امضت بالفعل ملك الليلة في حزن شديد، صارت تتخيل سناريوهات عديدة لما قد تكون عليه الحياة بعد زواج امها ، هل سيأتي عصام ليسكن معهن، ويصير رجلا غريبا بالمنزل؟؟؟ ام ستذهبان هن اليه؟ ومعني ذلك ان تعيش بالقاهرة؟؟؟ كيف تترك حياتها هنا واصدقائها؟؟ ام ربما تركتها امها هنا وذهبت للعيش معه، ولكن هذا احتمال بعيد ، فهي تعرف تمام المعرفة ان امها لا تستيطع ان تعيش بدونها.. الا ان كل شيء متوقع الان، فمن كان يصدق ان امها التي وهبت حياتها لابنتها و العمل تفكر في رجل و ترغب في الزواج منه..
نامت مرهقة من التفكير، رأت كوابيس مفزعة واستيقظت اكثر من مرة شاعرة انها تختنق..
عندما اتي الصباح لم تذهب للجامعة و لم ترد علي سيل اتصالات صديقاتها، بل توجهت مباشرة الي حجرة امها، لتجدها جالسة في شرفتها الواسعة المطلة علي الحديقة تشرب قهوتها الصباحية، وتدخن سيجارة..بدي عليها التوتر والتفكير وهي تنفث الدخان و تهز قدمها في توتر.. ضايقها ان تراها تدخن.. هي تعرف انها تحاول الاقلاع منذ فترة و قد نجحت بفضل تشجيع ملك في تقليل عدد السجائر التي تدخنها الي نسبة قليلة جدا، وفقط بقي ان تقلع تماما..
ملك:" مامي! انا عايزة اقولك اني موافقة"
صافي وهي تطفيء السيجارة وتنفث اخر نفس:" طب قولي صباح الخير الاول.. مرحتيش جامعتك ليه؟
ملك:" عشان لقيت اننا محتاجين نعد مع بعض نكلم.. انا بقولك اني مش مضايقة من جوازك؟"
صافي:" امال ليه سبتيني وطلعت امبارح ذي المجانين"
ملك:" اتفاجئت يا مامي!.. هو برضه مش خبر عادي، بس لما فكرت طول الليل لقيت اني طبعا موافقة.."
تسارعت انفاس صافي و قالت و علي وجهها ابتسامة عريضة:" بجد يا ملك؟ بجد موافقة؟؟؟ يعني مش مضايقة؟"
هزت ملك راسها نفيا و هي تمنع دمعة من الفرار من عينها، فاقبلت عليها امها واحتضنتها في سعادة وعيناها غارقة في الدموع قالت:" والله يا ملك هتحبي عصام قوي، ده طيب وحنين جدا، كان المفروض هو اللي يكون ابوكي، بس هتتعوض... انشاء الله هنعوض كل اللي فات"
تركت ملك لدموعها العنان في حضن امها، لم تدري ان كانت حزينة ، ام سعيدة لسعادتها، ام متأثرة من الموقف..
بعد انهاء المشهد المؤثر ، قامت صافي بالاتصال بعصام و حملت له الانباء السعيدة بموافقتها وموافقة ملك ، والذي طار فرحا بدوره اخيرا بعد كل تلك الاعوام حلم العمر سيتحقق و تصبح صافي التي لم ينسها يوما زوجته ليقض ما تبقي من عمره بجانبها يضمها في حضنه..
اتفقا ان ياتي للمنزل ليتحدثا في ترتيبات الزواج و كيفية ترتيب المعيشة بعد ان يتم..
بالفعل في المساء كان عندهم بالفيلا ، لاحظت ملك الابتسامة التي لاتفارق وجهيهما، ونظراتهم المتبادلة.. كانها تشاهد فيلم كلاسيكي رومانسي.. خلاصة تلك الجلسة ان عصام عرض علي صافي وملك ان يأتيا للعيش معه بالقاهرة، فهو يسكن في منزل يتسع لاربعتهم.. اربعتهم؟؟!! هل اخطأ في العد؟؟ تذكرت ملك ان امها اخبرتها انه انجب من زوجته قبل ان (تطفش)، اذن فصار لديها اخ او اخت .. (كانت ناقصة اصلها!)
ملك:" هو يا انكل انت عندك بنت ولا ولد؟"
عصام:" هي ماما مقالتلكيش؟؟ انا يا ستي عندي ولد في سنة رابعة في الجامعة.. تقريبا قدك، وبيدرس في نفس جامعتك بس في فرع القاهرة.. وانا كمان بدي محاضرات هناك.."
صافي:" مجاش معاك ليه يا عصام، كنا عايزين نتعرف عليه؟؟"
عصام:"كان نفسه يجي، هو كان موجود لحد امبارح بعد الظهر بس رجع القاهرة عشان عنده حجات مهمة في الكلية "
ملك:" طب و دراستي يا انكل، ذي مانت قلت انا في رابعة يعني هي كلها سنة"
قالتها وكانت تحلم بان تغير جملتها مخططهم و يؤجلا مشروع الزواج بناء علي ماقالت، ولكن رد امها كان عكس ما تمنت..
صافي:" عشان هي يكلها سنة يا حبيبتي مش هيجري حاجة لما تنقلي لفرع القاهرة"
لم يعجب ملك كل ما يقال.. مسألة ابنه ، ونقلها من الجامعة.. بيدوا انها مقبلة علي عيشة سوداء، ولكن وجه امها السعيد جعلها تصمت ولا تفتح فهما، كلها سنة فعلا.. من يعلم ماذا سيصير بعدها، فلتتحمل تلك السنة من اجل امها، فامها قد تحملت من اجلها بدل السنة عشرين.. حسبتها في راسها لتجد انها ستضحي بسنة عمرها من اجلها، افضل من تضحي بمستقبلها الوظيفي بعد التخرج.. فهي بناء علي دراستها للعلوم السياسية ، وطبيعة الوظائف في هذا المجال التي تفرض الكثير من السفر و الرحلات، كانت دائما قلقة و تساورها الشكوك ان كانت تسطيع القيام بذلك وترك امها حيدة، ولكن بعد زواج امها الان ستتركها وقتها وهي مطمئنة..
لذا تم الاتفاق علي ان تذهب ملك وصافي للاقامة معه بالقاهرة ، بالاضافة الي نقل اوراق ملك لفرع جامعتها الخاصة هناك، علي ان تظل الفيلا دائما مفتوحة، وتكون بيتهم الثاني بالاسكندرية، ومن حق ملك الذهاب الي هناك في اي وقت لرؤية الاصدقاء، وبالنسبة لصافي ستستمر في مباشرة الاعمال و الاملاك من القاهرة بلا اي مشكلة... بقي تحديد موعد عقد القران، اتفقا ان يكون بعد اسبوعين من الليلة بحيث تكون كل الترتيبات قد تمت..
***
مر الاسبوعين بسرعة صاروخية، كانت صافي في الصباح ترتب كل شيء بحماس و سعادة، وتمضي الليل تتحدث في التليفون مع عصام، علي عكس ملك التي بدت وكأن اثقال تثبتها مكانها، تفعل كل شيء بكسل و ثقل علي غير عاداتها، وتمضي الليل في البكاء و الكوابيس.
عندما اخبرت صديقاتها اقمن لها حفل وداع اسطوري لم تشهد مثله الجامعة من قبل.. اجدع من وداع شعب الارجنتين لـ(إفيتا بيرون) ، نقصه فقط ان تغني ملك (لا تبك من اجلي يا ارجنتينا).. سترحل مليكتهم ، ولكنها وعدت رعيتها ان تعود لزيارتهم في اقرب وقت.
***
كان عصام ينتظرهم اسفل بناية في حي راق بالقاهرة، و ما ان اوقف السائق السيارة حتي نزل مسرعا لينزل الحقائب من سيارتهم و من السيارة الاضافية التي وقفت ورائهم و نزل منها سائقها بدوره لينزل الحقائب.. اجل! كما فهمتم .. لقد جائتا بسيارة ثانية بسائقها؛ فقط للحقائب!.. ايش فهمكم انتو بحقائب علية القوم؟!!
نزلت صافي والابتسامة الواسعة علي وجهها و بعدها ملك، استقبلهم عصام بترحاب شديد وصعد معهم في المصعد الي بيتهم الجديد (بعتبار ما سيكون الليلة)، بالفعل الشقة كما قال كانت مساحتها كبيرة مفروشة فرش ينم عن ذوق عالي، غير السفرة و الصالون وصالة متوسطة المساحة ،الشقة بها ثلاث حجرات، مفهوم طبعا انهم حجرة لصافي و عصام و حجرة لملك و حجرة لابن عصام..
دار معهم عصام بالشقة يريهم اياها بالتفصيل و يسأل بين كل كلمة و اخري ان كانت تعجبهم، بالطبع اجابات صافي كانت كلها بمنتهي الايجاب والانبهار.. اما ملك فقد عصرت علي نفسها سبعة وتسعين لمونة لكي تؤكد ان البيت يعجبها.. و كيف يعجبها و قد كانت تسكن في فيلا عملاقة؟؟.. نظرت الي السقف الواطي فاحست بالاختناق.. نظرت لامها لتري الانبهار علي ملامحها.. كيف؟؟ كيف تنبهر بهذا البيت الضيق الخنيق؟؟
ما لم تعرفه ملك هو ان انبهار امها كان بالفكرة نفسها، هي منبهرة ان اليوم اتي..اليوم الذي تتفرج فيه علي الشقة التي ستسكن فيها مع حبيبها الذي طال غيابه.. لقد اتي هذا اليوم متأخرا عشرون عاما.. ولكنه قد اتي.. في النهاية اتي..
بعد جلسوا اخيرا، سألت صافي عن ابن عصام
عصام:" من الصبح في الشارع بيعمل مشاوير، انا مجنده انهاردة عشان ترتيبات كتب الكتاب"
صافي:"هيام هتحضر؟؟"
عصام:" طبعا هتحضر هي و جوزها وولادها الاتنين،زمانهم بيجهزوا عشان يجوا من اسكندرية ، انا وهيام دلوقتي مبقالناش غير بعض بعد ابويا و امي الله يرحمهم"
ثم التفت لملك وقال:" علي فكرة يا ملك بنت هيام اختي معاكي في الجامعة، انا بصراحة مش متأكد هي في رابعة ولا في تالتة .. بي اكيد تعرفيها.. اسمها جايلان صادق؟"
يا محاسن الصدف! ده ايه الحظ ده.. ميطلعش غير خال جايلان اللي لسة متخانقة معاها من اسبوعين هي و ابن خالها الي كان معاها، ده كمان بهدلته هو عربيته و.. لحظة! عصام خال جايلان ، ادهم ابن خال جايلان، عصام له ابن ... ليكون...
ملك بسرعة:" ابنك يا انكل اسمه ادهم؟"
تعجب عصام وصافي من السؤال المباغت ..
عصام:" ايوة ادهم.. هو انا ملقلتلكيش علي اسمه قبل كده؟.. انتي تعرفيه من جايلان ولا ايه؟"
كادت ملك ان تسقط مغشيا عليها، مش كفاية كل البلاوي اللي اتحدفت علي دماغها، كمان الصدفة تُحْبُك ان ادهم اللي بينها وبينه ماصنع الحداد يطلع ابن جوز امها ! ايه الفيلم الهندي اللي دخلت فيه ده!!
تماسكت وقالت وهي تبتلع ريقها:" اه.. فعلا جايلان عرفته عليا.. في عيد ميلادي"
عصام في اندهاش و سعادة:" معقولة؟! هو حضر عيد ميلادك وانا كمان حضرته و مشفناش بعض!! تصدقي دي يا صافي!" واطلق الاثنان ضحكات عالية..
ملك و هي سارحة فيما فعلته به هو جايلان:" ماهو مقعدش كتير.."
كيف سيكون رد فعله عندما يأتي بعد قليل و يراها؟؟ وكذلك جايلان؟؟ موقفها سيصير سخيفا، خصوصا ان حكيا لاحد عن ما فعلت بهما ، وحتي ان لم يحكيا اكيد سيتحدان عليها، هم اقارب في بعض ضدها.. ولكن حقا كل ما خشيت منه فعلا ان يفعل ادهم تصرفا غبيا، فهو ان تشاجر معها او اهانها لن تسكت امها علي ذلك و ستنقلب الدنيا و( تبوظ الجوازة)، برغم ان هذا هو كل ما تتمني، الا انها لن تقبل ابدا ان تترك امها عصام مرة ثانية و تكون هي السبب..
فلتحاول اذن ان تفعل شيئا ما في هذه القصة..
قالت ملك:" طب هو فين دلوقت يا اونكل؟ انا ممكن اروحله اساعده"
صافي:" تروحي فين ؟؟ انت متسيبنيش خالص انهاردة.. امك عروسة يا ملك"
برغم المرح التي قالت به امها تلك العبارة الا ان ملك احست بمرارتها تكاد تنفجر..
استأذنت وتركتهم ودخلت للحجرة التي ستصير لها من الان، نظرت للحقائب المرصوصة.. اين ميكو الان.. لكانت انتهت من افراغم في ربع ساعة .. ميكو لمن لا يعرف هو اسم الخادمة الفلبينية الخاصة بملك، لا تأخذكم الفرحة وتشمتوا بها، ميكو قادمة لتعيش معهم، لقد جهزوا لها مكانا في المطبخ الواسع.. طبعا فملك لا تستطيع العيش بدونها ، ولكن ستاتي المساء بالقطار .. فهي لم يكن لها مكان وسط الحقائب.
جلس علي السرير في احباط في مواجهة الحقائب، تفكر فيما سيحدث.. حتي ان مر لقائها الاول بأدهم علي خير، كيف ستكون الحياة و بينهم ما بينهم، هي رسميا تكرهه ! لقد اهانها علي الملاء امام كل اصدقائها و زملائها في الجامعة، ثم قام بافراغ كل اطارات سيارتها انه انسان همجي! "فلتتحملي كل الصعاب يا ملك انت قدها وقدود.. كلها سنة.. عشان خاطر مامي" هكذا صبرت نفسها (ياحرام) علي ما ستلاقيه من عيشة صعبة..
***
عندما جلس عصام و صافي بمفردهم اقترب عصام وقال هامسا:" انا حجزت ليلتين في اوتييل سبع نجوم.. انا عارف انك مش هتقدري تبعدي عن ملك اكتر من ليلتين فمرضيتش ازود.. مع اني كان نفسي في شهر او شهرين عسل"
تفاجأت صافي قليلا و قالت:" طب وملك هتعد فين؟"
عصام:" في بيتها الجديد..هنا يا صافي"
صافي :" وادهم؟"
ادرك عصام ما ترمي اليه صافي فقال :" مش انتي قلتي ان ميكا دي ولا مايكو جاية بليل؟ يعني مش لوحدهم و بعدين هما لازم بقي ياخدوا علي كده يا صافي دول هيكونوا في مقام الاخوات"
صافي:" برضه يا عصام.. لا يصح الا الصحيح وخصوصا مش من اول ليلة كده"
عصام:" اللي انتي عايزاه هعملهولك.. تحبي الليلتين دول ادهم يبات في اوتيل هو كمان؟"
احرجها زوقه و اخجلتها رقته.. ولكن مصلحة ملك وراحتها النفسية فوق كل شيء.. فاومأت براسها في استحياء لانها تعرف انه طلب سخيف.
***
عاد ادهم الي المنزل منهكا يلهث برغم وجود المصعد، كان يعلم ان زوجة ابيه المستقبلية و ابنتها سيأتون في الصباح، لذا عندما دخل لم يهجم مباشرة علي منطقة الغرف خشي ان تفاجاء احداهما بوجوده، انما ارتمي علي كرسي الانتريه الموجود في الصالة .. ثم ناداي بصوت عال:"باباااا"
لم يرد فكرر النداء مرة اخري..بلا رد
خرجت اليه صافي، ابتسم لها في ترحاب وقال مازحا:" امال فين طنط مامتك؟ نفسي اقابل حب بابا الاول و الاخير " ضحكت صافي بشدة علي محاولته الظريفة لمجاملتها..
وقالت وهي تمد يدها لتسلم عليه:" انت ادهم؟ دمك خفيف زي باباك.. انا صافي، مبسوطة اوي اني اخيرا اتعرفت بيك"
سلم عليها وقال:" انا بسمع عنك طول حياتي، لدرجة اني تخيلتك زي اميرات الكارتون.. اخيرا قابلتك.. بس انتي احلي من اميرات الكارتون بكتير"
انتبهوا لعصام يأتي اليهم من الداخل خارجا من الحمام قائلا وهو يمزح:"انت بتعاكس بقي ولا ايه؟؟ متخلنيش امد ايدي عليك وانت شحط كده..دانا عمري معملتها"
ثم استدار لصافي وقال:" امال ملك فين؟ خليها تيجي تسلم علي ادهم.." واكمل وهو ينظر لادهم :"ماهم طلعوا معرفة "
عقد ادهم حاجبية في عدم فهم وقال:" معرفة ازاي؟"
فقالت صافي بحماس:" تصور يا ادهم.. انت حضرت عيد ميلاد ملك و باباك كان فيه ومقابلتوش بعض"
زاد عدم فهمه فقال بغباء:" ملك مين؟"
صافي:" ملك بنتي.."
ظل ادهم صامت يفكر بمن يقصدون، لم تصل له المعلومة بعد..
عصام:" انت رحت عيد ميلادها من اسبوعين في اسكندرية مع جايلان بنت عمتك.. ايه ناسي بتروح فين؟؟.. خليت ايه للكبار اللي قدنا"
ضربته المعلومة في رأسة لدرجة انها المته.. تلك الفتاة المتعالية الغبية قليلة الرباية هي ابنة هذه السيدة الرقيقة التي ستصير زوجة ابيه؟؟!!.. وهي الان بالداخل في بيته التي ستقيم فيه معه؟؟!!.. تذكر منظر يدها وهي تلطخ سيارته حبيبته بالقهوة و الكريمة.. تذكر نظراتها المتحدية.. ويبدوا ان وجهه رسم تعبيرا ممتعضا دون ان يشعر..
فقال ابيه:" انت مش فاكر.. والا افتكرت حاجة وحشة.. مالك قرفت كده"
صافي:" انا هاندها تيجي تسلم عليك و تفكرك بنفسها"
انداهيها.. وقعت ولا حدش سمي عليها! هكذا قال في رأسه وهو يجز علي اسنانه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق