكثر هدوءا لابقيه"
صدمت رووكي بشدة من الرد .. بيما هو كان ينظر في كتابه غير منتبها لفمها المفتوح ذهولا..
الا انه بعد لحظة رفع راسه لها و قال مبتسما:" بالطبع امزح! لقد وقفت في صفك لاني برغم اني اعتدت العيش بالاسلوب الغربي الا ان هناك شي مازال شرقي بداخلي يجعلني امقت اولاءك الذين يغازلون النساء في وجودي..خصوصا ان كانوا يفرضون انفسهم مثل صديقك مارك"
رووكي ضاحكة:" لا تقل صديقك!"
ابتسم عمر ابتسامة ساحرة ..جعلتها تتأمله دون حياء..
قالت:" هل عشت هنا كثيرا؟"
عمر:" اجل معظم عمري.. ابي كان يعمل في عدة دول .. حتي استقر هنا منذ ان كنت في العاشرة"
رووكي:" ابويك مصريين؟"
عمر:" ابي فقط.. امي برتغالية.. تقابلا في فرنسا.. كانت هي تدرس الرسم.. و هو في مهمة عمل"
رووكي في هيام:" كم رومانسي.."
ابتسم عمر:" نعم كانت قصة حب قوية.."
رووكي:" لا بد انك عشت طفولة رائعة في جو رومانسي وسط ابوين متحابان "
عمر:" للاسف امي ماتت وانا في السادسة.. ونظرا لانشغال ابي و السفر الدائم.. عشت مع عمتي في مصر لفترة الي ان استقر ابي في لندن و اتي بي انا وعمتي حتي توفت هي الاخري ..ثم لحق بها ابي منذ بضعة اعوام"
عقدت رووكي حاجبيها تأثرا وتمتمت:" انا اسفة.."
قال:" لا تأسفي.. مايحدث للانسان في حياته يشكل ما هو عليه الان.. و انا فخور بما انا عليه..حتي و ان كنت مررت بفترات مؤلمة او عصيبة"
نظرت له بانبهار.. حقا كلما نطق اثار اعجابها!
وجه اليها سؤالا :" وماذا عنك.. هل ابويك مصريين؟"
رووكي:" هل بامكاني ان احتفظ بتفاصيل حياتي ..انه امر خاص"
حرك رأسه و رفع كفيه بما يعني :" ايا كان" وقال:" اكيد"
قالت:" اشكرك لتفهمك"
حرك رأسه بمعني " لا عليك"
مر بعض الوقت قبل ان يقف القطار في المحطة..
حملت حقيبتها كما فعل عمر و سارا معا في الردهة الي خارج القطار..
نزلت اولا و نزل بعدها..
وقفت امامه مبتسمة للحظة ثم قالت:" اشكرك ثانية علي كل شيء.. انقذت حياتي.. و دعمتني في موقفي مع مارك.. و كنت رفيق مسل للطريق.. انا ادين لك بالكثير" و ضحكت ضحكة صافية..
ابتسم بدوره ابتسامة خلعت قلبها و قال:" انت ايضا كنتِ رفيق لطيف.. و استمتعت بمرور الوقت معكِ"
مدت يدها باسلوب طفولي و صافحته قائلة:" وداعا الان.. علي الحاق بمحموعة متعددة من المواصلات لالحق الكارنفال.. اتمني ان اراك مصادفة في يوم ما"
صافحها و قال:" وانا ايضا.. وداعا رووكي"
حمل حقيبته و استدار مبتعدا.. تابعته..
وقف امام عربة القطار المخصصة للمتعلقات الضخمة.. انتظر دوره .. دخل لبرهة و خرج نازلا علي تلك الخشبات التي تشكل جسرا بين الرصيف و عربة القطار ..كان يركب دراجة بخارية سوداء.. رشيقة و لا معة مثله..يا جماله بالدارجة.. مثل ممثلين افلام الكشن.. ينقص المشهد موسيقي تصويرية مثيرة.. وقف بها خارج العربة يحمل بيده الخوذة.. ثم نظر نحو رووكي نظرة اخيرة و لوح لها من بعيد.. فابتسمت بانبهار شديد و لوحت له بدورها.. ثم انهمك في وضع حقيبته علي ظهره و ترتيب نفسه استعدادا للرحيل بالدراجة البخارية..
اما رووكي فكانت تتابعه الي ان ادركت ان عليها التحرك بدورها.. فمازال عليها السؤال عن افضل طريقة للوصول، كما ان عليها البحث عن هاتف لمحادثة إميلي..
دارت بعينها في المكان تبحث عن اقرب هاتف.. ولكنها لمحت شيئا اخر.. بل شخصا..
شخصا تحفظه عن ظهر قلب.. و تميزه وسط المئات بحكم العادة.. انه احد حراس و الدها..انه جايك...ببذلته و نظارته السوداء.. اللعنة!...لقد تبعوها الي هنا..
رأته يتحدث في جهاز اتصال ما.. انه يبلغهم انه وجدها.. تلفتت حولها في ذعر تبحث عن اخرين.. و لكن عينيها و قعت علي عمر و قد ارتدي الخوذة و يستعد للانطلاق..
امسكت جيدا بحقيبتها.. و جرت باقصي سرعة نحوه .. و صلت اليه و هو مازال يلف ببطء لغير و جهة الدراجة..رفع الغطاء الامامي للخوذة حين رأها اتيه عليه تجري و قال مندهشا:" رووكي.. ماذا هناك؟"
قفزت خلفه علي الدراجة و صاحت:" انطلق! انطلق بسرعة .. اخرجني من هنا!"
لم ينتظر ليفهم... بل انطلق باقصي سرعة و هو يقول:"تمسكي جيدا"
كانت تنظر خلفها لتري ان كان هناك من يتابعها.. بالفعل رأت الحارس يقف عن بعد ويشير الي اخريين علي مكانها..و يتحدث في جهاز الاتصال.. صاحت في عمر:" اسرع .. اسرع"
ونظرت مرة اخري لتجدهم قد صاروا ابعد بكثير الي ان اختفوا تماما حين انعطف عمر في احد الشوارع يبدوا انه يسير بسرعة حقا، تنفست الصعداء..
شعر عمر انها هدأت من نوبة التوتر و الذعر.. فقال:" هل لي ان اسأل ما كان ذلك؟..ام انه يندرج تحت الامور الخاصة؟"
رووكي:" يندرج تحت الامور الخاصة"
عمر:" حسنا و لكن حقي ان اعرف ان كنتِ مُطاردة من السُلطة ، او كنتِ ارتكبت جريمة، او متورطة في اي شيء غير قانوني"
رووكي:" و لا اي من ذلك"
عمر:" حسنا.. سأكتفي بذلك"
صمتا لبرهة قاد فيها عمر الدراجة بينما لفت رووكي ذراعيها حول وسطه، يحول بين جسديهما حقيبة ظهره ..
عمر:" هل لي ان اعرف اين اذهب بك؟ لا يمكن لذلك ان يندرج تحت الامور الخاصة..فانا من اقود"
رووكي:" الي اين كانت و جهتك في الاساس؟"
عمر:" كنت سأبيت ليلتين هنا في المدينة لاستريح فلدي قيادة طويلة لان لدي عمل بعد ذلك في (--)"
رووكي حسنا سأدفع لك لتوصلني لاصدقائي في (-- مدينة اخري )"
عمر:" لا استطيع.. انا بحاجة للراحة علي الاقل يوما.. لا يمكنني القيادة لك ثم القيادة مرة اخري بعدها لعملي"
صمتت روكي تفكر.. هي تخشي ان تركب مرة اخري الحافلة من هنا ..فمؤكد ان رجال و الدها الان يتابعون كل الحافلات في البلدة.. ليس امامها سوي دراجة عمر.. حسنا.. يمكنها البقاء هنا لليلة مثله و بذلك تتأخر علي إميلي يوما.. ثم تلحق بها و الاصدقاء في المدينة التالية للكرنفال والتي هي نفس طريق عمر..حين يذهب في طريقه لـ(--) حيث عمله بامكانه ان يوصلها الي اقرب مكان لاصدقائها..
قالت:"حسنا سأعقد معك اتفاقا.. استريح لليلة واحدة هنا ..ثم خذني معك في طريقك.. محطة الكرنفال التالية ليست بعيدة عن المدينة التي انت ذاهب اليها.. سأدفع لك ما ترغب ..حسنا؟"
عمر:" واين ستبقيين الليلة؟"
رووكي:" اين ستبقي انت؟"
عمر:" في منزل صديقة لي..":
رووكي:" سأبقي انا في اقرب فندق قرب منزلها... حتي نقرب المسافة و والوقت"
عمر:" بامكانك المجيء معي..هي لن تمانع.."
رووكي:" لا شكرا.. لا احب التطفل.."
عمر:" كما تريدين.."
رووكي:" حسنا و لكن علي الاتصال بشخص ما.. هلا اوقفتنا عند اول هاتف؟"
وبالفعل نزلا كليهما عند هاتف عمومي.. اتصلت رووكي بإميلي تخبرها بانها ستلحق بهم في المدينة التالية..
بينما كانت هي تحدث إميلي.. ابتعد عمر ولكن رووكي كانت مازالت في محيط نظره..
اخرج هاتفه واتصل برقم ما..
عمر:" ايوة يا فندم.. الهدف معايا.. بارادتها يا فندم.. هي طلبت مني بنفسها اوصلها الكرنفال.. هنبات الليلة هنا... لازم يا فندم عشان الخطة الموضوعة تمشي.. وكمان عشان نعطل الوصول للكرنفال.. هناك تنفيذ الخطة هيكون اصعب.. هتبات معايا في بيت آمن يافندم.. مش هتغيب عن عيني لحظة.. مش عايز سيادتك تقلق.. انا مضطر اقفل.. جاية عليا.."
اكمل عمر حديثه بالانجليزية وكانه مازال يتحدث في الهاتف: حسنا عزيزتي.. انا قادم اليك الان ..افتقدك كثيرا"
اقتربت رووكي وبدي عليها الاحراج لسبب ما لا تعرفه.. سماعه يحدث فتاة ..كان يضايقها و لو قليلا.. كانت حقا تحسد تلك الفتاة..
انهي المكالمة و نظر لرووكي ثم قال:" يلا؟ "
قالت مبتسمة : يلا.."
***
كانت نوال تجلس مع زوجها صادق وعامر مستشاره في تراس القصر في انتظار اي اخبار عن رُقية..
وقد جائت الاخبار في صورة مكالمة هاتفية تلقاها صادق بنفسه..
صادق لمحدثه علي الهاتف:" طب كويس جدا برافوا عليك.. ازاي راحت معاك؟ ... طب و امتي هتروحوا الكرنفال... بيات؟ و لازمته ايه البيات ده؟ طيب ماشي لوانت شايف كده ...طب هتبات هي فين؟ انا مش عايزك تفارقها ثانية.. حتي و هي نايمة تبقي بتحرسها.. انت مش مدرك انا قلقان ازاي.. انا اعدائي مبيرحموش.. لو حد عرف انها بنتي و لوحدها.. هتبقي مصيبة.. ليه تقفل؟ الو الو الو؟"
انهي المكالمة و التفت لزوجته قائلا:" ادي بنتك يا هانم المتربية اللي عايزة تبقي حرة.. خرجت من البلد وراحت مع و احد غريب برضاها.. و طلب منه يوصلها الكرنفال الزفت بتاعها.. و كمان ايه هتبات الليلة معاه!"
لطمت نول علي صدرها وقالت:" يا مصبتي تبات ازاي؟"
نفث صادق في غيظ ثم قال:" والله منا عارف.. انا لولا ان ثقتي في الولد ده كبيرة ومعنديش ادني شك في ولاءه و متأكد انه عارف هو بيعمل ايه؟ كان زماني مت بالسكتة! بنتك هتموتني يا نوال"
اتى عامر مقتربا بعد ان كان قد ذهب بهاتفه بعيدا ليستمع لمكالمة تفيده بالاخبار بدوره..
قال:" الرجالة بتوعنا عند محطة القطر يا فندم اكدوا مشاهدتهم لرُقية.. همة اتلقوا رسالة من العميل عمر بتفيد انه لقي رووكي علي القطر و تواصل معاها.. و طلب منهم ان لما الانسة رووكي تنزل في المحطة ..يظهروا قدامها بحيث تشوفهم..بدون ما يطاردوها.."
صادق:" الله؟؟ طب لما تشوفهم ما هي هتهرب تاني.."
عامر:" فعلا يا فندم.. هي هربت .. لكن هربت مع عمر نفسه.. ركبت و راه الموتسكيل بتاعه وهرب معهاه قدامهم كلهم"
ضرب صادق كف بكف و نظر لزوجته قائلا:" ادي اللي بنتك عايزاه.. تهرب مع فارس الاحلام علي ضهر موتسيكل.. دنا هقطم ضهرها بس لما الولد يرجعهلنا بالسلامة.."
اذن فعمر هو عميل لصادق!
كيف؟ و ماذا؟ و متي؟
حسنا.. فلنعود للوراء قليلا..
في بهو القصر عندما قال مروان مبتهجا بابتسامة عريضة:
" تاكد اني سأكون عند حسن ظنك يا عمي..
التفت اليه صادق وقال:" لا يا مروان انا سأعفيك من تلك المهمة .. ليست مناسبة لك في الظروف الحالية.."
هنا تدخل عبد الهادي و قال متسائلا:" كيف؟ الم تقل انك سترسل لها الحب.. لقد تهنا منك يا صادق"
تلقي صادق السؤال من عبد الهادي و لكنه ابتسم بهدوء و لم يجب، بل التفت لعامر و قال:" عامر.. هل شُفي الفتي الذي انقذها من اطلاق النار في الملهي؟.. ابن السيوفي.."
اومأ عامر برأسه وقال: "اجل سيدي.. لم تكن اصابة ذات شأن .. وهو جاهز تحت تصرفك.. "
رد صادق:" ارسل في طلبه فورا.."
ثم عاد و التفت لعبد الهادي و قال:" عمر.. عميل شاب من وكالة الحراسة الخاصة ..ابن السيوفي رحمه الله الذي كان حارسي الخاص"
فقال مروان بالمصري حانقا:" مش فاهم يا عمي.. يعني عمر ده دوره ايه بالظبط؟!"
صادق:" الشاب ده من اكفاء الحراس السريين.. لما روكي كانت بتهرب و بيبلغوني ..كنت ببعته في المكان الي بتروحه ..يتابعها .. ولانه شاب - علي عكس بقية الحرس - كان بيندمج و سط المجموعات اللي حوالين روكي و عمرها ما كانت بتاخد بالها منه.. كمان لانها عمرها ما شافته.. كان وجوده بالقرب ده منها بيطمني.. لان طبعا لو اي و احد من الحرس اللي هي عارفاهم بيقرب .. بتكون النتيجة انها تهرب او تستخبي تاني..و اخر مرة زي ما عرفتوا طبعا انقذها من ضرب النار اياه اللي كان في الكلب"
مروان:" برضه يا عمي مش فاهم.. دوره ايه؟ هتبعته و راها يتابعها وبعدين؟؟ طب كل مرة كان بيتابعها في السر لحد ما ترجع هي بنفسها.. المرة دي هي مش ناوية ترجع.. مين اللي هيرجعها؟.."
ابتسم صادق ببعض الغموض و قال:" سيبوا الحكاية دي عليا... اطمني يا نوال .. بنتك هترجع برضاها.. و لحد ما ترجع هيكون جنبها الي بيحميها طول الوقت"
***
ترجل من علي دراجته البخارية السوداء.. يتشابه مع دراجته بشكل كبير.. نفس الغموض و الجاذبية.. يردتدي السواد..بنطلون اسود، حذاء اسود و سترة جلدية سوداء.. كذلك الخودة التي خلعها وتركها علي الدراجة سوداء.. اسود شعره القصير و سوداء عينياه الجذابة.. ولكن طلته لم تكن بقتامة الوانه.. هناك بريق ما يطل من تلك العينان.. تلك المشية و الواثقة.. وهذا الجسد القوي..
اقترب من البهو بعد ان ادخلته الخادمة من باب القصر وسارت معه لتوصله.. سمع اصواتا.. هناك نقاشا يدور بالداخل..
سمع و هو مازل يقترب صوتا يقول:" يعني ايه يا عمي هيوقعها في حبه؟؟!! ده كلام؟ امال هترجعلي ازاي يعني؟"
وسمع صوتا اخر يرد بدا اكثر هدوءا و اكبر سنا ميزه بسهولة انه صوت السيد صادق يرد علي الصوت الاول قائلا:" يا ابني افهم.. هو هيوقعها في حبه و يستدرجها انها ترجع..و بعد ما تكتشف في الاخر انه عميل في الوكالة وانا الي باعته.. هتعرف انها كانت عبيطة وبينضحك عليها وانها مش مستعدة تواجه الدنيا لوحدها.. و ان اللي افتكرته حب طلع و هم... ساعتها مش هيكون قدامها غير انها تصدقني و تثق اني ادري بمصلحتها.. ومش هتلاقي احسن منك لما انا اقولها كده.. فهمت؟!"
اعلنت الخادمة وصول السيد عمر..
التفت الجميع نحوه.. صادق و نوال و عامر و كذلك مروان و ابيه ..
ابتسم ابتسامة بسيطة و دلف المكان بثقة و هدوء..
"تعالي يا عمر يا بني.. اتفضل"
كان هذا صادق يرحب بعمر الذي مدي يده يصافح صادق ..
تفحص مروان عمر من رأسه حتي اخمص قدميه.. ثم صاح:" ده!! ده اللي هيوقعها في حبه؟!!!"
رد صادق بنفاذ صبر:" ايوة يا مروان ..ماله؟"
تكلم عمر بصوته العميق و سأل:" مين دي يا فندم؟ انا فاهم ان دي مهمة تخص الانسة رُقية.."
تكلم مروان محدثا ابيه محاولا السيطرة علي انفعاله:" ده مينفعش خالص يا بابا.. قلهم انه مينفعش!"
عبد الهادي هامسا:" ليه يا بني ماله؟ بيقولك انه شاطر و هيعرف يرجعها.. خلينا نخلص بأة من التعطيلات دي و نتمم المصلحة"
مرون هامسا في اذن ابيه ويكاد يبكي:" وهي لما تحب ده... هتبصلي انا بعد كده ازاي؟!!!"
ابتسم عبد الهادي علي تفاهة ابنه ثم اخذه من يده و انسحبا بعيدا بعض لبشيء.. قال بهدوء حتي لا يسمع الباقون:" انت اللي بتقول كده؟!! وانا اللي بقول عليك مغرور؟ فين ثقتك في نفسك؟ دانت مروان هادي اللي مدوخ بنات لندن... يجي ايه ده جنبك... ثم هو هيقضي مهمة و يمشي.. الموضوع بالنسباله شغل.. ده الوكالة اللي بيشتغل فيها دي معندهمش هزار.. مهمة يعني مهمة.. ده محترف..انت فاكره زيك هيلبد و بقي و يسبل .. مجرد ما هيسلمها لابوها..مهمته انتهت.. و هي ساعتها هتعرف انه كان بيضحك عليها وانها كانت مجرد مهمة و خلصت و هتتصدم فيه.. و ساعتها دورك انت تبقي الصدر الحنون.. بقي انا اللي هعلمك الحجات دي يا مروان؟؟"
جز مروان علي اسنانه و هو يرمق عمر الوسيم الجالس بجوار صادق يستمع لتفاصيل المهمة الجديدة.. قد يكون ابوه محقا.. الامر بالنسبة له مجرد مهمة.. انه الان مجرد خادم لهم ينفذ طلباتهم في استرجاع رُقية.. ابتلع تلك الغصة في حلقة و هو يتخيله مع رُقية يحاول ايقاعها في حبه.. و لكن صورته هو زوجا لرُقية و رئيسا للشركات يملك المال و النفوذ .. جعلته يبتلع الغصة بسلاسة..
عاد هو و ابيه حيث يجلس صادق مع عمر و الباقون..
قال عمر:" يعني المطلوب مني دلوقتي اني اقابل الانسة رُقية.. علي اني زيها بحضر الكرنفال مثلا..او بأي حجة"
صادق مقاطعا:" و طبعا هي هتكلمك لانها هتفتكرك عشان انت اللي انقذتها و هي ملحقتش تشكرك.."
عمر:" واكسب صداقتها.. "
صادق: "و تفضل لازقلها .. عشان سببين الحماية وده السبب الاهم.. متغبش عن عينك ثانية.. و السبب التاني انها تتعلق بيك.. عايزها تثق فيك و تسمع كلامك.. بحيث لما تيجي تقولها نرجع لاهلك.. توافقك و تيجي"
عمر:" و مهمتي تنتهي لما سيادتك تستلمها.."
قال مروان بحدة:" يا ريت دي تفهمها كويس اوي!"
رمقه صادق بنظرة غاضبة..مما جعل عبد الهادي يلكز و لده ليطبق فمه علي لسانه..
صادق لعمر:" بالظبط.. وللاسف اي مهمة تانية في المستقبل كمان.. كده انت اتحرقت بالنسبة ليها..خسارة مع انك احسن واحد اشتعل معايا.."
عمر:" يا فندم الوكالة مليانة عملاء شباب من كل الجنسيات.. اختيار عميل سري تاني للانسة رُقية مش هيكون صعب"
صادق ضاحكا ضحكة قصير:"اكيد.. انا بدفع دعم للوكالة مش قليل و اكيد مش هيبخلوا عليا بعميل تاني ممتاز زيك.. ولو اني اشك ان في زيك... انت صورة حية من و الدك الله يرحمه... كان عزيز عليا جدا"
عمر:" اشكرك يا فندم.. لولا دعمك ووساطتك مكنتش هقدر اتعين في الوكالة دي.."
صادق:" لا .. انت عارف ان هنا مفيش و ساطة.. تميزك هو اللي خلاهم يقبلوك.. انا مجرد حطيتك قدام فرصة الاختبار"
عمر:" و ده في حد ذاته جميل انا مش هنساه.. "
ابتسم صادق ثم قال:" نرجع لموضوعنا ..دلوقتي احنا مش واثقين مية في المية انها راحت هناك للكرنفال.. عشان كده انا هبعت الحراس قبلك يحاولوا يكتشفوا مكانها.. في احتمال تكون خرجت من البلد في المعدية.. هيحاولوا يلحقوها بس من بعيد من غير اي احتاكاك بيها ..همة هيكونوا الدعم بتاعك و هيكونوا منتشرين حواليك و حواليها من بعيد..لازم تبقي علي اتصال معاهم لتحديد مكانها"
عمر:" تمام .بس يا فندم تفاصيل مقابلتها و التفاصيل الصغيرة عموما سيبلي حرية اختيارها.. لانها هتكون متغيرة و بتتعدل كل ثانية حسب اللحظة و ظروف الموقف..فا ياريت تسيبها لتقديري انا "
مروان:" نسيبهالك ازاي يعني؟ هتمشينا علي مزاجك؟ انت هنا عشان تنفذ اللي احنا بنقوله؟"
رمق عمر مروان نظرة باردة ثم سأل صادق بتعالٍ:" مين ده؟"
قال صادق لمروان:" مروان.. عمر خبير و عارف هو بيعمل ايه؟"
ثم قال لعمر:" ده مروان خطيب رُقية.. باعتبار ما سيكون.."
اردفت نوال بغيظ:" واللي كان السبب انها هربت!"
قال صادق محذرا:" نوال!".. بينما ترك مروان المكان و خرج غاضبا..
فاكمل صادق لعمر:" هو بس قلقان عليها شوية.. كمان مهمتك حساسة بالنسبالة.. انت بتوقع خطيبته في حبك"
قال عمر:" يا فندم دي مهمة.. انا بكون مُجرد من اي مشاعر وهدفي كله اني انجز المطلوب مني.. يا ريت السيد مروان يطمن"
صادق:" كلنا فاهمين يا عمر.. انا واثق فيك.. "
عمر:" وانا قد الثقة...انا محتاج دلوقتي اقعد مع مدام نوال اسمع شوية تفاصيل عن الانسة رُقية.. و في خلال ساعة هكون وراها"
نظرت له نوال و قالت بمرارة و الدموع تملاء عينيها:" تعالي يابني .. تعالي اقولك ازاي توقع بنتي في حبك و بعدين تكسر قلبها..ايه الظلم ده يا ربي.. منه لله اللي كان السبب!"
ورمقت صادق بنظرة كلها لوم ثم نهضت و توجهت للحديقة و تبعها عمر بعد ان شارت له ان يتبعها..
تحفة يامنة كملي مع اني حتشل بالظبط زي نوال ع اللي حيعملوه
ردحذفمبدعة يا منة ومش بتكري نفسك
نورهان
جزء راااااااائع بس هتصعب عليا رقيقة قوي اما تعرف الحقيقة
ردحذفمنة عايزيين جزء جدييييييييييييييد
ردحذف