صورتي
القاهرة, Egypt
منة فوزي .سيناريست وبحب احكي حواديت

جميع حقوق النشر محفوظة وغير مسموح بالنقل !


حقوق الملكية يا حرامي!

2/09/2021



 ذلك الشعور البائس الذي يقبع في خلفية رأسك ويغلف قلبك.. تريد العودة للبيت.. رغم انك تحت سقف منزلك بعينه ، وربما راقدا ترمقه من سريرك او على اريكتك البائسة مثلك، لكنك فقط يسيطر عليك ذلك االاحساس ..تريد الذهاب للبيت، تتمني لو تعرف مكانه ،كيف لشخص ان يتوه داخل جدران منزله بين اهله؟ يضيق نفسك وتنطبق اضلاعك عليه. هل ان تابعت فيلم او مسلسل  قديم بسيط مريح تعرف كل احداثه مسبقاً قد يشعرك بدفء البيت؟ لا ، نعرف جيداً انه سوف يثير حنينك لشيء بعيد لاتعرفه ولكنك تفتقده. هل ابتعت كل الاغراض التي وضعت عليها آمال ان تجلب لك البهجة وبالطبع لم تجلبها، ليس لعلة فيها بل فيك؟ نعلم ان الاغراض لا تشعرك انك عدت للبيت، الاشخاص لا تشعرك انك عدت للبيت، ولا الافلام ولا الكتب، ولا اي شيئ. فقط تلك الاقراص الصغيرة هي الان بيتك واصدقاءك وحِماك وغلافك الجوي بدون ثقوب. ينظر الطبيب في وجهك البائس ويخط اسمها دون الحاجة لقصص طفولتك واخفاقاتك العاطفية وازماتك الوجودية.  ربما لم تعد تهلع او تبحث عن البيت اوتلزم الاريكة دون حراك، ولكنك كذلك لم تعد تهتم او تتعاطف او تتأثر، هنيئا لك.

2/03/2021

حبيبته

 تتأمل عن قرب تلك التي يسميها حبيبته ، لم تحاول حتى ان ترميها بنظرات متلصصة خبيثة بل كانت تنظر لها وتتفحصها بدقة، بالتأكيد تعجبه ..ممشوقة، طولها يضاهي طوله، ملامحها فيها براءة  وابتسامتها من النوع الذي يبرز وجنتيها للاعلي فتغلق عيناها، وشعرها الطول الذي يفضله. حسنا..لا تجد فيها شيء تكرهه الفتاة لطيفة بحق، ولكنها تكرهها من كل قلبها .. تعاملها بذوق ولطف وتمازحها ولكنها تكرهها.. تحسن صورته امامها وتغطي علي اخطاءه ، ولكنها تتمني في اعماقها لو انه فعل امرا مريعا لايغتفر فينتهي وجودها في حياتهما..  هي متأكده انها تريده سعيد، تدعو له بالسعادة كما تدعو الام لصغيرها ولكنها

1/29/2014

عن الامان

استيقظت مفزوعة من كابوس غريب ، نادت اسمه بصوت خافت وخوف، اتاها صوته من جانبها ناعسا"نعم؟"
 قالت وهي تفقد الوعي مرة اخري وتغوص في النوم :"هناك شخصا مجنونا يطاردني" 
رد بحنان ونفس الصوت الناعس "تحلمين حبيبتي " جذبها اليه بذراعيه واحاطها بهما واكمل "انت معي الان في امان"
ردت وهي شبه نائمه :"يحاول الامساك بي من رجلي"
عقد رجليه حول ارجلها و قال بثقة :" لا يستطيع الان"
ارتخي جسدها و راحت في سبات عميق.



12/24/2013

تأملت نفسها في مرآة السيارة مررت اصابعها في خصلات شعرها الاسود و ضغطت شفتيها المكتظة على بعضهما لتضمن توزيع احمر الشفاه الوردي اللذيذ عليهما بالعدل. 
حملت حقيبة يدها و خرجت من السيارة ، سارت وسط زحام البشر وادخنة الشيشة ورائحة القهوة الشهية..
ترى هل تراه صدفة؟ اتاها السؤال الحالم كما يأتي كلما خرجت..
رأت عن بعد طاولة الاصدقاء توجهت نحوها وهي تمسح المكان بعينها لعلها تقع عليه..لم تجده عيناها ككل مرة.
جلست بين الاصدقاء الصاخبين ملأ العنب الفاخر رئتيها واجتاحت القهوة شراينها .. بينما رأسها لا يملئه إلا هو.

1/21/2013

حُرية رُقية (15)

حين إنفرد عمر بنفسه اخيراً وقد اطمأن أن رقية مستقرة  في حجرتها لا تحتاج شيئاً، استلقى علي السرير الوثير الذي لم يتمكن من النوم علي سرير مثله منذ ان قابل رقية.. اراح جسده و حاول ان يسترخي، و لكن هذا امرا مستحيلا.. هناك الكثير عليه ان يحله.
امسك هاتفه و فتحه ..اتاه سيل من الرسائل المتتالية التي كانت معلقة و انفجرت في الهاتف حين فتحه.

رسالة من رئيسه المباشر:
هل كل شيء علي ما يرام؟ لم نعد نسطيع تتبعك..اتصل بنا في اقرب وقت

رسائل من صادق :
- لا تتخلي عنا
- فقط رد على اريد ان اتحدث معك
- تحدث الي هناك ما اريد ان اقوله لك و لن ارسله في رسالة
- لقد اخذت قرارا هاما.. اريد ان اخبرك به
- لا تخبر احدا عما دار بيننا في اخر محادثة هاتفية و لا احدا من ناحيتي
- اجبني للضرورة

رسائل من جايك:
- اين انت؟
- اين انت الان؟
- الجميع قلقون.. هذا الاختفاء اربك الاسرة
- لاقيني في اي مكان ومعك الهدف .. التعليمات الان ان اتولي انا الامر.. ستسلم الهدف لي
- اتصل بي فورا

رسالتين من ديكس:
- مرحبا عمر كيف حالكما؟ اين وصلتما الان؟ ابلغ سلامي للرقية
- هاتفك مغلق يا عمر هل انتما بخير؟ اتصل بي لاطمئن

قراء جميع الرسائل بسرعة و زفر في ملل، الكل يبحث عنه..
منذ ان نزع شريحة التتبع في هاتفه و القاها في الماء لتتلف و هو يدرك ان رئيسه عاجلا او اجلا سينتبه الي عدم ظهور مكانه علي وسائل التتبع الدائمة  وسيحاول التأكد انه بخير.. هذا اذا لم يكن صادق اتصل بالوكالة ليشكوه..
و صادق سينهار قلقا .. مؤكد يريد ان يرفع له المقابل النقدي.. الامر واضح يقول انه اتخد قرار .. اكيد قرار بزيادة الثمن! وحين فقد الامل سلم الامر لجايك ، وجايك تلقي منه الامر باستلام رقية و هاهو يبحث عنه ليأخذها منه.. و ديكس ..ديكس  الصديق المخلص الذي لا يكف عن القلق ..اففف..
هكذا تسلسلت الافكار برأس عمر هو يشعر بالاختناق و الضيق.. وكأن الحياة تتأمر عليه .. يحاول مساعدة رقية رغم انف كل هؤلاء و كل الظروف.. وفوق كل ذلك عليه التعامل مع رقية نفسها بكل متاعبها و ما تسببه له من توتر..
يجب ان يتركا الفندق في اسرع وقت.. ليت قدم رقية تشفى سريعا حتي يبدأ في البحث عن منزل آمن لتستقر و يبتعدا عن كل هذا الهراء من هروب و تخفي ..
نفث و هو يلقي الهاتف بعيداً بعد ان اغلقه ثانيا واغمض عينيه في محاولة لتهدئه اعصابه..
ولكن كما نعرف جميعنا ان رقية لم و لن تعطيه فرصة الاسترخاء ابدا..

رن هاتف الحجرة.. فرفع السماعة سريعا..

عمر:" الو"
رقية:" عمر.."

4/29/2012

صحراء المُخْمَل الأحمر

تَقبع في سكون صحراء المُخْمَل الأحمر..
تَحلُم بعودة أنفاسه لخَوَاء مُحيطها..
تعرف أنه لن يعود.. 
تتدَثر بالمُخْمَل الأحمر الذي مازال يحمل رائحتهُ 
وتتضَرع أن تكون تلك إسبالة جِفنيها الأخيرة ..
فَتَلحق بِه..



4/17/2012

حُرية رُقية (14)


وصل صادق و نوال بعد رحلة قصيرة الي لك المدينة التي يتوقعان ان يجدا صغيرتهما بها.. بعد دخلا الفندق و استقرا في الحجرة..قالت نوال:" نبتدي منين؟"
صادق:" انا بحاول تاني مع عمر لكن موبيله مقفول"
نول:" مش مهم .. هنلاقيها احنا.. هو الكرنفال ده قد ايه يعني؟ ان شاالله  نمشي نبص في وش بنت بنت "
صادق:" طيب .. ناخد نفسنا بس و ننزل علطول"
اومأت نوال برأسها موافقة.. كانت محقة .. لم يكن العثور علي رقية في الكرنفال صعبا ان تحليا بالصبر و النظر الجيد.. ولكن ليست تلك  المشكلة علي الاطلاق .. المشكلة هي ان رقية لم تذهب مع الكرنفال للمحطته تلك! و لتكون الصورة و اضحة اكثر.. لو ان والدي رقية و الكرنفال في الشرق.. فان رقية الان في الغرب 
                      ***
"كنت تفضل ان اكون غبيىة ؟ ها؟ اخبرني الان من تكون انت؟"
كان ذلك رد رقية علي عمر و هما يقفان قرب درجاته البخارية خارج الفندق
عمربهدوء:" انا عمر يا رقية كل ما قلته لك عني صحيحا.. اسم خالد هو اسم اختلقته مثل اسم سارة.. "
رقية مستنكرة :" لم اختلقت لك اسما؟ انت لست مطاردا من قبل احد!"
عمر:" الم اخبرك اني تركت عملي؟؟ انا ايضا مثلك لا اريد احدا ان يعرف مكاني"
رقية :" ولم؟"
عمر :" لن اخبرك .. انه امر خاص.. عليك احترام خصوصياتي.. انا لم اسألك عن قصة جايك الذي نهرب منه "
رقية:"  حسنا و لكن كيف تفسر ان اسمك في الجوازبالفعل  خالد ؟؟"
صمت عمر لبرهة..
ثم قال:" لنقل اني اعمل في مهنة تقتضي ان احمل هويات متعددة.. وخالد هي احداهن"
رقية وقد بدأت تشعر ان عمر علي وشك الاعتراف :" لا اعرف مهنة تقتضي ذلك سوي  ان تكون نصاب!"
اما عمر فقد وجد ان الحديث بدأ يقترب جدا من سره ..فقال:" لن اخبرك .. انه امر خاص.. اقول لك اني لست نصابا و لست متورطا في اي امر غير مشروع.. عليكي ان تثقي في كما وثقت انا  فيكي حين قلت لي مثل ذلك!"
اغاظ رقية بشدة افلاته من الرد.. ما اغاظها اكثر انه لم يكذب!
قالت :" كيف تتوقع  ان اثق بك وانا لا اعلم اي هوية من هوياتك هي حقيقتك؟ كيف اعرف ان كل ما حكيته عن نفسك وعن حياتك  هو حقيقي "
عمر:"و مالذي يهمك فيما حكيته لك عن حياتي؟  رقية .. في جميع الاحوال انتي لا تعلمين عني شيئا  سوي ما ظهر مني منذ ان التقينا علي القطار.. اريدك ان تراجعي في ذهنك ما رأيتيه مني من لحظة ان طردت الفتي الاسكتلندي من الكابينة من اجلك حتي هذه اللحظة.. و بعدها عليكي ان تقرري ان كنت استحق الثقة ام لا.. كل ذلك هو عمر .. هويتي الحقيقة"
كانت رقية علي وشك القول:" وضربك لجايك ورجاله  أكان حقيقيا؟" و لكنها لم تستطع.. لم ترد ان تعلمه انها تعرف..ان واجهته الان  فهذا يعني الفراق.. والفراق الان هو اخر شيء تريده..
صمتت تماما ..ثم قالت ": اريد افطارا.. انا جائعة"
عمر:" اهذا يعني ان ثقتك بي قد عادت؟"
رقية:" لا.. ولكن يعني ليس لدي حلا اخر سوي ان اعتمد عليك.. ولكن سيبقا بيننا الحرص!"
عمر مبتسما بسخرية وباسلوب مصري اصيل وهو يصعد علي الدراجة :" يا واد يا حريص.. اموت انا في الحرص"
لم تبتسم بل نظرت اليه بامتعاض.. ثم همت بالركوب خلفه.. فرفع هو كفه بامتعاض يوقفها و قال:" البسي الاول"
رقية بغضب:" شايفني عريانة!"
عمر:" بالنسبالي ..ايوة.. كده عريانة! البسي الجاكت!"
رقية:" لأ .. "
عمر:" همشي و اسيبك!"
رقية:" امشي.."
عمر:" هيجيلك جايك"
رقية :" يجي.."
عمر:" طيب ...سلام"
وانتطلق بالدراجة ..
بالفعل انطلق! وقفت رقية مبهوتة.. لقد تركها فعلا... ها هي تري الدراجة تصل حتي نهاية الشارع.. كيف  تركها؟؟
وقفت بضع دقائق مذهولة... ثم بدأ الرعب يتسرب اليها.. هاهي وحيدة.. بلا نقود.. بلا مأوي.. وجايك يحوم في القريب..
لا يمكن ان يكون عمر بتلك الندالة ابدا.. هي غير مصدقة!
مر عليها بضع دقائق وهي تحاول استعاب الامر.. تركها بكل تلك البساطة؟
بينما تقف مذهولة نما الي مسامعها صوت الدراجة البخارية عن بعد فالتفتت لتجد عمر علي متنها يقترب.. وقف امامها تماما .. نظر اليها دون كلمة .. قامت رقية بارتداء السترة ثم ركبت خلفه  دون كلمة هي الاخري..
قاد الدراجة و ابتسامة النصر تحتل وجهه.. توجه بها الي محل شطائر قريب  اطلاته رائعة الجمال..
تناولا الطعام في صمت ..ولكن رقية قطعت الصمت
قالت :" كل ما فعلته كان منذ حادثة فتي القطار كان حقا بنية صافية؟ فعلت كل ذلك لانك ملاك مثلا؟"
عمر:" مازال الامر يشغل رأسك ؟ حسنا   اعترف ان بعض المواقف كان لي فيها غرض ما.. ولكن لم يكن ابدا ايذائك او الاضرار بك هو الغرض"
رقية :" حقا ؟ مثل ماذا؟"
عمر:" لن استطيع ان اخبرك الان.. ولكني لكي تعرفي اني حقا اسمي عمر و ان تلك هي هويتي .. وان كل ما حكيته عن نفسي لك كان حقيقا... "
رقية:" وذاك اليوم.."
نظر عمر اليها في انتظار ان تكمل ..
اكملت ببعض التردد:" ذاك اليوم حين بقينا سويا في الصباح و تحدثنا .. قبل ان نمر بكشك التقبيل .."
صمتت ثانية..
عمر:" اجل؟"
رقية:" اعني.. لقد تحدثنا كثيرنا عن انفسنا.. اعني يومها شعرت اني اعرف عنك الكثير.. هل هناك شيئا مما قلت وقتها يعود لخالد او غيره من الهويات؟؟"
ابتسم عمر و قال :" قلت لك الهويات الاخري ليست سوي اوراق استخدمها عند الحاجة .. وما حكيته عن نفسي ذاك اليوم يعود لعمر السيوفي وهو انا.. لم اكذب في حرف.. "
كان يتحدث و هو ينظر في عينيها بعمق .. نظراته اخترقت قلبها ..ايمكن ان يكون غير صادق؟ لا يمكن !
كانت سارحة في عينيه حين قال فجأة وكأنه تذكر امرا :"سأريكي شيئا"
اخرج عمر حافظته و اخرج من جيب صغير بها ورقاة مطوية بعانية ثم فردها..  واعطاها لها..
امسكت رقية الورقة ..كانت ما يشبه خطابا.. مكتوبا بخط طفولي مضحك..
هزت رأسها متسائلة.. فقال بالمصري:" ده جواب لأمي كتبتوا  بعد ما ماتت بسنة وانا عندي سبع سنين ..كنت فاكر انه ممكن يوصلها.. عمتي خدته مني ولما كبرت وفهمت سألتها عليه و خدته منها.. انا محتفظ بيه عشان الكلام اللي فيه بيفكرني باحساسي بامي.. وخايف مع الوقت الاحساس ده يتنسي و يضيع .. لما بحس اني ابتديت انسي او بحس انها وحشتني ..بقراه عشان يرجعلي الاحساس تاني"
رقية باستنكار شديد وقد ادركت انها علي و شك الخوض في امرا مؤلم:" طب وانت بتديهولي ليه؟ انا مالي"
عمر:" عشان فيه تفاصيل عن حياتي .. عشان تصدقي اني انا عمر.. وان عمر مش شخصية مزورة زي بقية الاوراق اللي معايا"
امسكت رقية الخطاب و قراءت..


"حبيبتي ماما..
انا عمر.. وحشتيني جدا... عايز اسلم عليكي و ابوسك بس... وكمان احضنك... بس...   انا عارف..   عمتو قالتلي مش هينفع تيجي تاني..     انا كبير و عارف..     عشان انتي خلاص عند ربنا في الجنة ..    وعشان  الجنة عند ربنا  حلوة اوي..     مش بيخلي حد يمشي منها  ..    بس  يا ماما ينفع تقولي لربنا  انك بس هتيحي عند عمر ابنك  تبوسيه و تسلمي عليه بس ..   قوليله اني مش همسك فيكي ..    مش هشبط و لا هعيط   ... انا كبرت و بطلت اشبط...  لما كنت بشبط فيكي وانتي بتسبيني في الحضانة كنت صغير... متخافيش مش هشبط فيكي ... عمتو قالت اني كبرت خلاص و مينفعش اعيط... تعالي بس سلمي عليا و ارجعي عند ربنا تاني..  بابا  كمان بطل عياط.. انا شفته لما كان بيعيط..بس هوة مشافنيش...  لما تيجي يا ماما هتلاقينا كلنا  شاطرين و مش بنعيط.. بابا بيروح الشغل في لندن و بيبات هناك كتير... عارفة لندن دي فين؟ لندن دي بعيدة جدا... لازم نركب طيارة..  مينفعش بالعجلة... عمتو قالت مينفعش بالعجلة... انا عايز اركب الطيارة و اروح  عندك... بس انا خايف اجي عند ربنا  الجنة ميرضاش يخليني امشي انا كمان... هسيب العجلة هنا ازاي؟   الواد حمادة  دايما بيتخانق معايا عشان ياخد لفة.. اخاف اسيبها  لحسن ياخدها... طب  هي الجنة ينفع نروحها بالعجلة؟  انا عارف انك مش هينفع تردي بجواب.. عمتو قالت كده..  انا بس عايزك تستأذني ربنا و تيجي تسلمي عليا بس..  انا كمان و انا بصلي هدعي ربنا انه يخليكي تيجي بس ابوسك... عمتو بتعلمني الصلاة... و القرءان.. لما تيجي هقراللك و ارقيكي  زي الشيخ  اللي بيجي يوم الجمعة...تصبحي علي خير..
ابنك عمر السيوفي "


اخذ عمر الورقة من رقية سريعا حتي لا تفسد من دموعها التي سالت انهارا في صمت...
نظرت اليه وقد نسيت كل ما يتعلق به من مشاعر سلبية.. كل ما تري فيه الان هو عمر الطفل الذي فقد امه و كتب اليها جوابا يدمي القلب من براءته وحزنه.. كان يجلس هلي يمينها من الطاولة..فردت ذراعيها و هجمت عليه لتضمه... سيطر عليها عمر و ابعدها برفق قائلا:" انا لم اريكي الخطاب لاستدر عطفك... اردت ان اشاركك جزء هام من ذكرياتي علك تصدقين اني لم اكن اكذب في شأن هويتي..  انا اخفي امورا عليك ... مثلما تخفين انت علي..  ولكن اقسم لك اني لن اسمح لشيء ان يمسك باي ضرر"
رقية وكأنها لم تسمعه.. كانت غارقة في مشاعر الحزن و التأثر التي اثارها  الخطاب:" عمر ...انا لا  اعرف ماذا اقول.. وانا التي كنت اظن اني عشت طفولة تعيسة...  انا اسفة...  كم كنت طفلا جميلا ورقيقا... اقسم اني لو كنت موجودة و قتها لكنت تبنيتك... انا حقا اسفة لانك فقدت امك... انا لا اعرف...حقا.."
عمر:" توقفي يا رقية! توقفي ... الامر ليس بهذا السوء... لقد كان لي عمة رائعة  كرست حياتها لي و فعلت لي  ربما ما لم تكن لتفعله امي"
رقية :" ولكن الخطاب مؤلم جدا"
عمر:" انا من كتبه و اعلم اني لم اكن اتألم.. كنت اشتاق لامي..  مازلت اشتاق لها.. ولكني تعلمت ان اتأقلم مع الاحساس.. اتذكرها بذكري حلوة.. صورة تجمعنا.. هكذا.. الحياة تستمر..  الم تقراءي الجزء الخاص بالدراجة؟ لقد فضلت البقاء مع الدراجة كي لا يأخذها حمادة الوغد علي ان اذهب الجنة لامي ولا اعود ابدا"
قالها ضاحكا ليخفف من وطاة تأثرها.. كانت دموعها تؤلمه و تضايقه... فكر ساخرا:  هو من توفت امه  وهاهو يبذل جهدا لرفع الحزن بسبب الامر عن رقية.. حقا مستغلة!


اعطاها منديلا وقال:" كفاية عياط بقي.. تموتي انتي في العياط..ما تصدقي اي فرصة"


ضحكت و سط دموعها ، ثم رفعت كفها بمعني انها انتهت و هي بخير..
ربع ذراعيه علي الطاولة واقترب و هو يتاملها..
رقية وقد سد البكاء انفها فخرج صوتها مخنوفا:" ايه؟ بتبص كده ليه؟"
عمر:" علي قد منا مبحبش اشوفك بتعيطي.. علي قد ما شكلك عنيكي و هي مدمعة بيعجبني"
رقية:" مبتحبش تشوفني بعيط ليه؟"
عمر وقد افاق علي سؤالها من غيبوبه جمالها:" لأ عادي .. انا مبحبش اشوف اي بنت بتعيط.. بتأثر"
رقية:" اي بنت؟"
عمر:" ايوة اي بنت؟ كنتي فاكرة انتي بس مثلا؟"


ضربته رقية بغيظ علي صدره بكفها و قالت:" حنين انت اوي"


عمر وهو ينظر ليدها :" انا متأكد ان اللي انتي مخبياه عليا انك اصلا مش انجليزية وجاية من حواري مصر"
رقية :" وكمان خفيف!" نطقتها "هفيف"..
ثم عادت لتنطقها صحيحة بالخاء فتعلثمت و خرجت :" خخيف" حاولت تكرارها و فشلت فانفجر كلاهما ضاحكين.. ضحكت رقية ملء قلبها و لوهة نسيت حقيقة عمر و ضيقها منه .. نسيت كل شيء سلبي و مؤلم.. كانت تقضي لحظة سعيدة مع عمر ..فقط ! دون ان تذكر شيئا اخر.


                                                         ***


سارت نوال تتأبط ذراع زوجها وهم يجوبون انحاء الكرنفال الذي نصب علي مقربة من الفندق الذي نزلا به، كان علي وجيهيما علامات الانبهار.. اعداد الشباب الرهيبة و كل تلك الاكشاك المنصوبة وكل الصخب و المرح..


نوال:" هنلاقيها ازاي يا صادق في وسط كل ده؟"
صادق:" هنلاقيها .. هنلاقيها.. ماورناش حاجة غير ندور... تعالي هناك كده عند المحل ده .. يمكن تكون هناك و بالمرة اجيبلك ايس كريم...  ده اللي انتي بتحبيه ..فاكراه؟"
نوال:" ده وقته يا صادق.. ايس كريم ايه بس و احنا في الهلمة دي؟"
صادق:" وماله ؟ ما حنا كده كده هنروح عنده ندور عليها .. هيعطلنا الايس كريم في ايه؟ تعالي بس"
وجذبها من يدها و اتجه  نحو المحل.. سارت معه و علي وجهها شبح ابتسامة رضا


                                              ***


جلس مروان في الكنبة الخلفية من سيارته الفخمة بينما كان السائق علي كرسي القيادة، لم تكن السيارة تتحرك بل تقبع في سكون علي احد الطرق الهادئة المحاطة بالاشجار الكثيفة و برغم الظلام بدت سيارة اخري مطفاءة الانوار تقترب من سيارتهما، ترجل منها شخصا و اقترب من سيارة مروان.. فترجل سائق مروان بدوره حاملا حقيبة سوداء وقال حين سلمها للرجل الاخر:" السيد يخبرك ان تلك هي الدفعة الاولي و لك مثلها حين تكون الفتاة بين يدينا"
الرجل الاخر وهو يشير برأسه نحو السيارة:" ولماذا لا يحدثني السيد بنفسه؟"
السائق:" لا يريد تواصل مباشر.. العيون في كل مكان وهو يريد اسمه بعيدا عن اي شيء"
الرجل:" حسنا اخبره.. اني استعديت .. وقمت باستمالة الاشخاص اللازمة لاتمام الامر.. ولكن هؤلاء ايضا لهم سعر"
السائق:" حسنا سأخبره.. وداعا الان"
حياه الرجل بهدوء و سار نحو سيارته
بينما ركب السائق السيارة و اخبر مروان بكل كلمة دارت بينه وبين الرجل..
ابتسم مروان وتقطر منه الغرور و هو يتمتم:" هكذا يكون اللعب"


***


قبيل الليل وصل عمر و رقية الي جهتهما ، تلك المدينة التي تعتقد رقية ان بها صديقة قديمة لها . كانا كلاهما مرهقا بشدة فاقترح عمر البحث عن اول فندق للمبيت وفي الصباح يبدءا رحلة البحث عن الصديقة او سكن او اي ما ترغب به رقية..  لكن النوم اولا.


رقية :" ليكن اقرب فندق لا تكن دقيقا في الاختيار.. ان لم يعجبنا الليلة لنغيره غدا.. ولكن اريد النوم"
عمر:" حسنا.. لنسأل عن اقرب فندق"


و بالفعل دلفا الي الاستقبال .. كان فندقا صغيرا لا يمكن ان نقول عنه راقيا ..
وقف كليهما امام الموظف
تحدث عمر بينما منعت رقية نفسها من النوم برأسها علي الكاونتر
عمر:" نريد حجرتين من فضلك ..لليليتين او اكثر"
الموظف:" اهلا بكما.. ليدى حجرتين متجاورتين باطلالة رائعة .. اريد اثباتات الشخصية بعد اذنكما"
كان عمر يحمل جواز سفر باسم زيدان هذه المرة فقدمه للموظف و قال:" ان صديقتي هنا فقدت جواز سفرها ، اعلم اللوائح و لكن هل اسديتنا خدمة و تغاضيت عن ..."
قاطعه الموظف:" سيدي لا اعتقد انه ممكن .."
قاطعته رقية بنفاذ صبر وبعض الحدة:" اعطنا حجرة لعينة و احدة.. ولكن المطلوب هو السرعة!"
نظر اليها عمر، مندهشا بينما تحرك الموظف بسرعة لاتمام حجز الغرفة
رقية لعمر مفسرة:" سأسقط من التعب و انتما تتجادلان حول الجواز اللعين.. لننم كيفما اتفق .. لم اعد اهتم"
عمر بخبث:" وماذا عن الحرص الذي ذكرت انه سيظل بيننا؟"
رقية بنبرة تهكمية :" سأنام الان و ليعود الحرص في الصباح"
ابتسم عمر و قال وهو ينظر اليها بعمق:" اخبرتك قبلا ان ليس عليك ان تحملي هما وانا معك"
رقية:" اجل.. اعرف.. فانا لست نوعك المفضل"
عمر:" وحتي لو انك ما افضل بالظبط.. انا لست و غدا "


"اعرف"
القتها له رقية  مقتضبة و سريعة  وكأنها تستكثر عليه ان تمدحه، ان اعتبرنا ان تأكديها علي انه ليس و غد هو مدحا


حين صعدا في المصعد كانت رقية تتأمل عمر الذي كان سارحا تماما.. حسنا يجب ان تكون صريحة مع نفسها و تعترف بداخلها.. انه يعجبها.. شكلا عل الاقل.. تلك الوسامة التي تنبض بالرجولة.. حسنا و ان اتت علي ذكر الرجولة فعليها ان توافيها حقها في تصرفاته.. يعجبها كيفية تصرفه.. كيف تشعر معه انها بعيدة عن اي سوء..تذكرت مدح ديكس له .. ابتسمت حين تذكرت كيف امسك بها و هددها.. ان كل ما يفعله يعجبها بشدة.. ولكن كيف تغفر له ما فعله؟ حتي تلك الحظة لم يحاول ان يخبرها الحقيقة.. لقد اقتربا جدا من الموضوع اثناء الحديث و لكنه لم يتطرق له ، بل هرب من الحديث.


عمر:" اتظنين انك ستجدين صديقتك بسهولة؟"
رقية:" لا ادري.. كل ما اعرفه هو اسمها كاملا"
عمر:" اظن ان البحث عن مسكن لك سيكون اسهل من ايجادها"
رقية:" بامكاننا فعل كليهما"
كانا قد وصلا للحجرة ودخلا بعد قام عمر باعطاء بقشيشا للموظف الذي اوصلهما
رقية بامتعاض:" ما هذا؟ انها سيئة جدا.. ضيقة و كئيبة"


عمر:" لقد قلت لا تكن دقيقا في الاختيار.. الان تعترضين؟   نامي يا رقية.. انها ليلة واحدة غدا لنذهب لفندق اخر"


اومـأت رقية برأسها في بؤس شديد، مما جعل عمر يقول:" حسنا.. اتريدين المغادرة الان لنبحث عن اخر؟"


فؤجت بعرضه ونظرت اليه لتتأكد انه لا يسخر منها و حين رأته صادقا جدا قالت:" لا .. مش للدرجة دي..بكرة نروح و احد تاني"
عمر باصرار:" لو مش عاجبك ندور علي و احد تاني دلوقتي"


هزت رأسها نفيا و ابتسمت... كان ينتقد من يدللونها  ويفسدونها بجعل طلباتها مجابة ، وهاهو صار يفعل الامر نفسه معها بنفسه.


تأمل عمر الحجرة ثم قال:" مفيش مكان غير اني انام هنا" و اشار الي مكان بالارض قرب السرير


رقية :"انا هدخل الحمام و علي السرير علي طووول"


بالفعل دلفت للحمام ، بينما قام عمر بترتيب مكان نومه علي الارض.. وضع لحاف وجده في خزانة الملابس استلقي عليه وفرد رجليه المرهقة ريثما تخرج رقية من الحمام.. وبعد دقائق عديدة خرجت وقد ارتدت ملابس اخري وشعرها مبلل وهناك رائحة رائعة تفوح من الحمام.. يا مغيث!
رقية لعمر مندهشة و ضاحكة:" طب المرة دي انا مش بعيط ..بتبص كده ليه؟"
عمربابتسامة غامضة:" دي حاجة شخصية مش هقدر اقولهالك"
رقية :"مش مهم انا اصلا مش مهتمة.. بص زي ما تبص.. انا هنااااام"


وبالفعل قفزت من فوقه لتصل للسرير واستلقت و تدثرت وتقلبت الي ان و صلت لاكثر الاوضاع راحة و اغمضت عينها، تاركة عمر يصارع نفسه ويكبتها كي لا يخرج منه اي قول او تصرف متهور.. فهو ان استطاع الا يكون وغدا  فعلي اقل تقدير سيخبرها انه و اقعا في حبها.. لذا و ضع كفيه علي وجهه و اخذ نفسا عميقا .. و لكن النفس دخل الي صدره معباء بتلك الرائحة الساحرة..
"هي دي ريحة ايه؟"
عمر سريعا و كأنه يحاول اغلاق فمه قبل ان يقول شيئا اخر..
رقية بصوت ناعس:" ريحة ايه؟ "


عمر:" الريحة اللي مالية الاوضة دي؟"
رقية:" مش عارفة بس اكيد الاوتيل المقرف ده مش بينضفوا كويس.. انا مش شامة حاجة"
عمر :" لا دي ريحة حلوة.. زي صابون "


رقية وصوتها ناعسا :" اه ده اكيد الشاور كريم بتاعي.. ريحته تحفة .. انا عارفة.. تصدق اني ممكن كنت اكسرلهم البيت علي دماغهم  لما كانوا بيجيبولي و احد تاني غلط.. الخدامين اللي دادي بيجبهم كانوا اغبيا جدا.. تصدق اني جبت الكريم ده  معايا و انا بهرب و مجبتش تليفوني"


عمر:" رقية.. انتي بتنامي و ابتديتي تقوللي اسرار.. عشان بعد كده متقوليش اني استغليت الموقف و سيبتك تقعي بالكلام.. اظن مفيش اجدع من كده"


انتبهت رقية لدرجة انها رفعت رأسها عن الوسادة قليلا ثم اعادتها و قالت:"اديك عرفت حاجة مهمة  اهه.. كان عندنا خدامين اغبيا و انا مش معايا تليفون.. بس ده سر .. لو حد عرفه هتبقي كارثة"


ضحك عمر علي سخريتها ونهض مسرعا كأنه يهرب منها و دلف الي الحمام بدوره..ولكنه كان مخطئا حين ظن ان ذلك هروبا ، فقد حاوطته رقيه داخل جدران الحمام الضيقة.. كل جدار هو صورة لوجهها.. هناك.. ملابسها معلقة علي شماعة في ظهر الباب ، فرشاة شعرها وبعض خصلاته بجانب الحوض.. و الكريم الساحر ورائحته علي رف زجاجي صغير بجانب الدش.. فتح المياه علي رأسه عله يفيق منها.. يجب ان يفيق من رقية !


حين خرج و جدها راحت في نوم عميق، اجبر نفسه الا يلقي عليها و لو نصف نظرة و استلقي بقربها علي الارض و ظهره لها..الا انه لم ينم.. امضي ليلته يفكر بها .. يفكر في جمالها..في طريقتها و هي تتحدث.. تضحك.. تبكي.. يفكر في غمازتيها  ثم يلهي نفسه عنهما و  يفكر فيما سيحدث لا حقا.. يفكر في الاخطار التي قد تواجهها بسبب مروان ..يفكر في ابيها و ماذا ستكون خطوته التالية لاستاعدة ابنته .. يفكر في المستقبل مع رقية.. كانت ليلة مرهقة لعقله المسكين.


استيقظت رقية قبله في الصباح لم ترغب في ايقاظه بدي عليه الارهاق، لذا نهضت وذهبت لشراء بعض الطعام و القهوة و مرت علي احد اكشاك الصحف ابتاعت دليل الهواتف و العناوين الخاص بالمدينة.. اثناء سيرها و قيامها بتلك الامور كان هناك شعورا غامضا يجتاحها.. ليس شعورا سيئا.. هو شعور غريب وسببه ما حدث اثناء خروجها من الحجرة.. كان عمر نائما بينما كانت تستعد للخروج .. وحين اقتربت منه برفق و هدوء لتسحب نقودا من جيب سترته الموضوعة قربه، تحرك واصدر همهمات حتي ظنت انه استيقظ و لكنها ادركت انه يتحدث و هو نائم..لقد كانت الهمهمات و اضحة.. فسرتها بوضح.. كان ينادي اسمها ..
يقول :" رقية... تعالي الي... رقية... احب شعرك.. رقية"


افزعها الامر في البداية و خصوصا و هي تري ذراعيه يضمان بعضهما و كانه يحتضن شيئا.. انه يحلم بها .. يضمها في حلمه.. ويذكر شعرها.. تراجعت وخرجت من الحجرة مصدومة .. و لكنها بعد ان  سارت قليلا و هي تفكر في الامر,, وجدت ان هناك شيئا ما يسعدها في ذلك.. هي اذن في خياله.. من يحلم بشخص انه يضمه مؤكد هو يرغب في ذلك في الحقيقة.. اذن في نهاية الامر هي النوع الذي يفضل.. في نهاية الامر هو معجبا بها لدرجة انه يحلم بها.. شعرت بالرضا حين وصلت بتفكيرها لتلك النقطة.. و لكنها استمرت تفكر.. ايكون سبب ثورته علي المهمة و مروان و ابيها انه و قع في حبها؟  و لكنه مازال انسان مخادع.. بدأ مهمة ليخدعها! و ايا كان سبب عدوله عن المهمة لا يعفيه من الذنب.. عليه ان يكفر عن ذنبه!..
سارت عائدة بذلك الشعور الغير و اضح.. لكم سيرضيها ان تتأكد ان عمر فعلا يحبها.


ايقظ عمر صوت الباب و هي تغلقه بعد ان دخلت.. رفع رأسه و قال منزعجا:" كنتي فين؟؟"
رقية:" جبت فطار"
عمر بضيق:" ليه بس خرجتي لوحدك؟"
رقية:" عادي منا رجعت سليمة اهه"
عمر:" يا رقية من فضلك بعد كده بلاش التصرفات دي.. انتي مش طفلة.. قدري المسؤلية شوية"
رقية:" خلاص يا عمر.. "
اسند رأسه علي الوسادة و زفر في ضيق
فقالت:" كنت جعانة و كان شكلك تعبان.. محبتش اصحيك.. جبتلك معايا فطار"
فسأل:" و كلتي؟"
رقية:" هاكل لوحدي؟ "
عمر:" مش قلتي جعانة و معرفتيش تستني"
رقية بابتسامة رقيقة جعلت ضيقه منها يتبخر في ثانية:" لأ جبت الاكل معايا عشان ناكل مع بعض"


تري ما سبب اعتدال مزاجها هذا الصباح ؟ فكر عمر وهو ينهض ويتوجه للحمام.. يتوجس حين تعامله بلطف شديد..


حين خرج وجدها قد رصت علب الشطائر علي الطاولة الصغيرة قرب نافذة الحجرة و جلست علي المقعد الصغير.. جلس علي المقعد الاخر امامها..
قالت بمرح:" اتيت لك بالقهوة.. و هاهي شطائرك"
واشارت الي العلبة ناحيته..
كان صامتا مرتابا.. ما بها؟ لم هي لطيفة؟
قالت:" هل نمت جيدا"
اومأ برأسه وهو يضع السكر في القهوة..
رقية:" بدي عليك الارهاق.."
عمر:" اجل.."
رقية:" كنت تهمهم مثل الملبوسين"
توقف عمر عن تقليب القهوة  فجأة و رفع عينه ونظر اليها
رقية:" هل كنت تري كابوسا؟ بدي عليك انك تحلم بشيء ما"
عمرباقتضاب :"لا.."
رقية:" غريب الاطوار انت.. تتحدث اثناء نومك و لا تتذكر احلامك"
عمر بتردد:" ماذا كنت اقول؟"
رقية:" لا ادري .. همهمات غير واضحة"
تنفس عمر الصعداء..
الا انها اكملت:" و كأنك تنادي شخصا.. بدي علي صوتك الحنين الشديد"
ابتسم عمر بجانب فمه وقال:" ربما افتقد شخصا و حلمت به.. لا ادري.. العقل الباطن له اسراره"
رقية بدلال و هي تلاعب خصلات شعرها بيدها:" اجل.. ولكن اسراره تنكشف ان كنت من المتحدثين اثناء نومهم "
عمر متشككا :" لماذا اشعر اني قلت شيئا جعلك تشعرين بالتفوق الان لانك صرت تعرفين سرا عني؟"
ابتسمت بخبث و نهضت دون كلمة ودلفت الي الحمام
تابعها و هي تذهب ثم قال بصوت عالي لتسمعه بالداخل :" المرء لا يحاسب علي حديثه اثناء النوم... انا بريء مما سمعت ايا كان"
ابتسمت رقية ابتسامة عريضة و هي تنظر الي نفسها في مرآة الحوض و تستمع لكلامه .. الموقف حقا يثير ضحكها..
اما عمر فقد و ضع رجله علي الاخري و اسند كوعه علي ركبته وهو يحك ذقنه مفكرا.. ماذا قال؟ مؤكد قال امرا ما وهو ما وضعها في هذه الحالة المزاجية.. لو كان ذكر شيئا عن ابيها او المهمة لوجد نفسه يواجه اعصارا غاضبا.. هل قال شيئا عن مشاعره نحوها؟ لقد كبت الامر بداخله طوال فترة استيقاظه.. هل تسللت مشاعره و انفجرت خارجة في غفلة منه حين سقط في النوم؟؟


فجأة نفض الافكار عن رأسه.. عليه الا يعشم نفسه و يضع امالا عالية قد تتسبب في سقطة حادة تودي بقلبه وتحطمه.. يجب عليه الا يفكر في معني ذلك! في معني  ان سر سعادة رقية هو انها قد تكون سمعته يتحدث عن مشاعره نحوها.. عليه الا يظن ابدا انها قد يكون بداخلها اي مشاعر نحوه .. تلك مجازفة كبيرة قد لا يحتملها قلبه ان اتضح انها لا تعبأ به  ..كما انه لن يستطيع مواجهتها بالحقيقة.. لن يتمكن من اخبارها انه كان في  مهمة لتحطيم قلبها..صحيح انه عدل عن الامر وهو نادما لكونه قبل تلك المهمة من الاساس  و لكن ذلك  قد لا يكفيها لتغفر له،  و لن يتحمل رده فعلها ان علمت.. مؤكد ستتركه و ترحل .. وفي ظل كل ما يحيط بها  اخطار لا يستطيع تركها بمفردها  .. لذا  يكفيه فقط ان يبقي بجانبها، يساندها و يحقق لها احلامها و يبعد عنها كل ما قد يؤذيها.. يكفيه ذلك في الوقت الحالي!


خرجت من الحمام وعلي وجهها نفس الابتسامة الغامضة ثم جلبت دليل العناوين و الهواتف و جلست امامه علي الطاولة كانت تتحرك بتؤدة و ثقة وهي تراقبه نظرات ثاقبة.. كانت تحاول ان تعبث به و بثقته بنفسه.. وضعت الدليل و ربعت ذراعيها علي الطاولة و هي تجلس مما جعل شعرها يميل الي الامام فحركت رأسها للخلف بدلال لتعيده وهي مازلت تراقبه
فقال:"في حاجة؟"
رقية وهي تحرك كتفيها :" حاجة زي ايه؟"
عمر:" بتبصيلي كده ليه؟"
رقية:" مانت طول الوقت بتبصلي.. حد اعترض عليك؟"
عمر:"قصدك ان السبب الي بيخليكي تبصيلي.. هو هو السبب اللي بيخليني ابصلك؟"
رقية بعدم اكتراث:" فسرها براحتك.. لاني اصلا معرفش السبب اللي بيخليك تبصلي و مش مهتمة اعرفه .. انا دلوقتي ورايا حجات اهم"
وفتحت صفحة الدليل و تظاهرت بالانشغال


قال عمر في رأسه.. يا بنت المجانين؟؟ لقد كانت في قمة اللطف قبل خمس دقائق.. دخلت الحمام و خرجت سخيفة.. قدرتها علي التحول مخيفة.
مالم يعرفه عمر هو ان رقية تواجه صراعا داخليا مع نفسها.. كل كيانها يميل اليه ..بينما ذلك الصوت يؤرقها و يخبرها انه مخادع.. ترغب بشدة في معرفة حقيقة مشاعره نحوها  وتخشي بشدة لحظة المواجهة بالحقيقة.. وتضارب مشاعرها يظهر في اسلوبها معه.. فهي تريد ان تختبر اعجابه ومشاعره .. بينما يملؤها الغيظ منه احيانا.. و في احيان اخري لا تشعر سوي بالراحة و الرضا لوجودها معه.. الموقف معقد و اكبر من قدرتها علي الفهم.


عمر:" طب عايزة تروحي اوتيل تاني؟"


رقية:" خليها اخر حاجة.. ندور الاول علي ماي صحبتي.. و علي بيت ليا.. خليني احس اننا بننجز حاجة.. و اخر اليوم نشوف اوتيل احسن شوية"


عمر:" زي ما تحبي"
رقية:" هل اتصل ديكس؟"
عمر: لا ادري .. اغلقت هاتفي "
رقية مؤنبة:" و لم اغلقته؟! لابد ان ديكس قلقا جدا علي الان"
عمروقد صارت نبرته غليظة:" ولم عليه ان يقلق و انت معي؟!"
رقية:لانه دوما يقلق علي..لانه يهتم لامري"
عمر ببعض الحدة :" لن يهتم لامرك اكثر مني! عليه ان يدرك انك معي.. اي منتهي الامان!!"
رقية:" من منا المغرور الان يا سيد سوبر مان؟ الامر لا يتعلق بك اساسا.. انه يتعلق بصداقتي بديكس والتي توجب علينا الاطمئنان علي بعضنا البعض!"
عمر:"حقا! لم اري تلك الصداقة حين كان يلاحقك الفتي المخمورفي الحفل.. لم اراها حين شربت المخدر في المياة الغازية.. لم يكن هناك ديكس او غيره.. فقط كان هناك عمر!  لقد عانيت الامرين منك تلك الليلة ليأتي صديقك اليوم التالي و يضحكك بحديثه التافه وكان شيئا لم يكن ..وفجأة يصبح هو من كنت بحاجة اليه.. وهو الصديق الحقيقي الذي يهتم بك"


نظرت له رقية وفمها يرسم حرف نون مقلوبا ثم قالت :" لم عليك ان تذكرني طوال الوقت بذلك الامر؟ هل تدرك كيف يؤلمني ان استرجع تلك الليلة؟..الا تعرف كم يخيفني ان اتذكرذلك الاحساس بالشلل؟  فكرة ان يكون هناك اشخاصا بهذا الانحطاط تفزعني.. اليس لديك ادني قدر من مراعاة شعور الاخرين؟؟"


نظر عمر الي عينيها المليئة بالدموع وادرك انه بالغ في رد فعله.. لقد انفجر فيها بدون ادني داعي..المها دون ان يشعر.. نفث عن كبته و غيظه فيها.. لم تستحق ذلك ابدا..


عمر متمتما:" انا اسف يا رقية.. انا لم.."


نهضت مسرعة و دخلت الحمام و صفعت الباب في عنف..


تبعها عمر ووقف يحدثها عبر الباب المغلق:" رقية.. لو سمحتي اخرجي نتكلم.. انا اسف... مكنتش اقصد"


رقية من الداخل بصوت بائس يحاول اخفاء البكاء:" اذهب يا عمر الان.. انا بخير و ليس هناك ما نتحدث عنه.. فقط احتاج البقاء بمفردي قليلا"


عمر:" ولكني اشعر بالضيق لاني قلت ذلك.. انا اسف .. لقد استفزني ان تتحدثي عن ديكس وكأنه الوحيد الذي يهتم بك.. اعني انا ايضا اهتم.. ضايقني ان تذكريه.. اعني... ليس هذا مبرر لقولي .. ولكنه السبب في ان اقوله.. لقد ضايقني حديثك عنه"


فوجي بها تفتح الباب وقد تغيرت نبرتها تماما من البؤس للحدة و اكتست شراسة قاسية ملامح و جهها ، وقالت:" اخبرني اين ذكرت انا انك غير مهتم بي؟؟؟ ها؟؟ اين قلت انا ان ديكس هو الوحيد الذي يهتم؟؟؟ انا فقط قلت انه قد يكون قلق علي بحكم صداقتنا.. انا لم ات علي ذكرك!  لم تضع نفسك في مقارنة؟ وهل يجب ان تكون الوحيد في الكون الذي يهتم بي؟ هل علي ان اكون معدمة الاصدقاء و اكتفي بوجود سموك في حياتي كالصديق الوحيد؟!! هل انت حقا مريض بحب الامتلاك لهذه الدرجة؟؟ اسمع جيدا! انا لست ملكا لاحد.. اخر شخص حاول ان يعزلني عن العالم تركته و هربت منه الي الابد.. ولن اسمح لغيره !"


ثم توجهت الي حيث تركت حقيبتها الصغير و جلبتها بعنف و توجهت للباب..


عمر يلحق بها قائلا :" الي اين ؟؟"


رقية:" سأعود لا حقا احتاج للهواء!"


تركها عمر تخرج فهو يري انه ان حاول ان يمنعها سيزيد الموقف سوءا.. امسك جبهته و اعتصرها بأصابعه وهو ينفث غاضبا.. ركل الباب بقدمه في قوة و عصبية شديدة.. ثم جلب سترته و مفتاح الحجرة و خرج بدوره بعصبية..
حين خرج الي الشارع تلفت حوله الي ان ميزها تسير بسرعة عن بعد.. مشي في نفس الاتجاه يتبعها و لكنه لم يلحق بها.. كان فقط يريد ان يري انها بخير..ظل يتبعها عن بعد..  ياله من احمق! كيف ضايقها هكذا؟ كان حقيرا حقا


تابعها و هي تسير كانت تتحرك بسرعة و عصبية ..ويبدوا انها تمسح دموعها ايضا.. من الواضح انها ايضا كانت تكبت غضبا او مشاعر ما و انفجرت بدورها في عمر.. صحيح ان ما قاله كان يفتقد الذوق و الحساسية الا ان حزنها و غضبها العنيف مبالغ فيه ايضا.. كلاهما كان متوترا و قد وجد منفسا فانفجرا في بعضهما البعض.. هكذا فسر عمر الامر.. تري ما بها؟ ما الذي يوترها في الاساس؟
حسنا سيتبعها دون يلحق بها لبعض الوقت حتي تهدأ لعل السير يمتص غضبها و يهديء عصبيتها.. ثم سيلحق بها و يعتذر لها.. سار بالفعل خلفها لبعض الوقت..
اما هي فكانت تسير سارحة تماما.. لم تعرف لم صاحت بوجه عمر.. انه يضايقها بشدة.. لا يعجبه ان يظهر احدا اهتمامه بينما هو بدوره يخفي اهتمامه.. لا يهمه ان يؤلمها بتذكيره لها بحادثة المخدر فقط ليذكرها ان له فضلا عليها.. لقد اثارت غيظه و غضبه بذكرها لديكس بتلك الطريقة.. هي ادركت ذلك.. و لكن رده عليها كان اعنف من اللازم.. لم تستحق منه ذلك ابدا.. بكت حين صعبت عليها نفسها و شعرت بالقهر لقسوة عمر معها.. و اثناء شرودها و امتلاء عينها بالدموع لم تنتبه لمواد البناء الحديدية المرصوصة امامها علي الارض و لا للافتة المؤقتة بجانبها و التي تطلب من المارة ان تحذر من العراقيل علي الارض.. لذا شعرت بقدمها تصطدم بقوة بشيء صلب و جسدها الخفيف مع سرعتها يطير في الهواء لتسقط علي ظهرها متألمة بشدة..
حين رأها عمر عن بعد تتجاهل لافتة التحذير ادرك انها شاردة و توقع ان تتعرقل او تصدم قدمها لذا اسرع ..بل ركض نحوها ..و قبل ان يقترب رأها تطير و تسقط علي الارض.. هرع اليها و قد بدأ عمال المبني الذي سقطت امامة يلتفون حولها.. كانوا يتحدثون بلغة اهل البلد التي لا تجيدها رقية .. فحاولت ان تخبرهم باكية بالانجليزية ان قدمها بها مشكلة.. ولكنها لم تفهم ردودهم.. شعرت بالدوار و بالفزع... كيف ستصل لعمر.. هي حتي لا تذكر اسم الفندق الحقير.. الالم شديد جدا..  انهم يخاطبنها و لكنها لا تفهم.. تردد : قدمي... قدمي..  وتشير الي قدمها.. الالم يشتد.. احدهم يطلب منها امرا ولكنها لا تفهم.. يشير الي قدمها و لكنها لا تفهم.. ستفقد الوعي.. ليست واثقة من الالم ام الخوف ..وفجأة  بين الاصوات ميزت ذلك الصوت الذي بعث فيها الروح من جديد.. كان يلهث و يتحدث نفس لغتهم.. كان يبعدهم وخمنت انه يطلب الا يمس احدا قدمها المتالمة.. حين تلاقت عينهما لم يحتاج عمر ان يتحدث اليها.. كم الذعر الذي رأه في عينها و التعلق الشديد به و فرحتها برؤيته كان يغني عني اي حديث.. اكتفي بقوله:" لا تخشي شيئا .. انا معك الان.. الاسعاف في الطريق"
في المستشفي تحدث عمر الي الطبيب الشاب.. ثم تحدث الطبيب الي رقية بالانجليزية التي تشوبها لكنة بلده  قائلا:" لقد التوي كاحلك .. ليس امرا خطيرا..كما ان هناك بعض الكدمات الخفيفة في يديك و ظهرك .. ستحتاجين للراحة و لا تجهدي القدم.. الممرضة ستضع لك رباطا ضاغطا وجبيرة متحركة بامكانك خلعها عند النوم.. و الدواء كتبته مع السيد عمر.. ان تألمت عليك بالمسكن ..اتمني لك شفاءا سريعا.. كوني حذرة المرة القادمة"


ثم ربت علي كتفها في حماس و ابتعد سريعا.. نظرت رقية الي عمر وقالت بصوت واهن بينما تفرد قدمها للمرضة لتضع الرباط:" كيف وجدتني؟"
عمر و هو ينظر اليها:" لم تغيبي عن عيني لحظة.. "
رقية:"تبعتني؟"
عمر:" فقط لاتأكد انك بخير.."
رقية:"اشكرك علي وجودك.. لقد خفت كثيرا وانا وسط الناس لا افهم شيئا و الالم يقتلني"
عمر:" رقية.. انا اسف لقولي ما قلت.. لن ابرر و لن اشرح فقط اقبلي اعتذاري"
رقية:"قد تكون و غدا في حديثك احيانا.. و لكن يغفر لك ما تفعله دوما من اجلي.. لذا اعتذارك مقبول" قالت اخر كلمة بابتسامتها العذبة التي اذابت قلبه.
فتحت ذراعيها لكي تضمه ..تردد لوهلة ثم ضمها اليه.. ياه ه ه   عليهم ان يضيفوا "عناق رقية" الي قائمة "افضل الاشياء في الكون"
رقية و هي تربت علي ظهر عمر بامتنان :" شكرا لك"
قالت الممرضة:" انت الان جاهزة يا انسة رقية.. شفاءا سريعا"
استندت رقية الي عمر و هي تنزل عن سرير الكشف.. وسارت بجواره تستند اليه.. اثناء خروجهما مروا مرة اخري بالطبيب الشاب.. فابتسم بترحاب و قال :" انتيهتي يا مريضتنا الجميلة؟ تصحبكما السلامة"
عمر:" اشكرك حقا يا دكتور.."
الطبيب:" اسمي فيليب.. و ينادوني فيل.. انا من اصل عربي مثلكما"
عمر:" حقا؟ سرنا لقائك" و ابتسم ابتسامة صفراء لم يكن في مزاج للتعارف علي احد
الا ان فيل استطرد:" تفضلا الي مكتبي لا اريد ان اتعب مريضتي.."
عمر:" ليس ضروريا.. علينا الذهاب "
فيل:" هل تمزح .. لن اترككما ابدا.. انا لا اصدق اني مع اشخاص من اصل عربي ..هيا ادخلا " واشار الي باب مكتبه ، و بالفعل دلف عمر و اجلس رقية علي كرسي جلدي و جلس جوارها
"امي من اصل لبناني.. للاسف لا اجيد العربية ببراعة.. ولكن اخبراني من اين انتما؟"
قال فيل و هو يأتي ببعض الحلوي و يقدمها لهم ..
رقية:" نحن مصريان"
فيل:" زوجين؟"
رقية:" لا..مجرد اصدقاء"
عمر:" مصادفة رائعة يا فيل ..نشكرك علي كل شيء.. هلا ذهبنا يا رقية ؟"
فيل:" هل تقيمان هنا؟"
عمر :" لا نحن في زيارة قصيرة و سنرحل غدا"
فيل:" عن اي رحيل تتحدث يا سيد؟! مريضتي الجميلة يلزمها الراحة .. هل تنزلان في فندق؟"
عمر:"اجل.."
ظل فيل ينظر الي عمر في انتظار اسم الفندق بينما حدق فيه عمر مترددا الي ان شعر بالحرج و قال:" فندق (--)"
رقية:" انه فندق حقير .. سنغيره علي اي حال"
فيل:" انا خبير بالمنطقة بامكاني ان اردتم ان اتي لكم بغرف ممتازة في فندق رائع قريب من هنا و بسعر خيالي.. لدي معارف عديدة"
تهللت اسارير رقية وقالت :" حقا؟ هلا تفعل لنا هذا؟"
عمر متحرجا: حقا لا داعي ..نحن لسنا بحاجة لذلك"
رقية لعمر هامسة:" اتركه يأتي لنا بغرف افضل.. كف عن الاعتراض مرة"


قام فيل علي الفور بعمل اتصال ما..كان يستعرض في الحديث امامها و يبين اهميته لدي الشخص الذي يحدثه و يتفاخر بأن طلبه قد اجيب فورا.. وبعد ان انهي المكالمة التي استمرت بضع دقائق.. قال:"حسنا يا اعزائي هناك حجز لكما في افضل غرفتين في فندق (--) "
تحمست رقية و شكرت فيل.. بينما شكره عمر باقتضاب وهو يرمق بطرف عينه  رقية التي تبتسم في سعادة.. لم يروقه فيل هذا.. لا يرتاح اليه..
فيل:" هل لديكما سيارة؟"
عمر:" لدي دراجة بخارية"
فيل:" هنيئا لك بها.. و لكن مريضتي لن تركب دراجة بحالة قدمها تلك"
للاسف ادرك عمر ان فيل محقا..
ولكنه فوجيء به ايضا بقول:" حسنا .. تلك هي الخطة.. ستذهب انت يا عمر لتأتي بمتعلقاتكما من الفندق القديم و كذلك الدراجة وتسجل الخروج ، بينما الانسة المريضة تبقي هنا مرتاحة..سأنتهي من عملي في خلال نصف ساعة و سأقلها في سيارتي الي الفندق الجديد و لتلحق بنا هناك "


وعند هذه النقطة رأي فيل وجها جديدا لعمر..فقد نهضا واقفا  حتي انه بدي لرقية  انه اضخم و اطول من المعتاد وقال بنبرة حملت الكثير من التحذير ووضع الحدود :"لا! .. نشكرك  و نقدر اهتمامك  ولكن خطتك لا تناسبنا .. رقية لن تذهب معك"
عقد فيل حاجبية مستنكرا و قال باسلوب مازح غلف الجدية :" لقد فهمت انكما صديقين فقط.. لم تخبرني انك ابيها"
فقال عمر بنفس اسلوب فيل:" وانا فهمت انك طبيب .. لم تخبرني انك خبير تخطيط حياة المرضي"
لم يعلق فيل علي عمر بل وجه حديثه لرقية ساخرا:" اي نوع صداقة تجعله يقرر لك ما تفعلين و ما لا تفعلين؟"
نهضت رقية مستندة الي عمر وقالت:" نوع الصداقة الخاص بنا" وابتسمت و هي تربت علي يد عمر
خفق قلب عمر.. لم يصدق.. كان يتوقع ثورة منها لتدخله و لكنها ابهرته بردها..
قلب فيل المكبوس شفتيه و قال :" ان كنتما سعيدين .. هذا شأنكما.. كنت اريد المساعدة"
رقية لفيل:"ما زال بامكانك المساعة .. سننتظرك لتنتهي ثم توصلنا معا للفندق لنأتي بالاغراض.. ثم تذهب بنا للفندق الجديد.."
قال عمر معترضا:" سنذهب بتاكسي يا رقية"
رقية:" كيف نذهب بتاكسي و ابن عروبتنا موجود؟ هو لن يتخلي عنا .. اليس كذلك؟" قالتها باتسامة رائعة جعلت فيل يجيب محرجا:" بالطبع.. بالطبع بمكانكما الاعتماد علي"
ثم قال وهو يخرج :"سأذهب لانهي عملي ..انتظرا هنا ..لن اتأخر"
قال عمر حين خرج فيل:" ما حاجتنا اليه يا رقية.. لم طلبت منه ان يقلنا؟؟"
رقية :" ولم لا؟ ان عرض المساعدة لم لا نأخذها؟؟  سيوفر علينا ثروة  كنا سننفقها في التاكسي.. كما انه  يجب ان يكون معنا في الفندق الجديد بنفسه لكي يوصي علينا .. لم لا تفكر في مثل تلك الامور؟"
عمر:" لا احتمله انه ثرثار و لزج.. كما اني لا ارتاح له.. انه متطفل .. اعرف نوعيته الذين يفرضون انفسهم.. هل رأيت كيف تجراء و افترض انه سيقلك بسيارته؟"
رقية:" لا اري جرأة في الامر.. اري شهامة ولاد العرب"
عمربالمصري مستنكرا:" انتي عبيطة يا رقية؟!"
رقية:" لا بس بحب استعبط.. ادينا اهو جالنا توصيلة .. و توصية مخصوص.. الاستعباط مفيد جدا ساعات"
عمر:" صدق اللي سماكي مستغلة!"
رقية :" مين الي سماني كده؟"
عمربيأس :" واحد ربنا كتب عليه الشقا"
ضحكت ضحكة جميلة جعلته يبتسم كالابله..
قال:" للاسف اضطررنا لاستخدام جواز سفرك .. الان تم تسجيل دخولك المستشفي رسميا"
رقية:" وهل رجال ابي... اعني جايك سيبحث في سجلات المستشفيات؟"
عمر:" لندعوا الله الا يصل به ذكاءه لذلك"
مرت لحظة صمت و رقية شاردة الا ان عمر قطعها و قال:" ليس عليك اخفاء ان هروبك هو من ابيك.. تأكدي اني اعرف انك تهربين من ابيك المستبد و الزيجة المفروضة عليكي من الفتي مروان"


نظرت له رقيه و ضيقت عينيها وهي تتفحص وجهه لعلها تري اي بادرة اعتراف ثم سألت:" خمنت ذلك؟"


عمر:" انك لم تهتمي باخفاء بعض التفاصيل.. ان اي طفل في السابعة كان ليجمهم معا ويستنتج القصة بسهولة"


اسلوبه في عدم الافادة يبهرها.. هو الان لم يؤكد ان معلوماته محض استنتاج  ..تفادي الكذب .. بارع حقا!  منعت نفسها من سؤاله شيئا اكثر مباشرة.. لم ترغب في المواجهة الان  علي ايه حال.
قالت ببرود:" لن اؤكد لك ان كان تخمينك صحيحا ام لا"
عمر ساخرا:" لا احتاج تأكيدك.. انا اعرف"
لم ترد عليه.. لو ردت سيكون هو من جلبه علي نفسه!
عبس و جهها و اعتراها الضيق.. ان الاسرار و عدم الثقة ترهقها جدا.. ليت الامر غير معقد هكذا.. زفرت في ضيق.
عمر:" ايه اللي قلبك فجأة؟"
رقية باقتضاب:" لا شيء.. اذهب لتري لم تأخر فيل.. استعجله.. قدمي تؤلمني واريد الاستلقاء"


نهض عمر بسرعة و حمل كرسيا خشبيا ووضعه امامها ثم جلس علي احدي ركبتيه و حمل قدمها برفق ووضعها علي الكرسي.. ثم نظر اليها و سأل بحنان:" هكذا افضل؟"


كادت رقية ان تبكي.. كيف يكون بهذه الرقة التي تذيبها؟ انها تكره تأثيره عليها.. و كأنها تفقد سيطرتها علي نفسها.. هي الان غاضبة منه .. نعم! يجب ان تكون غاضبة! كيف يمكن ان يتحكم في مشاعرها.. فقط بنظراته ؟ .. لقد انقلبت في لحظة لراضية عنه بشدة!  كيف فعل ذلك؟؟ 
عمر:" رقية؟ هكذا افضل ام ماذا؟"
اومأت برأسها ايجابا دون كلمة..
فقال:" سأذهب لا ري اين ذهب الطبيب الممل"


                    ***
كان من البديهي ان تجلس رقية في الامام بجوار فيل وهو يقود.. فالكرسي الامامي يتحرك للخلف و يترك مساحة امامه لقدمها .. لذا جلس عمر في الكنبة الخلفية و استمع صامتا في غيظ لحوار فيل الممل عن نفسه و عن امه واصوله الشامية.


وبعد زيارة قصيرة للفندق السابق وصلوا للفندق الفخم الذي حجز لهما فيه فيل.. وقف فيل امامها يتباهي بالاحترام و التبجيل الذي يصدر له من موظف الاستقبال


قال :" هيا اعطوني جوازات السفر وصديقي هنا سيتمم لكما الحجز لاحقا .. فقط اصعدا الان كل علي غرفته و استريحا و لا تحملا هما"
تبادل عمر و رقية النظرات ..
فقال فيل:" هيا اين الجوازات؟؟"
رقية :" لا ادري اين هو جوازي؟"
فيل منزعجا:" ماذا؟؟ ضاع؟ و لكني رأيت عمر يستلمه من الموظفة في المستشفي مع الاوراق الاخري"
عمر:" اعطيته لها بعدها.. هل اضعتيه ؟ انت دوما مهملة يا رقية؟"
رقية و قد استلمت الخيط منه:" اجل يبدوا اني اضعته.. "
فيل:" اوه انها مشكلة كبيرة.. ابحثي جيدا لعلنا نجده"
تظاهرت رقية انها تبحث في حقيبتها الصغيرة.. و لكنها فؤجت بيد فيل تندس معها بقلق شديد و تبحث .. وبالتالي وجد جواز السفر بعد لحظة..
تظاهرت رقية بالاندهاش و الفرحة... بينما وقف عمر يكاد ينفجر من الغيظ و الضيق..
وفيل يقول بحماس:" ياه حمدا لله .. انا يدي ذهبية.. الحظ كله فيها.. لذلك انا طبيب ناجح" وضحك ضجكة رأها سخيفة
اخذ فيل جواز رقية و عمر و قدمهما للموظف ببعض التعالي قائلا:" هؤلاء اصدقائي اريدهم ان يكونا في قمة الراحة.. اتم انت ادخال البيانات و ارسل لهما الجوازات لاحقا"
ثم التفت لعمر و رقية اللذان كانا يتبادلان النظرت القلقة و قال:" اليس لديكما حقائب؟""
هزت رقية رأسها نفيا..بينما كان عمر شاردا في المصيبة التي وقعت للتو.. تسجيل جواز رقية  سيجلب عليهما المصائب سيجدونهما بمنتهي السهولة ان خطر لهما البحث في فنادق المدينة.. بل يكفي ان يكون احدا له احد المعارف في جهاز الشرطة في تلك البلد وسيظهر اسمها و الفندق و الحجرة ببحث بسيط علي شبكة الانترنت الخاصة بالشرطة .
قال فيل :" هيا لنصعد اذن بالمريضة الي حجرتها و لنتأكد انها مرتاحة "
صعدوا في المصعد و رقية تستند علي عمر وفيل يحاول ان يسندها بدوره و لكن عمر لم يعطيه الفرصة  كاد ان يرفعها تماما عن الارض ليبعد فيل.
دلف ثلاثتهم الي حجرة رقية ثم اجلسها عمر علي السرير، بينما هي تتأمل الحجرة و تبدي اعجابها و تشكر فيل علي انقاذهما من الفندق الاخر، حين كان عمر يضع حقيبة ظهر رقية علي كرسي في الحجرة التفت ليجد فيل يفرد لرقية رجلها علي السرير ثم يدثرها بالغطاء
فيل:" لا تتحركي اليوم علي الاقل.. وغدا بامكانك الحركة ان استطعتي و لكن لا تجهدي نفسك.. سأكون قريبا و امر عليك غدا.. هيا لادهن لك الكريم الان قبل ان اذهب .. انه مسكن و معالج.. سيشعرك بالراحة كثيرا"
ثم فتح كيس الدواء و اخرج الكريم ثم جلس علي طرف السرير بجوار قدمها
عمرمتهكما و قد بدأ رأسه يسخن:" هل تقوم بتلك الخدمات لكل مرضاك يا دكتور؟"
فيل مبتسما وهو ينظر لرقية  بينما يضع الكريم علي قدمها المصابة و يدلكها:" فقط ابناء عروبتي"
 ثم اخفض صوته و قال لها :" الجميلات منهم"
ابتسمت رقية وهي تتخيل رد فعل عمر ان سمع تلك الجملة.. بل تمنت ان يكون سمعها..
لم يسمع عمر و لكنه رأي فيل يخبرها امرا بصوت خفيض فتبتسم له ، هذا ما كان ينقصه !
عمر وهو يري فيل قد انتهي ووضع الرباط و الجبيرة ودثر قدم رقية باللحاف:" شاكرين لكل ما فعلت معنا يا دكتور فيل.. فرصة سعيدة.. لنترك رقية ترتاح الان"
فيل:" عزيزي عمر.. ناديني فيل .. ثم ان لا داعي للشكر.. انا متحمس لاني قابلتكما.. احن كثيرا لكل ما هو عربي.. و ما افعله تعبيرا عن امتناني لقبولكما صداقتي"
كاد عمر ان يخبره انه لا يرد من وجه شيئا ة انه لا يقبل صداقته .. الا انه التزم حدود الذوق و الادب فالرجل حتي الان لم يفعل شيئا سيئا..
رقية:" طبعا علينا ان نشكرك.. وصداقتك شرف لنا"
نظر اليها عمر محذرا من خلف ظهر فيل .. فتجاهلته رقية تماما وقالت باصرار:" بل يسعدنا ان تكون صديقا لنا!"
فيل :" الشرف لي انا.. " ثم امسك بكفها و ربت عليه برقة و قال:" سأترك ترتاحين الان و سأمر عليكي غدا.. اتمني لك شفاءا سريعا"
ثم اخرج بطاقة انيقة و اعطاها لها قائلا:" هذه ارقامي الخاصة بامكانك الاتصال بي ان احتجت شيئا في اي و قت"
انتزع عمر منه البطاقة بأسلوب سلس و قال": لا تقلق! لن يكون هناك داعي للاتصال بك"
فيل:" الارقام معكما علي ايه حال.. اراكما غدا"
وحيا عمر الذي اوصله لباب وقال و هو يخرج:" اتركها ترتاح انت ايضا.. هي تحتاج للاسترخاء حتي يعمل المسكن"
ربت عمر علي كتفه ومنع نفسه من ان يدفعه بقوه و قال وهو يضعط علي اسنانه و يبتسم ابتسامة صفراء:" لا تشغل بالك  براحة رقية وهي معي.. كن مطمئن!"
رد له فيل الابتسامة و قال :"حسنا.. الي اللقاء" و خرج.. بينما اغلق عمر الباب خلفه و سبه و لعنه بدون صوت.
نادته رقية:" عمر.. "
هرع اليها قائلا:" ايوة.. تريدين شيئا؟؟"
رقية:" احتاج لحقيبتي.."
جلب لها الحقيبة وسمعها تقول و هو يناولها لها :" لطيف فيل.. الفندق و الحجرة رائعان"
عمر :" رقية.. لا تذكري لي فيل مرة اخري حتى اجد حلا لكارثة جواز سفرك المسجل.. و ارجوكي كفي عن التقرب له لاننا في غني تماما الان عن صديق فضولي متطفل يجلب المشاكل مثله!"
رقية:" انا لم اتقرب له.. انا ابدي امتناني له.. الم تري ماذا فعل من اجلي"
عمر متهكما:" اجل .. اجل.. وخاصة ان ابداء الامتنان هي اكثر سمة تميز شخصيتك"
رقية محذرة:" هل ستعود لاسلوب الحديث الحقير مرة اخري؟"
عمر مهدئا:" لن اعود لشيء..انا لدي ما يؤرقني الان بزيادة.. لن ادخل معك في جدل.. سأذهب لحجرتي الان و استلقي.. احتاج للهدوء.. حاولي انت ايضا الراحة كما اوصاكي فيل"
حمل حقيبة ظهره و خرج شاردا..


وجدت رقية نفسها و حيدة في الحجرة.. للمرة الاولي منذ ان تركت بيت ابيها تكون في حجرة مستقلة تماما.. احساس رائع.. ولكن ينقصه شيئا.. ذلك الشيء الذي يحاوطها دوما.. الذي لم تنم ليلة من دونه منذ ان هربت ..ذلك الشيء هو.. وجود عمر!
كيف ستنام وهو غير موجود قربها؟ ماذا ان احتاجت شيئا؟ كما ان قدمها مصابة من الاولي الا يتركها.. كيف تركها وذهب ليرتاح بعيدا عنها؟؟ بدأ شعور غريب بالوحدة يتسرب اليها.. لم تشعر به ابدا منذ ان هربت  بخلاف تلك الليلة المشؤمة بعد ان افاقت من المخدر و تشاجرت مع عمر فتركها قرب الفجر ورحل.. هي حتي لا تعرف رقم غرفته حتي تتصل به.. كيف لم يهتم حتي بأن يتأكد انها تستطيع الوصول اليه ان احتاجته؟؟
هل ضيقه من فيل جعله ينتقم منها بهذه الطريقة؟ هي تعترف انها استمتعت برؤية وجهه المغتاظ من تصرفات فيل .. ولكن ليس لدرجة ان يقرر اهمالها وهي مصابة..
ثم انه قد...
قطع افكارها دقات علي الباب مما جعلها تتوجس ثم اتاها  صوت عمر يسأل:" ادخل؟"
عقدت رقية حاجبيها في عدم فهم و قالت:" ادخل"
فتح الباب بالمفتاح و دلف الي الداخل اقترب منها واعطاها ورقة مطوية وقال:" ده رقم الاوضة بتاعتي.. ولو انك مش محتاجة تتصلي.. شايفة الباب ده؟"
واشار الي الباب الداخلي في الحجرة و اكمل:" ده الباب الي بيوصل اوضنا ببعض.. هسمعك لو ندهتي"
ثم ذهب الي ذالك الباب و قام بفتحه بالمفتاح ليريها انه يفتح علي باب اخر مفتوح علي حجرته..
عمر:" انا رحت اشوف اوضتي فين عشان اجيبلك رقمها .. لقيت الدكتور صديقك حاجزلي اوضة في دور تاني خالص بعيدة.. غيرت الحجز ودفعت زيادة و جيت جنبك عشان لو احتجتي حاجة"
اعطاها مفتاح غرفتها و قال:" خلي بقي ده معاكي.. انا كنت خدته معايا عشان لما ارجع متقوميش تفتحيلي.. انا هروح واسيبك ترتاحي بقي.. مش هقفل بابك اللي بنا عشان متقوميش تفتحيه.. هقفل بس بابي انا عشان تكوني علي راحتك.. لما تعوزيني اندهي او اتطلبيني في التليفون"
وضع الهاتف اقرب ما يمكن اليها .. وكذلك و ضع زجاجة ماء..
كانت تنظر اليه في صمت.. لقد (كبسها كبسة قوية) حتي ولو امام نفسها.. لقد ظلمته و افترت عليه في رأسها بشكل قاسي.. هاهو يفند كل ظنونها و يطيح بها بعيدا..


ملس علي رأسها في حنان و قال:" يلا نامي شوية.."
ثم تركها و ذهب عبر البابين الموصلين بين الحجرتين..وكما قال بالضبط  ترك بابها و اغلق بابه هو..
ابتسمت في بلاهة بعد ان خرج.. دوما يبهرها بشكل او باخر


ثم قالت عابسة وهي تحدث نفسها:" ولكنه لم يحل لي مشكلة البقاء وحيدة! "

3/22/2012

حُرية رُقية (13)


دلفت نوال الي حجرة نومهما في القصر تحمل فنجانا من القهورة علي صنية .. قدمته لصادق الذي كان مددا علي السرير و قالت:" اخدت دواك قبل القهوة؟"
صادق وهو ينظر اليها متعجبا:" اول مرة تجيبلي القهوة بنفسك من سنين"
نوال وكأنها لم تسمعه:" جربت تكلمه تاني؟"
صادق:" مبيردش.. "
ناولته نوال الدواء و كوب ماء
فشكرها  ثم قال:" بس اللي مستعجبله .. ان جايك و لا اتصل بيا و لا اتصل بعامر عشان يبلغنا ان  عمر ساب رقية لوحدها؟ ده معناه ايه ؟؟  انه مش وراهم؟؟ "
نوال:" متكلم عامر.."
صادق:" كلمته.. معندوش اخبار.. و انا مش هسأله عن موضوع عمر عشان مش عايز اي حد يعرف"
نوال:" طب و العمل؟؟"
صادق:"مش عارف الصح ايه؟ ابعت جايك يجيبها بالقوة و ناخد المخاطرة ان رقية تهرب اول ما تلمحة و نخسر البنت للابد؟ و لا اطلب عميل تاني من الوكالة ؟؟"
نوال:" عميل تاني ازاي يعني؟؟ و ده نثق فيه منين؟ و بعدين هيبتدي معاها من الاول و لا ايه ؟هيكسب ثقتها ازاي؟ دي شغلانة تانية... اروح انا اجيبها يا صادق.. ابعت معايا حد و انا اروحلها .. هي عمرها ما هتصدني"
صادق:" انا كمان بفكر اجي معاكي.. انا مستعد اروح وابوس راسها.. لو مش عايزة تتجوز مروان بلاها منه..  "
تهللت اسارير نوال و قالت:" بجد؟؟ بجد يا صادق؟؟ .. طب يلا .. يلا قوم"
صادق:" طب هاتيلي حد من السكرتارية يدخل علي النت ويقولي  بس الكرنفال المهبب ده فين بالظبط دلوقتي  و يتسافرلوا ازاي.. لا استني.. انا مش عايز حد يعرف اننا مسافرين.. خلي حد يجيب اي  لاب توب  من المكتب تحت و انا هتصرف"
انتفضت نوال و تحركت بسرعة لا تتناسب مع و قارها ..لكي تنفذ امر زوجها العزيز جدا..

                                                ***

كانت رقية تركب الدراجة خلف عمر علي الطريق السريع.. دخل عليهما الليل.. وبدت الانوار علي مدي الطريق مبهرة.. كذلك الجو كان رائعا.. غير بارد و مع نسمات لطيفة.. الان رقية لم يعد يهمها كل هذا.. نسمات الهواء التي تخللت شعرها و وجهها لم تعد تعطيها ذلك الاحساس الرائع بالحرية.. حتي ظهر عمر القوي لم تعد ترغب بالتشبث به او ضمه.. وكأن هناك من اطفاء مصباح النور الذي كان بداخل قلبها.. القتامة تحيط بها من الداخل و الخارج..
ظلت تعيد في رأسها مشهد عمر و هو يضرب جايك و رجاله.. ذلك المشهد الذي انتزع اعجابها و جعله في نظرها بطلا.. كله خداع؟؟؟ بدأ عقلها يسرح في امور اخري.. هل كان لوك عميلا؟؟.. و الفتي من القطار؟؟  كاد رأسها ان ينفجر من التفكير..
عمر:" رقية حين نصل الضاحية التالية.. سنتوقف للاستراحة و المبيت.. حسنا؟"
رقية:" ولم المبيت؟ لنرتاح  قليلا  ثم نواصل.. اريد الوصول لمدينة (-)"
عمر:" انا متعب حقا يا رقيةو احتاج للنوم.. ثم ان مؤكد جايك سيكون خلفنا يمسح الطريق بحثا عنك.. الافضل ان نتواري في احد الضواحي"
رقية:" يمسح؟؟ لفظة  دقيقة خاصة بمسلسلات البوليسية"
عمر:" عزيزتي  حين  نكون فارين علي دراجة و خلفنا  رجل مثل جايك فتأكدي اننا  في مسلسل بوليسي!"
لم تبتسم حتي للدعابة..
قال:" ماذا تيريدن من مدينة (-)"
رقية:" اعرف رفيقة قديمة لي.. رحلت الي هناك منذ زمن.. قد تتمكن من مساعدتي للبدء هناك"
عمر:" حسنا.. كما ترغبين.. و لكن علينا البيات اولا فانا متعب جدا.. و بعدها سأذهب بك حيث تريدين و لن اتركك قبل ان اطمأن الي استقرار اوضاعك.."
رقية:" و هل انت متفرغ لهذه الدرجة؟؟ اليس لديك وظيفة؟ الم تكن تلح علي ان اتركك تذهب لعملك؟؟"
عمر:" لم يعد لدي وظيفة"
رقية:" هل رفدوك؟"
عمر:" لا اعرف حقا ما رايهم.. و لكني تركتهم بلا رجعة"
رقية:" و لم فعلت ذلك؟"
عمر:" انه امر خاص"
صمتت رقية ولسان خالها يقول :" حقا.!!"
فاكمل عمر:" لنقل ان عملي تعارض مع اخلاقي و قناعتي الشخصية"
 ادركت رقية ان توقعاتها كانت صحيحة.. لقد استيقظ ضميره.. فرصتها ان تستغل تلك الصحوة لتصل لمبتغاها..
اعادت في رأسها حديث عمر مع مروان.. برغم ضيقها الشديد من عمر الا ان اسلوبه مع مروان قد اثلج صدرها الي حد ما.. لقد كان فظا متحديا.. ليتها رأت تعيبرات وجهه القذر و هو يتلقي كلمات عمر عبر الهاتف..
تري هل يريد عمر حقا ان يسدي اليها خدمة بتهريبها من زيجة مروان بسبب احساسه بالذنب؟ ام انه يخطط لامر اخر؟ لا يمكنها الثقة به مرة اخري.. عليها ان تكون حريصة جدا في التعامل معه..
زفرت زفرة حارة خرجت من صدر مليء بالهم... كيف آلت الامور الي كل هذه الصدمات و التعقيدات.. تذكرت احساسها قبل ايام حين ركبت القطار .. كانت فتاة اخري.. لا تحمل هما و لديها ثقة في كل الناس وفي نفسها.. و تري ان الحياة تفتح لها ذراعيها لتستقبلها بالورود.. اين الورود ايتها الحياة اللعينة؟ لم يمر سوي ايام ولم تري سوي اشواكا!

                                               ***
جلس مروان علي اريكة خشبية فخمة و سط حديقة قصر ماكجريجور كانت بجواره الفتاة الرقيقة جدا و الابنة المتوسطة للاسرة.. وامامهم علي كرسي وثير جلس الاب ماكجريجور و في يده كأسا  يحتسي منه رشفات اثناء الحديث..
قطع الاب الحديث البسيط الضاحك باشارة منه لابنته ان تتركهم ليتحدثوا.. بالفعل نهضت الفتاة وحيتهم برقة و انصرفت..
تابعها الاب  حتي تأكد انها بداخل القصر..
قال:" اخبرني.. ماذا فعلت لي؟ لقد اكدت لي انك بامكانك كسب ثقتي..ها انا ذا انتظر"
مروان مبتسما:" لقد تعلمت درسا منذ الصغر ان كل شخص و له ثمن.. وقد توصلت لثمن شخصا مهما جدا.. يستحق كل قرش سيدفع  لشراءه و شراء خدماته  و ولاءه.. اعترف ان وجود الفتي المصري  اياه افسد لي احد خطتتي ..كما انه يرفض الرضوخ او قبول المال..لقد حاولت معه برغم تأكدي من انه لن يقبل .. ولكن جعبتي مازالت مليئة .. فقد تعلمت ايضا منذ الصغر ان دوما لابد من وجود جعبة مليئة بالخطط البديلة لان ليس علي كل الخطط ان تنجح"
ضحك ماكجريجور وقال:" انت تعجبني يا فتي.. وماذا في جعبتك هذه المرة؟ اريد شيئا يجعل صادق ينبطح ارضا امامي.."
مروان بخبث :" لا تقلق سيدي.. ستري ما يرضيك و اكثر"
ماكجريجور:" ولكن اسمع.. اظن اني لا احتاج ان اوصيك...ان تورط اسمك او اسم ابيك في اي شيء فلتنسي امر النسب و الشراكة.. انا لا اقترب مِن مَن مُس اسمهم ولو عن بعد.. ناهيك عن اسمي انا..فذلك قد يكلفك حياتك!"
مروان:" اطمئن .. لامر سيكون بعيدا عنا جميعا.. "
ثم نهض مروان و استأذنه في اتمام مكالمة هاتفية.. و بالفعل تحدث في هاتفه علي بعد خطوات ..
"هالو.. انه انا مروان... انا مازلت عند كلامي.. في انتظار ردك..."
ثم غزت ابتسامة انتصار وجهه و ونظر لماكجريجور نظرة معبرة عن السعادة ثم اكمل الحديث:" حسنا .. جيد جدا... كنت اعرف انك ستختار المصلحة و الفائدة.. انه ااختيار الاصوب دوما... حسنا لنبدأ..  انا اريد الفتاة.. اريدها  في مكان سأخبرك به لاحقا حين تكون بحوذتك..  وبالنسبة للاحمق الذي معها.. اريده ان يتم تلقينه درسا لا ينساه.. اريده ان ينظر في المرآة كل يوم في  حياته فيتذكرني..  افعل ذلك و وافني بالاخبار.."
قال مروان بابتاسمة يملؤها الفخر بعد انهي المكالمة :" الم اقل لك يا سيدي.. كل شخص و له ثمن"
ابتسم ماكجريجور و قال:" الم اقل لك اني معجبا بك"

                                            ***
قاد عمر الدراجة و قد صارت الضاحية قريبة جدا.. كان مرهقا جدا.. و كل ما يرغب فيه هو النوم.. ولكن كيف ينام؟؟ ان كم المعلومات التي توصل اليها تؤرقه و تطير منه راحة البال.. حين قام باستجوابه العنيف للفتي في المستشفي علم منه ان مروان الخطيب المحترم .. هو من طلب من الفتي و رفاقه - وهم شلة قد تعرف عليها مروان من خلال صديقته السابقة كاثي و معرفون بالانحطاط الاخلاقي الذي لا حدود له ولهم سابقة في تخدير فتاة قبل ذلك- لذا دفع لهم مروان ليخدروا رقية و بأخذون لها صو را مخلة.. وحين تواصل عمر مع بعض رفاقة في الوكالة وطلب منهم بصورة ودية وغير رسمية بعض المعلومات عن تحركات مروان بحجة انها تفيده في مهمته.. فاجأئه صديقا  بالمصادفة يعمل علي مهمة  تتضمن مراقبة ماكجريجور..ان مروان هذا علي اتصال دائم به  وكثير الزيارات. وبما ان عمر يعرف جيدا ان ماكجيرجور هو اكبر منافس و عدو لصادق.. وبناء علي  كل ما سبق ذلك .. فهذا لا يعني سوي شيئا و احدا.. مروان يعمل لحساب ماكجريجور ضد صادق.. و بما ان ماكجريجور وصل به التدني بالمستوي لدرجة اقحام رقية ابنه صادق في مشاكلهما ..فذلك يعني انه قد يفعل اي شيء.. وشراء اي شخص.. لا يمكن الوثوق باحد الان!   ان كان تمكن من مروان فهو قادر علي التمكن من اي شخص اخر.. وبالتالي و ضع عمر كل من حول صادق و رقية  تحت دائرة الشك.. كما انه لم و لن يخبر صادق عن مكان رقية.. فهو لا يعلم ان كان صادق سوف يصدقه ام لا.. لا مجال للمخاطرة و اخبار صادق فيقوم بدوره بالتحدث الي اي احد اخر..الكل مشكوك فيهم!..  لايملك عمر سوي التكتم علي مكان رقية.. فلا يعلم سوي الله بما ينتوي مروان الحقير فعله ثانية  لايذاءها!

وصلا اخيرا الي تلك الضاحية التي تميل قليلا للطابع الريفي.. هادئة و جميلة ..سأل عمر عن اقرب فندق..وحين وصلا ترجلت رقية و دخلت الي البهو والقت بنفسها الي اقرب كرسي ..بينما ذهب عمر لموظف الاستقبال ليحجز غرفتين..  وبالفعل قام الموظف بالاجراءات سريعا ثم طلب منه اسم و باسبور صاحب الغرفة الثانية.. وهنا ادرك عمر الخطر.. لا يمكن تسجيل اسم رقية رسميا في اي مكان ذلك سيجعل تتبعها اسهل و اسرع ما يكون..
لذا قال للموظف:" اعرف اللوائح عندكم صارمة و لا يمكن كسرها.. ولكن صديقتي سارة هناك فقدت جواز سفرها بل حقيبة اوراقها بالكامل اثناء الرحلة الي هنا.. لذا ان كنت كريما معنا اعطنا حجرة لها دون الاطلاع علي الاوراق بامكانها ان تملأها لك من الذاكرة"
ابتسم الموظف في تحرج و قال:" لا استطيع كما قلت انت.. اللوائح صارمة.. و لا يمكن بدون ان اطلع علي جواز السفر و املأ البينات بنفسي.. "
بدي علي وجه عمر الاحباط وشكر الموظف و هم بالذهاب.. ولكن الموظف استوقفه:" سيدي انتظر هناك حلا.. بامكانكما حجز غرفة و احدة باسمك و بياناتك انت.. وبامكان صديقتك ان تنزل معك كمرافق.. المرافق لا يحتاج للاطلاع علي اوراقه، يكفي ان يملأ بيانات اسمه بنفسه"
ابتسم عمر بامتنان ثم طلب منه ان ينتظر لبعض دقائق.. ذهب لرقيها التي كانت تغوص في  كرسي وثير .. جلس القرفصاء ليكون في مواجهة و جهها ثم قال:" رقية انا لم ارغب ان افعل ذلك الامر دون موافقتك.. علينا حجز غرفة و احدة "
اعتدلت رقية في جلستها وقالت منزعجة:" ماذا؟ ولم علينا ذلك؟"
عمر:" لا يمكن ان نجازف بتسجيل بيناتك هنا.. سيتتبعوننا..سأحجز الغرفة باسمي.."
صمتت رقية تفكر، فقال عمر:" بم تفكرين؟ لقد تشاركنا النوم في الخيمة حتي امس"
رقية:" هناك امرا مختلفا.. كنا مجموعة كبيرة.. و قد حتمت علينا اجواء الكرنفال ذلك"
عمر:" وكذلك ظروف فرارك تحتم علينا ذلك الان .. الم تخبريني قبلا اني لست محل قلق؟؟ ان اردت سأنام بالحمام.."
قالها بابتسامة عذبة..كادت ان تجعل رقية تنسي ما فعله..
قالت بامتعاض:" حسنا.. انها ليلة و احدة علي اية حال.."
نهض عمر و عاد للموظف.. اخرج جواز سفره وهو ينظر لرقية ليتأكد انها بعيدة ..
تسلم الموظف جواز السفر و سجل البينات ثم اعاده لعمر قائلا بدماثة :" تفضل ..واهلا بك في فندقنا سيد خالد"
قبل ان يتسلم عمر جواز السفر المزور كان قد ملاء  بينات رقية علي انها شخص اسمه سارة..
فكرت رقية ان استئذان عمر لها قبل يحجز الغرفة برغم انه الحل الوحيد .. امرا ...ممم... لا تعرف... لنقل انه .. يُحسب له!
صعدا معا للغرفة وقد سار معهما الموظف.. وقام بفتح باب الغرفة لهما والترحيب .. اعطاه عمر بقشيشا بعد ان دلفا الي الغرفة ثم اغلق الباب..
تفقدت رقية الغرفة.. لم تكن كبيرة هناك سرير يملأ معظم المساحة و تسريحة و دولاب صغير..وشرفة صغيرة جدا تطل علي حديقة الفندق الكثيفة الخضرة.. لها ذلك الطابع الاوربي الريفي المحبب..
قالت بتلقائية:" انا لا اتمني لبيتي الجديد ان يكون افضل من تلك الغرفة.. صغيرة و نظيفة وتطل علي حديقة جميلة"
عمر مبتسما:" اعدك ان اساعدك علي تحقيق ذلك"
كاد الحماس ان يملوءها و تبتسم له .. الا انها تذكرت حقيقته.. فقتلت الابتسامة علي شفتيها قبل ان تولد..
قالت :" انا حقا مرهقة كيف سنتدبر امر النوم؟"
عمر:" نامي علي السرير... فقط اعطيني لحافا افترشه هناك" واشار الي مساحة علي الرض قرب الشرفة.
رقية ببعض الحدة  والتي بدت لعمر غير مبررة:" ولم اعطيك؟ .. اطلب من خدمة الغرف ليأتو لك بواحد"
فقال  متعجبا  بنبرة ساخرة مستنكرة وهو يتجه نحو باب الحمام ويحمل حقيبته :"كيف يكونين بهذا الجحود.. انا سأستحم ثم انام.. لا صحة  لدي لمجادلتك"
بالفعل دلف الي الحمام و بعد ثوان سمعت صوت المياة .. فقامت بخلع سترتها ووضعتها مع الحقيبة علي كرسي التسريحة.. ثم جلست علي السرير و خلعت حذائها..شعرت بخدر النوم اللذيذ يداعب رأسها.. فاندست تحت الغطاء و استرخت تماما.. تعجبت جدا من قدرتها علي الاسترخاء.. بعد كل ما حدث..  ومع وجود عمر الذي تعلم ان كل كلمة تخرج من فمه هي كذبا.. كيف تثق به و تنام في غرفة و احدة في وجوده؟.. اذا جنبنا الثقة فيه من ناحية الاخلاق.. قد تستيقظ لتجد ابيها في الغرفة بعد ان غدر بها هو وسلمها له.. قد يكون ايضا مروان.. من اين جاء لها الاسترخاء والراحة؟؟ ادركت للتو انها موقنة في اعماقها انه لن يفعل اي من ذلك.. برغم كل ما فعل.. هي تشعر انه لم  و لن يؤذها .. لسبب ما هي تعرف انه لن يكون نذلا مثل  الباقين.. صحيح انها تعلمت الان ان الثقة العمياء غباء و ان الحرص واجب... ولكن الحرص لا يمنع من الاسترخاء.. تقلبت حتي صارت اكثر راحة و شعرت بالنوم يتسرب اليها..
رن هاتفه في الحمام فافاق الصوت رقية و ارهفت السمع..
عمر:" نعم؟.. اه .. اهلا ديكس.. نعم  نحن بخير و رقية بافضل حال.. سنبيت ليلتنا بفندق .. اجل.. لا اعرف قد تكون نائمة.. انا كما تسمع في الحمام.. "
نهضت رقية  بسرعة و طرقت باب الحمام و قالت:" انا لم انم.. اعطيني الهاتف ان كان يريدني"
لسبب ما لم يرق الامر لعمر .. ولكنه لم يملك سوي ان  يعطيها الهاتف لتحدث ديكس.. فتح الباب مسافة صغيرة تمرر ذراعه  واخرجه بالهاتف.. ولكن رقية اجفلت حين فتح الباب و تراجعت خشية ان تلمح عينيها شيئا .. فبقي ذراعه ممدودا لبرهة.. مما جعله يخرج رأسه و نصف جذعه مائلا و هو يقول حانقا:" متاخدي التليفون.. هبرد!"
اخذت منه الهاتف بسرعة  وحرج و هي تبذل جهدا كي تبقي عينيها لاسفل حتي لا تري ذلك الجذع الذي كانت مهووسة به قبل ايام..
اغلق عمر الباب. ولكنه لم يعود للاستكمال حمامه.. بل الصق نفسه بالباب من الداخل يسترق السمع..
رقية:" ديكس.. انا بخير يا عزيزي.. لا تقلق.. هل لي لي بخير؟ حسنا جيد جدا.. "
ثم ترقرت عيناها بالدموع و قالت:" انا امر بفترة عصيبة جدا  يا ديكس.. حقا احتاج لك.. احتاج لصديق حقيقي.. كل من حولي غدروا بي.. انا لا ابكي .. لا لا .. لست ابكي.. ولكني اشعر بالضيق الشديد"
كان عمر يستمع اليها وصدره يضيق.. ماذا يكون ديكس هذا؟؟ ماذا بامكانه ان يقدم  لها؟؟  هل يمكنه حمايتها مثله هو؟؟؟ هل يمكنه تحملها هي وكل سخافتها؟؟ هل يمكنه ان يجاهد نفسه امام اغرائاتها لانه يريد  المحافظة عليها؟؟ هل يمكنه التضحية بمستقبله وعمله من اجلها؟؟
سمعها تقول:" نحن في فندق (_) في ضاحية (-)"
كاد ان يخرق الباب ويخرج لها عبره ، و لكنه لف وسطه سريعا بمنشفة وخرج اليها بسرعة دون حتي ان يجفف نفسه.. نزع من يدها الهاتف و اغلق الخط..
افزعها ما فعل لثانية و لكنها قالت بحدة:" ماذا كان ذلك؟؟ هل جننت؟؟"
عمر:" مفيش مخ خالص؟؟؟ ازاي تقوليلوا مكاننا؟؟؟"
رقية حانقة :" انا اخبره لانه صديقي.. واثق به!!"
عمر:" لقد سمعت هذا الكلام بالحرف عن روب قبل ان يتركك من اجل الفتاة البغيضة بليلة.. ونعم اختيارك للاصدقاء"
رقية:" انت حقا تتلذذ بإيلامي! تذكر لي ذلك الامر لتضايقني.. و لكن لمعلوماتك.. ديكس امرا مختلفا.. الم تري كيف هو قلق علي؟ الم تسمعه حين حذرني من مقلب كاثي الحقيرة؟!"
صاح عمر:" رقية كفي عن السذاجة.. الم يخطر ببالك انه يتظاهر بالقلق لتكون حجته للاتصال و معرفة مكاننا.. كيف تخبريه؟؟ كيف؟"
رقية وهي علي وشك البكاء:" لا تصيح  بي.. ان اردت الصياح فاذهب من هنا!! لا اريد مرافقتك .. فقط ارحل"
صمت عمر حين لمح الدموع تترقرق في عينينها.. تراجع و حاول تهدءة نفسه.. اما رقية جلست علي السرير شاردة تحاول منع البكاء..كانت تدرك منذ اللحظة الاولي للجدال انه محقا.. برغم كل ما حدث مازالت غبية و غير حريصة.. استمرت في جداله  لان كرامتها ابت ان تعترف له انه محق.. ولكنه وضعها في الركن..و لم تستطيع الرد.. كيف حقا اخبرت ديكس بمنتهي الغباء عن مكانهما؟.. ان عمر يري الان انها غبية و ساذجة و ربما غير مسؤلة.. والمؤلم انه محق!
وجدته يقترب منها بهدوء ويجلس بجوارها ثم قال دون ان ينظر اليها:" انا اسف يا رقية علي صياحي.. انا اخاف عليك كثيرا.. وادرك حجم الموقف الذي نحن فيه.. لا يجب الوثوق باحد... واخبارك لديكس عن مكاننا مجاذفة كبيرة.. اعتذر عن انفعالي .. لا تبك ارجوكي"
سألت رقية بتلقائية  عن الامر الذي لفت انتباهها في حديثه:" لم تخاف علي كثيرا؟"
تعجب عمر جدا من انها تركت كل كلامه لتمسك بتلك النقطة.. يا لها من طفلة مراهقة حقا..نظر اليها و قال بابتسامته العذبة:" لاني اهتم بك كثيرا.. واشعر نحوك بالمسؤلية.. "
رقية ببعض الارتباك وقد بدأت تنتبه الي جذعه المكشوف و ملامحه الوسيمة جدا:" لست مسؤلة منك! انت فقط تساعدني كاي صديق"
عمر وهو يتأمل وجهها:" بل اكثر.."
تراجعت رقية و هي تري نظرات الحب في عينيه.. لا يمكن ان تكون تلك النظرات مصطنعة ابدا.. لا يمكن..
همت بقول شيئا ما الا انه قال:" اعتبريني اخا لك"
ثم نهض بهدوء و سار الي الحمام.. كان فخورا بنفسه.. لقد تمكن ان يفعل بها للتو ما كانت تفعل هي به طوال اليومين الماضيين.. ابتسم ساخرا و هو يكمل استحمامه ويعيد الكلمة  في رأسه "اخا لك!"..هع ..
 فكر قليلا في امر ديكس.. لعله بالغ في رد الفعل.. هو محقا في حتمية عدم اخبار احدا عن مكانهما لان الحرص واجب.. و لكن  غالبا ديكس غير مؤذ.. وفقا لمعلومات عمر.. ديكس بعيد تماما عن ما يحدث.. ولعله فعلا مخلصا و قلقا علي رقية.. ولكن هذا في حد ذاته لا يروق لعمر.. ليس من حق احدا القلق عليها او الاهتمام بها غيره
اما رقية فكان رأسها يروح ذهابا و ايابا.. و الحيرة و الاسئلة  اصابوها بالصداع.. هي لا تعرف ما الذي دهاها مع عمر.. تكاد تقسم انه لو كان فكر في تقبيلها لم تكن لتمانع!!  ماذا يحدث لها؟؟؟ كيف تشعر نحوه بكل هذا الميل برغم انها تعرف انه كاذب و خائن لثقتها..كيف يشغل عقلها الامر بهذه الدرجة وتخرج عن الجدال لتسأله وتتلهف لمعرفة سبب خوفه عليها.. لا تصدق كيف خفق قلبها حين رأت تلك النظرات في عينيه.. و لا تصدق كيف اصابها الاحباط المريع حين قال كلمته الاخيرة.. "اخا لك!"  ماذا كانت تتمني؟؟؟ ان يعترف باعجابه لها مثلا؟؟ اهذا ما توقعته.. او بمعني اصح رغبت فيه؟؟؟؟  شعرت انها لم تعد تحتمل التفكير.. الامر اكبر من طاقتها علي الفهم.. ربما ان نامت استيقظت في حال افضل..
وضعت رأسها علي الوسادة..وحين اغمضت عينيها رأت صورة عينيه و هي تنظر اليها.. لم تمنع نفسها من الابتسام.. ثم راحت في النوم..

                                                     ***
"شكرا لك يا بنيتي .. "
انهي صادق المكالمة وهو يجلس في قاعة الانتظار مع زوجته في المطار.. التفت اليها و قال :"شركة السيارات اكدولي دلوقتي حجز العربية اللي هتستنانا في مدينة (-)"
نوال:" وهي دي المدينة اللي فيها رقية؟"
صادق:" المفروض ايوة.. علي ما نوصل هناك .. هيكون كمان الكرنفال وصل هناك.. و اكيد رقية مع اصحابها و راه"
نوال:" طب افرض مكانتش وراه؟"
صادق:" لأ  ان شاء الله تبقي هناك.. ايه يعني اللي يخليها متروحش وراه؟.. مش ده الكرنفال اللي هربت مننا عشان  تحضره"
نوال:" يارب نلاقيها  بسرعة يا رب"
اخرج صادق مصحفا صغيرا من جيب سترته  و فتحه .. سمعته نوال يهمس استعاذة من الشيطان ثم يسمي ويبدأ القراءة بهمس.. ابتسمت باعجاب..  هناك تغيرا ملحوظا يعجبها في زوجها منذ ان رحلت ابنتها..المحنة جعلته  اكثر مودة معها ، بعد ان كان لسانه سوط لاذع.. كما ان تقربه من الله  صار واضحا .. ابتسمت و هي تطلق دعابة في رأسها.. صادق تعود علي الدفع لقاء الحصول علي مراده..  والان هو يدفع العبادات ليحصل علي سلامة ابنته ..
اعلنت السيدة صاحبة الصوت الالكتروني في سماعات القاعة ان موعد رحلتهما قد حان ..
نهض صادق وحمل حقيبة اوراقه الصغيرة  وضع ذراعه في ذراع زوجته و سارا معا ..
قالت نوال:" تفتكر عامر مصدق علاجي ده؟"
صادق:" اتمني.. انا قلتله ان اعصابك  في حالة خطيرة جدا و لو مرحتيش المصحة دي هتنهاري و احنا مش ناقصين.. وهولتله الموضوع ..يعني.. عشان ميفكرش احنا ازاي سبنا  رقية و سافرنا "
نوال:" بتفول عليا؟"
صادق:" لأ يا شيخة بعد الشر.. هو انا حمل انك انت تتعبي كمان"
ابتسمت نوال.. ابتسمت برغم كل  ما يعتمر في صدرها من خوف و قلق و علي ابنتها..
صادق:" ربنا يجمعنا مع بنتنا علي خير..ويخليكوا ليا انتوا الاتنين"
ربتت نوال علي ساعده المتشابك مع ساعدها .. وابتسمت ثانية..
***

وقف عمر وسط الظلام والضباب.. لا يكاد يري حوله.. يلف ذراعه حول لرقية بينما تقف ملتصقة به مذعورة.. تتلفت حولها.. و هناك ايادي و وجوه تبرز من الظلام حولهما.. كان يكيل الضربات  حوله بعشوائية ليمنعهم من الوصل الي رقية.. لكمة لوجه الفتي  صاحب المخدر و ضربه ليد لوك.. و لكمة اخري لوجه جايك ..وصفعات لوجه الفتي الذي تحدث عنها للساقي.. وهناك ايضا ديكس.. كان يتحدث هامسا :" بامكاننا الحديث في الخارج.. لا نريد ازاعجه"... هه؟؟!
فتح عمر عينية ليجد نفسه راقدا علي الارض في غرفة الفندق متدثرا بلحاف ابيض و ضوء الشمس قد غمر الحجرة.. التفت برأسه للخلف.. ليجد ديكس وقافا مع رقية قرب باب الغرفة .. هل مازال يحلم؟؟
 رقية بصوت خفيض وتردد:" سيغضب ان استيقظ ووجدني خرجت من الحجرة.. هو يعرف اني مطاردة.. و..."
ديكس مقاطعا:" اتفهم.. معه حق.. لا يجب ان تبتعدي عنه.. انا فقط لم ارد ازاعجه"
القي ديكس نظرة اخري علي عمر النائم ليجده قد فتح عينيه فقال:" اووه لقد ازعجناه بالفعل"
اما عمر فقد عقد حاجبية و قال:" ماذا تفعل هنا ديكس؟"
ديكس:" صباح الخير اولا.. "
كانت رقية مرتبكة و متوترة جدا.. لقد اثار حديث عمر عن ديكس امس الشكوك في قلبها.. فكان مجيء ديكس امرا مريبا لها .. كما انها كانت تخشي من غضب عمر.. لقد لامها بشدة عندما تحدثت اليه امس..فمابالها  بمجيء ديكس شخصيا اليوم؟!
بالفعل كانت نظرات عمر اليها واضح فيها الغضب..
قالت بارتباك :" لقد طرق الباب للتو.."
عمرلديكس متجاهلا رقية :"  صباح الخير.. ماذا تفعل هنا؟"
ديكس:" لقد اقلقتني نبرة رووك بشدة علي الهاتف.. شعرت انها تحتاج لوجودي"
القي عمر لرقية نظرة جمدت الدماء في عروقها وقال لديكس  باقتضاب هو ينهض من الارض :" انت حقا صديق مخلص! علي غير طبيعة جميع من تعرف هي"
ضايق رقية قوله و كادت ان تصيح في وجهه قائلة :" وانت اولهم!" و لكنها اطبقت فمها علي الكلمة..
ديكس لرقية:" يؤسفني ما حدث من روب و الشباب"
رقية بمرارة:" لا تقلق.. انا لا اعبأ بهم جميعا.. كان امرا حتميا و سيحدث عاجلا او اجلا.. لا يمكن التوقع من مجموعة  من المنافقين شيئا افضل..  المشكلة الحقيقة تكمن حين يطعنك في ظهرك شخص تثق به"
قالتها و هي تنظر لعمر نظرة غامضة..
لم يدرك عمر ما تعني.. بل ظن انها ربما تتحدث عن ديكس.. لعل حديثه معها جعلها متشككة في امره خصوصا بعد حضوره المريب..
عمر:" سادخل الحمام عن اذنكما.."
وبعد ان اغلق الباب، امسك ديكس رقية من ذراعيها في حنان و قال:" عزيزتي ماذا بك؟ لقد اقلقني جدا صوتك امس.. "
لا نحتاج لقول ان عمر كان يلتصق بالباب ليستمع ..
رقية:" لا شيء فقط كنت متوترة و اعصابي متعبة.. تعرف امر ابي و مروان الحقير... كما ان يوم امس كان عصيبا جدا.. اسفة اني اقلقتك.. ما كان يجب ان تأتي.. الموضوع لا يستحق"
ديكس:"ما هذا الهراء؟ انا منذ لحظة ان عرفت حكاية المخدر و انا انوي ان اتي اليك اينما كنت.. اعرف انك بحاجة لصديق الان.. ...انت تعرفين ماذا تعنين بالنسبة لي.. لقد وقفت بجانبي دوما .. مازلت اذكر لك كيف كنت تدافعين عني حين كان الاولاد الاخرون يأخذون دفتر اشعاري و يسخرون مني .. ويسموني مخنث.."
ابتسمت رقية و قالت :" كانوا اوغادا.. والان  جميعهم يتمني ان يحصلوا علي توقيع ديكس الشاعر المشهور ساحر النساء.. من المخنث الان؟ ها؟ "
ديكس:"كنت نحيفا ضعيفا و قتها .. اذكر ذلك الفتي السمين ما اسمه؟ حين وقف يقرأ احد اشعاري بصوت عالي.. وانا كنت علي وشك الموت احراجا.. ثم بدأ يمزق الورق ليجبرني علي ابتلاعه.. ثم اتيت انت لتنقذيني من يده و حين مد يده عليك ليدفعك بعيدا.. حصل علي اقوي ركلة  بين فخذيه منك "
ضحكت رقية بصوت وقالت:" لا اذكر اسمه ايضا.. كان قذرا برائحة.. اذكر ايضا انه لم يقترب منك بعدها ثانية.."
ديكس غارقا في الضحك :" كنت  انت في ربع حجمه.. و صوتك الرفيع ... يا ه ..كم  كان منظرك مضحكا.... اذهب يا بدين لتضايق شخصا في حجمك!!"
كان يقلد صوتها الرفيع ويتمايع  و يضحك..
رقية ضاحكة:" لم اكن اتحدث هكذا"
ثم استطردت بعد ضحكة اخري:" اتعرف يا ديكس .. كان مزاجي حقا سيئا .. وجئت انت لتضحكني.. اتعرف؟ لربما كان من الصواب ان تأتي.. اشكرك عزيزي انك حضرت من اجلي..بالفعل كنت بحاجة لصديق"
ثم امسكت يديه في يدها بامتنان شديد
هنا اقتحم عمر الباب خارجا  ليجد يدي ديكس بين يدي رقية..
ويبدوا ان نظرته ليديهما كانت قوية لدرجة ان ديكس ابعد يده سريعا..
عمر:" انت محظوظ يا ديكس.. رقية في العادة ليس لديها القدرة علي الشكر و ابداء الامتنان"
رقية:" انت تسمعنا اذن؟"
عمر:" بالطبع اسمعكما.. انظري لحجم الغرفة و الحمام معا .. المساحة تسمح بان نسمع الافكار في رؤس بعضنا البعض"
ديكس:" لم نكن نقول اسرار علي ايه حال.. كنت اعيد الذكريات لرقية علي انجح في تغير مزاجها"
عمر :"اري انك نجحت.. فصوت ضحكها اخترق اذني في الحمام"
كان عمر يقف مرتديا سرواله فقط ممسكا بحقيبته .. كان يجمع بها بعض متعلقاته وهو يقول:" هيا يا رقية .. علينا الرحيل الان"
ديكس هامسا في اذن رقية وهو يتفقد عمر:" هل حاول التودد اليك بشكل او باخر؟"
حركت رقية رأسها نفيا و هي تتابع عمر بدورها يدور في الحجرة الضيقة يجمع اغراضه.. ثم قالت :" حسنا يا عمر سأودع ديكس الان.. هيا يا ديكس لنتحدث في الخارج"
وبالفعل سحبت ديكس الي خارج الحجرة من ذراعه.. بينما استرق عمر السمع من الداخل
رقية:" ماذا بك يا ديكس.. الم تسمع؟!! الغرفة ضيقة وبامكانه سماع اي كلمة تقال بالداخل!!"
ديكس بخبث:"بجسد كهذا لا اعتقد انه يحتاج لان يتودد اليك.. يكفي ان يخلع قميصه.. فتأتي الفتايات كالمُصيرات"
رقية:" ديكس اخرس! كان الاوغاد معهم حق انت الان تتصرف كمخنث!"
ديكس:" لا فقط اتعجب من انك لم تقعي في حبه بعد؟ انه يتهم بك كثيرا و ايضا  يخاف عليكي كثيرا..  هل رايت كيف كاد يحرق يدي في يديك بنظره.. انها الغيرة.. انا رجل مشهور و لدي معجبات كثيرة و اعرف جيدا الغيرة في عين رجل اخر.."
رقية:" لا انه مصري.. هذا يفسر لك الامر.. لديه تلك المعتقدات عن ان النساء خاصته هم ملك خاص به"
ديكس مستنكرا:" و هل انت تخصينه؟ هل هو حبيبك؟ زوجك؟ ابيك؟ لا؟.. اذن لم قد يعتقد ذلك؟؟؟؟!  انه يهتم بك يا رقية! هذا هو السبب ببساطة!"
رقية:" اصمت يا ديكس انت لا تعرف شيئا"
ديكس:" بل انت اصمتي.. اراهنك علي مليون جنيه ان الفتي يحبك! اخبريني لم يورط نفسه في كل متاعبك وقصة  هروبك ؟ ناهيك عن انه لا يعرف اي تفاصيل عن الامر.."
رقية و هي تكاد تبكي:" اصمت يا ديكس ..قلت لك انت لا تعرف شيئا"
ديكس:" اعرف جيدا انك لديك ما يكفي من هموم ولا تريدين ان تثقلي علي نفسك يالدخول في علاقة عاطفية.. ولكني فقط اريد  ان اوضح لك امرا.."
نظرت اليه رقية في انتظار الشرح..
ديكس:" لن تجدي شخصا اخر مثله.. ان ضاع منك الان وسط ما انت فيه من مشاغل .. ستخسرين كثيرا!  هذا الشاب بالداخل قد دافع عنك لينقذك من اولاءك الحيوانات اصحاب كاثي  بينما وقف كل من تعرفينه متفرجا..  لن تجدي شخصا بتلك الاخلاق.. كان ولمدة يومان و سط العديد من الفاتنات و لكنه لم يقرب احداهن.. برغم ان واحدا بوسامته وهيئته بامكانه الحصول علي ما يريد.. ولكنه اكتفي بأن يكون بصحبتك انت ..ماذا تسمين ذلك؟ "
رقية"لعل له مصلحة ما...هكذا صرت ادرك.. هناك دوما  هدف خلف اي تصرف من اي شخص"
ديكس:"ليس كل الناس روبي يا رووك! شخصية روب كانت واضحة من البداية وكما قلت انت لا يمكن التوقع منه افضل من مما فعل..ليس كل الناس مثله !!  اهذا يعني اني ايضا اتصرف معك بحب لاني ورائي هدفا ما؟؟"
صمتت رقية فاكمل :" ثم اي مصلحة قد يريدها عمر منك؟؟ نقود؟؟اميلي اخبرتني انك سرقت و هو من ينفق عليك؟؟  هل يريد منك مثلا علاقة حميمة؟؟ لقد اخبرتيني للتو انه برغم انكما معا بمفردكما منذ امس ..هو لم ياول حتي التودد اليكي! ماذا تسمين ذلك ؟"
رقية:" ربما لست نوعه المفضل!"
ديكس:" لا اعرف اي نوع يفضل.. ولكنك لست من النوع الذي يفضل هو ان يلسمه شخصااخر!  لقد رأيتها في عينيه"
لم ترد رقية فقال:" الامر و اضح يا رقية.. هو يحترم الموقف الذي انتما فيه... و لا يستغله.. انا اثق انك لو كنت حبيبته وانتم في هذا الفندق في اجازة.. لما اضاع ثانية و انت بعيدة عن احضانه.. ولكن الظروف تحتم عليه ان يكون رجلا ! هل فهمت؟!  انه (جنتل مان!)"
كاد عمر ان يخترق الباب هذه المرة و لكن ليخرج و يقبل ديكس .. لو كان ابيه لما  أنصفه هكذا!!   وكأنه يشعر بالنار التي تتوهج بداخله .. يا حبيبي يا ديكس .. قالها في سره ضاحكا ..
وضعت رقية يدها علي جبهتها في حيرة ثم قالت:" توقف يا ديكس.. توقف!  ما بيني و بين عمر ايا كان سينهي بمجرد ان استقر في مكان ما.. كما انك لا تعرف كل شيئ لذلك لست في محل ان تحكم"
ديكس بهدوء:" عزيزتي.. انا لست احكم علي شيء.. انه امرا لا يخصني حتي احكم عليه.. ولكني اري ان امام صديقة لي فرصة رائعة للسعادة لا احب ان اراها تضيعها. البقية تعود لك.. احببت فقط ان اوضح لك ان عمر هو شخصا رائعا لا يجب عيلك اضاعته!"
رقية:" اشكرك يا ديكس علي الاهتمام.. انت حقا صديق مخلص.. احبك جدا و سأعلمك مكاني حين استقر.."
ثم فتحت ذراعيها و ضمته اليها و هي تقول :" وداعا"
وهنا فتح عمر و الباب و قال :" هلا ذهبنا"
ابعد ديكس رقية عنه برفق فور ان رأي عمر و قال له:" كانت سأمشي للتو.. و داعا يا عمر.. اعتني برقية جيدا.. اعرف انك لا تحتاج لتوصية"
ابتسم له عمر علي عكس ما توقع ديكس و قال:" وداعا ديكس.. شكرا علي كل شيء"
حرك ديكس رأسه مستنكرا:" بل شكرا لك لانك تهتم بعزيزتي رووك"
وجد عمر يقترب منه فتوجس هم بالتراجع الا ان عمر عانقه عناق رجولي و ربت علي ظهره في حماس، مما اثار اندهاش رقية و ديكس.. فعلاقتهما لا تسمح بالعناق .. كما ان التغير في المعاملة التي كانت مقتضبة الي ابتسامة و عناق هو امرا غريبا.. فسره ديكس ان عمر ربما استمع لحديثه عنه.. بينما فسرته رقية ان ربما عمر ينافق ديكس لانه يدبر امرا اما..
بعد ان رحل ديكس قالت رقية:" انه افضل من عرفت علي مدار حياتي.. "
عمر:" انا اسف اني صحت بك امس لانك اخبرته عن مكاننا"
رقية:" وما الذي غير رأيك؟"
عمر:" اري الفارق الذي احدثه مجيئه في مزاجك.. "
رقية:"ومزاجي يهمك؟"
عمر:" مؤكد ! فانا من يقبع امام ذلك الوجه العابس"
ووضع سبابته علي انفها كنوع من المزاح.. الا انها تراجعت فجأة وحالت دون ان يلمسها..
عقد حاجبيه متعجبا.. لطالما فعل ذلك معها دون ان تعترض..
قالت بحدة:"عليك  التعود ان تبقي يديك جانبك!"
عمر وقد اخرجه قولها عن هدؤه:" من امتي؟؟؟"
رقية:" من دلوقتي!"
عمر:" انتي جاية تتشطري عليا انا!! وتقوليلي ايديك جنبك كاني بحاول اقل ادبي معاكي.. انا؟؟؟ ده  انا الوحيد اصلا الي مبجيش جنبك!! بتعملي عليا انا حريصة وتشككي في نيتي!!"
رقية:" قصدك ايه ببتعملي دي؟ اصدقك اني بمثل ؟؟"
عمر:" افتكري انتي كويس.. وانت تعرفي بتمثلي و لا لأ!"
رقية بحدة :" نعم؟! افتكر ايه بقي؟!! ماسك عليا ايه عشان افتكره؟؟!!"
عمر:" مش هنزل بمستوي الكلام.. بس عايزك تفتكري انتي كنتي بتعملي ايه و انا كان رد فعلي ايه؟  ولا اديكي تلميح.. بامارة الشورت"
جزت رقية علي اسنانها و ضمت شفتيها في غيظ ..و صمتت لبرهة تنفث في غيظ ثم قالت :" انت لسة مصر اني كنت بحاول اغريك .. انت مخك المتخلف الوسخ ده مش هينضف ابدا.. "
شعر عمر بالرضا بعد ان اثار غيظها لهذه الدرجة..فهدأ و عاد لبروده المستفز اقترب منها  فتراجعت فامسك بكفه الكبير وجهها الصغير من عند الذقن ..لم تتمكن من الافلات  برغم معافرتها التي كأنها لم تكن ..قال ببرود في اذنها :" بقولك ايه..  من دلوقتي برضه.. اتعلمي تكلمي عدل! انا مش روب!  لو لسانك طول تاني هعلمك الادب اللي ابوكي معرفش يعلمهولك!"
حسنا.. هنا اصاب رقية رعبا رهيبا.. شعروها بالعجز التام عن ردعه اخافها كثيرا.. دوما كانت قادرة و لو بقوة شخصيتها وجرأتها  علي ردع الناس.. لكن هي هنا لا حول و لا قوة لها.. في هذا الموقف القوة البدنية هي اتفه من ان نتطرق لها .. اما قوة شخصيتها فقد انمحت تماما ..
قال عمر:" كلامي و اضح؟!"
لم ترد
عمر:" ردي!"
اومأت برأسها في توجس..
تركها عمر وهو يقول:" كده نبقي متفقين.. انا اديا تفضل جنبي و انت لسانك يفضل في بؤك"
جرت مبتعدة و هو يكمل:" لمي حاجتك بسرعة عشان نمشي.. هستناكي برة عشان تاخدي راحتك"
اخذ حقيبته و جلس علي اريكة و ثيرة في الممر قرب باب الحجرة

كانت رقية تقف معطلة تحاول تفسير ذلك الاحساس العجيب جدا.. هل حقا صحيح ما تشعر به الان؟؟؟
الشعور الطبيعي هو ان تغضب من عمر .. تخشي عمر.. او حتي تكرهه..بعد ما فعل بها للتو... ولو اضفنا لذلك الخلفية السابقة وما اكتشفته عنه.. لكان من الطبيعي ان يكون مشاعرها نحوه سلبية وسيئة..
ولكن المحير.. ان لوهلة شعرت انه يعجبها.. يعجبها جدا.. حين قال لها انه سيعلمها مالم يعلمها ابيها.. كان رائعا! و حين فكرت في حديثه انه بالفعل لم يحاول حتي يتجاوب لثانية مع محاولتها لجذب انتباهه سواء بالشورت اياه في تلك الحادثة التي يحب ذكرها .. او عموما بجمالها.. انه كما قال ديكسي (جنتل مان)..
نفضت رأسها في عنف و تمتمت:" افيقي يا رقية.. لقد كذب عليكي! "
شردت توبخ نفسها قائلة .. لقد استخدم معك العنف للتو! كيف تثقين به؟!!  ان فعلها مرة بامكانه ان يفعلها اكثر من مرة.. تذكرت وجهه القريب جدا و هو يحدثها في اذنها و يهددها.. و جدت نفسها تبتسم .. تلك الرهبة التي سرت في جسدها اثر تهديده.. انه احساس رائع! لم تخش اي انسان في حياتها .. حتي ابيها.. لم تشعر تجاه صياحه فيها و تهديدها سوي بالغضب و الضيق .. ولكن مع عمر الامر مختلف  .. جعلها تخشاه و تحرمه .. و..
نفضت رأسها ثانية وتمتمت:" افيقي يا حمقاء.. لا اصدقك!!!"
جمعت اشيائها و غيرت ملابسها  و اطالت النظر في المراة قبل ان تخرج اليه..
كيف بامكانها ان تزيد من حلاوتها كل دقيقة.. هكذا  قال عمر في رأسه و هو ينظر اليها تقف علي الباب و تنظر اليه نظرة بدت له انها غاضبة.. و لكنه يعرف اكثر.. هي تتصنع الغضب.. تلك الشفاة المضمومة مثل فم الطفل اللذيذ..  لم يعد يعلم ان كان فمها الغاضب احلي ام غمازاتها الضاحكة احلي.. كانت تجتاحه بجمالها في كل الاحوال..
ابتسم ابتسامة اعجاب حاول جعلها مقتضبة ثم نهض و سأل:" الن ترتدي السترة؟"
رقية ببرود:" لا.. و لا اريد تعليقا علي ملابسي ثانية!"
عمر:" كما ترغبين .. انه حقك ان ترتدي ما تفضلين .. ولكن من حقي ايضا ان اخذ خلفي علي الدراجة من افضل... لن تركبي خلفي دون السترة!"
رقية حانقة :" وماذا لا يعجبك (بالتوب)؟!"
عمر ببرود و هو يستدير ويسير متوجها للمصعد:" طلبتي مني الا اعلق علي ملابسك.. و الان  تسأليني عن رأيي؟؟!! ربنا يشفيكي"
كان ترتدي (توب) رقيق فعلا  يسر الناظرين .. و لكن مشكلته  في نظر عمر انه مثل فستان الحفل.. عاري الاكتاف و الرقبة تماما..
دخلت خلفه المصعد و هي تقول:" عمر الجو في الظهيرة حار.. و السترة ثقيلة .. لن اتحمل ارتدائها و..."
عمر مقاطعا في برود:" رأسي! كفي عن حديث الفتيات انا لست صديقتك!  كان يجب ان تفكري في الامر قبل ارتداء ه.. لن اغير كلامي .. لن تركبي خلفي دون السترة!"
رقية بتحدي:" عليك تركي هنا اذن!"
كان المصعد و صل فخرج عمر و هو يقول :" حسنا"
و فذهب لانهاء اجراءات اخلاء الغرفة..
دفع النقود.. انهي الاجراءات .. ثم ذهب اليها حيث كانت تقف في انتظاره..
قال الموظف بصوت عالي :" صحبتكم السلامة سيد خالد و انسة سارة"
حياه عمر برأسه شاكرا.. بينما اندهشت رقية و تساائلت :" خالد و سارة؟!! من؟!!!"
جذبها و هو يقول ضاغطا علي اسنانه :" لمذا تكونين احيانا بهذا الكم من الغباء!"
سحبها الي خارج الفندق ووقفا بجانب الدراجة و هي تقول:" كف عن سحبي من ذراعي و اخبرني فورا.. ما قصة خالد و سارة؟!"
عمر:" اسماء مزيفة يا نبيهة حتي لا يتتبعنا احد"
رقية:" افهم  ان تغير  اسمي لسارة لاني انا من يطاردوني.. و لكن لم غيرت اسمك انت؟"
استطردت منفعلة  قبل ان يرد:" ثم كيف غيرت اسمك وقد اطلعوا علي جواز سفرك؟؟ هل اسمك في الجوزا خالد؟؟  من يكون عمر اذن؟! احتاج ان افهم الان!  من الذي ارافقة علي الدراجة؟! اخبرني الان!"
عمر:" لست غبية علي الاطلاق"