بعد ان اتصلت ملك باحد السائقين ليأتي و يتصرف بسيارتها ذات الاطارات النائمة ، اوصلتها سارة لبيتها، عادت لتمضي بعض الوقت مع امها فهي لم تراها سوي مرة في الصباح..
دخلت من الباب لتجد عصام (بتاع امبارح) خارجا و امها واقفة تودعه، تهللت اساريره عند رؤية ملك و حياها في حرارة ثم ذهب ..
نظرت ملك لامها نظرة كلها تساؤل.. فقالت امها :" عايزة تقولي ايه؟"
ملك:" انتي اللي مش عايزة تقوليلي حاجة؟"
صافي بابتسامة واسعة:" عايزة!" وجذبت ملك من يدها و اجلستها علي احدي ارائك الصالون العظيم
ملك:" ده واضح ان الموضوع محتاج قاعدة"
ضحكت الام في سعادة لم تعهدها ملك من قبل فابتسمت لرؤية امها سعيدة..
صافي:" احكيلك من الاول و لا اجيب من الاخر"
ملك:" انتي تعرفي عني يا مامي اني بتاعت نجيب من الاخر؟!"
صافي :" عارفة عصام اللي شوفتيه ده؟ ده كان حبي الاول .. والاخير"
قالتها في تردد وهي تتابع ملامح ابنتها لتري رد فعل كلمة كهذه عليها..
ملك في تعجب واستنكار:" الاخير؟ وبابا؟؟؟؟!"
صافي:" بابكي يا ملك انا بكنله كل الاحترام، بس انتي كبيرة دلوقتي و ممكن تتفهمي ان قلب الانسان مش بإيده"
ملك في انفعال وعدم تصديق:" قلب ايه؟ ايه الكلام الغريب ده يا مامي؟؟؟؟ انت بتتكلمي كأنك بنت مراهقة!"
دمعت عينا صافي وهي تقول:" انا متوقعتش منك رد الفعل ده يا ملك!"
وكأن دموعها نزلت نارا حارقة علي ابنتها، فاقتربت منها واحتضنتها وقالت دامعة هي الاخري:"اسفة! اسفة يا مامي، طب بس فهميني.. وانا مش هكلم تاني.."
صافي:" عصام كان جارنا في عمارة جدك، وكنا بنلعب مع بعض واحنا اطفال وكبرنا واحنا بنحب بعض، ولما عصام دخل الجامعة في القاهرة وانا كنت لسة في ثاناوي ، اتقدملي هو و اهله عشان يسافر وهو مطمن..جدك رفض عشان همة مش من مستوانا، احنا ملاك البيت و همة مستاجرين فيه، ابوه كان دكتور في الجامعة بمرتب عادي ، مايساويش حاجة قدام ثروة جدك.."
ملك:" ايه الفيلم العربي الهابط ده!"
صافي:" والله ده اللي حصل فعلا، بس انا مسكتش.. حاربت عشانه في البيت و اضربت و اتحبست لدرجة اني مثلت عليهم فيلم انتحاري.. لكن جدك كان دماغة اقوي من الجحر.. راح مجوزني لابوكي.. وطبعا زي مانت عارفة عن عيلة باباكي.. كلهم عاطلين بالوراثة من كتر الفلوس.. بس بابكي هو اللي كان بيدير كل املاكهم، كان شاب مجتهد واخلاقه كويسة.. ووافق اني اكمل دراستي في الجامعة في بيته"
ملك:" محاولتيش تعترضي؟؟!"
صافي:" علي موصلت لمرحلة الجواز كان جدك قتل فيا كل القدرة علي المحاربة"
ملك:" طب وهو ايه الي فكره يظهر دلوقتي.. بابا مات من زمان"
صافي:" لما عرفوا اهله اني هتجوز سابوا البيت و راحوا يعيشوا في مصر جنب كلية ابنهم و لما اتجوزت، ابوه قاله اجوزك احسن منها بكرة.. عشان ميتقهرش.. عصام نفسه كان فاكر اني استسلمت لابويا بسهولة فاتجوز وهو في الجامعة في القاهرة بالعند فيا.. ونشر صورة فرحه في المجلات عشان اشوفها.. انا مزعلتش منه وقتها لاني كنت عارفة انه ميعرفش اللي حصلي في البيت.. ولا عرف ان بعدها بخمس سنين ابوكي مات في حادثة.. ولكن قبل عيد ميلادك بيوم قابلته بالصدفة وانا بوصي علي التورتة بتاعتك عند الحلواني.. "
ملك:" وعرفتوا بعض؟!!"
سرحت صافي في هيام والابتسامة لم تفارق شفتيها:" انا عرفته من ضهره! ولما ادور و عينه جت في عنيا ، الفلوس اللي كانت في ايدي ، وقعت من في الارض هي و الشنطة و مفاتيح العربية.. "
ضحكت ملك بشدة..
اكملت صافي:" لقيته جه لحد عندي ووطي جابلي الحاجة و من غير ما يكلم مسك ايدي وخدني بره، سبت التورتة و سبت عربيتي و سبت كل حاجة و لقيت نفسي رايحة معاه.. قعدنا في كافتريا علي البحر.."
ملك:" مامي مش مصدقاكي!! ده ولا العيال في ثانوي بجد! كافتريا!!! طب كنتوا خلوها مطعم محترم"
صافي:" انا كنت داريانة بحاجة.. هتسمعي من غير استظراف ولا لأ؟؟"
اومأت ملك برأسها.. كانت تتصنع المرح حتي لا تضايق امها التي تبدوا في قمة سعادتها ولكنها كانت داخليا مذعورة.. كم خشت من نهاية تلك القصة.. عزاءها الوحيد ان الرجل متزوج، لعل لقائهم هو مجرد حنين لايام حلوة مضت..
عادت امها لتقول:" من غير ما يسألني حكيتله عن العذاب اللي شوفته لما حاولت اعترض علي ابويا، واني عمري ما نسيته.. حكيتله اني ارملة من خمستاشر سنة.. وحكيتله عنك وقعدت اتكلم معاه كتير اوي.."
ملك:" طب هو.. هو حكالك ايه عن نفسه؟"
صافي:" ماانا هحكياك اهه.. هو اتجوز واحدة و خلف منها وبعدين طلبت الطلاق و سابته هو والبيبي و طفشت.. وبعدها عرف انها كانت مريضة نفسيا وبتتعالج، قبل ما تتجوز و اهلها كانوا مخبيين عشان يجوزوها.. عشان كده هما قبلوا بيه و هو لسة طالب.. "
اذن الرجل مطلق.. ربنا يستر
ملك محاولة ان تبدو مرحة:" ايه الناس الواطية دي!"
صافي:" هو كان بيجي اسكندرية قليل قوي، يشوف اخته اللي عايشة هنا، عارفة.. بقي دكتور في الجامعة ذي باباه.. و بيدرس كمان في فرع الجامعة بتاعتك في القاهرة"
ياخفي الالطاف نجنا مما نخاف!
صافي:" انتي عارفة ان الجامعة بتاعتك طبعا ليها فرع في القاهرة؟؟"
ملك:" اه"
صافي:" هو دلوقتي عنده بيت كبير في مصر.. انا قلتلك ان مراته طفشت من زمان؟"
ملك:" مامي! هاتي من الاخر.."
صافي :" دلوقتي عايزة من الاخر؟؟ "
ترددت بشدة ثم قالت:" هو طلب ايدي "
انتفض قلب ملك.. كل مخاوفها تجسدت امامها.. تركت امها وصعدت السلم في سرعة بلا اي كلمة..
صاحت امها من مكانها في لهفة :" لو مش موافقة انا مش هوافق.. انتي اهم حاجة عندي في الدنيا يا ملك"
لم ترد ملك بل دخلت حجرتها و الارتمت علي سريرها محدقة في الهواء ذهولا..
كيف لا توافق وهي تري السعادة تطل من عيني امها، كيف تكون انانية و تحرمها من الرجل الذي تقول عنه انه حبها الاول و الاخير، كيف تقول لها لا تتركيني و تمنعها من الذهاب مع الرجل الذي بقت علي حبه اكثر من عشرون عاما.. لن تعترض كما فعل جدها وتحرم امها من حلمها الذي دام اعوام وراء اعوام.. ستخبرها انها توافق وانها سعيدة من اجلها، ولكن ليس الليلة! هذه الليلة ستمضيها في البكاء و النحيب والحزن.. وليكن غدا يوم اخر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق